
شبكة النبأ: ربما يتذكر المرء عند
محاولته تقييم موجة التظاهرات الشعبية، التي تجتاح العالم العربي في
الوقت الراهن، ما قاله مرة شو إن لاي، رئيس وزراء جمهورية الصين
الشعبية في عهد الزعيم الصيني الشهير ماوتسي تونغ، رداً على سؤال حول
رأيه بالثورة الفرنسية. قال لاي: أعتقد أن من السابق لأوانه بعد التحدث
حول هذا الموضوع.
فحكام اسرائيل يترقبون ما حدث من ثورات في الدول العربية بشكل صامت،
فيما تتضارب تحليلاتهم واستشرافهم للمستقبل وكيف ستكون العلاقة مع
انهيار حلفائهم القدامى امام غضب الشعوب المنتفضة.
وتحاول اسرائيل بشكل جلي عدم اطلاق اي تصريحات مغلوطة او احكام
مسبقة، قد تتبنى تصورات خاطئة مع تعتبره ضبابية مطلقة في المواقف
السياسية ازائها من قبل الانظمة السياسية الجديدة خصوصا في مصر وتونس
وما سترتب عليه الاوضاع في الدول المنتفضة الاخرى.
خوف وقلة حيلة
فتحت عنوان الربيع العربي برد قارس على الإسرائيليين يقول توبياس
باك في تقرير لصحيفة الفاينانشيال تايمز إن معظم الإسرائيليين يرون في
انفجار الاحتجاجات الشعبية عبر الشرق الأوسط شتاء مظلما كئيبا.
يقول الكاتب إن إسرائيل تشترك مع الدول الغربية في القلق إزاء
النوايا والهوية الفعلية للجماعات العربية المعارضة، إلا أنه لا مكان
في العالم يميل فيه الميزان بين الأمل والخوف بشدة نحو الخوف كما هو في
إسرائيل.
وينقل توبياس تفسير شلومو أفنيري أستاذ العلوم السياسية والمدير
السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية لو كنت تقيم في أوروبا وترى الفوضى
تضرب مصر فهذا أمر سيئ جدا بالنسبة لك، لكن هنا فالأمر ليس شديد السوء
فحسب بل ويغير حياتك. فقد عشنا 30 سنة من السلام مع مصر، والآن لا ندري
.
ويستطرد الكاتب فيقول إن ما يضع إسرائيل في خانة أخرى مختلفة عن
الغير ليس القلق حول المستقبل فحسب بل وتفسيرها للحاضر، فالمسؤولون
والمحللون يقرون بأن الاضطرابات السياسية الحالية هي مساع لإزاحة أنظمة
حكم طاغية ديكتاتورية. غير ان كثيرين يجادلون بأنه لا بد من النظر إلى
كثير من الاضطرابات من منظور الصراع الأوسع بين المعتدلين والحكام
المؤيدين للغرب من ناحية وبين القوى الأصولية للإسلام السياسي من ناحية
أخرى .
ويخشى المسؤولون الإسرائيليون من استغلال الجماعات المعادية
لإسرائيل مثل الإخوان المسلمون من أي انفتاح ديمقراطي وخاصة في مصر،
ويخشون من استخدام إيران ـ التي لا تزال تعتبر من قبل الإسرائيليين
أكبر خطر يهدد الدولة اليهودية ـ لهذه الاضطرابات لترسيخ موقعها في
المنطقة .
ويقول الكاتب إن من أشد مواطن قلق الإسرائيليين الإدراك بأنه ليس
بوسعها ما تفعله للتأثير على الأوضاع الحالية.
ويفسر ذلك بالقول إن المسؤولين يدركون جيدا أن إسرائيل تظل هدفا
سياسيا واضحا في المنطقة، وهذا يعني أن أي إعلان علني لتأييد أي جماعة
أو نظام سيرتد في شبه يقين إلى نحرها .
في صحيفة الجارديان مقال للكاتب البريطاني باتريك سيل مؤلف كتاب
الأسد ، السيرة الذاتية للرئيس السوري السابق حافظ الأسد ووالد الرئيس
الحالي.
وتحت عنوان إذا ما سقط الأسد فسنرى تحالفات المنطقة تنهار، يقول سيل
إن الرئيس السوري بشار الأسد ليس الوحيد الذي يشعر بقلق وهو يراقب
الاحتجاجات. فتغيير النظام هناك سيعيد تشكيل الشرق الأوسط.
يقول سيل إنه إذا ما عجز النظام السوري لبشار الأسد عن إعادة تأكيد
سلطته، وتم أسقاطه أو مجرد إضعافه بفعل فترة ممتددة من الاضطرابات
الشعبية فإن التداعيات الجيوسياسية لذلك الانهيار ستكون جمة.
ويوضح الكاتب أن حلفاء سورية كإيران وحزب الله وحماس سيؤلمهم فقدان
الدعم السوري، وهذا سيشعر إسرائيل برضى كبير، إلا أن مشاعر الرضى هذه
قد تخف قليلا إذا ما حل محل الأسد نظام إسلامي يكون أكثر تهديدا
لمصالحها وأمنها .
ويتوقع الكاتب أن تبتعد مصر مبارك عن إسرائيل، وتعود ثانية إلى
المعسكر العربي، بينما يتهدد الخطر تحالف سورية مع إيران (التي لا تحظى
بشعبية غالبية السكان من السنة).
وقد تشمل التغييرات على الخريطة الجيوسياسية ـ في نظر سيل ـ ظهور
تركيا كلاعب مستفيد تعزز علاقاتها التجارية ويكون لها دور في حل
النزاعات.
زمن هذه التغييرات أيضا تعافي العراق البطيء كقوة عربية كبرى من
الدمار الذي ألحقه بها توني بلير وجورج بوش والمحافظون الجدد في
الولايات المتحدة.
ويرى الكاتب ان إيران والعراق اللذين خاضا حربا ضروسا في
الثمانينيات من القرن الماضي قد يتقاربان تحت قيادة شيعية، ويشكلان معا
كتلة ذات بأس، وستبدو الاستثمارات الأمريكية الرهيبة بالمال والأموال
في حرب العراق بلا طائل أكثر من اي وقت مضى.
غير أن الكاتب يرى أن هناك تحالفات ستظل على حالها في رأي سيل، فمع
انتهاء الأزمة ستظل تركيا تعمل على تنمية صداقتها مع سورية مهما كان
النظام الحاكم فيها لأن سورية ستظل محورا رئيسيا في السياسة العربية
الطموح لتركيا. وقد تحل تركيا في الحقيقة محل إيران كالحليف الرئيسي
لسورية.
كذلك فإن الأزمة لن تقلص نفوذ سورية في لبنان ـ كما يتوقع سيل ـ
فالنظام السوري أيا كان لن يتحمل وجود حكومة مناوئة له في بيروت، لأن
أمنه خاصة فيما يتعلق بإسرائيل مرتبط بأمن جاره اللبناني.
ويختم سيل مقاله بالقول إن موجة الاحتجاجات التي تجتاح العالم
العربي قد دفعت بالنزاع العربي الإسرائيلي إلى الصف الثاني من
الاهتمامات، إلا أن ذلك قد يكون مؤقتا. وحتى يتم حل هذا النزاع فإن
المنطقة لن تشهد استقرارا أو سلاما فعليا.
مصر عائدة إلى حكـم الجنرالات
فيما رأت دراسة اسرائيلية جديدة صادرة عن مركز بيغن السادات للأبحاث
الاستراتيجية، التابع لجامعة بار ايلان انّ المجتمع المصري كان مختنقاً
في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، والآن افلت من هذه القبضة الحديدية.
وقال الباحث د. مردخاي كيدار، وهو الذي خدم على مدار ربع قرن في شعبة
الاستخبارات العسكرية بجيش الاحتلال (امان) إنّ الوضع الحالي في مصر
يشبه طنجرة الضغط التي تمت ازالة غطائها فجأة، وارتفعت درجة الوعي
العام للمواطنين في تجيير الادوات المشروعة لادارة الصراع، بحيث أصبح
لكل مجموعة من المجموعات التي تكوّن المجتمع المصري مجموعة مطالبها،
وهي تطور توقعات، كما انّها في رأيه على استعداد للبدء بـ«النضال
المسلح » ايضاً لتحقيق طموحاتها.
وتابع قائلاً انّ حالات الاعتداء على مراكز الشرطة، ونهب المتاحف
والمكاتب الحكومية والمتاجر هي نتيجة لخروج المواطنين عن القانون،
لافتاً الى انّ مثل هذا السلوك قد يسود في مصر لبعض الوقت، وهو على
غرار ما شهدناه في العراق بعد الاطاحة بصدام حسين عام ،2003 كما انّه
زعم قيام مجموعات اسلامية راديكالية في بلاد الكنانة بأعمال ارهابية،
على حد تعبيره.
وزعم، نقلاً عن صديق مصري يعمل في سفارة القاهرة لدى تل ابيب، انّه
في مصر لا توجد قواعد ولا قوانين، لا قيود ولا دكتاتورية النفس، كل شخص
يفعل ما يريد، يختار في اي لحظة متى يضبط نفسه أو يضع اعتبار للأخرى،
فإشارة المرور الحمراء مجرد توصية، الرشوة هي المعيار، يمكن لأي شخص
بناء على ما يريد فعل ما يريد، اي مدير يمكنه ان يعين ابناءه وبناته
واخوانه بصرف النظر عن مؤهلاتهم، واللجوء الى العنف ضد الضعيف هو
السائد على نطاق واسع، من هنا يستنتج انّ نظام مبارك كان هشاً وضعيفاً
ولم يخف الناس.
وتابع د. كيدار قائلاً انّ الجيش قام بتعليق الدستور المصري لمدة
ستة اشهر من اجل فرض النظام، وبعبارة اخرى، لوضع غطاء جديد على طنجرة
الضغط، ومع ذلك، فإن الحزب الوطني الديمقراطي، حزب الوفد، الناصريين،
الاشتراكيين الشيوعيين، والجماعات الدينية المتطرفة بطبيعة الحال، بمن
في ذلك الاخوان المسلمون سيحاول كل منهم ان يدير الامور لمصلحته
ولمصلحة مبادئه، الامر الذي قد يؤدي بحسب الدراسة الاسرائيلية، الى
اشتباكات في الشوارع وهذه الصراعات الداخلية بين مختلف القوى السياسية
الفاعلة في مصر، يمكن ان تخلق فراغاً سياسياً يسمح لقوى اجنبية بالتدخل،
وزعم ايضا انّ الجمهورية الاسلامية الايرانية وحزب الله اللبناني وحركة
المقاومة الإسلامية (حماس)، تنتظر بفارغ الصبر ان تقوم هذه القوة
المصرية او تلك بطلب المساعدة منها لكي تتدخل في الشأن الداخلي المصري،
مشيراً الى انّ الامر يتطابق تماماً مع ما في العراق بعد الاطاحة بنظام
صدام حسين، مؤكداً أنه حتى يومنا هذا، لا يعرف النظام العراقي الجديد
الاستقرار السياسي الداخلي، والنظام ايضا ما زال غير مستقر.
وبحسب الباحث كيدار، المتخصص في شؤون العالم العربي والاسلامي، فإنّ
الجيش المصري، حتى الآن، لم يبد اي رغبة في الاستيلاء على السلطة بشكل
دائم، ولكن هذا الأمر قد يتغير عندما يذوق الجيش طعم السلطة وقوتها
ونفوذها، وبالتالي لا يستبعد عودة مصر الى حكم الجنرالات، على حد وصفه.
وأشار الى المطلب المبدئي لجماعة الاخوان المسلمين باعادة
الانتخابات التي تمّ تزويرها في شهر نوفمبر الماضي. لافتا الى انّه في
الانتخابات التي سبقت الاخيرة حصلت الجماعة على اكثر من 30٪ من المقاعد
في البرلمان، وزاد الدكتور كيدار، في حال استجابة الجيش لمطلبهم بإعادة
الانتخابات، واجرائها بصورة نزيهة، فإنّهم سيحصلون على اغلبية المقاعد،
مثل الحال في تركيا، إذ سيتعين على الحكومة التعامل مع اجندة اسلامية،
ولا يستبعد الباحث من ان يقوم الاخوان في مصر بتغيير الدستور بشكل
قانوني بعد فوزهم بالانتخابات لمنع سيطرة العلمانيين على دفة الأمور في
مصر، على حد قوله كما حدث في ايران بعد الثورة الاسلامية عام .1979
وأوضح انّ الفترة المقبلة قد تكون في واقع الامر واحدة من الفترات التي
ستشهد الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في مصر، اذا امتنع المجلس
الاعلى عن اخذ زمام المبادرة بيديه لمدة اطول، كما انّه قد تقع سلسلة
من الاغتيالات السياسية. وتابع قائلاً انّ حالة الاضطراب يمكنها ان
تدفع لدى الكثير من المصريين للاعلان عن رغبتهم في ان تستجلب لمصر
شخصية قوية يمكن الاعتماد عليها مثل الشيخ يوسف القرضاوي. وخلص الباحث
الى القول انّه في المدى القريب فإن مجتمع مصر سيعاني دوامة من المكائد
السياسية وعدم الاستقرار، والأحداث التي ستشهدها مصر ستوفر عناوين
مقلقة للغاية، وبالتالي على حكومات العالم ان تكون في حالة تأهب وفي
حال من اليقظة حيال التطورات المقبلة في مصر، هذه التطورات التي يمكن
ان تهدد قناة السويس، والسلام مع إسرائيل والاستقرار الاقليمي في منطقة
الشرق الأوسط.
وصول الإسلاميين إلى السلطة
الى ذلك يرى ألكزاندر بلاي (مستشار إسحاق شامير سابقاً للشؤون
العربية) ان الإسرائيليين لن يتمكنوا أسوة بباقي دول العالم المشاركة
في فرح الثوار بإنجاز حقوقهم الأساسية.
فيقول بلاي، حتى بعد أن تمكن الثوار من الإطاحة ببعض الأنظمة
واحتمال أن تسقط بلدان أخرى بأيديهم، يبدو أن كل حركات الاحتجاج هذه
تتشارك في قاسم مشترك هو أنها تعبّر عن شوق الناس للحكم الديموقراطي،
ولم تتمكن بعد من تأمين قيادة سياسية مستقرة بالإضافة لافتقارها للقوة
العسكرية التي تمكنها من مواجهة أنظمة مصممة على البقاء بالسلطة.
وهذا ما اضطر البلدان الأوروبية للتدخل في ليبيا من أجل منع النظام
من ارتكاب مجزرة ضد الثوار.
لكن من الواضح أن هناك بشكل عام قوتين منظمتين في كل الدول العربية
تتمثل الأولى في المؤسسة العسكرية، التي تكون عادة جزءاً من النظام
القديم المكروه.
وتتجسد الثانية في الإسلام الراديكالي الذي يتفرع عادة الى فصائل
أخرى لكن يبقى أعضاؤها مؤمنين بأن حكم الشرع يتعين فرضه على الدولة
بالإضافة الى واجب محاربة الكفار.
لكن مع ضعف المؤسسة العسكرية أمام استياء وغضب الجماهير، وانشقاق
بعض وحداتها وانضمامها الى الثوار، يبرز الإسلام الراديكالي باعتباره
القوة الوحيدة القادرة فعلاً على العمل في كل هذه البلاد. بحسب صحيفة
هارتس الاسرائيلية.
غير أن ستيلاء الإسلاميين على السلطة في بلدان مهمة مثل مصر وتونس
سيكون نتيجة لاعتبارات تكتيكية وليس نتيجة لقرار استراتيجي بمعنى أن كل
بلد عربي يسقط فيه النظام القديم سوف يحل محله إن عاجلاً أو آجلاً نظام
إسلامي راديكالي.
ففي الوقت الراهن ليس هناك بديل ولا ظروف ملائمة تسمح بتطور حركات
ديموقراطية. ولاشك أن هذه القراءة الواقعية التي تتسم بالتشاؤم تتطلب
إلقاء نظرة عن كثب من منظور إسرائيلي الى الأحداث الجارية اليوم في
البلدان العربية.
ويشير بلاي، تعتمد إسرائيل، مثل معظم بلدان الغرب، على أربعة ممرات
بحرية استراتيجية مهمة لمنطقتها هي: مضايق البحر الأسود التي تخضع
لسيادة الحكومة التركية ذات الميول الإسلامية، والتي تسمح للبحرية
الروسية بالوصول للبحر الأبيض المتوسط.
مضيق باب المندب الذي يربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي ولا يبتعد
عن اليمن التي من المتوقع أن يكون نظامها هو التالي في السقوط بالمنطقة.
قناة السويس التي تسيطر عليها الآن حكومة مؤقتة سيحل محلها على الأرجح
نظام إسلامي راديكالي، ومضيق هرمز الواقع في الخليج، ويعتبر أهم ممر
لعبور النفط بالعالم، والذي يسيطر على شاطئه الشرقي نظام إيران المتطرف
منذ اندلاع ثورة الخميني عام 1979.
ولو تذكرنا الآن الحصار البحري الذي عانت منه إسرائيل خلال حرب عام
1973 نتيجة لإغلاق العرب باب المندب ثم عبور السفن الحربية الإيرانية
قناة السويس الشهر الماضي في طريقها الى سورية، لتبين لنا لماذا يتعين
على إسرائيل الانهماك بتفكير استراتيجي استعداداً لأي صراع محتمل آخر.
فحتى ولو كان استهلاكها النفطي لا يُذكر من منظور عالمي، ينبغي على
إسرائيل، التي تفتخر بأنها قاعدة متقدمة للغرب في المنطقة، وأنها حصن
للديموقراطية في الشرق الأوسط، أن تضع الخطط الملائمة لتأمين طرقها
النفطية في المنطقة.
بل وأكثر من هذا، يجب على إسرائيل العمل وفقاً للافتراض أن النظام
الإسلامي الذي سيبرز في مصر سوف يحاول الحصول على شرعية دولية. لذا،
وعلى الرغم من أن الحكومة الجديدة لن تعلن على الأرجح إلغاء معاهدة
السلام مع إسرائيل، إلا أنها ستتحرك لإضعاف الالتزام بهذه المعاهدة
بطريقة تسمح لها بتوجيه اللوم في انهيار المعاهدة على إسرائيل.
وفي مثل هذه الظروف من واجب إسرائيل انتهاج سياسة حذرة ومعتدلة وغض
النظر عن الانتهاكات البسيطة لمعاهدة السلام، والإعراب عن اهتمامها
علناً باستمرار دور مصر كوسيط في العملية السياسية بالمنطقة.
على أي حال، وبصرف النظر عن التطورات السياسية التي ربما تنشأ لاحقاً،
من المهم جداً أن نفهم أن المنطقة برمتها الآن تعمل وفقاً لقواعد
سياسية جديدة بالكامل. ومثل هذا الوضع يتطلب بالتأكيد تفكيراً
استراتيجياً جديداً، واتخاذ بعض القرارات المهمة مقدماً من جانب
إسرائيل.
لقد حان الوقت للبدء بذلك.
جبهة مقاومة عربية
من ناحيته اعرب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو عن قلقه
من توجه معاد لاسرائيل في القيادة المصرية الجديدة، كما نقلت عنه صحيفة
"هآرتس" الاسرائيلية.
وقال نتانياهو: "انا قلق جدا من بعض الاصوات التي بدأنا نسمعها
أخيرا في مصر (...) وانا قلق بالخصوص من تصريحات وزير الخارجية المصري"
نبيل العربي.
وكان محللون وخبراء فلسطينيون أكدوا في أحاديث منفصلة مع أن
إسرائيل الخاسر الأول في النواحي الاستراتيجية والعسكرية والسياسية
والاقتصادية جراء الثورات التي تشهدها الدول العربية، بينما ستستعيد
فلسطين محوريتها في الصراع العربي الإسرائيلي من جديد.
وأوضح هؤلاء أن مختلف السيناريوهات لما بعد الثورات العربية تدور في
فلك عودة الصراع العربي إلى نقطة الصفر وإنكفاء مشاريع التوطين، مع
إمكانية تحول سيناء إلى جبهة مقاومة عربية من دون الدخول في مواجهة
مباشرة بين العرب وإسرائيل.
ورأى محلل الشؤون الإسرائيلية الدكتور عدنان أبو عامر أن إسقاط
الجبهة المصرية هو بمثابة خسارة استراتيجية وإشكالية لا تقوى اسرائيل
على تحمل نتائجها، إذ أن هذا التحول شكل ضوءا خطرا لدى العسكر، لافتاً
إلى أن الجيش الإسرائيلي أصبح أمام واقع عسكري جديد ونوعي لم يعتد عليه
من أكثر من 30 عاما.
وقال: "التقديرات تشير إلى أن القبضة المصرية الرسمية على سيناء
آخذة في التراجع، ويمكن أن تتحول الخاصرة الجنوبية للدولة العبرية إلى
تهديد وصل إلى حد تشبيه المنطقة إلى وزيرستان الباكستانية". وأضاف عامر:
"لذلك فإسرائيل منذ الثورة المصرية لن تهمل أي جبهة مهما كان شكل
العلاقة معها". وأشار إلى الخسارة الاستراتيجية على مستوى العلاقات
الإقليمية الآخذة في التوتر، فهي فقدت
تصريحات معادية
من جانبه أكد المحلل السياسي طلال عوكل أن الثورات العربية ستواصل
تدحرجها إلى أن تصل إلى كل الأنظمة الاستبدادية سواء عبر طرق سلمية أو
عنفية، ولن تعفي محاولات التجميل التي يعمل البعض على تنفيذها الحراك
الشعبي من التغيير، مشيراً إلى أن أسباب الثورات تجاوزت الجوانب
الاقتصادية والاجتماعية على أهميتها، وتركزت في الحقوق المدنية
والسياسية.
وبين أن القضية الفلسطينية ستعود إلى محوريتها من جديد، وستستعيد
نفس المفردات والأجواء التي حملتها خلال سنوات سابقة من الثورة
والمقاومة مع إنكفاء مشاريع التسوية والتوطين في ظل تراجع عملية
التسوية، مؤكداً أن المنطقة أمام مشهد عربي مقاوم جديد يستعيد عبارات
الصراع وأدواته التي نسيناها منذ فترة طويلة.
وقال: "الشباب الذين يشكلون وقود الثورات هم من خرجوا ضد التطبيع
رغم أن فلسطين لم تكن قضيتهم عند الثورة، لكنهم هم من سيعيدون للقضية
توهجها". وأضاف: "لكن لن تدخل الشعوب في حروب كلاسيكية، وستعتمد على
المقاومة الشعبية وليس الجيوش التقليدية".
بدوره توقع خبير الأمن القومي الدكتور إبراهيم حبيب أن تكون سيناء
ساحة حرب جديدة ضد إسرائيل خصوصاً وأن الجيش المصري لن يمارس دور
الحماية للأمن الإسرائيلي من جديد إذا ما أوغلت إسرائيل في اعتداءاتها،
مشيراً إلى أن انفراط العقد مع مصر قد يؤدي إلى أن تلعب المقاومة
الفلسطينية والعربية والمصرية دوراً مهما في المستقبل.
وذكر أن الحدود المصرية الفلسطينية أمام ملفين، الأول يتعلق بتسهيل
حركة الفلسطينيين وهذا ما يبدو أنه في طريقه إلى التحسن، ولن تستطيع
إسرائيل التدخل في ذلك إلا إذا احتلت ما يعرف بمحور "فيلادلفي"، وهذا
سيكلفها ما لا تطيقه من احتلال منطقة بعرض 5 كيلومترات وطول نحو 12
كيلومترا. وقال حبيب: "عندها ستكون بين فكي كماشة من الجهة المصرية
والفلسطينية".
وشدد على أن الملف الثاني المتعلق بالتوطين وتبادل الأراضي، انتهى
إلى غير رجعة مع سقوط نظام مبارك، وبالتالي فشل مشروع غزة الكبرى،
معتبراً أن وأد ملف التوطين يكفي الفلسطينيين من تغير وجه المنطقة
السياسي.
وأشار إلى المخططات الاقتصادية التي تطرحها حكومة "حماس" من إنشاء
منطقتين اقتصاديتين، الأولى تجارية في العريش والثانية صناعية في الشيخ
زويد، مؤكدا أن اسرائيل تعيش حالة ذهول على كافة المستويات. |