البوسنة والبحرين وعمليات التطهير العرقي

احمد جويد/مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

اعتمدت الأنظمة الدكتاتورية أساليب وأدوات شتى من أجل البقاء في السلطة والتحكم بمصير الشعوب أطول مدة ممكنة، ومن بين تلك الأساليب (تأجيج الصراع العرقي أو الطائفي)، ونختار من بين تلك الأنظمة التي لجأت إلى هذه الأساليب نظامين تشابها في هذا النهج، وهما:

 الأول، في أوربا حيث استخدم تأجيج الصراع الديني والعرقي وسيلة للقضاء على المسلمين في البلقان.

الثاني، في شبه جزيرة العرب حيث استخدم الأسلوب الطائفي لقمع المعارضين الشيعة.

 وهنا لا نريد التحدث عن حجم ما تم ارتكابه من جرائم في البوسنة وما يقاربه في البحرين، بل توضيح النهج الذي تم إتباعه من كلا النظامين، لأن أساليب التطهير الطائفي التي اعتمدتها القوات المسلحة السعودية أثناء اجتياحها لدولة البحرين لم تختلف كثيراً عما اقترفته القوات الصربية من جرائم بحق المسلمين في البوسنة، فبعد أن ارتكبت القوات السعودية وسلطات النظام البحريني مختلف الجرائم بحق المدنيين العزل من قتل واعتقال وخطف واعتداء على حرمة المنازل وهدم المراكز الدينية، قامت تلك القوات بخطوات لاحقة معدة سلفاً ومنظمة لغرض البدء بعملية تطهير عرقي لسكان البحرين الأصليين واستبدالهم بمجنسين من دول أجنبية قائم على أساس الولاءات الطائفية (كما ذكرت ذلك العديد من وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني)، الأمر الذي فتح الباب واسعاً أمام المتطرفين لارتكاب أبشع أنواع الجرائم ضد السكان المدنيين، مع إصرار السلطات السعودية والبحرينية على إنكار الجرائم التي تم ارتكابها بأوامر المتطرفين في العائلة الحاكمة السعودية ومباركة بعض المتطرفين من رجال الدين.

 في الواقع إن تلك الجرائم لم تختلف بالدوافع التي تقف خلفها عما تم ارتكابه بحق المسلمين في البوسنة، ويمكن أن تندرج وباختصار شديد تحت دوافع (الحقد الديني)، فمتطرفو أوربا لا يستطيعون قبول فكرة وجود جمهورية مسلمة داخل جسدها(المسيحي)، كذلك الحال بالنسبة لمتطرفي شبه الجزيرة العربية اللذين يبدون منزعجين تماماً من الوجود الشيعي في الجسد السني(طبقاً لرؤيتهم).

ونحاول أن نقرأ أوجه التشابه بين هذين النظامين على المستويات الآتية:

أولاً: المستوى الديني(التطرف)

 القرضاوي-على سبيل المثال- هو أحد أهم المشايخ الذين يحرضون باستمرار ضد الوجود الشيعي في المنطقة العربية- يرى في تحرك الشعب الليبي على اسقاط نظام الحكم حق يجب أن يحترم ويجب اسقاط نظام القذافي حتى وصل به الأمر إلى الإفتاء بـ"قتل" الرئيس الليبي (رغم إن الحركة الشعبية في ليبيا قد اتسمت بطابع العنف وأدت إلى إزهاق أرواح المئات من المدنيين الليبيين، إن لم يصل العدد إلى مئات الآلاف كون المعارك لا تزال مستمرة هناك)، بينما نرى موقف قرضاوي من الاحتجاجات الشعبية (السلمية) في البحرين مختلف تماماً، فهو في الوقت الذي يدعي فيه إن تحرك الشعوب العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن ضد حكامها هو تحرك مشروع ويجب مساندته، يرى في تحرك شعب البحرين - ذي الأغلبية الشيعية- تحرك غير مشروع وغير جائز ولا يحق للشعوب العربية في دول الخليج المطالبة بحقوقها، وبالتالي يفتي للحكام بأن قتل الشيعة وتشريدهم في البحرين ودول الخليج أمر لابد منه، تماماً كما كانت تفعل بعض المنظمات المسيحية المتطرفة أثناء حرب الابادة التي شنتها القوات الصربية في البوسنة.

 هذا النموذج من التفكير هو الذي دعا الحكومة الصربية الى اتخاذ قرارات القتل الجماعي والابادة المنظمة ضد مسلمي البوسنة، فرؤية دولة مسلمة في أوربا رغم صغر حجمها تعني الكثير بالنسبة للمتطرفين الأوربيين وبخاصة الصرب منهم، ورؤية دولة تحكمها الاغلبية الشيعية في الخليج أمر مرفوض تماماً من قبل المتطرفين من حكام السعودية ورجال دينهم، بل ولا ينبغي حتى التفكير به مطلقاً، حتى لو كانت تلك الدولة بحجم البحرين التي يصعب رؤيتها على الخارطة الخليجية!!

ثانياً: المستوى الإعلامي(تشويه الحقائق)

 استخدمت السلطات الصربية اسلوب إنكار الجريمة وإخفاء الحقائق بطرق مختلفة؛ ولذلك لم تتخذ السلطات الصربية سواء في صربيا أو البوسنة أي إجراءات ضد الصرب المتطرفين الذين ينشرون الكراهية، ويمارسون الاعتداءات ضد المسلمين، بالقول: "إن هذا ليس موقفنا" و"لا يمكننا منعهم من التعبير، حتى وإن كان التعبير دعوة للقتل، والإشادة بجرائم الإبادة"!!

وهكذا رأت الحكومة السعودية الامر بالنسبة لمن يقوم بالتحريض من خلال الافتاء بوجوب قتل الشيعة في البحرين والسعودية أو من يمارس القتل والاعتداء على حرمة المنازل والعوائل من الزمر التكفيرية الموجودة ضمن ميليشيا (درع الجزيرة) وأنكرت ما قامت به تلك القوات من جرائم فظيعة ضد أبناء الشعب البحريني، آخرها تتبع القيادات المعارضة وخطفهم وإخفاء كل أثر لهم وذلك بالتنسيق مع السلطات البحرينية.

ثالثاً: المستوى السياسي (فرصة الحوار)

على شواهد قبور لضحايا مذبحة سربرنيتشا في أوائل مارس 1991 عقدت مباحثات سرية ما بين فرانيوت ودجمانوسلوبودان ميلوسيفيتش لتقسيم البوسنة بين الصرب والكروات والمعروفة باسم اتفاق كارادورديفو، فبعيد إعلان استقلال جمهورية البوسنة والهرسك، هاجم الصرب مناطق عدة من البوسنة، مما أثر على إدارة الدولة في تلك الجمهورية بشكل قوي فتوقف العمل فيها بعد أن فقدت السيطرة على أراضيها.

 دخول القوات السعودية الى اراضي دولة البحرين وقيامها بارتكاب مختلف الجرائم بحق العزل من المدنيين أضاع فرصة الحوار الوطني وبداية تنفيذ مطالب المتظاهرين والوصول الى تسوية وطنية عادلة، وبالتالي عملت تلك القوات على تأزيم الوضع السياسي والأمني وحولت المطالب الشعبية من وجهتها الإصلاحية للنظام السياسي في البحرين إلى وجهة أخرى بإدخال البلاد في نفق الطائفية، الامر الذي جعل حكام البحرين يقبلون بالاحتلال السعودي مقابل ضرب المحتجين والبقاء في السلطة.

رابعاً: المستوى العسكري(الإصرار على مواصلة الجريمة)

 في البداية هاجمت القوات الصربية التجمعات المدنية لغير الصرب في شرق البوسنة، فما أن وقعت تلك القرى والبلدات في أيديهم، حتى بدأت تلك القوات مع الشرطة والمليشيات شبه العسكرية وأحيانا بمساعدة أهالي القرى الصربية في تنفيذ خطة محددة قائمة على نهب وإحراق منازل وممتلكات البوشناق بصورة منهجية، وتجميع المدنيين من مسلمي البوسنة أو القبض عليهم، وقد يتعرضون للضرب المبرح أو قتل جراء تلك العمليات، وقد تم تهجير ما يقارب 2.2 مليون بوسني عن أراضيهم (من الطوائف الثلاث)، فاحتجز الكثير من الرجال في مخيمات، أما النساء فكان يحتفظ بهن في مراكز اعتقال متعددة حيث يعشن في ظروف قاسية وغير صحية، ويتعرضن لأسوأ المعاملات بما فيها الاعتداءات الجنسية المتكررة، فقد يأتي الجنود الصرب أو رجال الشرطة إلى مراكز الاعتقال تلك، فينتقون من النساء ما يشاءون لقضاء وطرهم واغتصابهن.

 وفي البحرين هاجمت القوات السعودية (دوار اللؤلؤة) مركز الاعتصام السلمي، وتم قمع آلاف المحتجين المعتصمين في الدوار، وبعد الانتهاء من هذه المهمة لم تكتف تلك القوات بفض التجمعات الشعبية، بل واصلت خطتها الطائفية بمتابعة المحتجين الى مناطق سكناهم والقيام بعمليات المداهمات العشوائية التي تم من خلالها الاعتداء على حرمة المساكن وأعراض المواطنين البحرينيين، بالإضافة الى القيام بعمليات الاعتقالات والزج بكل من يجدونه في طريقهم داخل السجون.

خامساً: المستوى الدولي (الخشية من وقوع مجازر)

 على الرغم من كون أوربا لا تحبذ فكرة وجود دولة مسلمة في جسدها كما أسلفنا، إلا أنها وجدت نفسها محرجة مع حلفاؤها الأمريكان في عهد الرئيس الديمقراطي (كلينتون) وبذلك اتخذت موقفاً حازماً بوجه التطرف الذي كاد أن يجتاح أوربا، إذ كان القلق من إشاعة التطرف الديني أكبر بكثير من مجرد وجود جمهورية البوسنة المسلمة، وبذلك اتخذ حلف "الناتو" قراره بضرب القوات الصربية وتعقب من قاموا بارتكاب الجرائم من قيادات وجنود القوات الصربية وتقديمهم للمحاكم الدولية، وبالنتيجة فإننا يمكن أن نجد موقفاً دولياً تجاه التطرف في شبه الجزيرة العربية ناتجاً من:

1- الخشية من استقواء منابع التطرف في العالم الإسلامي وبالخصوص في الدول العربية وفي السعودية على وجه التحديد، والذي قد يؤدي إلى زعزعة أمن واستقرار المنطقة برمتها، بل قد يصل الأمر إلى تصدير الإرهاب لكافة دول العالم بوجود أصحاب الفكر المتطرف والسلوك العدائي من رجال دين داخل المؤسسات السعودية.

2- الخشية من تنامي مشاعر الكراهية للغرب داخل الشعوب العربية والمسلمة في حال دعمها أو سكوتها عن هذه الأنظمة التي تستقوي بالدعم الغربي على شعوبها، فصورة الغرب بدأت تتحسن لدى الشعوب العربية بعد مواقفها الأخيرة من الثورات الشعبية العربية وبعد تدخلها الايجابي لصالح الشعوب ضد الحكام، فلا ينبغي للمجتمع الدولي في أي حال من الأحوال أن يعمل على خلاف نهجه الحالي في منطقة الخليج.

3- احترام المجتمع الدولي وبالخصوص الدول الغربية لمبادئ القانون الدولي وبخاصة التي تنص على تعقب مرتكبي الجرائم ومثيري العنف ومن يعملون على نشر الكراهية بين الشعوب.

4- إيجاد أنظمة أخرى في المنطقة تكون أكثر اعتدالاً وتقبلاً للتداول السلمي للسلطة، وبالتالي تستطيع دول العالم وفي مقدمتها الغربية بالحفاظ على هذه المنطقة الحيوية من العالم بعيدة عن الصراعات والنزاعات الداخلية والإقليمية.

 إن العالم اليوم يضيق ذرعا بالأنظمة المتطرفة وإن غض الطرف عنها ولو لمدة معينة لا يعني القبول بتصرفات تلك الأنظمة، فلا يمكن السكوت عنها من قبل المجتمع الدولي أمام الضغط الكبير الذي يصنعه الرأي العام الدولي والضغط الشعبي المتزايد، وهذا ما حصل بالنسبة للنظام الصربي حينما اجتمعت القوى الدولية وبضمنها الدول الأوربية (المسيحية) على توجيه ضربة عسكرية ضد الجيش الصربي والقاء القبض على قياداته العسكرية، لأن التطرف لا يؤدي إلا الى زعزعة الاستقرار في أي منطقة يحل بها من العالم.

فهل ستشهد البحرين حكما عادلا ومنصفا من قبل المجتمع الدولي وملاحقة اولئك الذين قتلوا وحرضوا على قمع الشعب البحريني، كما حصل في البوسنة؟

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com/index.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 27/نيسان/2011 - 24/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م