لعنة الجوجو... طرق وفنون لاستعباد المرأة في نيـجيريا

 

شبكة النبأ: إنها الساعة السادسة مساء من يوم الاثنين، في طريق رئيسة خارج مدينة ميلانو الإيطالية، وميزان الحرارة الموجود داخل السيارة يظهر ان درجة الحرارة اثنتان تحت الصفر، ومع ذلك كانت مصابيح السيارة تكشف لنا في كل بضعة أمتار عن بعض الأشخاص الذين ينتظرون على طول الشارع، والبعض منهم يميلون نحو مواقد متنقلة وهم يدفئون ايديهم. وكان رئيس الحكومة الايطالي سيلفيو بيرلسكوني قد اصدر قراراً يمنع الاستجداء في الشوارع قبل ثلاث سنوات، بيد ان نحو 20 الف امرأة نيجيرية يعملن مومسات في ايطاليا يمكن العثور عليهن بسهولة. وحتى في الشتاء لا تعاني هؤلاء النسوة قلة الزبائن.

طقوس قديمة

لا يعرف الكثير عن أصول «الجوجو»، وهي تقاليد دينية تشمل العديد من الطقوس والسلوك غير الطبيعيين، من الحركات والأرواح والأشباح، الى السمات السحرية المرتبطة بها.

ومن المألوف بالنسبة للنيجيريين من جميع مشارب الحياة حمل «الحجاب» لدفع أذى الأرواح الشريرة والحظ السيئ. ولكن يعتقد أيضاً أن قوى «الجوجو» يمكن ان يتم استدعاؤها من قبل العرافة او الدكتور. وبخلاف المعتقد الشائع فإن «الجوجو» ليست لها علاقة بـ«الفودويزم» وهو دين اخر يمارس في غرب افريقيا، خصوصاً في بنين.

ويعتقد المؤمنون بهذا التقليد ان «الجوجو» يمكن ان تستخدم من اجل أغراض «جيدة» مثل علاج الأمراض، بيد ان «الجوجو» السيئ يمكن استخدامه لجلب الطالع السيئ، وجلب الأذى للآخرين مثل الجنون والأمراض والموت، وغالباً ما يتم استخدام الحرباء والدجاج الجاف في طقوس الجوجو». بحسب فرانس برس.

وهذا واحد من مئات الشوارع الخارجية في مختلف مناطق أوروبا، حيث يُجبر ضحايا مهربي البشر على العمل. وينطبق ذلك على العديد من المدن مثل برشلونة، ومدريد، وباريس، وبرلين، وغلاسكو، ولندن. وهناك نحو 100 الف نيجيري تم تهريبهم الى اوروبا، 80٪ منهم قادمون من ولاية إيدو الواقعة في جنوب نيجيريا، التي يعيش فيها 3٪ من سكان البلاد. وهي تمثل عاصمة تهريب البشر في افريقيا، كما انها موطن دين افريقيا الغربية الذي يعرف باسم «جوجو».

استغلال

تتذكر ريتا البالغة من العمر 27 عاماً التي تلتقط زبائنها من الشوارع الآن، ما حدث قبل خمس سنوات عندما جاء اليها المهربون في إيدو، وتقول «شعرت بالسعادة لأني سأذهب الى اوروبا لأتمكن من مساعدة عائلتي. ولكني لم اكن اعرف ان الأمور ستتحول الى ما انا عليه». وهي الآن تنام مع 10 رجال يومياً خلال سبعة أيام في الأسبوع مقابل 20 يورو كل مرة، ويتعين عليها العمل حتى لو كانت تشعر بالتعب أو المرض.

وتضيف ريتا أنه ليس لديها خيار سوى مواصلة العمل. وقبل مغادرتها نيجيريا أقسمت يمين الولاء لمهربيها في شعائر الدين التقليدية.

ووعدت بإعادة تكاليف نقلها الى أوروبا على ان تكون «روحها رهناً مقابل هذا الدين». وعندما وصلت الى ايطاليا قيل لها انها مدينة لهم بـ50 ألف يورو، وبنفقات عيشها، إضافة إلى 300 يورو أجراً من أجل حق العمل في مكان معين. وهي تقول«لا استطيع الهروب من كل ذلك حتى ادفع لهم، والأفارقة يتمتعون بقوة سحرية كبيرة وهم يستطيعون القضاء خلال غمضة عين».

ويستخدم مهربو البشر النيجيريون السحر الأسود للإيقاع بآلاف النساء مثل ريتا، ودفعهن إلى «حياة العبودية الجنسية» في أوروبا. وتستخدم عصابات أوروبا الشرقية العنف لإجبار النساء، اللواتي يتم نقلهن، على العمل في الدعارة. ولكن« السيدات» في قمة سلسلة التهريب النيجيرية لسن بحاجة لاستخدام القوة والعضلات، إذ ان لديهن «جوجو» الى جانبهم. وهو شكل من اشكال الابتزاز الطقوسية التي تسمح للنساء النيجيريات بأن يكن ضحايا لهذا النوع من الاستغلال. وعلى بعد 3000 ميل عن ايطاليا في قرية ايهوني الصغيرة في إيدو التقيت مع فيفيان بيتر (23عاماً)، وهي حسناء وذكية وطافحة بالإلهام، وهو امر نادر الوجود في مناطق نيجيريا القروية. ومن الواضح ان الجنيهين اللذين تحصل عليهما يومياً من خلال بيع الخضراوات في السوق غير كافيين كي ترسل اشقاءها وشقيقاتها الصغار إلى المدرسة، أو تشتري منزلاً يمكنها ان تعيش فيه مع صديقها ايلونيل. ولكن صديقها يقول انه يملك الحل لمشكلاتهما، اذ انه يعمل على وضع الترتيبات لفيفيان كي تذهب للعمل مع شقيقته في ايطاليا.

ومن المرجح ان الطرق المعبّدة او كهرباء الإنارة لم تصل الى هذه المنطقة الريفية من نيجيريا، إلا أن اسطورة «إيتالوز»، اي النساء اللواتي جمعن ثروة من العمل في ايطاليا، انتشرت في كل بيت هنا. وبات سراً مكشوفاً ان «الإيتالوز» يجمعن الثروة عن طريق ممارسة الرذيلة، وليس هناك ما هو معيب في ذلك. ويمكن ان توصم المرأة التي تسافر الى ايطاليا بالعار في حالة رجوعها الى بلدها خالية الوفاض، من دون مال، وهو الأمر الذي يحدث مع العديد منهن حيث يتعرضن للضرب ويصبن بمرض الإيدز، الأمر الذي يجعلهن مرفوضات من قبل اهاليهن.

«الجوجو»

لا تدري فيفيان الى اين سيتم اخذها بالتحديد، او ما المبلغ الذي ستكون مدينةً به للمهربين، ولكنها تتخيل انها ستسدد دَينها في غضون بضعة اشهر. وقالت لي «لم يكن لدي ادنى فكرة حتى شاهدتك»، ولكن صديقها ليس لديه اي مانع اخلاقي لإرسالها لبيع جسدها في شوارع ايطاليا.

ويقول ايلونيل(27عاماً) إن «الكثير من الناس يفعلون الشيء ذاته هناك، وانا لن امنعها من القيام بذلك». وأصبحت جميع الإجراءات جاهزة، فقد اشترى لها صديقها تذكرة السفر الى روما، وحجز لها موعداً كي ترى الدكتور ستانلي وهو «كاهن الجوجو» المحلي. وهو يقول ان «الجوجو» «ستساعدها هناك في ايطاليا» وتجلب لها الحظ السعيد.

وتجري ممارسة «الجوجو» في افريقيا الغربية منذ قرونعدة ومن الصعب العثور على اي شخص في إيدو يستطيع القول انه لا يخشى الجوجو». ويقول المؤمنون بهذه الطقوس ان ثمة أرواحاً خفية تحكم الأرض وتسيطر على جميع مناحي الوجود الإنساني، وانه ليس هناك اي شيء يمكن ان نخبئه عنها، فهي تعرف كل شيء. ويمكن استدعاء أرواح «الجوجو» لحماية الناس ولكنها يمكن ان تدمرهم أيضاً.

وقال لي الدكتور ستانلي في صباح مراسم فيفيان «إذا نكثتْ الوعد الذي قطعته في مقامي هذا، فإننا سندمرها. وأستطيع استخدام قوتي لتدمير اي شيء أريده، وأستطيع ان ألقي بأي نوع من الأمراض على أي شخص».

ويتبجح هذا الكاهن لكون عدد كبير من النساء اللواتي تم تهريبهن قد اقسمن اليمين في معبده، وعندما سألته اذا كان يشعر بأنه مسؤول عن اجبار العديد من النساء على عيش حياة المومسات؟ أجاب بعد ان رمقني بنظرة ثاقبة «عندما تعدينني بأنك ستفعلين شيئاً ما، عليك ان تفي بوعدك».

وكان الدكتور ستانلي طويل القامة مفتول العضلات ويرتدي ثوباً قرمزي اللون، ويرتدي العديد من التعويذات السحرية. ووقف الى جانب فيفيان التي كانت قصيرة وصغيرة الحجم. وعلى الرغم من ان الدكتور ستانلي ليس طرفاً في سلسلة التهريب، الا انه يقدم المكون الأكثر اهمية فيه، الذي يتمثل في القسم الذي يجعل المرأة مطيعة. ويشكل هذا العمل مصدر دخل مربح، فهو يتقاضى 120 جنيهاً إسترلينياً عن مراسم كل قَسم، وهذا المبلغ يعتبر كبيراً جداً بالنسبة لهذه المنطقة.

مراسم الطاعة

كان المعبد مملوءاً بالتعاويذ الخاصة بديانة «الجوجو» والأوثان المصنوعة من الريش، والعظام والقواقع البحرية، والأواني المملوءة بالمساحيق البراقة اللون. وأمر الكاهن فيفيان ان تخلع ملابسها وأن تغتسل في الكوخ خارج المعبد، وعندما عادت قام بنفخ غبار الطباشير على جسمها، ووضع لطخات من الطين على جبينها بحيث رسم لها علامة معين، كي تستطيع الأرواح التعرف إلى الروح التي قدمت لهم. وبعد ذلك طلب منها ان تركع امامه لتؤدي القسم. وكان ايلونيل يراقب بلا اكتراث وهو يدخن سيجارته. وفي نهاية الأمر قال الدكتور ستانلي انتهت مراسم القسم، وجعل فيفيان تقف على قدميها. وقالت فيفيان التي بدى عليها الارتياح الواضح «أشعر بالأمان بين يديه». وبعد مرور أيام عدة، قال لي ايلونيل عندما شاهدته في احدى الحانات، انه يقوم بعمل اخر، وادعى ان شقيقته عثرت على امرأتين اخريين تريدان السفر مع فيفيان، وهو يقوم بوضع الترتيبات لهن لأداء القسم في اليوم التالي، وبالتالي فإنهن سيكون بإمكانهن السفر الى ايطاليا. وأضاف «عندما يصلن الى هناك فإن فيفيان ستجمع الكثير من المال. واذا سارت الأمور على نحو جيد فسيرسلن المال إلي» ويبدو ان الفقر قد جعله في حِلّ من اي مسؤولية اخلاقية ازاء النسوة اللواتي يساعد على تهريبهن».

وكانت فيفيان قد سافرت الى خارج إيدو مرة واحدة، عندما اخذها ايلونيل الى العاصمة لاغوس كي تحصل على وثائق السفر، بيد ان اسطورة «نسوة ايتالوز»، أقنعتها بأنها تنتمي الى ايطاليا. وكانت تقول لي عندما التقينا للمرة الأخيرة «أدرك ان ايطاليا ستكون مكاناً افضل بالنسبة لي»، واخبرتها عن النسوة اللواتي شاهدتهن في الطريق خارج ميلانو في جو بارد جداً والديون التي تبلغ 50 الف يورو التي يتعين على ريتا ان تدفعها، لمدة خمس سنوات، ولكنها قالت لي «لا اعتقد ان الأمور ستكون معي على هذا النحو، واذا عمل المرء بصورة جادة فإنه لن يتعرض للمتاعب، وانا اعرف كيف اقوم بالكثير من الأشياء». وتوقفت قليلاً ومن ثمّ قالت «لقد حزمت امري على الرحيل الى هناك، وعلي ان اذهب، انه خياري».

وتتضمن معظم الإحصاءات الأوروبية للنساء المهربات، نساء من ولاية إيدو امثال فيفيان، التي لم تكترث بالشكل النمطي «للضحايا» اللواتي يقعن فريسة لمهربي البشر. وبغض النظر عن مدى قوة هؤلاء النسوة فإن «قَسم الجوجو» يتركهن عرضة للتلاعب والتنكيل، والوقوع في فخ المهربين. ولولا الإيمان بالمعتقدات القديمة، فإن هذا الشكل الحديث من الاستعباد ما كان له ان يوجد، ومن دون وجود السوق المزدهرة لخدمات هؤلاء النسوة لما تم تهريب اي امرأة نيجيرية الى أوروبا أساساً.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 2/آيار/2011 - 29/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م