هل ستصبح ليبيا عراق اوباما؟

ميغان.او.سوليفان/واشنطن بوست-مجلس العلاقات الخارجية

ترجمة د سعد التميمي/قسم الترجمة في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

في أحاديثه وتصريحاته الأخيرة بشأن استخدام القوة العسكرية في ليبيا، سعى الرئيس اوباما إلى التأكيد للشعب الأمريكي بأن التدخل العسكري الأمريكي في ليبيا أمر يتسم بالحصافة والحكمة، وان هذا التدخل لا يشبه الحرب المكلفة والمثيرة للجدل في العراق، وحاول الرئيس اوباما تجاوز الأمر بعقد مقارنة بين الحرب ضد العراق وبين التدخل العسكري في ليبيا موضحاً الأسباب التي تقف وراء عدم سعي الإدارة الأمريكية للإطاحة بمعمر القذافي بالقوة، وقال اوباما (لأكون صريحاً لقد ذهبنا في ذلك الطريق في العراق ولكنني أوجه رسالة مفادها أنني لست بوش وبنغازي ليست بغداد).

ومع الأخذ بنظر الاعتبار الاختلافات الواضحة بين الأوضاع في العراق وليبيا (إذ لا توجد قوات برية في ليبيا ولا قرار للأمم المتحدة في العراق)، إلا أن القليل سوف يأخذ هذه المسألة بعين الاعتبار والاستنكار والاحتجاج، ومع ذلك فأن طريق اوباما في ليبيا يماثل إلى حد كبير طريق جورج دبليو بوش عما يبدو عليه الآن، وبالنسبة لأولئك المرتبطين بشكل عميق في حرب العراق منا، فأنه من الصعب عدم سماع الأصداء المتعلقة بالمخاطر المحتملة للتدخل العسكري الأمريكي الجديد، وعلى الرغم من الظروف المختلفة، إلا أن حرب العراق وحرب أفغانستان تقدمان رؤى صعبة حول طبيعة التحالفات وحدود القوة العسكرية وتأثيرات العواقب غير المقصودة، وأخذ تلك الأمور بنظر الاعتبار تعرض لنا فرصة لتجنب تكرار أخطاء الماضي في ليبيا خصوصاً تلك التي أثبتت لنا الأيام أنها كانت مكلفة للغاية للناس وللآخرين الذين كنا نحاول مساعدتهم.

 تحقيق النجاح يحتاج إلى أهداف واضحة:

 ذهبت إدارة بوش إلى العراق ولديها أهداف متعددة بدءاً من أيجاد وتدمير أسلحة الدمار الشامل إلى بناء دولة ديمقراطية جديدة في قلب الشرق الأوسط، ولكن حتى في أعلى المستويات هناك اختلافات بين المسؤولين الأمريكيين حول أهمية إقامة عراق ديمقراطي بالنسبة للطموحات والمصالح الأمريكية، وغموض الغرض والهدف ساهم في خلق معضلة خطيرة تتمثل في أن الولايات المتحدة أسست مشروعاً احتلالياً معقداً ومتعدد الأوجه إلى جانب مشروع بناء الدولة دون التخطيط والموارد المطلوبين لتحقيق النجاح. ومع ذلك وحتى بعد أحاديث وتصريحات اوباما الأخيرة في جامعة الدفاع الوطني، فأنه لا يزال من غير الواضح ما الذي يعتبره الرئيس نتيجة مقبولة في ليبيا، والانخراط في عمل عسكري وإدعاء الرغبة في تغيير النظام في الوقت الذي يجري فيه الحديث عن عدم الرغبة في استخدام القوة لتحقيق ذلك الهدف مع توفير الدعم لأولئك الذين يسعون للإطاحة بالقذافي يعد أمرا مربكاً للمسؤولين داخل الإدارة وبين صفوف الجمهور كذلك، وافتقار الرئيس للوضوح يمكن أن يعمل على انحسار وتآكل التأييد والدعم الشعبي للعملية خاصة إذا كانت طويلة وفوضوية، كما أنها قد تدفع الإدارة إلى مهمة أكثر طموحاً مما هو في مصلحة الولايات المتحدة او أن يؤدي إلى خيبة أمل عربية بشأن دور أمريكي أكثر محدودية.

عدم اقناع الرأي العام الأمريكي بموضوع السيناريو الأفضل:

جرى انتقاد فريق الأمن القومي لبوش بسبب مزاعمه بأن غزو العراق سيكون سريعاً وسهلاً وغير مكلف، وكانت تلك المزاعم خاطئة ليس بسبب التكاليف والمصاعب المرتبطة بالإطاحة بصدام حسين عن طريق القوة العسكرية والتي كانت أعلى مما كان متوقعاً، ولكن لأن الإدارة فشلت في تحديد الصعوبات المحتملة المتعلقة بالتعامل مع عراق ما بعد صدام حسين وإمكانية وجود دور أمريكي أكثر تعقيداً وإطالة في البلاد. ويمكن لأوباما تهيئة نفسه لارتكاب الخطأ ذاته، إذ ركز خلال أحاديثه وتصريحاته على دور أمريكا في التدخل العسكري وكان على ثقة من أن الارتباط والمشاركة الأمريكية ستكون محدودة ومحجمة بشكل كبير حتى قبل اكتمال الجهود المتعلقة بليبيا، وهناك اقتراح يرى بأن الدور الأمريكي المستقبلي سوف يعتمد على ما سيحصل في أعقاب العمل العسكري، وبدلاً من ذلك جاء قرار اوباما بالتدخل العسكري في ليبيا اعتماداً على تحليل (التكلفة – الفائدة) المستند على التدخل العسكري دون الأخذ بنظر الاعتبار الأوضاع التي لا يمكن التكهن بها بالنسبة لليبيا ما بعد القذافي.

والسؤال المطروح هنا هو هل أن العواقب غير المقصودة لعمل عسكري تتطلب اشتراكاً أكثر اتساعاً للولايات المتحدة في ليبيا (مثلما فعلت في العراق)، وعلى اوباما أن يكون مستعداً بشكل جيد لتساؤلات الرأي العام الأمريكي حول السلبيات المحتملة لهذا التدخل.

 القوة العسكرية لوحدها قادرة على تحقيق الكثير:

 اسأل أي أمريكي (سواء كان عسكرياً أم مدنياً) عن أهم واكبر ما واجهه من الخدمة في العراق او أفغانستان وستسمع الكثير عن الدروس المستخلصة، ففي كلا الحربين حقق التفوق العسكري الأمريكي انتصارات أولية سريعة ولكنه فعل الشيء القليل بالنسبة للأهداف المتوسطة والطويلة الأجل، واحتاجت واشنطن إلى موارد اقتصادية وسياسية اكبر لضمان المكاسب وتعزيزها وملء الفراغات الناشئة عن إزالة صدام حسين وحركة طالبان. أما في ليبيا وفي الوقت الذي منحت فيه القوة العسكرية المقاتلين المتمردين مهلة وبسرعة إلا أن الوضع الحالي غير مرغوب فيه وليس دائمياً، ومهما كانت نتيجة العملية العسكرية (سواء أكانت بلداً مقسماً او نهايةً لنظام القذافي)، فأن ليبيا سوف تحتاج دفعات كبيرة من رأس المال السياسي والموارد المالية سواء للحفاظ على المتمردين في مناطقهم او لإعادة بناء الأمة.

لا تتوقع من السلطات المحلية فعل الشيء الكثير بسرعة كبيرة:

ذهبت الولايات المتحدة إلى العراق وأفغانستان ولديها خطط لأجراء نقل سريع للسلطة بمجرد ذهاب الأشرار والسيئين والقضاء عليهم، وفي أفغانستان تولت الأمم المتحدة السيطرة على مستقبل البلاد السياسي، أما في العراق فقد كانت الخطة الأولية تتمثل في تسليم السلطة إلى العراقيين بشكل سريع، ولكن في كلتا الحالتين كانت الولايات المتحدة غير قادرة على التحرك وأصبحت متورطة في عمليات بناء الأمة المعقدة. أما في ليبيا فقد اخذ اوباما بالفعل يتحدث عن مرحلة تسليم زمام الأمور هناك إلى سلطات دولية وليبية لإنشاء حكومة شرعية في ليبيا ما بعد القذافي، وفي هذا الصدد قال اوباما (في الوقت الذي ستقوم فيه الولايات المتحدة بدورها في مجال تقديم المساعدة إلا أنها ستصبح مهمة خاصة بالمجتمع الدولي، والاهم من ذلك مهمة خاصة بالشعب الليبي نفسه).

وبغض النظر عن مهارات وإمكانات الشعب الليبي إلا انه سوف يحتاج إلى مساعدة دولية كبيرة، وهناك حقيقة مفادها أن الشعوب التي عانت من عقود طويلة من القمع والاضطهاد نادراً ما تزدهر بسرعة فور زوال الديكتاتور، وفي العراق مثلت العزلة الدولية خلال حقبة صدام حسين حاجزاً أمام الجهود المبذولة لإعادة بناء الدولة، وجعل هذا الأمر النشاطات الجديدة مثل اختيار علم جديد عملية معقدة ومؤلمة، وبالتأكيد أن عملية إعادة أعمار ليبيا ستكون أكثر سلاسة ولكنها إذا أصبحت أكثر صعوبة وتكلفة عما هو متوقع، فأن تعهد اوباما باشتراك أمريكي محدود سيصبح أجوفا وعديم الفائدة، وربما تكافح الولايات المتحدة لفك الاشتراك في ليبيا المشحونة دون تكبد عناء الحصول على انتقادات حادة من العالم العربي، وهو ما سيثير الشكوك حول مصداقيتها كشريك او مواجهة تهديدات أمنية جديدة قادمة من دولة ضعيفة او حرب أهلية في شمال أفريقيا.

الأمن الذي يوفره الخارج بحاجة إلى بناء مؤسسات سياسية مستدامة:

 قضت إدارة بوش معظم سنواتها الأولى في العراق وهي تعتقد بشكل خاطئ في أن التقدم السياسي سوف يجلب الأمن، ومما يحسب لها أنها راجعت تفكيرها وإستراتيجيتها خلال عملية مراجعة الإستراتيجية الأمريكية في العراق والتي أدت إلى زيادة عدد القوات الأمريكية في العراق وجرى إعلانها من قبل بوش أوائل عام 2007، وجرى بناء الإستراتيجية الجديدة على إدراك مفاده أن القيادات المحلية والوطنية بحاجة إلى قدر من الأمن يمكنها من اتخاذ قرارات صعبة حول تقاسم السلطة والموارد، وغياب الأمن بشكل كبير والذي واجهه المواطنون يعد العامل الأهم وراء تصاعد الطائفية والصراع الداخلي عامي 2006 و2007.

والسؤال المطروح هنا هو من الذي سيوفر الأمن إلى الليبيين؟ ففي بلد مثل مصر ربما توجد هناك مؤسسات أمنية ما تزال مشروعة وقادرة على العمل بعد الثورة او تغيير النظام ولكن مصر نموذج استثنائي، والشعب الذي رفض عقوداً من الحكم الديكتاتوري من غير المحتمل أن يقبل وجود القوات الأمنية التي كانت الأدوات الرئيسية للقمع والاضطهاد بمجرد الإطاحة بالحكم، وجيش القذافي الذي فقد مصداقيته بشكل كامل في عيون الليبيين سوف لن يقدم نفسه كعامل استقرار للبلاد بعد سقوط الديكتاتور، ولذلك ستكون هناك حاجة لوجود قوة خارجية محايدة خاصة بحفظ السلام على الأقل في المدى القصير لتوفير الأمن في الوقت الذي يقوم فيه الليبيون ببناء مستقبلهم السياسي الجديد.

التحالفات تتطلب اهتماماً ورعايةً مستمرتين:

 المنافع والمكاسب السياسية المتعلقة بإنشاء تحالف (خاصة إذا كان يضم دولاً عربية) في التدخلات العسكرية مثل ذلك الحاصل في ليبيا كبيرة ومهمة، ولكن الحفاظ على مثل هكذا تحالف جرى إنشاؤه زمن الحرب أمر صعب ويتطلب قيادة أمريكية مستمرة خصوصاً عندما تجري إدارة العملية من قبل الناتو، ورغم أن دولاً مثل الدنمرك وكندا وبريطانيا قد قدمت مساهمات مهمة لجهود الحرب الدائرة في أفغانستان إلا أن الولايات المتحدة تبقى هي القوة المهيمنة والمساهم الرئيس في تلك الحرب، وتسليم أفغانستان إلى الناتو في عام 2006 اثبت انه أمر منهجي ونموذجي.

وقد بذلت إدارة اوباما الكثير من الجهود لتسليم مهمة ليبيا إلى الناتو، ونظراً لأن الحكومات الأوربية تعتبر ليبيا أكثر أهمية بالنسبة لمصالحها من أفغانستان، فأن مهمة الناتو في ليبيا ستحصل على دعم سياسي اكبر من أوروبا، ومع ذلك من غير المرجح أن يترجم مثل ذلك الدعم إلى موارد اقتصادية او عسكرية اكبر لأن الدول الأوربية تعمل ببساطة على تخفيض ميزانياتها العسكرية بدلاً من زيادتها.

وبعيداً عن مسألة الموارد تبقى مسألة مهمة وهي التوافقات، فالتحالفات أمر رائع طالما أن جميع الأطراف متفقة بشأن الاستراتيجية وعندما يختلف أعضاء التحالف كما حصل بين الولايات المتحدة وبريطانيا عندما حصل بينهما خلاف بشأن موضوع المخدرات في أفغانستان، تسبب هذا الأمر في إضاعة وقت ثمين هناك، وعندما احتضن اوباما موضوع تغيير النظام في ليبيا بشكل مفتوح والذي يتجاوز الطموحات التي جرى التعبير عنها من قبل جامعة الدول العربية والأمم المتحدة، فأن هذا الأمر كان له صدى سلبي لدى بعض حلفاء الولايات المتحدة.

عدم نسيان الدول المجاورة:

 لم تقدر إدارة بوش في بداية الأمر حجم وأهمية الصراعات في أفغانستان والعراق بالنسبة لإعادة تشكيل موازين القوى الإقليمية في المنطقة، ووفرت إزالة كل من طالبان وصدام حسين (جيران إيران وابرز أعدائها) دفعة قوية لطهران في سعيها من اجل الهيمنة الإقليمية، وكان ينبغي أن يصاحب الأعمال ضد طالبان وصدام حسين استراتيجية إقليمية أوسع للتعامل مع إيران جريئة أكثر مما هو متوقع.

ومن الأسئلة التي تثار بالنسبة لموضوع ليبيا، العواقب غير المقصودة الناجمة عن عمل عسكري في ليبيا؟ كيف ستكون ارتدادات هذا الأمر في أماكن أخرى داخل شمال أفريقيا والشرق الأوسط؟ ويمكن القول أن إدارة اوباما تستحق التعاطف للتعامل مع هكذا أحداث مهمة في المنطقة خلال هذه الفترة القصيرة ولكن مثل هذا التعامل سوف لن يكون مبرراً للفشل في وضع إستراتيجية إقليمية تتعامل مع الآثار الناجمة عن التدخل في ليبيا والتحولات الداخلية المتزايدة في المنطقة.

القرارات الصغيرة اليوم تتعاظم غداً:

تدل التجارب في العراق وأفغانستان وبوضوح على أن القرارات التي ستتخذ بشأن ليبيا في الأسابيع والأشهر القادمة سوف تؤثر بشكل غير متناسب على مسار الدولة لسنوات قادمة، فعلى سبيل المثال سمح الاختيار المبكر لإعلان العراق دولة فيدرالية للشمال الكردي بالازدهار ولكنه بالمقابل زرع بذور معارك مستمرة حول السلطات المتعلقة بتطوير النفط والغاز في العراق، وبالمثل حددت القرارات المبكرة التي جرى اتخاذها بشأن استبعاد مجموعات معينة من السياسة (كبار أعضاء حزب البعث في العراق او تلك المرتبطة بطالبان في أفغانستان) من الذي جرى استثماره في الدول الجديدة ومن الذين سيواجهونهم؟.

ويمكن القول أن ليبيا وتونس ومصر لم تنجو من التبعية لهذا المسار، ولكن إدراك أهمية الخيارات المبكرة والاعتراف بها ينبغي أن يشجع كل من اشترك بما فيهم من في واشنطن وأوروبا والشرق الأوسط على الإبطاء والتركيز بشكل اكبر على صياغة عملية مشروعة لصناعة القرار بدلاً من التركيز على تقديم نتائج محددة في هذه المرحلة المبكرة.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

http://www.fcdrs.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 1/آيار/2011 - 28/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م