جدار اعلامي أمام شعب البحرين

محمد علي جواد تقي

يذكرني الوضع المأساوي الذي يعيشه إخواننا في البحرين بحال سكان برلين الشرقية أيام الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي، فقد عاشوا طيلة اربعين عاماً خلف جدار طويل جاء به المنتصرون على المانيا النازية من المعسكر الشرقي ليضمنوا حصتهم من نصف العاصمة العتيدة ويبعدوها عن طمع المعسكر الغربي، وقد تشييد الجدار بعد ان وجد (الشرقيون) ان الشباب الالماني اكتشف زيف ادعاءاتهم حول (الطبقة العاملة) و (الاشتراكية) وغير ذلك، بينما التقدم واحترام حقوق الانسان في المعسكر المقابل، فكانت افواج الهجرة والهروب.

والمفارقة هنا، ان حاملي لواء الماركسية وفي الوقت كانوا يخشون على الالمان تأثرهم بالثقافة الرأسمالية والليبرالية الغربية، كانوا ينشرون ثقافتهم في بلداننا بكل ثقة واعتداد بالنفس، كما لو انهم قادمون من حضارة عريقة وتجربة باهرة!

فعندما يجتمع ما يسمى بـ (مجلس التعاون الخليجي) وفيه ممثل (مملكة البحرين)، فانه يوصي وينصح وينظّر لحل ازمة الشعب اليمني مع حاكمه المتشبث بالسلطة، ونرى وسائل الاعلام الناطقة بالعربية سواء المرتبطة علناً بالملوك والرؤساء، أو تلك المدعية الحيادية والموضوعية، تسلّط كل الاضواء على ما يعرف بـ (المبادرة الخليجية) لإقناع الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بالتنحّي عن الحكم لحفظ ماء وجهه وما تبقى من ماء في وجوه الحكام العرب.

 لكن لا حديث عما يجري في أحياء العاصمة البحرينية المنامة او في مدن (سترة) او (سنابس) او غيرها من مدن البحرين. فهل ان التدخل السعودي والقمع الملكي للتظاهرات الجماهيرية واستشهاد وجرح المئات من المواطنين البحرينيين أنهى كل شيء؟ أم ان ما تقوم به سلطات البحرين عبارة عن رسالة مفادها؛ ان من يرفض مبادرة (الحوار) عليه ان يتحمل الاعتقال والتعذيب والموت؟

 والسؤال الآخر الاكثر الحاحاً: هل هذه الرسالة التي طالما أكد عليها مسؤولون بحرينيون وخليجيون وحتى أمميون بشكل أو بآخر، تنطبق على شعب اليمن ايضاً أم لا؟!

قالها احد المتحدثين الخليجيين في حديث متلفز بان (رحيل الرئيس) مطالبة كبيرة على اليمن! واعرب عن خشيته من القادم، وهو لا يجهل التوجهات الاسلامية لعموم المعارضة التي تقود الجماهير المنتفضة في اليمن، فلا وجود للعلمانيين ولا للشيوعيين ولا للمسيحيين كما الحال في مصر وتونس، بحيث يمكن الاطمئنان على بقاء الساحة بعيداً الفكر الاسلامي الاصيل.

 ولا اتردد بالقول: ان الخليجيين عيونهم على النسبة الكبيرة من الشيعة في نفوس الشعب اليمني أكثر بكثير مما هي على رئيس متهالك مثل علي عبد الله صالح. ورضوخهم للارادة الجماهيرية اليمنية اكثر مما يبذلونه حالياً من تحركات مكوكية، تجعلهم في موقف محرج ليس فقط امام شعب البحرين، إنما أمام الراي العام، الذي لزم الصمت حالياً بعد أياماً معدودة من ادانة القمع والتنكيل الوحشي ضد ابناء البحرين خلال شهر اذار الماضي.

فقد مُنيت المبادرة الخليجية بفشل ذريع بعد ان رفض صالح التوقيع على اتفاق التخلي عن السلطة مالم توقع معه المعارضة التوقف عن الاحتجاجات والتخلّي عن الشارع. وحالياً يصارع الخليجيون الزمن ويبذلون عصارة دبلوماسيتهم لانقاذ ماء وجههم هذه المرة، لكن اذا سقط الرئيس صالح، وهو ما سيحصل إن عاجلاً أم آجلاً، فان الموقف المحرج سيطال الاعلام الناطق بالعربية لأنه سيكون شريكاً في تشييد جدار الصمت أمام شعب البحرين الذي سينطلق مرة اخرى بالمطالبة بـ (رحيل الملك).

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 3/آيار/2011 - 30/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م