في اليوم العالمي لحرية الصحافة

دور السلطة الرابعة في العراق المعاصر

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ربما يستحق الإعلام عموما والصحافة الورقية والألكترونية مرتبة أعلى من مرتبة السلطة الرابعة، بسبب دورها المحوري في بلورة وتوجيه الاحداث والانشطة المتنوعة في بلد ما، فهذه السلطة - مثلا- بمقدورها لو توافرت لها الظروف العملية المناسبة أن توجه الرأي العام بالاتجاه الصحيح أو الخاطئ، ويمكنها أن تسلط الاضواء الكاشفة على الحسنات والانتهاكات الحكومية والاهلية معا، ناهيك عن قدرتها على تفعيل الحياة العملية في ميادين السياسة والاقتصاد والصحة والتعليم وغيرها، وتوجيهها الوجهة التي ينبغي أن تكون عليها، لاسيما إذا تمتعت بالمرتبة التي تتيح لها حرية الطرح والتحرك والتوجيه، من دون ضغوط حكومية، أو فئوية، أو قبلية أو سواها.

في عراق ما بعد 2003 فُتحت الابواب على مصاريعها للاعلام بعد أحادية سياسية دامت عقودا، فحدث رد الفعل غير المحسوب بل غير المتوقَع، نتيجة للكبت والرقابة الصارمة على الاعلام في عراق ما قبل 2003، هذا الانفتاح الهائل والسريع ولّد عشوائية إعلامية هائلة بدورها، لدرجة أن العراق أصبح في شهور قليلة البلد الاول في الشرق الاوسط وربما العالم في عدد المطبوعات والصحف والمجلات، بالاضافة الى الاذاعات والفضائيات التلفزيونية وغيرها من وسائل الاعلام.

لكن تبقى لكل حيّز حيوي مضاعفاته السيئة وربما الخطيرة أحيانا، فقد رافق هذا الانفتاح الكبير عشوائية إعلامية هائلة أيضا، حتى بات من الممكن لكل من هبّ ودب أن يصدر جريدة أو مجلة أو يفتتج إذاعة أو فضائية، وهكذا صارت السمة العشوائية إحدى أوضح السمات التي طبعت إعلام العراق بعد التغيير، ومع مرور الوقت بدأت تتشذب الأخطاء وأخذ يتبلور المسار الاعلامي وصارت له قدرة التأثير الواضحة في توجيه الرأي العام والتدخّل في الحراك السياسي والمجتمعي عموما، وبدا يأخذ دوره الفعلي مع حصول بعض الاخطاء بسبب قلة التجربة وغير ذلك من الاسباب التي تعيق إعطاء الوجه الامثل للسلطة الرابعة في العراق.

لقد كافح الاعلاميون لكي يؤسسوا ويطوروا نهجا إعلاميا مستقلا لايسمح بالانقياد للسلطة بكل مسمياتها، لاسيما السلطة الحكومية، وحدثت في هذا الجانب نجاحات وإخفاقات متواترة، بمعنى أن الاعلام والصحافة لم تكن بمنأى من محاولات حكومية حثيثة لتجييرها لصالحها، كما أن الفئوية والحزبية والكتلوية السياسية بذلت جهودا كبيرة لكي تنمّي إعلاما معاضدا لها ومساندا لسياساتها ومروجا لأهدافها، مما أدى الى ضغوط واضحة حدثت على السلطة الرابعة وحاولت ان تفرّغها من محتواها وتحرفها عن رسالتها المستقلة، وفي الوقت نفسه كانت هناك جهود مخلصة تصب في بلورة وترسيخ العمل الاعلامي السليم الذي يتسق وينسجم مع طبيعة المرحلة المعاصرة للعراق.

لكن تبقى السلطة التنفيذية هي المؤثر الأقوى على الاعلام، وهي الخطر الأول عليه، لهذا لابد أن يتنبّه القائمون على السلطة التنفيذية الى ضرورة مساندة الاعلام المستقل، وتوفير المناخات والعناصر الساندة له، لأن الاضرار التي قد تلحق باستقلالية الاعلام لا تنحصر به فحسب، إنما تتجاوز ذلك الى الحكومة نفسها، حيث تتحول شيئا فشيئا الى حكومة الصوت الواحد والرأي الذي يقصي الآراء الأخرى، وهذا سيشكل ضربة قاصمة للتجربة العراقية الجديدة برمتها.

هذا يدعونا فعلا الى حماية الصحفي وتوفير الاستقلالية التامة له وحرية وصوله الى المعلومة، وأقصد بهذه الدعوة الجماعية، السلطات كافة وأولها التنفيذية بطبيعة الحال، ومنظمات المجتمع المدني، والاحزاب، والنخب، وكل المعنيين بإنجاح التجربة الديمقراطية، فحين ينجح الاعلام والصحافة وحين تتحقق الاستقلالية وحرية الكشف والتعبير وما شابه للوسط الصحافي والاعلامي عموما، عند ذاك يمكن القول أن مبدأ فصل السلطات عن بعضها قد تحقق فعلا في العراق المعاصر، وأن الأجواء المتحررة لعمل السلطة الرابعة قد توافرت فعلا، على أننا سنتفق جميعا بأن حرية الصحافة تشكل عاملا داعما ومساندا ليس للشعب وحده، بل للحكومة نفسها، من خلال إطلاعها المباشر والمتواصل على نقاط الضعف والقوة في أعمالها كافة.

إن الواقع الصحفي الاعلامي الفعلي في العراق يتطلب بذل المزيد من الجهود لتحقيق الحرية الكاملة لاستقلالية هذا القطاع الهام، وعلى الجميع أن يتحرك بهذا الاتجاه وأولهم الحكومة العراقية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 30/نيسان/2011 - 27/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م