يبدو أن رياح الثورة العربية الحديثة ضد أنظمة الظلم والاستبداد
بدأت تطال الإعلاميين أيضاً. فبعد أن كان هؤلاء الإعلاميون في ساحات
التغيير ينقلون إلى محطاتهم جل ما يجري على الارض من قمع للحريات
واضطهاد للشعوب تراهم اليوم عرضة لذات الفعل من إدارات محطاتهم.
فما جرى مع الإعلامي المعروف حافظ الميرازي من قبل إدارة قناة
العربية السعودية لم يكن خافياً على أحد. فالتحدي العلني من قبل
الميرازي لقناة العربية في طرح قضايا حقوق الإنسان في السعودية للنقاش
أثار حفيظة إدارة القناة وتسبب في استقالة الميرازي الذي مُنِع من
الإعداد لهذه الحلقة أو الشروع بها.
أما فيما يتعلق بقناة الجزيرة التي وجّه لها المصريون شكراً
لمساعدتهم في نجاح ثورتهم فإنها قد خذلت الشعب البحريني في ثورته
السلمية وهذا الأمر دعا الإعلامي المعروف غسان بن جدو إلى التقدم بطلب
الاستقالة. فالمهنية التي كان بن جدو يتبناها في عمله الإعلامي في قناة
الجزيرة تعارضت مع مصالح القناة وتوجهها القطري الحكومي.
وهذا إن دلّ على شيء فيدل على أن الإعلام العربي ما زال في دائرة
التبعية لمن يموّله وينفق عليه.
ومن هذا المنطلق فإنه صار لزاماً على المشاهد العربي أن يحلل بنفسه
الكم الهائل من المعلومات والصور والأخبار التي يراها ويستمع إليها.
وهو أمر ليس بالصعب على من استطاع أن يفجر ثورات ضد أعتى الأنظمة
الاستبدادية فكيف بمن هو تبع لهذه الأنظمة.
وفي محاولة للتغطية على الانفضاح الإعلامي التابع للأنظمة فإن
التذرع بانقسامات طائفية مقيتة حتى في داخل العقل العربي لم تعد نافعة.
فالشعوب العربية قد ملّت وسئمت من هذه الحرب الزائفة التي يخوفونهم
بها.
والأمر الذي جعل كل من حافظ الميرازي وغسان بن جدو يستقيلان من
العربية أو الجزيرة ليس الطائفية بل المهنية والموضوعية. وهو الأمر
الذي لم تلتزم به كل القنوات التي تدعي التزامها (الرأي والرأي الآخر)
ولا تلك التي ترفع شعار (أن تعرف أكثر).
وقد يكون العكس هو الصحيح فالأسلوب الذي اتبعته هذه القنوات أظهرت
لنا حقيقة الرأي الآخر المغيب والمعرفة الحقيقية التي بدأنا نراها في
الجانب المظلم من سجون الطغاة وأتباعهم.
إننا في زمن يقل فيه الشرفاء حتى لو وقّعوا على مئات مواثيق الشرف
الإعلامية وحتى لو ادعوا التزامهم بقوانين حقوق الإنسان. فالكلام شيء
والفعل شيء آخر والتنظير أمام الكاميرا شيء بينما التطبيق ومواجهة
الحقيقة بشفافية تامة شيء آخر.
لذا فإن غسان بن جدو وحافظ الميرازي هما عملتان نادرتان في زمن
سكتت فيه الضمائر الحية. ونتمنى من كل من يرى الظلم أن يدفعه عن
الآخرين بلسانه أو بموقفه من هذه الأحداث فالمواقف المشرفة تبقى للأبد
والشعوب لا تنسى من يساند قضاياها.
nasirbahrani@gmail.com |