الفقراء في وطني

هادي جلو مرعي

وفي كل وطن، هم الفقراء، وهم المستضعفون في الأرض، الذين يبحثون عن طريق خلاص من ربقة الجوع والحرمان الممض. لايجدون عضدا يرد عنهم عدوان الحاجة، وبلاءات الزمان، سوى كلمات تقال، وحسرات تكال، وطباع قاسية من عباد منّ الله عليهم بالمال والعمران والمناصب الرفيعة، أو ممن كفاهم الحظ الحسن غائلة ذلك الحرمان الراتب على صدور هؤلاء الفقراء، يسيرون فلا يهتدون الى موضع الإكتفاء، وقد سلبهم غيرهم ماكان قدّر لهم، لكن قوة أهل السطوة والنفوذ تعتاد السلب منهم دون أن تعيد لهم شيئا مما إستلبت.

في وطني العراق، يعيش الناس الكفاف، وإن كان أهل الغنى كثر، لكنهم كغثاء السيل لا خير فيهم سوى لأنفسهم ولذويهم وصحبتهم ومن ينتفعون منه، وفي ظل عجز الدولة ومؤسساتها المترهلة، لايجد هؤلاء الكثير من العون في قضاء الحاجات، وهي تفوق الحصر، وربما كان منها القليل لكنه يغني عن الكثير، فلو توفرت الوظيفة لإنسان منهم لكان في حال آخر يسد به حاجات نفسه وأهله، ومنهم من حين يمرض لايجد علاجا، وإذا وجده لايجد ثمنه، وإذا وجد ثمنه فمن طريق التوسل والسؤال، وهو المن بعينه والذل كما هو معلوم لكل ذي بصيرة، ومن أين تاتي بمن يقول للسائل حين يجيبه لسؤاله.. أكتب حاجتك على التراب وامض، فلا اريد أن أرى فيك ذل السائل، وفيّ عز المعطي.

كم من مريض معلول يبحث عن مال لإجراء جراحة في جسده، وهي في الغالب تكلفه مالا يعجز عنه، وحين يلجأ لغيره لايجد جوابا يشفي روحه المعذبة، وحين يجد فهو قليل لايسد الحاجة، بينما الرحمة صارت شعار الكذابين والدجالين، وأهل الثروات والمصالح، في حين تحولت المستشفيات العامة والخاصة الى محلات جزارة تقطّع الأوصال وتعجّل الآجال، ولا سبيل الى الشفاء الى مع العناء، وياله من عناء يخترق الروح ويدمي القلب فهو ذل راتب وعذاب ناصب.

ولقد جربت الحاجة، فوجدتها عاهر لاترتضي بسوى الفضيحة، حين تكشف عن عورتها، ولاترتدع، وتبغي الفساد، وتهلك أشد العباد بأسا، وأقواهم شكيمة، يمضي الوالد الى عالم الفناء بقتل أو وباء، أو علة دهماء، وتظل الزوجة حيرى، في عالم يحكمه الوحوش، ومعها صغارها الذين تزداد متطلبات معيشتهم وتعليمهم وتغذيتهم وكسوتهم، يكون الأذى لايطاق والحمل أثقل من أن تنوء به ظهر، ولا من معين، وحين لايجد الرجل عملا فهو كالمرأة العاقر لاخير فيه لأهله، وقد يمضي في طريق ضلالة تهلكه، وتطيح بحياته الى هاوية الإذلال والهوان، وربما جرفته سيول الفاقة الى طريق غير سوي، يبحث فيها عن بغيته فيرتكب المعاص ويقهر الناس ويسلب حقوق سواه، ويكون مآله الى التهلكة.

يالها من صورة، هي ذاتها التي إنتفض بسببها العرب في بلادهم وحطموا عروش حكامهم، وربما خربوا غير آبهين بسلطة ولا بغد يندمون فيه على فعل، حين وجدوا الوطن مرتعا للفاسدين، وسجنا للمستضعفين، فصار الدمار عمرانا بنظرهم، والخراب بنيانا شامخا بحسبانهم، ومنهم من إستعان بعدوه للخلاص من سطوة أخيه وابن جلدته الذي أهلكه ذلا وجبروتا وتهميشا وتقتيلا وسجنا. ولاحول ولاقوة إلا بالله ناصر المستضعفين،، أمثالي طبعا.

[email protected]

 

 

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 2/آيار/2011 - 29/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م