
شبكة النبأ: "في 3 نيسان/أبريل، عُقد
في بروكسل مؤتمر حول "التغيير الديمقراطي في المنطقة العربية: سياسة
الدولة والقوة المحركة للمجتمع المدني"، نظمته "المؤسسة الأورو -
متوسطية لدعم المدافعين عن حقوق الإنسان"، وفيما يلي الدراسة التي
عرضها المدير الإداري لمعهد واشنطن مايكل سينغ".
يقول سينغ، إن لفكرة النهوض بالديمقراطية جذور عميقة في الحكومة
الأمريكية، ربما تعود إلى عهد الرئيس توماس جفيرسون. ففي عام 1793،
عندما كانت "الثورة الفرنسية" تتحول إلى الفوضى والوحشية، كتب جفيرسون
"كنت سأفضل أن يخرب نصف الأرض، بدلاً من أن تفشل الثورة". وتابع قائلاً،
"ولو لم يتبقَ سوى آدم واحد وحواء واحدة في كل بلد وكانا أحراراً، لكان
الحال أفضل مما هو عليه الآن"
1. وعلى الرغم من كل حماسه، لم يكن جفيرسون وحده من يحمل هذه
المشاعر؛ إن الإيمان بالديمقراطية هو من أعمق القيم المتجذرة على نطاق
واسع في أمريكا. ومع ذلك، وعلى الرغم من أن دعم الديمقراطية ظل دائماً
يرد في الخطابات الرئاسية، إلا أن النهوض بالديمقراطية بوصفه عنصراً
رئيسياً في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يمثل أمراً جديداً
نسبياً. ووفقاً لرئيس "المعهد الديمقراطي الوطني" الأمريكي كين والاك،
"أتت نقطة الانعطاف في السياسية الأمريكية... أثناء عقد الثمانينات من
القرن الماضي عندما تم استقاء درس مهم حول التحول السياسي في بلدان مثل
شيلي ونيكاراغوا والفلبين... فالقوى السياسية في أقصى اليمين وفي أقصى
اليسار تمتعت بعلاقات تعزز بعضها بعضاً، مما أدى إلى تهميش القوى
الديمقراطية التي تقع في الوسط".
2. لقد تحدث الرؤساء الأمريكيون ريغان وجورج أتش. دبليو. بوش
وكلينتون بقوة في تأييد الديمقراطية؛ إلا أنه حتى وصول إدارة الرئيس
جورج دبليو. بوش إلى السلطة، لم تكن فكرة النهوض بالديمقراطية في صلب
السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط.
ويرى سينغ، إن اعتناق إدارة الرئيس بوش لفكرة الترويج للديمقراطية
لم يجعلها تخرج عن كونها ركناً من أركان السياسة الأمريكية في المنطقة،
بل العكس هو الصحيح. فقد اختلطت جهود النهوض بالديمقراطية مع سياسات
أخرى سعت إليها إدارة الرئيس بوش -- وأهمها الحرب في العراق والحملة
التي تقودها الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب في العالم -- التي أدت
بحلول عام 2008 إلى حدوث حالة من الاستقطاب في مجتمع السياسيين
الأمريكيين. وانتقد محللون من اليسار مساعي النهوض بالديمقراطية أثناء
عهد الرئيس بوش بوصفها مفرطة في اعتمادها على القوة العسكرية، ومختلطة
على نحو غير ملائم مع جهود مكافحة الإرهاب، وغير متسقة. حتى أن مارينا
أوتاوي من "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي" في واشنطن ذهبت إلى حد القول
بأن "جهود النهوض بالديمقراطية في الشرق الأوسط لم تؤدِ إلى نتائج
إيجابية"
3. على الرغم من قيام مثل هذه الآراء، وبصرف النظر عن موقف المرء من
حرب العراق أو الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، ثمة أدلة تشير إلى أن
الجهود الأمريكية للترويج للديمقراطية خلال الفترة بين عامي 2001-2009
قد أدت إلى نتائج مهمة. فوفقاً [لًلباحث] والاك، "حتى عام 2003، وفر
الحث المتواصل من قبل الرئيس بوش، وخصوصاً فيما يتعلق بالشرق الأوسط،
قدراً جيداً من المساحة السياسية للإصلاحيين... وفي الواقع، أصبحت
معايير الحرية والديمقراطية -- على نحو متزايد -- جزءاً من الخطاب
العام والمطالب في المنطقة. وحتى في الأماكن التي كان التقدم
الديمقراطي فيها ضئيلاً، أخذت لغة الجدال تتغير، وهذا ليس إنجاز بسيط".
وفي عام 2001، صنفت مؤسسة "فريدوم هاوس"الأمريكية أربعة عشر بلداً من
بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على أنها "ليست حرة"، وثلاثة بلدان
أخرى على أنها "حرة جزئياً". وفي عام 2008 أصبح هذان الرقمان 11 و 6
على التوالي.
4. مع ذلك، فمع مجئ إدارة أوباما، ظهر أن نفوراً كبيراً بدأ ينتشر
بين صفوف اليسار السياسي نحو النهج العام الذي انتهجه الرئيس بوش فيما
يخص الشرق الأوسط، وأنه قد يدشن نهاية جهود واشنطن للنهوض بالديمقراطية
في المنطقة. وقد وجه منتقدو إدارة الرئيس بوش اتهاماً لها بخلط جهود
الترويج للديمقراطية على نحو غير ملائم مع أهداف غير متعلقة بها، وقال
أحد المحللين أن ذلك أدى إلى "بعث رسالة بأن أجندة الديمقراطية والحرية
تتعلق قبل كل شيء بمصالح ذاتية وتهدف إلى تحويل المجتمعات لتحقيق مصالح
أمريكية".5 ولكن هؤلاء النقاد أنفسهم يميلون إلى الخلط بين انتقادتهم
لجهود الإدارة الأمريكية للترويج للديمقراطية وبين عدم رضاهم عن سياسات
أمريكية أخرى في المنطقة. فالمحلل نفسه، على سبيل المثال، قال أن
استثمار جهود أكبر في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية كان"ضرورة
إستراتيجية" لتحسين جهود واشنطن في نشر الديمقراطية. ونصح بأن "الفرصة
للدفع بالديمقراطية في الشرق الأوسط [في عهد الرئيس أوباما] تبدو أقل
كثيراً مما كانت عليه عندما أصبح سلفه رئيساً للولايات المتحدة".
6. لذلك، ليس من المستغرب أن اعتمد الرئيس أوباما نهجاً أكثر
تواضعاً بشكل ملحوظ بخصوص نشر الديمقراطية مقارنة بما انتهجه سلفه.
وعندما سؤلت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، فيما إذا كانت
ستثير قضية حقوق الإنسان خلال اجتماعها مع القادة الصينيين في بكين في
شباط/فبراير 2009، أكدت السيدة كلينتون على أن "تشديدنا على [حقوق
الإنسان] لن يتدخل في حواراتنا حول الأزمة الاقتصادية العالمية، وأزمة
تغير المناخ العالمية، وأزمة الأمن".
7. وذكر الرئيس أوباما أن الديمقراطية ستكون الموضوع الخامس من بين
سبعة مواضيع للنقاش في خطابه في القاهرة في 4 حزيران/يونيو 2009، ولكنه
تعرض للنقد لأنه ظهر غير مهتماً باحتجاجات المعارضة في إيران التي جرت
بعد بضعة أيام فقط من خطابه. وفي هذا الصدد، أدلى نائب الرئيس الأمريكي
جوزيف بايدن بتعليقات حول الموضوع، وذلك أثناء مشاركته في "مؤتمر
ميونيخ للأمن" عُقد في 7 شباط/فبراير 2009 أوضح فيه النهج الذي تنتهجة
إدارة أوباما بشأن قضية النهوض بالديمقراطية، إذ قال: "لقد وضعت
إدارتنا أهدافاً طموحة... الدفع بالديمقراطية ليس من خلال فرضها بالقوة
من الخارج، وإنما من خلال العمل مع المعتدلين في الحكومات والمجتمع
المدني لبناء المؤسسات التي تحمي الحرية".
8. لقد شكل تصريح نائب الرئيس بايدن، إشارة مبكرة إلى الخطوط
الأساسية لنهج أوباما -- نبذ سياسة بوش بشأن نشر الديمقراطية كما وصفها
فريق أوباما، والتركيز على المجتمع المدني وجهود بناء المؤسسات باتباع
"النموذج التصاعدي" [البدء بالتفاصيل ثم التعبير عن التصورات العليا/
العمل من "القاعدة نحو أعلى الهرم"]، بدلاً من الضغط على حكومات
المنطقة باتباع "النموذج التنازلي" [البدء بالمفاهيم العليا ثم النزول
إلى التفاصيل/ العمل من "أعلى الهرم نحو القاعدة"]. ثمة عناصر محددة من
نهج أوباما نالت دعماً واسع النطاق، مثل التأكيد على حرية الوصول إلى
الإنترنت وإمكانية الحصول على التكنولوجيا؛ في حين تعرضت جوانب أخرى
إلى النقد، مثل تقليص دور الولايات المتحدة في قيادة الديمقراطية،
والتأكيد على الحوكمة بدلاً من برمجة الديمقراطية، والتركيز على النزاع
الإسرائيلي الفلسطيني كوسيلة للتصدي لقضايا إقليمية.
ويلفت سينغ، مع مرور الوقت، وضعت إدارة أوباما تشديداً أكبر على
الديمقراطية في خطابها العام. وقد يكون ذلك ناشئاً عن تضاؤل الاندفاع
-- مع مرور الوقت -- نحو اتخاذ مواقف سياسية تختلف بوضوح عن مواقف
إدارة بوش، أو نتيجة للانتقادات التي تعرضت لها الإدارة الأمريكية في
إعقاب استجابتها المحيرة للاحتجاجات التي جرت في إيران في عام 2009.
وقد ألقى الرئيس أوباما خطاباً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في
أيلول/سبتمبر 2010 حاجج فيه بقوة على أهمية النهوض بالديمقراطية. وقد
أكد على أن "أولئك الذين يدافعون عن القيم [العالمية] لشعوبهم ظلوا
أقرب أصدقائنا وحلفائنا، بينما اختار الذين ينكرون هذه الحقوق -- سواء
كانوا مجموعات إرهابية أو حكومات استبدادية -- أن يظلوا أعداء لنا".
كما صرح أيضاً، "إن الديمقراطية، أكثر من أي نظام حكم آخر، تحقق الكثير
للمواطنيين. وهذه الحقيقة ستزداد قوة في هذا العالم الذي أخذت تتلاشى
فيه الحدود" 9. وفي كانون الثاني/يناير 2011، ألقت وزيرة الخارجية،
هيلاري كلينتون، خطاباً أمام القادة العرب في الدوحة، دعت فيه بلدان
المنطقة إلى "إجراء الإصلاحات السياسية التي من شأنها خلق الفضاء الذي
يطالب به الشباب، كي يشاركوا في الشؤون العامة وأن يكون لهم دوراً مهماً
في اتخاذ القرارات التي تؤثر على حياتهم". إضافة إلى ذلك، تضمنت
ميزانية الإدارة الأمريكية للعام 2011 زيادة في تمويل دعم الديمقراطية
في الشرق الأوسط.
ويؤكد ايضا، لكن من غير الواضح مدى التغير الذي حدث، وقد أثيرت
تساؤلات في هذا الصدد بسبب استجابة إدارة الرئيس أوباما البطيئة وغير
المتسقة لاحتجاجات حركات المعارضة في تونس ومصر وليبيا وأماكن أخرى.
وتتزايد الميزانية الأمريكية المخصصة للبرامج الخاصة بـ "الديمقراطية"
في الشرق الأوسط، ولكنها تظل مركزة إلى حد بعيد على مواضيع "الحوكمة"
بدلاً من التغيير السياسي. كما أن التغييرات المثيرة للجدل التي أُدخلت
على الطريقة التي يتم بها تسليم المساعدات بقيت على ما هي، كالمتطلبات
بوجوب مرور التمويل الأمريكي للديمقراطية عبر منظمات غير حكومية حائزة
على موافقة الحكومة المصرية (السابقة). وحتى مستويات التمويل يبدو أنها
تتأثر بالرغبة بتحسين العلاقات مع الأنظمة القائمة في المنطقة. وفيما
يخص المساعدات الأمريكية لمصر أشار "المشروع الخاص بالديمقراطية في
الشرق الأوسط" إلى الملاحظات التالية:
"لقد أشارت الإدارة الأمريكية بأن مصر تفتقر إلى القدرة على
الاستيعاب بصورة ملائمة مستوى التمويل للديمقراطية والحوكمة المخصص
للعام المالي 2006 وحتى العام المالي 2008، مما دفع إلى حدوث تقليص
كبير في ميزانية السنة المالية 2009. وإذا كانت الضفة الغربية وغزة
ولبنان (وكل منها يقل عدد سكانه عن 5 ملايين نسمة) تستطيع استيعاب 41.5
مليون دولار أمريكي و 23.2 مليون دولار أمريكي على التوالي من التمويل
للديمقراطية والحوكمة، فعندئذ سيبدو من غير المرجح أن مصر (التي يبلغ
عدد سكانها 80 مليون نسمة ويوجد فيها أكثر من 15,000 منظمة غير حكومية)
لا تستطيع استيعاب 25 مليون دولار من هذا النوع من التمويل."
10. وعلى نحو مماثل، ففي حين أثار خطاب الرئيس أوباما في الأمم
المتحدة وخطاب الوزيرة كلينتون في الدوحة الكثير من الحماس، إلا أنهما
لم يحددا أي بلد أو يشيرا إلى إجراء محدد كانت الولايات المتحدة ترغب
بأن يقوم قادة المنطقة باتخاذه. وفيما أصبحت الخطابات أكثر قوة، ظل
النهج الأساسي -- المتمثل في التركيز الكبير على الحوكمة وجهود "النموذج
التصاعدي" مع حد أدنى من الضغط نسبياً على الحكومات -- على ما هو حتى
بدء انتفاضات عام 2011. إن هذه الثورات ستؤدي دون شك إلى إعادة تقييم
نهج الولايات المتحدة حول النهوض بالديمقراطية في الشرق الأوسط وما
يتجاوزه، ولكن من السابق لأوانه تحديد الكيفية التي ستؤثر فيها على
تجسيد سياسة الولايات المتحدة في النهاية. وستتعرض واشنطن لضغوط
متعارضة كي تدفع نحو الإصلاح السياسي من ناحية، وكي تعزز تحالفاتها
الإقليمية من ناحية أخرى. وسيتعين على إدارة أوباما وتلك التي ستليها
أن تحدد ما إذا كانت هذه الجهود تكمل بعضها البعض أم أنها أحادية
المعيار.
المصالح الأمريكية والترويج للديمقراطية
هناك أفكار متبقية [من الفترة السابقة] في واشنطن، وهي أنه يتعين
على الولايات المتحدة الاختيار ما بين تشجيع الاستقرار والنهوض
بالديمقراطية في الشرق الأوسط. وبمعنى آخر، يمكن للولايات المتحدة إما
أن تقدم مصالحها أو أن تلتزم بقيمها ولكن لا يمكن لها القيام بكلا
الأمرين معاً. وهذه الفكرة أصبحت مرفوضة حالياً -- على الأقل من
الناحية النظرية إن لم يكن دائماً في الممارسة العملية -- من قبل
إدارتي الرئيسين بوش وأوباما. وقد دحضت وزيرة الخارجية الأمريكية
السابقة كوندوليزا رايس، في خطاب ألقته في "الجامعة الأمريكية في
القاهرة" عام 2005، الفكرة بأن بإمكان الولايات المتحدة شراء الاستقرار
على حساب الديمقراطية بتحديدها عدداً من الإصلاحات السياسية التي كانت
الحكومة الأمريكية تضغط على الحكومة المصرية لتنفيذها. وفي مناظرة جرت
أثناء انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2007، ردد أوباما -- الذي كان
حينها مرشحاً للرئاسة -- ما قالته الوزيرة رايس بقوله إن حقوق الإنسان
والأمن القومي "ليسا أمرين متعارضين... بل يكملان بعضهما البعض".
11. لقد أظهرت الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط أن الاستقرار
الظاهري الذي قدمته الأنظمة الاستبدادية يمكن أن يكون وهماً، في حين
يوفر التاريخ أدلة عديدة على أن الديمقراطية تعزز السلام والازدهار على
المدى البعيد. وفي مقالة نشَرْتُهُ مؤخراً أوضَحْتُ هذا الانقسام على
النحو التالي:
"في رياضة "الكاياك" [القريبة الشبه من رياضة التجديف]، يمكنك
اختيار أحد نوعين من ثبات الزورق، لكن ليس كليهما. ويتسم زورق "الكاياك"
المسطح القاع بـ"استقرار أولي" راسخ -- ويبدو أنه يستطيع المرور بسلاسة
على سطح الماء، وهو قليل التأرجح ذهاباً وإياباً. لكن "استقراره
النهائي" ضعيف -- حيث يميل إلى الانقلاب بسرعة وبشكل كارثي عند إبحاره
في بحر هائج. أما زورق "الكاياك" ذو القاع الزاوي، فهو عكس ذلك تماماً.
فمع ثباته الأولي المنخفض، يحتاج إلى جهد أكبر لتوجيهه وهو عرضة
لتحولات مستمرة من جانب إلى آخر. لكن هذه الأنواع من الزوارق هي أسرع
وأكثر كفاءة، واستقرارها النهائي العالي يعني أنها تبقى منتصبة في
البحار العاصفة، ويمكنها أن تعود إلى وضعها العمودي حتى عندما تنقلب
رأساً على عقب.
"ولا تختلف الأمور كثيراً عندما يتعلق الأمر بالديمقراطيات
والدكتاتوريات. فسمة الديمقراطية هي الفوضى -- انظر إلى الولايات
المتحدة مثلاً، ففي السنوات الخمس الأخيرة وحدها شهدت تأرجحات من
اليمين إلى اليسار وعودة ثانية إلى التقلبات -- حيث غالباً ما يكون
الخطاب السياسي فيها صاخباً. وفي المقابل، تتمتع الدكتاتوريات في كثير
من الأحيان باستقرار سطحي -- إلى أن تصل إلى نقطة اللاعودة، التي غالباً
ما تأتي بسرعة أكبر من المتوقع. كان هذا هو الحال في تونس، التي بدت
وكأنها واحة من الهدوء إلى أن اندلعت فيها شرارة صغيرة ونمت بسرعة
لتلتهم حكم زين العابدين بن علي الذي ظل قائماً فترة طويلة.
"أما الدكتاتوريات فتفتقر إلى آليات الاستقامة الذاتية والمؤسسات
التي تمنح الديمقراطيات استقرارها العميق. فحرية التعبير، وحرية التجمع،
وتعدد الأحزاب السياسية التي تخضع للمساءلة، وانتخابات حرة ونزيهة،
ومحاكم مستقلة -- تشكل جميعها البنية الحيوية للديمقراطية وتوفر منفذاً
لشكاوى الناس. بيد، يحرم الشعب من هذه المنافذ في ظل الدكتاتورية،
ويبقى الغضب يغلي ببطء تحت السطح حتى ينفجر أحياناً محطماً بعنف قشرة
المجتمع الهادئة".
12. يبدو هذه التشبيه خيالياً، ولكنه ملائم. فالاستقرار الحقيقي لا
يأتي عن طريق قمع التعبير السياسي، بل بالممارسة المسؤولة لهذا التعبير.
ولذلك، يمكن للنهوض بالديمقراطية أن يخدم المصالح الواضحة للولايات
المتحدة على المدى البعيد من ناحية الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط.
وإلى جانب توطيد الاستقرار السياسي على المدى الطويل، يمكن أيضاً
لجهود تعزيز الديمقراطية أن تحافظ على التأثير [الذي تتمتع به]
الولايات المتحدة من خلال حدوث تحول في الأنظمة الحاكمة. إن الاعتماد
على حاكم مستبد منفرد للحفاظ على العلاقات الثنائية المهمة هو ليس أمراً
غير مشابهاً لامتلاك حافظة استثمارية تحتوي على نوع واحد من الأسهم،
فهذا الأمر محفوف بالمخاطر بصرف النظر عن ضخامة العوائد الموعودة. وقد
وصف هذا الخطر رئيس "المعهد الجمهوري الدولي" الأمريكي لورن كرانير في
شهادة أدلى بها أمام الكونغرس الأمريكي في 9 شباط/فبراير 2011، عندما
قال "إن وجود روابط وثيقة مع حكام مستبدين لا يخدم مصالح الولايات
المتحدة عند سقوط أولئك الحكام من هرم السلطة وعندما يتْبَع ذلك فراغ
سياسي. وعندما تدعو الضرورة إلى إقامة علاقات مع حكومات استبدادية من
المهم أن نخطط لليوم الذي لن تكون فيه تلك الحكومات في السلطة، وأن
نرعى ونساعد الجهات التي يمكن أن تحل محلها". وعلق كرانير بقوله أن
الولايات المتحدة "واظبت على تهيئة الجيل القادم من القادة" في
أوكرانيا وجورجيا وقيرغيزستان، ولذلك كانت في موضع حسن لمواصلة
العلاقات الجيدة بعد وقوع ثورات في تلك البلدان.
13. وكما ذُكر سالفاً، ففي حين وجه محللون من اليسار انتقادات إلى
الإدارات الأمريكية السابقة لقيامها بربط جهود الترويج للديمقراطية مع
الجهود الرامية لمكافحة الإرهاب، تصرفت إدارة أوباما بطريقة صائبة إذ
أكدت على أن الإصلاح السياسي هو أمر ضروري لمكافحة التطرف. وعلقت
الوزيرة كلينتون في خطابها الذي ألقته في الدوحة بقولها، "إذا لا يعرض
القادة رؤية إيجابية ويوفروا للشباب طرق جدية للمساهمة، فإن جهات أخرى
ستملأ الفراغ. فالعناصر المتطرفة والجماعات الإرهابية والجهات الأخرى
التي تقتات على اليأس والفقر تقف بالفعل على أهبة الاستعداد، وتدعو إلى
الولاء وتتنافس على النفوذ". وقد أشار محللون آخرون بأن الأنظمة
الاستبدادية والجماعات الإسلامية يعززان أحياناً بعضهما بعضاً (كما
أشار [الباحث] وولاك حول أقصى اليسار وأقصى اليمين في أمريكا الجنوبية):
فالأنظمة الاستبدادية تستغل الأحزاب الإسلامية بشكل متهكم لتوجيه
الاضطرابات الشعبية، وفي الوقت نفسه يتم التشبث بهذه الأحزاب أمام
الحكومات الغربية لنزع فتيل الضغوط الخارجية التي تهدف إلى قيام هذه
الأنظمة بإجراء إصلاحات سياسية.
14. وهذا لا يعني، بطبيعة الحال، أن الجماعات المتطرفة لا تشكل
خطراً حقيقياً على الديمقراطيات حديثة النشأة أو أنها لا تستطيع
استغلال التحولات الهشة في الشرق الأوسط.
وأخيراً، تميل أيضاً الأنظمة القمعية في الشرق الأوسط إلى مواجهة
مستويات مرتفعة من البطالة والفساد والركود الاقتصادي. وإذا ما ترافق
تنفيذ الإصلاح السياسي ونشر الديمقراطية مع قيام إصلاحات اقتصادية
وزيادة في حركة الأيدي العاملة ورأس المال والسلع، فستستفيد من ذلك
الولايات المتحدة والاقتصادات المنفتحة الأخرى.
نهج ثلاثي التشعبات لتعزيز الديمقراطية
إن الحوارات بشأن الترويج للديمقراطية عادة ما يكتنفها الغموض لأن
حقيقة تعزيز الديمقراطية قد تعني شيئاً مختلفاً لأناس مختلفين. وفي
الواقع إن اتباع نهجاً شاملاً للنهوض بالديمقراطية يتطلب ثلاثة تشعبات
هي: العمل مع الحكومات باتباع "النموذج التنازلي"، العمل مع المجتمع
المدني باتباع "النموذج التصاعدي"، وجهود لبناء المؤسسات من أجل توفير
رابط بين الأثنين.
15. وقد يكون من المغري، وأحياناً من المفيد سياسياً، التركيز على
واحد أو اثنين فقط من هذه التشعبات والتخلي عن الأخرى. ومع ذلك، إن
اتباع هذا المسار من المرجح أن يكون فاشلاً وربما يأتي بنتائج عكسية.
فعلى سبيل المثال، إن الجهود التي تقتصر على العمل من "أعلى الهرم نحو
القاعدة" أو من "القاعدة نحو أعلى الهرم" تخاطر بأن تظهر متسمة بالنفاق
أو أن تثير توقعات بحدوث تغيير على نحو غير معقول؛ إن التركيز حصرياً
على بناء المؤسسات قد يؤدي ببساطة إلى زيادة كفاءة الأنظمة
الاستبدادية.
إن جهود الترويج للديمقراطية التي تعمل "من أعلى الهرم إلى أسفله"
تتضمن العمل مع حكومات أو الضغط عليها لكي تفتح مجالاً للمشاركة
الشعبية في الحياة السياسية. وفي حين من المرجح أن يتضمن ذلك إجراء
انتخابات حرة ونزيهة وتنافسية، وإقامة أنظمة حزبية تعددية، إلا أن هذه
الجهود لا تقتصر على الدعوة لإجراء انتخابات. وفي الواقع، في حين تعرضت
الولايات المتحدة إلى انتقادات في الماضي بسبب ما افترض بأنه تركيز
مفرط من جانبها على إجراء انتخابات في نطاق جهود النهوض بالديمقراطية،
أكد توم كاروثيرز من "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي" على أن "جهود
الولايات المتحدة لتعزيز الديمقراطية، وكذلك برامجها وسياساتها، لا
تعكس في معظمها تأكيداً حصرياً أو حتى مفرطاً على الانتخابات".
16. إن جوانب أخرى من فتح المجال السياسي -- "الجهود التنازلية" --
تتضمن، ولكنها لا تقتصر على، زيادة المشاركة (من قبل النساء والأقليات،
على سبيل المثال) في السياسة؛ وضمان الحريات المدنية مثل حرية التعبير،
وحرية الصحافة، وحرية التجمع، وأيضاً -- في إضافة مناسبة من قبل
الوزيرة كلينتون -- "حرية الارتباط والاتصال"؛ وضمان استقلال القضاء
والمجالس التشريعية. ويجب على الجهود التي تبذل "من أعلى الهرم إلى
أسفله" أن تركز أيضاً على الإصلاح السياسي ومكافحة الفساد، والتي عادة
ما تكون وثيقة الصلة بالأركان الهيكلية للأنظمة الاستبدادية.
وفي حين يمكن لضغوط "النموذج التنازلي" التي تمارَس على الحكومات من
أجل قيامها بإصلاحات سياسية واقتصادية أن تؤدي إلى توتر في العلاقات،
فإن ذلك ينطبق أيضاً على العديد من القضايا الدبلوماسية المهمة
للولايات المتحدة -- فالضغوط من أجل تحقيق الإصلاح ليست فريدة من هذه
الناحية. ومع ذلك، ثمة انطباع سائد بأن النهوض بالديمقراطية لا يشكل
أحد المصالح الجوهرية للولايات المتحدة، وإنما أمراً كمالياً مرتبطاً
على نحو غامض بالقيم الأمريكية، ويمكن لهذا الانطباع أن يقود كبار
المسؤولين وأولئك الذين يعملون على عدة مستويات على حد سواء، إلى تجنب
ممارسة الضغوط "من أعلى الهرم إلى أسفله" والتركيز بدلاً من ذلك على
الحفاظ على رأس المال الدبلوماسي الذي تمتلكه الولايات المتحدة
لاستخدامه في قضايا أكثر "إستراتيجية". بيد، إن هذا التصرف خاطئ -- إذ
أن الجهود الحقيقية لعزيز الديمقراطية تكمن في العمل اليومي الذي يقوم
به الدبلوماسيون، وفي محتوى الاجتماعات والمؤتمرات الصحفية، وليس عبر
خطابات تأتي في مناسبات متباعدة.
وتتضمن الجهود التصاعدية للنهوض بالديمقراطية تقديم المساعدة
للأفراد ولمنظمات المجتمع المدني بهدف تحسين مشاركتهم السياسية، وفي
بعض الأحيان الاقتصادية أيضاً. كما أن الجهود التصاعدية تثير قضايا قد
تكون أكثر تعقيداً من تلك المرتبطة بالجهود التنازلية -- على سبيل
المثال، إذا كان ذلك يشمل التعامل مع أحزاب معينة (مثل الإسلاميين)، أو
إمكانية أن يؤدي الارتباط المباشر بالولايات المتحدة أو حكومات غربية
أخرى إلى تقويض الجهات الفاعلة في المجتمع المدني، أو القرارات الصعبة
حول ما إذا كان يجدر العمل مع الحكومات أم من ورائها. ولهذه الأسباب
وغيرها، كثيراً ما تقوم الولايات المتحدة بجهودها التصاعدية للترويج
بالديمقراطية على مبعدة، فنجدها تكلف المنظمات غير الحكومية والهيئات
المتعددة الأطراف للقيام بذلك.
تقع جهود بناء المؤسسات في موقع متوسط بين الجهود التنازلية والجهود
التصاعدية للنهوض بالديمقراطية،؛ فإذا أدت الجهود التنازلية إلى فتح
مجال سياسي، وأدت الجهود التصاعدية إلى تدريب الأفراد والمنظمات على
ملء هذا المجال السياسي، فعندئذ ستسعى جهود بناء المؤسسات إلى إضفاء
الصفة الهيكلية لذلك المجال السياسي. وبشكل ما، فإن بناء المؤسسات هو
أهم فرع من التشعبات الثلاثة، من ناحية أنه بالإمكان بواسطته التراجع
عن قرارات القادة، وكذلك حدوث تغييرات بين الأفراد العاملين في المجتمع
المدني. ولكن المؤسسات الفعالة والراسخة -- مثل المحاكم والسجون التي
تؤدي وظائفها، والمجالس التشريعية الخاضعة للمساءلة، ووسائل الإعلام
التي تتقيد بالأصول المهنية، والأحزاب السياسية، والاتصال عن طريق
الإنترنت، وأجهزة الأمن التي تتقيد بالأصول المهنية -- يمكنها أن توفر
الاستقرار والاستدامة لعملية التحول الديمقراطي. بيد، إن بناء المؤسسات
هو أيضاً أصعب هذه التشعبات الثلاثة وأبطؤها تحققاً. ويجب أن تتضافر
الدبلوماسية مع التنمية من أجل بناء ناجح للمؤسسات، إذ أن الحفاظ على
زخمها وتقدمها مع مرور الوقت يتطلب العمل مع قادة متعاقبين من الحكومات
والمجتمع المدني.
وعلى امتداد هذه التشعبات الثلاثة لتعزيز الديمقراطية، ثمة وسائل
عديدة متوفرة للولايات المتحدة. وتضمن هذه الدبلوماسية الثنائية، مثل
الاجتماعات بين كبار المسؤولين التي توفر مجالاً للتأكيد على أهمية
الإصلاح السياسي بالنسبة للولايات المتحدة؛ والدبلوماسية متعددة
الأطراف، كالتي تجري في إطار "مبادرة الشرق الأوسط الكبير وشمال
إفريقيا"، من خلال "مجموعة الثمانية"؛ والدبلوماسية الثقافية والعامة،
مثل التبادلات بين الناس والتبادل التشريعي؛ والوسائل التكنولوجية؛
والتصريحات العامة مثل الخطابات المشار إليها سابقاً؛ والشراكة بين
القطاعين العام والخاص مثل مبادرة "شركاء نحو بداية جديدة" التي تم
إطلاقها في نيسان/إبريل 2010؛ والمساعدات المالية وغيرها من أشكال
المعونة؛ وأدوات مثل العقوبات، والحوافز، وأحياناً الإجبار.
ومع انتشار هذه الوفرة من مسارات العمل والوسائل للدفع بهذه
المسارات، تأتي الحاجة إلى تنظيم آلة الأجهزة الإدارية الأمريكية لكي
تتمكن من تنفيذ إستراتيجيات النهوض بالديمقراطية بصورة فعالة. وتقليدياً،
نالت القضايا الشاملة -- كالترويج للديمقراطية -- اهتماماً ضئيلاً في
عملية صنع القرار الأمريكية، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى أن المكاتب
والدوائر التي تركز على [القضايا] الإقليمية تشكل مراكز قوى في مجتمع
المزاولين للسياسة الخارجية. وقد جرت جهود لمعالجة هذه المشكلة -- سواء
من خلال دمج هذه القضايا ضمن هياكل الدوائر الإقليمية، أو تعزيز
سلطاتها شكلياً -- بيد، لم تحقق هذه الجهود سوى نجاحاً ضئيلاً، مما ترك
مصير جهود النهوض بالديمقراطية متوقفاً على طاقات ونفوذ المسؤولين
الأفراد الذين يسعون لتحقيقها. وكأي مبادرة سياسية، فإن حتى سياسات
النهوض بالديمقراطية التي يتم وضعها على أسس سليمة وتتم صياغتها على
نحو مقنع وتنال دعم الرئيس بشكل كامل، قد تتعرض للتعثر أثناء تنفيذها،
إن لم يتم تكييف الهيكل البيروقراطي [لتنفيذها] بصورة صحيحة. ومن أجل
حل هذه المشكلة، يجب على كبار المسؤولين الأمريكيين المعنيين بالأمن
القومي أن يضمنوا دمج الديمقراطية التي تركز على [المواضيع] الإقليمية
مع المناقشات رفيعة المستوى التي تجري حول قضايا السياسة في الشرق
الأوسط، بدلاً من الاعتماد على تقديرات الموظفين في قاعدة الهرم
البيروقراطي. يجب على هؤلاء المسؤولين أيضاً أن يوفروا إرشاداً أكثر
وضوحاً -- ويُستحسن أن يكون ذلك عبر صياغة إستراتيجية دقيقة ومتسقة
للأمن القومي -- لكي يحكم المساومات اليومية التي تجري على أرض الواقع
بين النهوض بالديمقراطية وغيرها من المواضيع.
17.الخاتمة
في الوقت الذي تجد فيه الولايات المتحدة نفسها منهمكة بعملية عسكرية
لدعم الانتفاضة في ليبيا، وتواجه نتائج غير مؤكدة مع حلفائها القديمين
مصر وتونس والبحرين، لم يعد من الممكن الادعاء بأن النهوض بالديمقراطية
والإصلاح السياسي ليسا أمراً مركزياً في مصالح الولايات المتحدة في
الشرق الأوسط، أو أن فرص تحقيق تقدم في الإصلاح السياسي في المنطقة هي
فرص ضئيلة. إن عدم الاهتمام النسبي من قبل واشنطن نحو نشر الديمقراطية
خلال السنوات الأخيرة قد وضعها في موقع ضعيف عندما نشأت أزمات في تلك
البلدان، كما أجبر المسؤولين الأمريكيين على محاولة تدارك السياسات
الإقليمية واللحاق بها في تحولها السريع. ومع ذلك، فمن خلال التأكيد
المتجدد من قبل الحزبين الأمريكيين الرئيسيين على النهوض بالديمقراطية،
وبالتنسيق مع الشركاء المحليين والدوليين، بإمكان واشنطن أن تساعد
الناس في الشرق الأوسط ليس فقط على تجسيد أنظمة سياسية أكثر شمولاً، بل
إقامة علاقات أقوى مع الولايات المتحدة والغرب.
نبذة عن معهد واشنطن
الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه
الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية
في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل
توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه
المنطقة الحيوية من العالم.
وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم
المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة
العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم
للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق
باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف
الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف
به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة. |