الاقتصاد والتغييرات السياسية... الانهيار أم الانتعاش؟

باسم حسين الزيدي

شبكة النبأ: في ظل تنامي الاوضاع المضطربة في الشرق الاوسط والتقلبات المستمرة في الاوضاع الاقتصادية العالمية مع بروز شبح التضخم وارتفاع اسعار الغذاء عالمي، وكذلك الارتفاع المستمر في اسعار النفط وتزايد اعداد العاطلين عن العمل والذي ولد جيوش من الفقراء والجياع  في مختلف دول العالم، الامر الذي جعل صندوق النقد الدولي يطلق تحذيرات لجميع المعنيين بالاستعداد للقادم.

لقد اوضح الصندوق بأن التغيرات السياسية التي حدثت في المنطقة سوف تؤدي الى تغيرات في جميع مؤسساته، لكي تتناسب وحجم التغيرات الكبيرة الحاصلة في الشرق الاوسط، كما اكد صندوق النقد الدولي بأنه على استعداد لمساعدة هذه الدول عن طريق الاقراض من اجل النهوض بواقعها الاقتصادي خصوصاً في مصر وتونس، وان لم تطلب هذه الدول رسمياً الاقراض من الصندوق.

كما طالب صندوق النقد الدولي من دول العشرين الاهتمام بقضية العاطلين عن العمل وتأمين الغذاء العالمي واعتبارهما من المسائل الملحة والضرورية، وشدد على مخاطر ارتفاع اسعر النفط والتضخم الذي يواجه الاقتصادات للدول الناشئة، وحث على اصلاح السياسات النقدية واتباع اساليب من شانها تقوية الاقتصاد العالمي الذي مازال يعاني من ازمة السابقة.

الاضطرابات وتغيير المؤسسات

حيث قال رئيس صندوق النقد الدولي ان الاضطرابات في الشرق الاوسط ستتطلب تغييرات واسعة في المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكن دومينيك ستروس كان حذر من ان جهود التصدي لمشاكل المنطقة ستستغرق وقتا وقد تتعقد بسبب ضغوط الانفاق الناجمة عن ارتفاع اسعار الغذاء والوقود، وقال في تصريحات معدة سلفا قبل اجتماعات وزراء المالية لمجموعة السبع والتي جرت في واشنطن مؤخراً "التحدي الملح هو الحفاظ على الترابط الاجتماعي دون تقويض استقرار الاقتصاد الكلي، "وأضاف أن تراجع عائدات السياحة او الاستثمار الاجنبي المباشر في الدول التي تعاني من انعدام الاستقرار السياسي قد يعرقل الجهود للتقدم صوب نمو اجتماعي شامل وتوفير وظائف تشتد الحاجة اليها في شتى انحاء المنطقة، وقال "يجب ان يكون المجتمع الدولي مستعدا للمساعدة الان وفي السنوات المقبلة."

وحذر ستروس كان من أن التعافي الاقتصادي العالمي هش ومتفاوت وتكتنفه حالة كبيرة من عدم التيقن، وقال ان البنوك المركزية عليها توسيع نطاق تركيزها لما وراء استقرار الاسعار والبحث عن سبل لابقاء النظام المالي مستقر، وأضاف "من الواضح ان السياسة النقدية يجب عليها أن تتجاوز استقرار الاسعار وتتطلع لتحقيق الاستقرار المالي، لكن هذا لا يعني توسيع نطاق الاداة الرئيسية للسياسة النقدية وهي سعر الفائدة."وقال ان على صانعي السياسة ان يتعلموا استخدام الادوات التنظيمية (مثل نسب رأس المال للمؤسسات المالية) للمساعدة في تحقيق استقرار اوسع نطاقا في الاقتصاد العالمي، وتابع "الاقتصاد العالمي يواصل التعافي لكنه متفاوت من دولة لاخرى وفي داخل الدولة الواحدة، "وأضاف انه من الضروري أيضا "اعادة النظر في السياسة المالية". بحسب رويترز.

وانفقت الحكومات في مختلف دول العالم بكثافة لتحفيز الاقتصادات والمؤسسات المالية خلال الازمة بين عامي 2007 و2009، وسلط ستروس كان الضوء على ازمة الديون الاوروبية المستمرة والتي كانت مجالا رئيسيا للنقاش في الاجتماعات وقال انه ينبغي بذل مزيد من الجهد على أساس عاجل، وقال "التقدم جزئي وبطيء حتى الان وهذا خطر رئيسي يهدد الدول التي تعاني ازمات، ويهدد ايضا التعافي الاوروبي اجمال، "وأضاف ستروس كان الذي سلطت عليه الاضواء كمرشح محتمل للرئاسة في فرنسا أن أوروبا تحتاج لقيادة في الوقت الذي تسعى فيه لايجاد طريقة لترتيب الاوضاع في ظل مشاكلها الاقتصادية، ومضى يقول "في نهاية الامر اوروبا تحتاج حلا شامل، يستند الى التضامن الاوروبي، للتعامل مع مشاكل القطاع المالي والديون السيادية المستمرة."

اقراض الشرق الاوسط

الى ذلك قال رئيس صندوق النقد الدولي دومينيك ستروس كان، "ان من المرجح أن يقدم الصندوق 35 مليار دولار من القروض الى الدول المستوردة للنفط في منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا التي تشهد احتجاجات شعبية واسعة"، وبالرغم من الاضطرابات في أنحاء المنطقة لم تطلب أي دولة المساعدة من الصندوق الذي يعتبر مساندا لسياسات الكثير من الزعماء المستبدين الذين أطيح بهم أو يتعرضون لضغوط من أجل التنحي، وقال ستروس كان في مؤتمر صحفي "بالطبع لن تطلب كل الدول برنامجا لكن هذا مبلغ كبير من المال ربما يساعد في تحسين الاوضاع حتى تعود هذه البلدان الى مسار أكثر استدامة"، ولمواجهة التوترات السياسية التي اجتاحت المنطقة اتفق وزراء المالية من الولايات المتحدة وأوروبا وغيرهما من الاقتصادات الكبرى مؤخراً على مساندة الدول العربية في جهودها الرامية الى تحسين الحوكمة والنمو الاقتصادي الواسع. بحسب رويترز.

لكن من جهتهم لم يصلوا الى حد التعهد بزيادة المساعدات النقدية، وتتواصل التغيرات السياسية في أنحاء الشرق الاوسط وشمال أفريقيا حيث انفجرت الاوضاع بسبب عقود من معدلات البطالة المرتفعة والمتاعب الاقتصادية، حيث أجبرت الاحتجاجات الشعبية رئيسي مصر وتونس على الرحيل فيما يواجه زعيما سوريا واليمن مظاهرات واسعة، وفي ليبيا يسعى الزعيم معمر القذافي الى تحدي حملة عسكرية دولية ويتمسك بالسلطة، ووفقا للصندوق من المتوقع أن توجه الاضطرابات ضربة اقتصادية لدول في المنطقة، اذ ينتظر أن تشهد الدول غير المصدرة للنفط تباطؤا في النمو الى اثنين بالمئة، وقال روبرت زوليك رئيس البنك الدولي ان البنك يبحث أفضل سبل مساندة الاصلاحات في المنطقة، وأضاف في مؤتمر صحفي قائل، "منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا هي الموضوع المهيمن على تفكير الجميع، ستكون السياسة بنفس أهمية المال، الانتظار حتى تستقر الاوضاع يعني فرصا مهدرة."

وكتبت لايل برانارد وكيلة وزارة الخزانة الامريكية مؤخر، "أن نجاح أو فشل التغيرات في الشرق الاوسط قد يتوقف على تحقيق نمو اقتصادي واسع وتوفير الوظائف وتطبيق اصلاحات اقتصادية"، وقالت "ان البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية (ذراع اقراض القطاع الخاص التابعة للبنك) والبنك الافريقي للتنمية يمكن أن يقدموا أكثر من أربعة مليارات دولار لمصر وتونس خلال العام المقبل"، كما وذكر زوليك من جهته، "أنه يتعين على المقرضين الدوليين زيادة مساندتهم للمنطقة والتفكير في العمل مباشرة مع منظمات المجتمع المدني الى جانب الحكومات" في خطوات لاصلاح الاوضاع.

مطالب صندوق النقد الدولي

في سياق متصل دعا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مجموعة العشرين في واشنطن لتركيز اهتمامها على مسألتين ملحتين، هما تأمين الغذاء للعالم واستحداث فرص عمل، ولدى افتتاحهما الاجتماعات النصف سنوية لمؤسستيهما، توزع المدير العام لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس كان ورئيس البنك الدولي روبرت زوليك الادوار، فقد شدد الاول على مكافحة البطالة والثاني على ارتفاع اسعار المواد الغذائية، وقال ستروس كان، "يجب ان نتحرك، لا تعولوا على الفكرة القائلة بأن النمو سيكون كافي، نحتاج الى ما هو اكثر من النمو، نحتاح الى سياسات فعالة"، واضاف قائل، "اذا لم نفعل ذلك، فالخطر هو ان نحقق نموا، لكن ليس نموا يفيد الجميع، ليس نموا منصفا".

وقال المدير العام لصندوق النقد الدولي "لست واثقا من اني اوافق على الفكرة القائلة بأننا في مرحلة ما بعد الازمة، لا نزال في الازمة، وعواقب هذه الازمة لا تزال قوية جدا"، وبعد الثورات التي اندلعت في العالم العربي منذ كانون الثاني/يناير، شدد صندوق النقد الدولي كثيرا على مكافحة البطالة واللامساواة التي كانت من المواضيع التي نادرا ما انصرف الى معالجته، وينوي دمج المؤشرات لقياس فعالية تقويماته لاقتصادات الدول الاعضاء، وحدد البنك الدولي من جهته اولوية تقضي بمواجهة ارتفاع اسعار المواد الغذائية التي تقترب اليوم من ارتفاعها القياسي في 2008، وقال رئيسه روبرت زوليك "نحن في المنطقة الخطرة لان الاسعار قد ارتفعت، ولأن مخزونات كثير من المواد الاساسية متدنية نسبيا"، واشاد بعزم الرئاسة الفرنسية لمجموعة الدول الغنية والناشئة في مجموعة العشرين، على التصدي للمضاربات حول المواد الاساسية والغذائية وتلك المتعلقة بالطاقة، واكد زوليك ان "العالم يستطيع القيام بشيء ما ضد ذلك"، واضاف "نتعاون تعاونا وثيقا مع مجموعة العشرين، واعتقد ان في امكاننا احراز بعض التقدم المهم في مجالين مهمين، هما تقلب اسعار المواد الغذائية والامن الغذائي". بحسب فرانس برس.

ويقول البنك الدولي ان 935 مليون شخص يعانون من سوء التغذية المزمن، وقد فرضت فرنسا هذه السنة جدول اعمال طموحا لمجموعة العشرين، تمهيدا لقمة يعقدها في كان رؤساء الدول والحكومات في تشرين الثاني/نوفمبر، من اجل خفض الاختلالات الاقتصادية والمالية في العالم، واثقله ايضا عدد كبير من الحوادث منذ بداية السنة، وواجه بعض اقتصادات المنطقة صعوبات جراء الثورات الشعبية في العالم العربي، فاليابان شهدت اعنف هزة ارضية في تاريخه، في 11 اذار/مارس الماضي، وساحل العاج، القوة الاقليمية في غرب افريقيا، غرقت في ازمة سياسية استمرت اربعة اشهر، جراء رفض الرئيس لوران غباغبو الاعتراف بهزيمته الانتخابية، وازمة الدين العام في منطقة اليورو لم تشهد سوى تهدئة طفيفة، اذ قررت البرتغال طلب المساعدة الدولية في نيسان/ابريل.

ستروس كان: مستعدون لمساعدة

من جهة اخرى اكد المدير العام لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس كان ان الصندوق "مستعد لمساعدة" البلدان العربية مثل مصر وتونس من خلال تمويلها اذا ما قدمت طلبا بذلك، وقال ستروس كان خلال مؤتمر حول هذه المنطقة في مقر صندوق النقد في واشنطن "استخلصنا عبرا مما حصل في الشرق الاوسط وشمال افريقيا"، واضاف ان "بعض مصادر الدخل كالسياحة على سبيل المثال، قد تسجل نموا اقل مما كان العام الماضي" في مصر وتونس اللتين شهدتا ثورات في الفترة الاخيرة، واوضح ستروس كان "ما هو المهم بالنسبة الينا اذا ما فكرنا في المستقبل، كما اضاف قائل، هو ان نرى كيف يمكننا ان نساعد" و"نحن مستعدون للمساعدة". بحسب فرانس برس.

واضاف ان "دورنا يقضي بأن نقدم الى البلدان المال غير المتوافر لاسباب عدة"، واعتبر المدير العام للصندوق "من دون النمو، لا يمكن اتمام شيء على صعيد مكافحة التباينات واستحداث فرص عمل"، وقال "نستطيع ان نبني معا مستقبلا افضل لهذه البلدان، هذا الامر ليس مهما فقط لمصر وتونس، انه مهم للعالم اجمع لان هذا المثال مثال ستنجم عنه نتائج كثيرة"، وقد كلف صندوق النقد الدولي اجراء "تقويم اقتصادي" لاستخدامه قاعدة من اجل ان تقدم خمس مؤسسات مالية دولية مساعدات لدعم تطلعات الشعوب العربية الى مستقبل اقتصادي افضل، كما حث تحالف عالمي لجماعات معنية بالتنمية صندوق النقد الدولي على استخدام الارباح غير المتوقعة من بيع (3 ر403) طن من الذهب المملوك للصندوق لاسقاط الديون عن الدول الفقيرة، وقدر التحالف الذي يضم 58 جماعة منها اوكسفام واكشن ايد ووان وشبكات جوبيلي العالمية والاتحاد الدولي للنقابات العمالية هذه الارباح عند (2.8) مليار دولار. بحسب رويترز.

من جهته رفض صندوق النقد تأكيد الرقم، وبدأت الدول الاعضاء في الصندوق محادثات بشأن كيفية التصرف في أرباح مبيعات الذهب التي جرت في ديسمبر كانون الاول في ظل اسعار قياسية للمعدن الاصفر، وقالت مليندا سانت لويس نائبة المدير في جوبيلي بالولايات المتحدة، " الاختيار الاخلاقي واضح، "على صندوق النقد أن يستخدم الفائض في اسقاط الديون عن الدول الاشد فقرا ومنحها مساعدات لا تنتج عنها ديون"، وذكرت الجماعات في بيان مشترك أن الديون الخارجية للدول الفقيرة تفاقمت بفعل الركود الاقتصادي العالمي والارتفاع الحالي في اسعار الغذاء والوقود، وأضافت أن الصندوق درس في اجتماعه التي عقدت مؤخراً ثلاثة سبل للتصرف في أرباح مبيعات الذهب وهي استيعاب الاموال في وقف ووضعها في صندوق احتياطي واستخدامها لمساعدة الدول الفقيرة المتضررة بالازمة المالية وغيرها من الازمات، ومن جهته قال تومسون لرويترز "المجلس التنفيذي سيجري مناقشة مبدئية عن استخدام الارباح الفائضة من مبيعات الذهب قريب، نتوقع ان يدرس المجلس مجموعة من الخيارات الممكنة".

ويذكر ان صندوق النقد الدولي قد اعلن انه حصل على موافقة دوله الاعضاء للحصول على اكثر من 200 مليار دولار من الموارد الاضافية التي اقرضت له، واوضح صندوق النقد في بيان ان مجلس ادارته انجز عملية تفعيل "اتفاقات القروض الجديدة الموسعة"، وهو احتياط تغذيه القروض من 39 دولة عضوا. وبات احتياطه 581 مليار دولار، وسترتفع موارد صندوق النقد الدولي اكثر من 200 مليار دولار، وكانت اولى اتفاقات القروض الجديدة الموسعة (اطلقتها 26 دولة عضوا في 1997) بلغت 53،8 مليار دولار، واكملت منذ شباط/فبراير 2009 باتفاقات ثنائية مع 22 دولة عضوا رفعت المبلغ الاجمالي الى "اكثر من 300 مليار دولار"، وفي 24 اذار/مارس، تلقى تصرف صندوق النقد، كما تفيد المعلومات المالية الاخيرة التي نشرها، 475 مليار دولار لمساعدة البلدان المتوسطة الدخل، وصوت مجلس الادارة على تعهد البلدان الغنية والناشئة في مجموعة العشرين خلال قمة في نيسان/ابريل 2009 في لندن بزيادة موارد صندوق النقد الدولي ثلاثة اضعاف لمواجهة الازمة الاقتصادية العالمية.

كما طلب صندوق النقد الدولي من دوله الاعضاء دراسة امكانية الاقتراض مباشرة من الاسواق المالية في حال حصول ازمة حادة، بحسب وثيقة عرضت على مجلس الادارة الذي نشرها مؤخر، وكتبت ادارة صندوق النقد الدولي في تقرير حول وضع اصلاح النظام النقدي الدولي،  "قد تحصل ظروف تستدعي او تجعل من المفضل لاسباب تتعلق بالفعالية، زيادة الموارد الخاصة بالصندوق بشكل كبير"، واضاف الصندوق "حتى ولو كان ممكنا في 2009-2010 القيام بذلك عبر التوجه نحو الدول الاعضاء، فان العملية اخذت وقتا وكان يمكن ان لا يكون من الممكن على الاطلاق تنفيذها سياسيا"، وخلص الصندوق الى القول "وبالتالي، فان فكرة وضع الوسائل التي تمكن الصندوق من الاقتراض من الاسواق في فترة زمنية قصيرة لاكتمال موارده الحالية، تستحق عناء الاستكشاف"، ويصادف ان تاتي هذه النشرة غداة طلب البرتغال مساعدة مالية من الاتحاد الاوروبي، يذكر ان "الموارد القابلة للاستخدام" في الحساب المخصص لمساعدة الدول ذات العائدات المتوسطة او المرتفعة تبلغ اليوم 671 مليار دولار، وهو اعلى مستوى لها منذ تاسيس صندوق النقد الدولي.

اخطار تهدد الاقتصاد العالمي

على صعيد اخر قال صندوق النقد الدولي ان ارتفاع أسعار النفط والتضخم في الاقتصادات الناشئة يشكلان مخاطر جديدة على تعافي الاقتصاد العالمي لكنها لم تشتد بعد لمستوى يمكنها من اخراج التعافي عن مساره، ويحذر الصندوق من ان الاقتصادات الناشئة تواجه خطر فقاعات أصول مشابهة للفقاعات التي ادت لتفجر الازمة المالية في 2007-2009، وقال الصندوق في تقريره عن توقعاته للاقتصاد العالمي "التحدي أمام كثير من الاقتصادات الناشئة وبعض الاقتصادات النامية هو ضمان ألا تتطور الاوضاع الحالية التي تشبه الطفرة الى نمو تضخمي في السنة المقبلة"، وقال اوليفييه بلانشار كبير الخبراء الاقتصاديين بالصندوق ان الاقتصاد العالمي لا يواجه خطرا داهما لكن هناك مشاكل في بعض الجوانب يجب التعامل معها.

وقال في مؤتمر صحفي "لا توجد مخاطر كبيرة لتدهور (الاقتصاد) في هذه المرحلة، كما كان الوضع منذ عام او اثنين"، ومازال السيناريو الرئيسي للصندوق هو تعافي الاقتصاد العالمي بوتيرة بطيئة، لكن من بين المخاطر التي يتوقعها الصندوق ارتفاع التضخم وتدفقات رأس المال التي يصعب السيطرة عليها الى الاسواق الناشئة، ومن بين مصادر القلق أيضا ارتفاع مستويات الديون في دول غنيه مثل الولايات المتحدة، وقال بلانشار "نحذر الاسواق الناشئة من انها بصدد الوصول الى نقطة قد تكون الامور فيها جيدة بشكل زائد عن الحد، لدينا تاريخ طويل من دول انتظرت أكثر من اللازم للتصدي لذلك"، وابرز الصندوق المخاطر التي يشكلها ارتفاع اسعار الغذاء والسلع الاساسية على الدول الفقيرة، وأذكى ارتفاع اسعار الاغذية الرئيسية توترات اجتماعية واقتصادية في العالم العربي، واطاحت احتجاجات الشوارع برئيسي مصر وتونس بينما يقاتل زعيما اليمن وليبيا للبقاء في السلطة. بحسب فرانس برس.

وقال الصندوق ان من المرجح تزايد الضغوط التضخمية في الدول النامية اذ يطالب الناس بزيادة الاجور في مواجهة ارتفاع أسعار الغذاء والوقود، وأضاف متحدثا عن الاقتصادات المتقدمة بشكل جماعي ان التعافي بطيء الوتيرة سيستمر وان مخاطر تجدد الركود تقلصت، لكنه اضاف أن البطالة مازالت مرتفعة بشكل مستعص على الحل وان السلطات لا تأخذ اجراءات كافية لخفض عجز الموازنة في الولايات المتحدة ودول أخرى، وأبقى الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي عند 4.4 و4.5 بالمئة في 2011 و2012 على الترتيب قائلا ان التعافي العالمي يشتد عوده، وأضاف ان الاقتصادات الناشئة ستواصل تسجيل اسرع وتيرة للنموو ومن المتوقع أن تتصدر الصين بنمو نسبته 9.5 بالمئة هذا العام تليها الهند بنمو متوقع نسبته 8.2 بالمئة، وفيما يتعلق بالاقتصادات الناشئة أيضا قال الصندوق انه سيكون من الخطأ أن يرجيء المسؤولون اتخاذ مزيد من اجراءات تشديد السياسة النقدية الى أن تبدأ الدول الغنية زيادة اسعار الفائدة.

توقعات صندوق النقد الدولي

من جهة اخرى قال صندوق النقد الدولي ان العالم يسير على طريق التعافي رغم وجود مخاطر تهدد النمو، ومن ضمن المخاطر أسعار النفط وغياب الاستقرار في الشرق الأوسط واستمرار التضخم في الصين ومشاكل الديون في أوروب، وتنبأ الصندوق بنسبة نمو تبلغ 4.4 في المئة للاقتصاد العالمي لعام 2011، وهو نفس الرقم الذي أعلن في شهر يناير/كانون الثاني، وخفض الصندوق سقف توقعه للنمو في بريطانيا من 2 في المئة الى 1.7 في المئة، بينما أبقى على توقعه لعام 2012 عند 2.3 في المئة، ورفع سقف توقعاته لمعدل النمو في ألمانيا من 2.2 في المئة الى 2.5 في المئة لهذا العام بينما عدل التوقعات بشكل طفيف لعام 2012، الى 2.1 في المئة، وقال الصندوق ان التعافي يبدو مستقرا بينما لا تزال نسبة البطالة مرتفعة على مستوى الاقتصاد العالمي، وورد في التقرير السنوي الصادر عن الصندوق ان النمو ليس قويا لدرجة يستطيع فيها تغيير وضع البطالة بشكل كبير.وأكد التقرير أن مصدر الخطر الأكبر على النمو هو استمرار ارتفاع أسعار النفط بسبب تعثر التوريد.

وقال التقرير ان النمو في منطقة اليورور سيكون عند 1.6 في المئة عام 2011 بينما سيرتفع الى 1.8 في المئة عام 2012، ورسم التقرير صورة قاتمة للاقتصاد البرتغالي الذي تنبأ له باستمرار الركود عام 2012 مع توقع ارتفاع نسبة البطالة من 11.1 في المئة الى 12.4 في المئة، وكذلك توقع التقرير صعوبات في ايرلندا واليونان، أما إسبانيا فستشهد نموا بمعدل 0.8 في المئة عام 2011 و 1.6 في المئة عام 2012، وتوقع التقرير نموا قدره 2.8 في المئة في الولايات المتحدة، اي أقل بـ 0.2 عما توقع في شهر يناير/كانون الثاني، وحذر التقرير من التضخم في الاقتصادات الآسيوية التي تشهد وتيرة نمو عالية، ونبه الى أن الطفرة يجب أن تبقى تحت السيطرة، وقال التقرير انه اذا شهد الاقتصاد الصيني تباطؤا فان ذلك سوف يؤثر على اقتصادات المنطقة، يذكر ان الصين والهند والبرازيل ساعدت في تخيف وطأة الركود في أماكن أخرى في العالم، بين عامي 2007 و 2009، وبعد انفجار فقاعات الودائع.

وقال التقرير ان التحدي بالنسبة للاقتصادات النامية هو أن لا تؤدي ظروف الطفرة الحالية الى تسخين غير صحي خلال السنة القادمة، أما بالنسبة لليابان فقد توقع التقرير انخفاضا في نسبة النمو بتأثر الهزة الأرضية وأمواج التسونامي التي عانت منها مؤخر، كما نبه صندوق النقد الدولي الدول الافريقية إلى ضرورة مراقبة انفاقها خلال عام مكدس بالانتخابات في المنطقة حيث يشكل ارتفاع اسعار الغذاء والوقود تهديدا كبيرا بالفعل للفقراء، وهذا هو اكثر الاعوام السياسية الافريقية ازدحاما منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث من المقرر اجراء 17 انتخابات رئاسية وعدد اكبر من الانتخابات البرلمانية والمحلية، ويزيد هذا الجدول المحموم المخاوف من احتمال ان تتخلي هذه الدول عن الحذر المالي من اجل كسب الاصوات وتقويض سنوات من التقدم الاقتصادي مضخمة النمو ومن المحتمل رفع الرواتب مما يؤدي الى مزيد من اشعال الضغوط التضخمية. بحسب رويترز.

وقالت انطوانيت سايح مديرة صندوق النقد الدولي لافريقيا خلال اجتماعات مع رؤساء مؤسسات مالية عالمية "هناك بعض القرارات الصعبة التي سيتعين على الحكومات اتخاذها هذا العام وتلك القرارات ستكون حتى اصعب في موسم سياسي ولكن نريد تشجيع الدول على مواصلة الاصلاحات بقدر ما تستطيع"، وجيبوتي وتشاد وسيشل وجزر الرأس الاخضر واوغندا وبنين والنيجر وجمهورية افريقيا الوسطى من بين الدول الافريقية التي ستجري انتخابات في 2011، وقد اجرت نيجيريا انتخابات رئاسية، وادى افراط الحكومة السابقة في غانا في الانفاق في 2009 خلال فترة الاعداد للانتخابات للجوء لصندوق النقد الدولي للحصول على قرض قيمته مليار دولار.

ويذكر ان ارتفاع سعر الغذاء صعب بشكل خاص بالنسبة لافريقيا حيث ينفق كثيرون معظم دخلهم المتاح على السلع الاساسية وسيؤدي اي نقص الى تفاقم الجوع وسوء التغذية، ويقول البنك الدولي ان 44 مليون شخص سقطوا في فقر مدقع في شتى انحاء العالم منذ يونيو حزيران 2010 عندما بدأت اسعار الغذاء في الارتفاع بسبب سوء الاحوال الجوية والنمو الاقتصادي، وقالت سايح وهي وزيرة مالية سابقة في ليبيريا "من المهم ان تبذل الدول كل ما في وسعها لحماية المكاسب الكبيرة التي حققتها وان تسعى بشكل حقيقي لاعادة بناء بعض من الحواجز ومقاومة بعض من الضغوط السياسية الواضحة واغراء زيادة انفاق الميزانيات"، ويتوقع صندوق النقد الدولي ان يبلغ النمو في الدول الواقعة جنوب الصحراء في افريقيا نحو 5.5 في المئة في 2011 وهو ما يزيد مرتين عن مناطق نامية اخرى مثل الشرق الاوسط وشمال افريقيا وامريكا اللاتينية ووسط اوروبا وشرقها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 2/آيار/2011 - 29/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م