شبكة النبأ: بعد أن أغرته حكايات عن
تحقيق الثروة بين عشية وضحاها هجر عامر تبيدي حياة الراحة في الخرطوم
ليعيش أسابيع متحديا شدة الحرارة وقطاع الطرق والثعابين ليبحث عن الذهب
في مناطق صحراوية نائية بالسودان.
يخيم تبيدي في البرية بلا كهرباء محروما من الاستحمام اليومي لكنه
نجح هو ومجموعته في العثور على نحو كيلوجرامين من الذهب ( قيمتهما نحو
94 الف دولار) خلال أسبوعين فقط من التنقيب بأجهزة الكشف عن المعادن.
كان هذا كافيا لاقناع تبيدي (34 عاما) بالقيام بالرحلة الشاقة مرتين
أخريين لينضم الى اخرين لا حصر لهم يحدوهم نفس الامل.
وقال تبيدي الذي يعمل في تجارة المصوغات التي تملكها عائلته في
الخرطوم "في بعض الاحيان نصل الى مكان ما في الليل حيث لا يكون هناك
شيء.
"لكن بحلول الخامسة صباحا قد تبدأ تسمع أصوات أجراس التنبيه
المنبعثة من أجهزة الكشف عن المعادن وفي الصباح تكون المنطقة بأكملها
ممتلئة بالناس الذين يتجولون بهذه الاجهزة وتقول لنفسك 'من أين جاء كل
هؤلاء الناس.. هذا شيء مذهل."
وتبيدي واحد من عشرات الالاف من الباحثين عن الذهب على نطاق ضيق
الذين يقومون برحلات استكشافية تنطوي على مخاطرة في أنحاء المناطق
القاحلة تدفعهم حكايات عن الاكتشافات الكبيرة والاسعار التي تجاوزت
أعلى سعر قياسي هذا العام ووصلت الى اكثر من 1476 دولارا (للاونصة).
وقال وزير التعدين عبد الباقي الجيلاني انه الان بالسودان هناك ما
يسمى حمى الذهب لان الجميع يبحثون عن الذهب مثلما كان الحال في القرن
التاسع عشر بامريكا.
وهو يقدر أن هناك 200 الف باحث عن الذهب على نطاق صغير ينقبون عنه
في مناطق متفرقة من السودان مما اضطر الحكومة الى التفكير في مبادرات
لمنعهم من بيع الذهب في الخارج والسعي لانشاء تعاونيات لدعمهم. بحسب
رويترز.
وقال الجيلاني انه يجري تهريب اكثر من 50 في المئة من هذا الذهب عبر
حدود السودان غير المحكمة ليباع في دبي او بيروت. وأضاف أنه تم ايضا
انشاء تعاونيات في بعض الولايات لضمان الا يستخدم المنقبون عمالة من
الاطفال والتوعية بالمخاطر الصحية والبيئية المصاحبة لهذا النشاط.
ومضى يقول انه يجب أن تضع الحكومة أعينها عليهم وأن تنظمهم في
مجموعات وأن توفر لهم بعض الخدمات الصحية لانهم يستخدمون مواد سامة جدا
مثل الزئبق.
ويشتهر السودان بأنه مصدر للذهب منذ عصر الفراعنة والمملكة النوبية
القديمة لكن التنقيب على نطاق صغير لم يزدهر الا في الاعوام القليلة
الماضية.
وركزت الخرطوم لسنوات على احتياطيات النفط لتوفير العائدات لكنها
تكثف الان جهودها لتنمية قطاع الذهب في محاولة لتنويع الاقتصاد وتفادي
المخاطر الناجمة عن انفصال الجنوب المنتج للنفط.
وقال الجيلاني ان الخرطوم وقعت عددا من اتفاقيات التعدين اذ أن هناك
128 شركة سودانية وأجنبية تعمل بقطاع الذهب السوداني وفي العام الحالي
أنشأت شركة توفر خدمات الاستخراج والتنقيب والمعامل.
وتقول شركة (جي.اف.ام.اس) لاستشارات المعادن ان السودان لم ينتج سوى
أربعة أطنان من الذهب عام 2009 لكن الجيلاني يقدر أن يصل انتاج البلاد
الى 74 طنا هذا العام اذا تم وضع الباحثين عن الذهب غير المنظمين في
الاعتبار. وسيجعل هذا من السودان عاشر اكبر دولة منتجة للذهب في العالم
وثالث اكبر دولة منتجة له في افريقيا بعد جنوب افريقيا وغانا.
ويتوقع الجيلاني أن يستخرج ما يسمى بالباحثين "الحرفيين" عن الذهب
وحدهم اكثر من 60 طنا من الذهب هذا العام في السودان.
وقال محلل متخصص في قطاع الذهب مقره لندن طلب عدم نشر اسمه انه حدثت
زيادة مادية في انتاج الذهب في الاونة الاخيرة من المنطقة داخل وحول
السودان غير أنه لم يتضح ما اذا كان الانتاج سيرتفع الى المستويات التي
تقدرها الحكومة.
وقال المحلل ان بعض الذهب الذي جرى الربط بينه وبين السودان ربما تم
استخراجه في دول مجاورة مثل تشاد وجمهورية افريقيا الوسطى قبل أن يتم
تصديره الى الشرق الاوسط من خلال طرق صحراوية سودانية الى الشمال.
وأضاف المحلل "السودان طريق تصدير ملائم."
وبالنسبة للبعض فان قطاع الذهب المزدهر مزدحم بشدة بالفعل. ويقول
رجل الاعمال طارق خليل انه فكر في الحصول على امتياز للتنقيب واستخدام
صور التقطتها الاقمار الصناعية لتحديد المناطق التي توجد بها
الاحتياطيات لكنه تراجع عن الخطة فيما بعد.
وقال "كان هناك الكثير من الناس الذين يعملون بالفعل... وجهنا
تركيزنا الان الى اي شيء غير الذهب."
لكن بالنسبة للاغلبية فان احتمال امتلاك ثروة بالملايين على الفور
-في دولة يعيش نحو نصف سكانها تحت خط الفقر وترتفع فيها أسعار الغذاء
وتشح الوظائف- يعد حافزا كافيا لخوض مجازفة كبيرة بحثا عن الذهب.
وتنتشر الحكايات عن المنقبين غير المستعدين الذين نفدت منهم المياه
في الصحراء او تعرضوا للسرقة لكن يجري التغاضي عنها عادة لصالح تقارير
مثل الذي نشرته جريدة الصحافة في ديسمبر كانون الاول. ونشرت الصحيفة
تقريرا عن رجل من قبيلة الرشايدة بشمال شرق السودان عثر على قطعة وزنها
60 كيلوجراما من الذهب عالي الجودة باعها مقابل 1.6 مليون دولار في سوق
الذهب بالخرطوم.
ويقول تبيدي ان أحد المشاهد التي لا يمكن تصديقها التي راها كانت
لمنقب منافس سدد ثمن سيارة جديدة بالذهب وجاءته السيارة في الصحراء
باستخدام تكنولوجيا نظام تحديد المواقع العالمي. وأضاف "الناس غاضبون
جدا هذه الايام. الوظائف قليلة والرواتب صغيرة وتكاليف المعيشة مرتفعة
جدا." واستطرد قائلا "ثم يرون كل هؤلاء الناس الذين جنوا الكثير من
المال من خلال التنقيب عن الذهب فيرغبون في الذهاب ليجربوا هم أيضا." |