شبكة النبأ: يكيل كبار المسؤولين
الأمريكيين الآن المدح لشبكة "الجزيرة" الإخبارية التي تملكها قطر
ومقرها في الإمارة وتبث بالعربية والإنجليزية. وقناة "الجزيرة"
الفضائية -- التي لا تنقلها أية شبكات كابل أمريكية وتُبث محلياً في
مدن قليلة فقط -- تعتمد على موقعها الإنجليزي للوصول إلى جمهور أمريكي
آخذ في الازدياد بشكل كبير.
الا ان ديفيد بولوك هو زميل أقدم في معهد واشنطن يلفت خلال تحليل
سياسي نشر مؤخرا الى ازدواجية تلك القناة في طرحها الاعلامي المتذبذب.
فيقول بولوك، إن المشكلة هي أن محتوى الموقع الإنجليزي للجزيرة يختلف،
أحياناً بشكل جذري، عن نظيره العربي. ولتوضيح ذلك، فإنه في الوقت الذي
تكرس فيه "الجزيرة" صورة جديدة لشبكتها كراعية لإصلاح وحرية وسائل
الإعلام نجد أن إحدى أكثر برامجها الشعبية في القناة العربية هو ذلك
الذي يُظهر داعية «الإخوان المسلمين» الأصولي الشيخ يوسف القرضاوي الذي
تقترن ابتسامته السعيدة بهجوم لاذع وبخبث معادي لأمريكا والسامية
وتتخلله عبارات تأييد لفرض الرقابة على الرسائل "المعادية للإسلام".
وهذا لا يعني أن قناة "الجزيرة" باللغة الإنجليزية هي دون مشاكل
خاصة بها أو أن "الجزيرة" بالعربية قاصرة كليةً؛ إن النقطة المهمة هي
أن الرسائل تختلف في كثير من الأحيان.
التحول والتأثير المتزايد
ويشير بولوك، تسعى "الجزيرة" جاهدة لتجاوز الادعاءات التي تقول
بأنها معادية لأمريكا، والتي انتشرت خلال حرب العراق، فضلاً عن
الارتباط المتصوَّر بالإسلام المتطرف بسبب بثها المعتاد لشكاوى أسامة
بن لادن وأيمن الظواهري و «حماس» و «حزب الله» ومتطرفين عنيفين آخرين.
وتقدم الشبكة الآن تقارير انتقادية وإن كانت انتقائية عن الطغاة
وأجهزتهم الأمنية. ونتيجة لذلك فقد تم تفتيش مكاتب "الجزيرة" من
القاهرة إلى صنعاء، بينما تعرض فريق العمل والمراسلين للمضايقات أو
الاحتجاز أو الخطف، أو الأسوأ من ذلك -- ما حدث بمقتل أحد المصورين من
قبل قوات النظام في ليبيا. وفي الوقت نفسه، ارتفع عدد زوار الموقع
الإنجليزي لـ "الجزيرة" على الانترنت بسرعة مذهلة. وفي 23 شباط/فبراير
أصدرت الشبكة بياناً صحفياً أعلنت فيه أنها قد أعطت المديرين
التنفيذيين لشركة البث الإعلامي "كومكاست" أكثر من 13000 رسالة من
أمريكيين يطلبون الحصول على تسجيل الوصول إلى القناة، كما أُرسلت أكثر
من 40000 رسالة ألكترونية أيضاً. ويُقال إن هذه الحملة قد أسفرت عن
قيام محادثات مستمرة مع كل من شركتي "كومكاست" و"تايم وورنر".
ويتابع، في واشنطن أكدت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في
الأسبوع الماضي أن الشبكة "كانت رائدة من حيث أنها تغير بالفعل عقول
الناس..وهي في الحقيقة مؤثرة. وفي الواقع، يرتفع عدد مشاهدي "الجزيرة"
في الولايات المتحدة لأنها تقدم أخباراً حقيقية." وفي 21 نيسان/أبريل،
خلال اجتماع لمانحي الحزب الديمقراطي، نُقل عبر الميكرفون مباشرة كلاماً
للرئيس أوباما وهو يمتدح حاكم قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي
التقى به في وقت سابق من ذلك اليوم، والذي استخدم عوائد الغاز الطبيعي
الضخمة التي تحصل عليها الإمارة لضخ ملايين الدولارات إلى قناة "الجزيرة".
وقد وصفه الرئيس الأمريكي بأنه "شخص مؤثر جداً، فهو محرك وداعم كبير
للديمقراطية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. الإصلاح ثم الإصلاح ثم
الإصلاح -- أنتم ترونه على قناة "الجزيرة". والآن، هو نفسه لا يقوم
بالإصلاح بشكل كبير، وليست هناك تحركات كبيرة باتجاه الديمقراطية في
قطر، لكنكم تعلمون جزءاً من السبب وهو أن دخل الفرد في قطر هو 145000
دولار في العام، إن ذلك سوف يحبط الكثير عن الصراع."
وينوه بولوك، غير أن السمعة الإصلاحية لـ "الجزيرة" لا تصمد أمام
التدقيق العميق، فقد علق رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل
ثاني ذات مرة (في برقية نشرها موقع "ويكيليكس") بقوله أن "قدرة الشبكة
على التأثير على الرأي العام هي مصدر كبير للنفوذ بالنسبة لقطر." وضمناً
أشارت البرقية أيضاً إلى أن الشبكة كانت ترغب في تعديل تغطيتها مقابل
امتيازات سياسية. وفي ضوء ذلك، فإن الهدف الذي اعترفت به "الجزيرة"
علناً وهو التهييج ضد الوضع الراهن إنما يعكس مصالح سياسية نشطة بدلاً
من نزاهة صحفية.
محتوى الموقع الإنجليزي مقارنة بالعربي
ويؤكد ديفيد بولوك على ضرورة التمييز بين "الجزيرة" باللغة
الإنجليزية ونظيرتها العربية في العديد من النواحي. فيقول، بينما يعكس
الموقع الإلكتروني العربي مصالح قطر الإقليمية يتخذ الموقع الإنجليزي
بُعداً دولياً أكبر في تقاريره. وعلاوة على ذلك، تقدم قناة "الجزيرة"
الإنجليزية تغطية إيجابية للعديد من القضايا الغائبة في معظمها عن
الموقع العربي، وتشمل هذه الأجور المنخفضة وظروف العمل السيئة والصراع
الطبقي والجماعات الأقلية النسوية وغيرها من الأقليات في جميع أنحاء
الشرق الأوسط.
ويضيف، على النقيض من ذلك، لدى قناة "الجزيرة" العربية حرية ما في
تغطيتها للتطورات الإقليمية -- بما في ذلك في قطر -- هي أقل بكثير من
تلك التي يتمتع بها الموقع الإنجليزي. ويمكن إيجاد نقداً قليلاً جداً
للدوحة في الموقع العربي؛ ولك أن تأخذ مثالاً على ذلك، التغطية
المعدومة لحرج الحكومة من التعليقات المعادية لإيران والتي كشف عنها
موقع "ويكيليكس". وغالباً ما يُخفف المناخ الإقليمي وصناعة الصفقات
السياسية من الجوانب الأخرى لتغطية قناة "الجزيرة" العربية أيضاً، مما
ينتج عنه تقارير متأخرة أو ناقصة عن بعض الأحداث (كما في حالة مصر
وسوريا) أو الفشل في تغطيتها تماماً (كما في حالة البحرين). وتقع قطر
بين قوتين إقليميتين متنافستين هما السعودية وإيران، غير أن الموقع
العربي لا يقدم تغطية قط عن النزاعات الداخلية في تلك الدول، رغم أن
تقارير من هذا القبيل تُنقل من حين لآخر على الموقع الإنجليزي.
الغياب في حالة البحرين
ويستدرك بولوك ايضا موقف القناة من انتفاضة البحرين اثناء التغطية
العربية لقناة "الجزيرة" على الإنترنت، معلقا، هي مثال صارخ على هيمنة
السياسة على الصحافة. فللسعودية مصلحة قوية في إبقاء النظام الملكي
السني في تلك الجزيرة في السلطة حيث ترى النشاط الشيعي فيها كمخطط
إيراني. وعلاوة على ذلك، فإن قطر مثل البحرين هي عضو في "مجلس التعاون
الخليجي". ونتيجة لذلك لم تقدم قناة "الجزيرة" العربية تغطية عن
المعاملة القاسية التي تعرضت لها المعارضة البحرينية في 8 آذار/مارس
عندما دعا "التحالف من أجل الجمهورية في البحرين" إلى نهاية النظام
الملكي، كما أنها لم تُغط الاحتجاجات التي قامت هناك في 9 و 10 و 13
آذار/مارس وهي الأيام الحرجة التي أدت إلى قرار السعودية إرسال قواتها
إلى البحرين. كما أن عملية النشر التي قامت بها الرياض في 14 آذار/مارس
قد تلقت تغطية صباحية مقتضبة -- بل إنها تنكرت في الحقيقة ببثها النبأ
تحت عنوان "قوات الخليج في البحرين" – وظل الخبر مدفوناً طوال اليوم.
وفضلاً عن ذلك، فإنه عندما نَشرت قطر قواتها في الجزيرة بموجب
التزاماتها نحو "مجلس التعاون الخليجي" لم يكن هناك أي تناول على
الإطلاق لهذا الحدث على قناة "الجزيرة" العربية. وبشكل لا يمكن تصديقه
نجد أنه بينما أظهرت "الجزيرة" الإنجليزية لقطات للقوات السعودية
المتوجهة عبر الجسر الذي يربط بين المملكتين، كان عنوان الخبر في قناة
"الجزيرة" العربية "حكومة البحرين ترفض التدخل الخارجي" – في إشارة إلى
إيران!
ويتابع، في الواقع فبدلاً من تغطية الطبيعة الشعبية للاحتجاجات
الموالية للديمقراطية في البحرين، ساعد الموقع العربي باستمرار على
تطوير تصور عن قيام صراع سعودي - إيراني على الجزيرة من خلال تسليط
الضوء على ارتباطات البحرين بالجمهورية الإسلامية، مما يفترض وجود "مؤامرات
خارجية" داخل الإمارة، ودعم «حزب الله» للمحتجين الشيعة. وفي 21 نيسان/أبريل،
على سبيل المثال، ظهر مؤلف هذا التصور في برنامج استمر ساعة من الزمن،
على محطة "العالم" -- قناة تلفزيونية باللغة العربية متخصصة وموجهة من
إيران وتبث من بيروت -- أعرب فيه الضيوف الآخرون بصورة مفصلة عن أسفهم
عن "الصمت التام" من قبل وسائل الإعلام العربية بشأن الإجراءات القمعية
الجارية في البحرين، ذلك الصمت الذي لم يغب عن إيران.
بداية بطيئة في سوريا ومصر
كما يشير بولوك، مع اندلاع الاحتجاجات في سوريا، فشلت قناة "الجزيرة"
العربية في البداية في تقديم مستوى من التغطية يليق بسمعتها كمعارضة
للأنظمة التقليدية، وربما كان ذلك مراعاة لإيران. وأثناء الاحتجاجات
الأولى كانت تغطيتها التلفزيونية غائبة بشكل لافت، مما أدى إلى ظهور
أشرطة فيديو على "يوتيوب" ردد فيها بعض المتظاهرين "'الجزيرة' وينك؟".
وبالتأكيد، فمع تنامي الضغوط في سوريا حسَّنت القناة الفضائية العربية
وموقعها على الشبكة العنكبوتية من تغطيتها إلى مستوى أفضل بكثير من
تقاريرها حول البحرين. ومع ذلك، لم تصل تلك التغطية قط إلى مستوى
نظيرتها باللغة الإنجليزية التي حمل موقعها تعليقات مشجعة مثل "رياح
التغيير تصل سوريا" و"أضاليل بشار الأسد" و"الثورة القادمة في سوريا؟"
ويستشهد بولوك، قد ذكر ناشط سوري بارز أنه بالرغم من ظهوره بانتظام
على شاشة تلفزيون "الجزيرة" باللغة الإنجليزية إلا أنه وغيره من
المعارضين السوريين البارزين في المنفى لم يظهروا قط على القناة
التلفزيونية العربية. ويبدو أن محتوى الموقع يعكس ما يلي: في الواقع،
وحيث تكشَّف "يوم الغضب" في البلاد في 8 نيسان/أبريل، ذكرت تغطية "الجزيرة"
الإنجليزية بأن "احتجاجات جديدة تندلع في سوريا" مشيرة إلى سقوط عدد من
القتلى في درعا؛ وعلى النقيض من ذلك، كانت الإشارة الوحيدة للموقع
العربي هي اقتراح الأسد الهزيل للأقلية الكردية في البلاد التي عانت
طويلاً من الاضطهاد.
ويرى، حتى عندما اندلعت الثورة المصرية في 25 كانون الثاني/يناير،
بدأت قناة "الجزيرة" العربية بداية بطيئة مما جعلها تفقد الكثير من
أحداث اليوم وتترك الكثير من المصريين غاضبين ومتحيرين. وقد عزا البعض
ذلك التأخر إلى زيارة الرئيس السابق حسني مبارك إلى قطر في أواخر عام
2010، وما يُفترض عن عقد صفقات وراء الكواليس. وقد عزا آخرون أن الشبكة
لم تشأ أن تقلل من تغطية سبقها الصحفي المتعلق بـ "الأوراق الفلسطينية"
التي كشفتها مؤخراً، وهذه تمثل حلقة أخرى في ملحمة طويلة من العداء بين
"الجزيرة" والسلطة الفلسطينية وإسرائيل. وأياً كان الأمر، فإن المصالح
السياسية والترويج الذاتي قد هيمنت على ما يبدو على النشاط الإعلامي في
تلك الأيام الأولى البالغة الأهمية من الاحتجاجات المصرية. وربما
كنتيجة لذلك كان جمهور قناة "الجزيرة" الفضائية في مصر خلال الثورة
أصغر من جمهور قناتي "العربية" أو "الحرة "، وذلك وفقاً لاستطلاع
بالهاتف جرى في القاهرة والإسكندرية في ذلك الوقت وتم نشره لاحقاً من
جانب "مجلس محافظي البث الإذاعي التابع لحكومة الولايات المتحدة".
المبالغة في التغطية لأغراض استراتيجية
ويرى بولوك الى كون موقع "الجزيرة" العربي يميل إلى المبالغة في
تغطية الأحداث في ليبيا واليمن، حيث يقول، أنهما بلدان غير وديان لقطر،
وربما كوسيلة لدفن المزيد من الأخبار الحساسة سياسياً مثل احتجاجات
البحرين. على أن تغطية "الجزيرة" لكل تطور على مدار الدقيقة في ليبيا
واليمن سوف تحدد في الواقع المعيار الصحفي، إذا لم تقترن هذه التغطية
بقلة المعلومات عن التطورات الإقليمية الأخرى. فعلى سبيل المثال، على
النقيض من تغطيتها الضعيفة للاحتجاجات السورية في 8 نيسان/أبريل
المذكورة سابقاً، خرجت قناة "الجزيرة" العربية بخبر بارز عنوانه "
تحذيرات من كارثة في مصراتة" حيث ركزت أربعة مقالات على نظام القذافي
وتم تخصيص ثلاثة أخرى للصراع على السلطة في اليمن.
احترس من الدوران
ويختتم ديفيد بولوك تحليله بدعوة المشاهد الامريكي الى التمعن في
تُوازن قناة "الجزيرة" العربية بين الأخبار الرائدة والمصالح القطرية،
فيقول، بغض النظر عن مدى الإحراج الذي قد يعكسه هذا الأسلوب ينبغي على
الجمهور الأمريكي أن يفهم أن الأخبار ووجهات النظر المنشورة على الموقع
الإنجليزي للقناة غالباً لا تُرى على الموقع العربي، وهو تباين غالباً
ما ينعكس في التغطية التلفزيونية. ولسوء الحظ فإن تشعب "الجزيرة" إلى
قسمين عربي وإنجليزي يساعد على ضمان أن جمهور المتتبعين لكل موقع وقناة
فضائية من لغة معينة لن يحمل قط نفس الرأي الذي يحمله الجمهور الآخر.
وطالما استمرت هذه الممارسة، فينبغي عدم إطراء "الجزيرة" أو وصفها
بأنها إصلاحية أو مُروجة حقيقية للديمقراطية.
نبذة عن معهد واشنطن
الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه
الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية
في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل
توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه
المنطقة الحيوية من العالم.
وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم
المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة
العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم
للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق
باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف
الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف
به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة. |