شبكة النبأ: على الرغم من المظاهر
العامة للحرب الأهلية في ليبيا، لم تصل الحالة الراهنة إلى جمود. فقد
تمكنت قوات معمر القذافي من التكيف على نحو ما في وجه السيطرة الجوية
لمنظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وتواصل عملياتها الهجومية. وعلى
الرغم من أن قوات المتمردين في الشرق تعمل ببطء على تحسين تنظيمها
واتصالاتها وقدراتها القتالية، إلا أنها بعيدة كل البعد عن أن تكون
قادرة على اكتساب الأراضي والسيطرة عليها حتى ضد قوات النظام
المستنفذة. لقد كانت عمليات "الناتو" كافية لمنع هزيمة المعارضة وإضعاف
قدرة القذافي على قيادة قواته وتعزيزها أو استخدام الأسلحة الثقيلة ضد
المتمردين والمدنيين. بيد، لم تكسر قوات التحالف رغبة النظام أو قدرته
على مواصلة القتال، كما يتردد حلف "الناتو" في اتخاذ الخطوات العسكرية
المطلوبة لتحويل دفة الأمور بسرعة.
فكما يرى جيفري وايت في تحليله السياسي حول ليبيا المنشور في موقع
معهد واشنطن للدراسات الشرق الادنى، إن كلاً من حلف "الناتو"
والمتمردين سيعاني من انتكاسة كبرى إذا استسلم المعقل الغربي في مصراتة
أمام هجمات النظام. ورغم ذلك، فما لم يعمل الغرب بمزيد من العزم ويتحمل
خطورة عملياتية أكبر، فمن المرجح أن تسقط المدينة، وربما يحدث ذلك في
وقت قريب.
حرب على جبهتين
ويقول وايت (وهو المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية)، لقد ظهرت
ساحتان واضحتان للحرب في ليبيا. الجبهة الشرقية التي استقرت أساساً قرب
أجدابيا، والساحة الغربية التي تتضمن عدة أقسام مستقلة. ففي الشرق،
تحول الآن نمط التقدم والتراجع من كلا الجانبين إلى مناوشات غير حاسمة
حول أجدابيا، حيث ليس بوسع أي من الطرفين الحصول على ميزة واضحة.
وتتواجد وحدات النظام في نهاية خط إمداد طويل، بينما يواصل حلف "الناتو"
هجومه على أسلحة النظام الثقيلة ودعمه اللوجيستي، ورغم أن لجوء النظام
إلى استخدام القوات الخفيفة قد عقّد من العمليات الاستهدافية التي
ينفذها "الناتو"، إلا أنه لم يتح لقوات القذافي تحقيق المزيد من التقدم
ضد المقاومة المترسخة التي يساندها دعم "الناتو" الحاسم. ومن جانبها،
لا تزال قوات المتمردين تفتقر إلى القدرة على التخطيط وتنفيذ عمليات
هجومية جادة، كما تتعرض لضغط هائل للاحتفاظ بالأراضي التي اكتسبتها،
حتى مع وجود مساعدة أجنبية.
وينوه في الغرب، لم يُسجل النظام أي نجاحات واضحة في الأسابيع
الأخيرة؛ وقد كان آخر نصر كبير حققه هو سقوط الزاوية في 11 آذار/مارس.
ووفقاً لذلك، تُمثل المعركة على مصراتة أهمية خاصة من النواحي العسكرية
والنفسية والسياسية.
ومنذ بداية النزاع أصبح القتال في مصراتة أكثر ضراوة، حيث يستخدم
النظام نيران المدفعية العشوائية والذخائر العنقودية والأسلحة الثقيلة
والقناصة في المدينة لعزل المعارضة وسحقها. أما المتمردون فهم مسلحون
فقط بأسلحة خفيفة، ورغم استغلالهم لمزايا الدفاع من داخل المناطق
الحضرية، إلا أنهم يعانون من الاستنزاف المستمر والإجهاد المتزايد. وقد
ذكرت التقارير أن قوات المعارضة في الشرق حاولت إرسال رجال وأسلحة إلى
مصراتة، إلا أن أي جهود من هذا القبيل لم تغير الوضع بشكل ملحوظ. وعلى
الرغم من أن المتمردين قد أظهروا ثباتاً ملحوظاً، إلا أن احتفاظهم
بالقوة في ظل هذه الظروف في محل شك.
ويتابع، في غضون ذلك لا تزال مدن نالوت والزنتان والقلعة ويفرن في
جبل نفوسة جنوب غرب طرابلس تقع تحت سيطرة المتمردين وتستمر في التعرض
لهجمات النظام. إن البربر غير الموالين للنظام هم الذين يسكنون هذه
المنطقة وكانوا قد ثاروا ضد حكم القذافي منذ بداية الحرب.
وفي طرابلس ذاتها، تفيد التقارير أن المقاومة السرية المنظمة
والحذرة لا تزال مستمرة. ويشير ذلك إلى احتمالية معاودة ظهور معارضة
مفتوحة إذا بدا أن قبضة النظام آخذة في الانزلاق.
العوامل الدافعة
ويشير وايت، هناك عدة عوامل هامة دفعت بالصراع إلى وضعه الحالي.
وكما ذُكر سابقاً، تكيفت قوات النظام مع الظروف التي فرضتها القوة
الجوية لحلف "الناتو"، حيث تستخدم نظم المدفعية وقذائف الهاون والقوات
الآلية الخفيفة والقوات الثقيلة حسبما يكون ملائماً لطبيعة الأرض
والأوضاع. وتُستخدم المدفعية لاستنزاف قوات المتمردين في المناطق
السكنية، وإرغامهم على الفرار كلما افتقروا إلى الحماية، وإرهاب
مؤيديهم من المدنيين. كما تُستخدم القوات الخفيفة -- سواء من الجنود
المشاة أو المحمولين على مركبات الدفع الرباعي -- في المناطق الحضرية
أو المفتوحة للحد من التعرض لهجوم جوي أثناء تنفيذ هجماتهم. كما
تُستخدم القوات الثقيلة مثل الدبابات وعربات القتال المدرعة في البيئات
الحضرية حيث يكون "الناتو" أقل استعداداً للمخاطرة بوقوع أضرار مصاحبة،
أو حتى في المناطق المفتوحة إذا كان النظام يرى أن الأمر يستحق
المخاطرة. إن هذا الجمع بين القوات والتكتيكات قد أتاح للقذافي مواصلة
الضغط على قوات المتمردين وعكس بعض نجاحاتهم رغم تدخل حلف "الناتو".
وفي الواقع، لم تثبت القوة الجوية لمنظمة حلف شمال الأطلسي أنها عصا
سحرية تكتسح قوات النظام من الميدان. إن الأصول الهجومية المحدودة،
والافتقار إلى معلومات دقيقة في الوقت المناسب حول الأهداف المتحركة،
وانخفاض المخاطرة فيما يتعلق بالأضرار المصاحبة، وقواعد الاشتباك
المختلفة بين الجيوش المساهمة قد نجم عنها استخدام القوة بصورة كانت
أقل من أن تكون حاسمة.
ويضيف، مع ذلك فلجهود "الناتو" تأثيرات خطيرة على الأرض. فمنذ 11
نيسان/أبريل، عندما بدأ التحالف يوفر تقارير عملياتية يومية، تم تنفيذ
512 هجوماً جوياً (40% من الجهد الكلي) وإصابة 33 مخبأ محصن تحت الأرض
و39 مخزن للذخيرة و48 دبابة/عربة مقاتلة مدرعة، و10 نظم مدفعية. وتظهر
بيانات "الناتو" عن استمرار استهداف منشآت القيادة والمرافق اللوجستية
والمركبات والأسلحة الثقيلة في مناطق طرابلس ومصراتة وسرت وأجدابيا/مرسى
البريقة والزنتان. كما يدّعي التحالف بحدوث تراجع ثابت وكبير في قدرة
الحكومة على قيادة ودعم قواتها، رغم أنه يعترف بأن النظام لا يُظهر أي
علامة على الانسحاب من الصراع.
كما أن طبيعة قوات المتمردين قد أسهمت أيضاً في الوضع الراهن للحرب
الدائرة. فقد ظلوا يفتقدون إلى التنظيم الجيد ويتلقون دعماً عشوائياً
ولديهم قيادة تتسم بعدم المبالاة. ولا يزالون يفتقرون إلى الأسلحة
والتدريب لمواجهة قوات النظام في أي شئ يقترب من أن يكون متكافئاً.
وعلى الجانب الإيجابي، فقد بقوا على استعداد للقتال (كما تبيّن في
المعارك على مصراتة وأجدابيا)، حتى لو كانوا عرضة للارتباك والهروب عند
الهجوم عليهم في مناطق مفتوحة.
ورغم أن الوضع في مصراتة مروع، إلا أن حظوظ المتمردين قد تتغير بشكل
مواتٍ في مناطق أخرى بمرور الوقت. وقد التزم "الناتو" بالإبقاء على
عملياته حتى رحيل النظام، وهناك تأثيرات للهجمات المستمرة التي ستزداد
على الأرجح بمرور الوقت. ومن المرجح أن يستمر تحسن وضع قوات المتمردين،
في حين ستصبح قوات القذافي في النهاية ذات فعالية أقل بسبب الاستنزاف
وفقدان القيادة والتحكم وتراجع القدرات اللوجستية. وبالإضافة إلى ذلك،
يتنامى الوضع الدبلوماسي للمتمردين في ظل اعتراف دولي فعلي وزيادة
المساعدات المالية، بينما هناك احتمال ضئيل -- بل بالأحرى لا توجد أي
فرصة لتحسن الوضع الدبلوماسي للنظام.
التداعيات
ويرى جيفري ويات، لقد بقي عدد من القضايا الحاسمة لمسار الحرب
المستقبلي دون حل. فعلى سبيل المثال، كانت قدرة قوات النظام على الثبات
مدهشة عقب تسعة أسابيع من القتال -- فما الذي تبقى لهم من حيث
احتياطيات معدات القوات، ناهيك عن الاحتياطيات البدنية والعقلية
للوحدات المقاتلة؟
كما أن الأمر محل التساؤل هو فيما إذا سيتمكن المتمردون من إيجاد
واستخدام قوات كافية بشكل فعال للاستيلاء على الأرض والاحتفاظ بها. لقد
أظهر المتمردون بعض القدرات الدفاعية، إلا أن عملياتهم الهجومية قد
فشلت باستمرار وسط مشاهد فوضوية تمثلت بالهروب وعدم التنظيم. إن تدفق
القليل من الأسلحة والمعدات الأجنبية (بما في ذلك أجهزة الاتصالات) إلى
جانب وجود أعداد متزايدة من الفرنسيين والبريطانيين وغيرهم من
المستشارين سوف يحسن من قدرات المتمردين في شرق البلاد، لكن من المرجح
أن تكون هذه عملية بطيئة.
وفي غضون ذلك، فإن مصراتة هي على وشك السقوط. ورغم أن مثل هذه
النتيجة قد لا تكون حاسمة للحرب بشكل إجمالي، إلا أنها ستمثل إحراجاً
كبيراً لحلف "الناتو" وانتكاسة خطيرة للمتمردين وانتصاراً للنظام
ومأساة للسكان. ورغم ذلك، من المرجح أن يحدث هذا السقوط ما لم يتخذ
"الناتو" إجراءً قوياً في وقت قريب.
وبشكل أوسع نطاقاً، إن عدم رغبة التحالف في تحمل المخاطر والهجوم
على قوات النظام بقوة أكبر قد يؤثر على الصراع برمته. إن القدرات هي
ليس ما تفتقر إليه مهمة حلف شمال الاطلسي، بل الإرادة لاستخدامها.
يتعين على "الناتو" أن ينفذ عملياته بأسلوب حاسم وكافٍ. إن الحرب تتعلق
إلى حد كبير بقوة الإرادة، والقذافي يتمتع حالياً باليد العليا على هذه
الجبهة.
نبذة عن معهد واشنطن
الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه
الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية
في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل
توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه
المنطقة الحيوية من العالم.
وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم
المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة
العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم
للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق
باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف
الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف
به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة. |