برلمان العراق وثقافة موافج يا طويل العمر!

صالح الطائي

(العسل قاتل خطير) عنوان يبدو غريبا ومبهما ولاسيما أن في العسل فوائد جمة نص على أهميتها القرآن الكريم، تقودنا هذه الغرابة لنعرف أن العنوان لوحده لا يكفي مطلقا لتكوين تصور كامل عن موضوع ما، ما لم يتم الإطلاع على الجزئيات حتى الصغيرة منها، وأن مقولة (الكتاب يفهم من عنوانه) ليست واقعية، والا لكان الناس قد اكتفوا بقراءة العناوين وامتنعوا عن شراء الكتب.

فلابد وأن يتم الإطلاع على خفايا ما بعد العنوان من كلام ومعلومات وشروحات ونظريات، تثري المعرفة، وتنمي الفكر، وفي مثالنا ربما يكون أكل العسل ـ مع كل فوائده ـ مميتا، ولكن ليس لجميع الناس، وإنما للمرضى المصابين بداء السكري فقط، أو لمن لديهم حساسية للعسل دون سواهم، ومنه نعرف أن الاكتفاء بالعنوان وحده لفهم موضوع ما، أو الموافقة على طلب ما، أو إقرار مشروع ما، لا يوضح سوى جزء صغيرا من الحقيقة، فالعنوان في مثالنا أعلاه بصيغته المبهمة، يبدو متشائما ومخالفا للنص القرآني، وللعلوم الطبية، أما إذا ما أضيفت له الفئات التي ممكن أن يميتها أو يؤذيها أكل العسل، وشرحت أسباب ذلك، فإن الإبهام سينجلي بالتأكيد، وتتضح الصورة للجميع.

وفق هذا النسق الغريب والمريب، والاكتفاء بضبابية العنوان، دون معرفة التفاصيل، والخفايا، ودون اللجوء إلى تبيان الفقرات والنقاط وتفرعاتها، تم التصويت يوم 13/11/2010 في كردستان العراق على أغرب اتفاقية برلمانية سياسية، في التاريخ السياسي العالمي، وكأن البرلمان العراقي الجديد، والسادة رؤساء الكتل الأفاضل كانوا يريدون من وراء ذلك، العودة بالعراق إلى عهد (مجلس الأمة) في أيام الاستعمار الإنكليزي للعراق، يوم كان النواب ينامون أثناء انعقاد الجلسة، وحينما يحتاج المسؤولون إلى تصويتهم، ينادون عليهم بالاسم واحدا، واحدا، فيفز النائب من نومه مذعورا، ويرفع يده بتكاسل، ويصرخ بأعلى صوته (موافج يا طويل العمر) وهو لا يدري علام وافق، وأي داهية، أيد، وأقر!

إن استخدام مجلس النواب العراقي، سياسة (موافج) الإكراهية القسرية، في القرن الحادي والعشرين، وفي زمن التجربة الديمقراطية الفتية، يعني أحد أمرين وهما:

 إما أن المناهج السياسة العراقية المعاصرة، تحجرت تماما مثل الفكر الديني السلفي على نصوص تراثية موروثة من عصور التخلف والجهل بعيدا عن الإبداع والتجديد. وأن السياسيين الكبار يريدون إحياء نهج الدكتاتورية والفردانية، وإعادته إلى الحياة بلباس برلماني ديمقراطي!

أو أن هناك صفقات سياسية فيها تحديد للمنافع الشخصية، والمكاسب الفردية، بما فيها تقاسم المناصب الوجاهية والسيادية، ذات الأرباح الخيالية، أبرمت بين قادة الكتل البرلمانية سرا، ولا يريدون لأعضاء قوائمهم، وباقي الأعضاء، الإطلاع عليها.

والا بربك، كيف تفسر الإصرار على رفض طلبات أعضاء البرلمان مجرد الإطلاع أو إلقاء نظرة سريعة خاطفة، على بنود الاتفاقية وتفرعاتها، وكما يظهر من خلال الحوار في الرابط المرفق؟[1]

وإذا ما كان توافق رؤساء الكتل مجديا ومفيدا وتكامليا وكافيا ومغنيا، بما لا حاجة معه إلى آراء باقي أعضاء مجلس النواب، فلماذا يجشمون خزينة البلد عناء ملايين الدولارات التي تدفع لأعضاء البرلمان البالغ عددهم 325 عضوا بالتمام والكمال وحماياتهم وسفراتهم ومخصصات ضيافتهم وترفيههم؟ ولماذا لا يتم الاكتفاء برؤساء الكتل وحدهم لتسيير أعمال البرلمان والأمة، وتسريح باقي الأعضاء، ليوفروا للخزينة التي تشكو العجز أموالا تسهم في تشغيل العاطلين وتوفر الحياة الكريمة للأرامل والأيتام والمعوزين، وتدير عجلة الإنتاج الصناعي والزراعي؟

هذه الأساليب الإكراهية الدكتاتورية القسرية، إما أنها تبغي تدمير العملية الديمقراطية في العراق، ودفع الشعب عنوة إلى مقاطعة الانتخابات نهائيا، وإيقاف أي عمل تضامني مع الحكومة ومجلس النواب، فتكتب بالتالي الفشل الذريع والمريع لكل العملية السياسية، بكل ما يترتب على ذلك من مفاسد ومصائب، بما فيها تشجيع الإرهاب لتوجيه الضربات المميتة والتدميرية للشعب العراقي، وممتلكاته، وبناه التحتية، وموروثاته الفكرية والأخلاقية،

أو أنها تريد تمرير مشاريع وطبخات مشبوهة، مسيئة للشعب العراقي، بما فيها ترسيخ مبدأ المحاصصة المشبوه، بما يتعارض مع تطلعات الشعب بعيش حياة حرة كريمة.

ملاحظة: موافج: باللهجة العامية العرقية هي تحريف لكلمة موافق، وذلك بقلب القاف جيما

.........................

 [1] رابط التصويت على الاتفاق

http://www.youtube.com/watch?v=rgI6TLDzFEE

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 30/نيسان/2011 - 27/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م