العراق... بلد بلا جَودة

صباح الطالقاني

 

شبكة النبأ: رغم إصدار المنظمة الدولية للمقاييس (ISO) مواصفات معتمدة في مجالات عمل متعددة منذ العام 1947 إلا أنني تفاجأت حين أخبرني مهندس متخصص في هذا المجال بأننا للتو دخلنا هذا العالم ولا يوجد في كل أنحاء بلادنا سوى أربع مؤسسات حكومية حاصلة على شهادة الجودة الشاملة المعترف بها عالمياً.

وقد دفعني الاهتمام بهذا الموضوع الحيوي لمعرفة المزيد فاطلعت على العديد من المصادر ووجدت أن الجودة هي عبارة عن صفات وخصائص يتم عبر تنفيذها والتدقيق عليها مرحلياً الوصول إلى الأهداف المرجوة بأقصر الطرق وأقل التكاليف والمدة.

وتعددت تعريفات (الجودة) لكنها توحدت حول رؤية واضحة تفيد بأن هذا المفهوم أصبح جزء حيوي جداً في أي مكان عمل مهما كانت نوعية التداول والإنتاج فيه، من حيث أنها عملية متابعة دقيقة لكل شاردة وواردة ضمن جداول وحسابات رقمية مقيدة بأوقات محددة، يعتبر تجاوزها خرقا لقوانين العمل وتأخيرا للحصول على النتائج المنتظرة. وقد يقول قائل أنها تعني التقيد بالروتين إلا أنها في الحقيقة تكافح المناورة والتملص والتأخير في أداء التعاملات من حيث مراقبتها التفصيلية لمراحل العمل كافة.

وقد يقول آخر أن (الجودة) تختص في موارد محددة في الصناعة والزراعة والتجارة إلا أن هذا الكلام تنسفه الحقائق التي تفيد بأن كافة المؤسسات العلمية والتعليمية والإنسانية في أنحاء العالم أخذت تسعى لتطبيق مفهوم الجودة الشاملة، لتحقيق حالة الإدارة الخالية من العيوب.  

وفي نظرة بسيطة لتاريخ مصطلح الجودة الشاملة فإننا سنكتشف أن اليابانيين هم أول المهتمين بها وذلك مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية، وتبلورت تطبيقاتها في اليابان على يد علماء غربيين رغم أنها لم تكن ذات أهمية في الغرب آنذاك.

وفي بداية الأمر كان الاهتمام بالجودة مقتصر على عمليات التفتيش والرقابة، وتحليل النتائج باستخدام الأساليب الإحصائية من اجل الوقوف على المستوى الفعلي. فكانت أول مراحل الوعي بالجودة هي مرحلة الاهتمام بالتفتيش والفحص الذي كان يتم باستخدام الوسائل الفنية الاعتيادية قبل ولوج عصر التقنيات القياسية الحديثة المتمثلة بالحاسوب.

لكننا لا نبالغ إذا ما قلنا أن ديننا الحنيف قد أشار في مواضع عديدة لأهمية مفهوم (الجودة) الذي أخذ الطابع الغربي حديثا بسبب التطور العلمي والتقني هناك، فقد قال تعالى في محكم كتابه العزيز:"صنع الله الذي أتقن كل شيء".

فضلا عن أحاديث نبوية عديدة تؤكد على ضرورة إتباع الأجود والأمثل في كل شيء كقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله:"إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه". وقوله:"إن الله كتب الإحسان على كل شيء".

من هذه المنطلقات الفكرية العظيمة الخاصة بنا والتي سبقْنا العديد من الأمم إليها نقدِّم هذه الدعوة المفتوحة للاهتمام بالسعي لنيل (شهادة الجودة الشاملة) في كل مرافق عملنا مهما كان اختصاصها سعياً لتحقيق حالة الإدارة المثالية الخالية من الارتجال والاجتهاد غير المستند على أسس علمية.

ويكفي أن نعرف بأن (الجودة) تعني المنع والوقاية وليس فقط اكتشاف العيوب، وتعني كذلك رسم الطريق للعاملين للعمل على شكل فريق واحد، وبوجه ثالث تعني الجودة تحسين مستويات العمل والإنتاج والخدمة بصورة مستمرة بما يرفع من مستوى النوعية ويقلل الكلفة تدريجياً.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 5/آيار/2011 - 2/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م