الأصولية العلمانية والسلفية الجامدة

أعداء الديمقراطية عربيا

ماهر عابد

بعض المجموعات التي تصنف نفسها كليبرالية في العالم العربي تلتقي مع المجموعات المصنفة باسم السلفية في معاداة الديمقراطية. صحيح أن الطرفان يختلفان في المنطلقات الفكرية إلا أنهما يلتقيان في الهدف، فهاتان الجهتان تعتبران أن الشعوب قاصرة وجاهلة، وأنها بالتالي لا يمكن أن تستدل على الصواب أو أن تختار قيادتها بشكل حر فهي جماهير من الدهماء المغفلين الذين يقادون عبر الدعاية والذين يمكن تشكيلهم وتوجيههم دون أن يكون لهم القدرة على التمييز.

الملاحظ أيضا أن هذه التيارات اعتبرت تاريخيا وحتى لحظات سقوط الأنظمة العربية الحالية - من سقط أو من هو على طريق السقوط- من الدعائم والمكونات المحسوبة على هذه الأنظمة.. فالليبراليون كانوا دعاتهم في العالم الغربي والمنظرين لبقائهم ولاستبدادهم على اعتبار أن هذه الأنظمة هي الأقل سوءا وبديلها هو تيار إسلامي ظلامي معادي للغرب وللإنسانية سوف يقفز إلى الحكم عبر بوابة الديمقراطية.

وبالمقابل كانت التيارات المحسوبة على السلفية عاملا من عوامل تثبيط الجماهير داخليا عبر الدعوة إلى طاعة أولي الأمر واعتبار الحاكم المستبد خليفة الله في الأرض وان الديمقراطية نظام كفر مخالفة للشريعة الإسلامية.

كلا الطرفين عملا كأدوات - بقصد أو بدون قصد – لدى سلطة الاستبداد العربية والتي وفرت لهما مجال العمل في الشارع واستثنتهما من حملات القمع التي طالت كل القوى الشعبية الحية من إسلامية وعلمانية المعبرة فعلا عن هموم الجماهير ومطالبها بالحرية والمشاركة والعدالة.

أيضا فان كلا التيارين كان يستفيد من وجود الآخر عبر حملات التحشيد المضادة وبالتالي كان هذا الصراع المتبادل يصب في مصلحة النظام الاستبدادي الحريص على تفريق قوى الإصلاح الشعبي وإزالة إمكانيات اللقاء المشترك على قاعدة المصلحة الوطنية... لقد عمل النظام الاستبدادي مستغلا هذه القوى على تحطيم الوعي الجمعي الشعبي ليتمكن من الاستمرار والبقاء.

الآن وبعد الثورات العربية المطالبة بشعار الحرية والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وسيادة الشعب، تخرج هذه القوى مرة ثانية بشعارات الحد الأقصى وتعملان على تفريق الجماهير الموحدة في مطالبها، وكلا التيارين بالرغم من هامشيتهما شعبيا إلا أن الصوت العالي الذي يتمتعون به يتيح لهم مجالا واسعا للتأثير، ويجعلهما بحق من اكبر أعداء الديمقراطية عبر حمل أجندة اقصائية استئصالية متطرفة لا تتيح مجالا للحوار وتحاكم الآخر بناء على النوايا المتوقعة وترفض الاحتكام للشعب ليقرر مصيره بل تعتبر أن الشعب مضلل وأنها وحدها من يملك الحقيقة.

القوى العلمانية الأصولية والقوى السلفية الجامدة كلاهما يعادي الديمقراطية في الأقطار العربية عبر التشكيك المستمر بأهلية الشعوب وقدرتها على التفاعل في مجتمع يتسم بالحرية وكلا التيارين يفرض نفسه وصيا على الشعب ويحدد ما هو الصواب وما هو الخطأ والاثنان أيضا ينطلقان من أجندة خاصة لا تؤمن بالتعددية ولا بالآخر بل يمتلكان رؤية استئصاليه خطرة.

أن محاولات القوى الأصولية العلمانية التشكيك المستمر في توافق الإسلام مع الديمقراطية والرفض الدائم لأي أحزاب مدنية ذات مرجعية إسلامية واعتبار هذه الأحزاب استبدادية بالفطرة أمر لا يصب إلا في خانة العمل ضد الديمقراطية، وان ادعاء احتكار الصواب الذي تمارسه هذه القوى يمثل قمة التفكير الاستبدادي المطلق.

وبالمقابل فان القوى السلفية الجامدة الحريصة على التأكيد الدائم أن الإسلام والديمقراطية ضدان لا يجتمعان والرافضة لكل الاجتهادات الفقهية الإسلامية الشرعية الصادرة عن كبار علماء الأمة ممن أوضحوا أن الديمقراطية كنظام سياسي ينص على فصل السلطات وجعل الشعب مصدرا للسيادة والمساواة الحقيقية للمواطنين ونزع أي قداسة عن الحاكم، كل هذه الأمور من صميم الإسلام الرافض لكل أشكال القمع وانتهاك الحقوق الإنسانية والذي تؤكد نصوصه الواضحة على حرية الإنسان في التفكير والتعبير والتنظير.

المطلوب من كل القوى الديمقراطية الشعبية إسلامية كانت أم علمانية أن تلتقي على قاعدة بناء النظام البديل عن النظام الاستبدادي الفاسد وأول أسس هذا النظام البديل هو الاحتكام للشعب والقبول التام بقراره، وكذلك خلق رأي عام يرفض الإقصاء والاستئصال. ويعزز المشاركة الشعبية.

أيضا مطلوب توسيع أسس العمل المشترك من اجل محاصرة هذه الرؤى المتخلفة القابعة في الزوايا المعتمة والتي تنصب نفسها كمرجعيات فكرية تحدد ما هو مقبول أو غير مقبول.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 3/آيار/2011 - 30/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م