حوض النيل... تباشير الحرب القادمة

صراع على الماء والطاقة

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: خلال السنوات الماضية توقع العديد من الباحثين في شؤون المياه وتأثيرها على العلاقات بين الدول المشتركة فيها او ما يسمى دول المنبع ودول المصب، ان هناك حروب قادمة بعنوان حروب المياه، حيث سيعاني العالم من الجفاف جراء التغيرات المناخية، مع تزايد اعداد البشر واعتماده على المياه في توفير الطاقة والزراعة والمشاريع وغيرها.

وكما ان نهر دجلة والفرات هما شريان الحياة في العراق فأن مصر هي هبة النيل، وبرغم ان نهر النيل من اطول انهار العالم، ويقع على جنباته تسع دول (ستضاف اليهم جنوب السودان)، الا ان مصر لها الحظ الاوفر في نسبة تقاسم المياه (حوالي86%) بالاعتماد على حقها التأريخي واتفاقية عام 1929، وهذا بالتاكيد امر يغضب دول المنبع التي تحاول الاستفادة من هذه النعمة واستغلالها اقتصادياً من خلال انشاء السدود لتوفير الطاقة.

من هذا المنطلق نشاء الصراع بين اثيوبيا ومصر، وزادت لهجة التهديد لتصل الى حد التهديد بالحرب او الاستعداد لها من قبل الطرفين، فمن جهتها مصر ترفض الاتفاقية التي وقعت عليها ست دول لتعطيها الحق في استغلال هذا النهر دون تدخل الفيتو المصري، بينما ترى هذه الدول ان هذا الامر هو حق طبيعي.

اثيوبيا وسد النيل العظيم

فقد قال وزير الموارد المائية الاثيوبي ان بلاده لم تبلغ مصر عزمها بناء سد ضخم على نهر النيل وان البلدين لم يبحثا القضية على الرغم من مخاوف من نشوب نزاع على مياه النهر قد يسبب حرب، وبدأ العمل في وقت سابق على إنشاء (سد النيل العظيم)  الذي يتوقع أن يولد (5250) ميجاوات من الكهرباء والذي يتوقع أن يكون واحدا من بين أكبر عشرة سدود في العالم، وتشرف شركة ساليني كوستروتوري الايطالية على المشروع بكلفة 4.78 مليار دولار، وتعتزم اثيوبيا أن تمول المشروع بنفسه، وقال وزير الموارد المائية الاثيوبي أليماييهو ردا على سؤال عما اذا كانت اثيوبيا قد أبلغت مصر رسميا بأنها ستبني أول سد لها على النيل "ل، لقد علموا من وسائل الاعلام"، وترفض مصر من جهتها مثل هذه المشاريع.

وتخوض تسع دول واقعة على حوض النيل محادثات مريرة منذ أكثر من عشرة أعوام بهدف إعادة التفاوض بشأن اتفاقات تعود للعهود الاستعمارية أعطت مصر نصيب الاسد من مياه النيل ومنحتها حق الاعتراض على أي مشاريع سدود في دول المنبع، وتصاعد التوتر مؤخراً حينما انضمت بوروندي لخمس دول أخرى هي (اثيوبيا وكينيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا) في التوقيع على اتفاق يجرد مصر من حق النقض ويقضي باعادة التفاوض بشأن حصص المياه الخاصة بكل دولة، وقالت مصر انها لن تعترف بالاتفاقية الجديدة، وقال رئيس الوزراء الاثيوبي ملس زيناوي،  ان مصر تدعم جماعات متمردة في بلاده بسبب النزاع على مياه النيل وانه اذا خاضت مصر حربا مع دول المنبع بشأن مياه النهر فستكون الخاسرة.

ولكن أليماييهو نفى مخاوف بعض المحللين من نشوب حرب، وقال "هذه ليست (قضية أمن قومي) ولن تكون كذلك، ما نخطط له في هذا البلد لن يؤثر على مصر بصورة سلبية"، وقال ان مصر لم تبحث بعد موضوع السد بصورة رسمية مع اثيوبي، واضاف "لم أتلق أي اعتراض رسمي من الجانب المصري"، واضاف "اذا استمرت مصر في اتباع العقلية القديمة فقد لا يؤيدون هذا السد، واذا غيروا رأيهم واتبعوا الاسلوب الذي لا يحتمل الخسارة فأعتقد أنهم سيؤيدونه"، وتابع أليماييهو أن الحكومة الاثيوبية أجرت دراسة مستقلة أثبتت أن السد الجديد سيفيد مصر والسودان من خلال تقليل الرواسب في مشاريع الري الخاصة بهذين البلدين وبتقليل المياه المهدرة.

وقال دينا مفتي المتحدث باسم وزارة الخارجية الاثيوبية ان رئيس الوزراء المصري الجديد عصام شرف طلب أن يترأس وفدا الى اثيوبي، وقال أليماييهو ان اثيوبيا لن توافق على طلب مصري بالاطلاع على خطط اثيوبيا الخاصة بالسد ما لم تنضم مصر للدول الست التي وقعت الاتفاق الجديد، وتقول اثيوبيا انها ستضطر لتمويل السد من خزانتها ومن حصيلة بيع سندات حكومة لان مصر تضغط على الدول المانحة وعلى جهات الاقراض الدولية كي لا تمول مشاريع السد، وتسعى اثيوبيا الى انتاج 15 ألف ميجاوات من الطاقة الكهربائية خلال عشرة أعوام في اطار خطة لانفاق 12 مليار دولار على مدى 25 عاما بهدف التغلب على النقص المزمن في الكهرباء ولتصدير الطاقة للدول الافريقية التي تحتاج للكهرباء، وفي اطار الاتفاق القديم الخاص بحوض النيل فان من حق مصر التي تواجه نقصا في المياه بحلول عام 2017 الحصول على 55.5 مليار متر مكعب سنويا من اجمالي مياه النيل البالغة 84 مليار متر مكعب، وترد نسبة 86 في المئة من مياه النيل من اثيوبيا.

المواجة بين أثيوبيا ومصر

في سياق متصل قللت الخارجية الأثيوبية فى بيان رسمى، من أهمية التقارير الواردة بشأن استعداد الجيش المصرى لاحتمالات نشوب صراع على مياه النيل مع أديس باب، وقد زعمت وسائل الاعلام أن مصادر أمنية مصرية كشفت لها عن استعدادات بمصر لأى صراع محتمل بعد الخطوة الأخيرة التى قامت بها أثيوبيا بالإعلان عن البدء فى بناء سد على النيل الأزرق، وهو ما نفاه المجلس العسكرى القائم على السلطة فى مصر، وفى ردها على ما زعمته الشبكة الإخبارية الأمريكية، وصفت دينا مفتى، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأثيوبية، الأمر بالحرب النفسية التى استخدمها من قبل الرئيس الراحل أنور السادات ضدهم. بحسب رويترز.

وأشار موقع نيوز دير الأثيوبى إلى أن هذه التصريحات تأتى عقب قيام وفد مصرى يضم 35 من كبار الشخصيات السياسية البارزة بالتوجه إلى أوغندا، لإجراء محادثات مع الرئيس يورى موسوفينى، ونقل الموقع تصريحات لمصطفى الجندى، مساعد رئيس حزب الوفد ومنظم الزيارة، أن الوفد المصرى يهدف إلى شرح وجهة النظر المصرية من توزيع مياه النيل، وأن البعثة ستطلب من الرئيس الأوغندى التدخل لصالح مصر فى قضية توزيع المياه، كما أنه من المتوقع أن يدعو الجانب المصرى إلى حماية حقوق مصر التاريخية من المياه، والعمل على بداية جديدة للعلاقات بين البلدين بعد الثورة، وعلق مفتى أن مصر تحاول حشد الضغوط على أثيوبيا من زوايا مختلفة بالعالم، مضيفا أن مسئوليها لن ينجحوا فى مسعاهم نحو جعل اتفاقية إعادة توزيع مياه النيل باطلة.

وتأتي هذه المواجهات اثر تصريح اثيوبيا مؤخراً انها تعتزم اقامة سد ضخم على نهر النيل على الرغم من الخلاف الدائر مع مصر منذ أمد بشأن استخدامات النهر والقلق من ان يفجر ذلك النزاع حرب، وقال وزير المياه والطاقة الاثيوبي أليمايهو تيجنو في مؤتمر صحفي " انشاء سد النيل العظيم من المقرر يبدأ حاليا قرب الحدود الاثيوبية السودانية، ومن هذا السد وحده تتوقع اثيوبيا توليد 5250 ميجاوات من الكهرباء"، وقال اليمايهو "اولئك الذين يمنعون تنمية (دول حوض) النيل لم يغيروا أساليبهم المعوقة، وفي النهاية وصل تصميم اثيوبيا الان الى نقطة اللاعودة"، وتابع ان المناقصات الخاصة بالعقود الاستشارية ستطرح قريبا لمقدمي العروض الدوليين وان مهندسين اثيوبيين سيبدأون العمل قريبا في السد الذي يتوقع ان يستغرق اكتماله 44 شهر، ويقول محللون ان الاطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك وانفصال جنوب السودان عزز موقف دول المنبع، ولم توقع جمهورية الكونجو الديمقراطية الاتفاقية الجديدة، وحين يصبح جنوب السودان دولة في يوليو تموز ستصبح بلدان حوض النيل عشر دول، ويتوقع محللون ان الكونجو وجنوب السودان ستساندان الاتفاقية الجديدة.

بوروندي وقعت الاتفاقية

من جهتها وقعت بوروندي اتفاقية تقاسم مياه النيل مما يمهد الطريق لاقرارها وبالتالي لتجريد مصر من العديد من امتيازاتها في مياه النهر وابرزها حق الفيتو في منع اقامة اي مشروع على النهر خارج اراضيها، حسبما افاد مسؤول، واعلن دانيال ميبوما المتحدث الاقليمي باسم مبادرة حوض النيل ومقرها في عنتيبي في كمبالا "بعد توقيع بوروندي، بات من الممكن ان تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ"، واضاف ميبويا انه وبموجب القانون الدولي الساري، كان لا بد من ان توقع ست من الدول الاطراف على الاتفاقية قبل ان يجري اقرارها في برلماناتها.

ومن المتوقع ان تتم المصادقة عليها في جميع البرلمانات الستة.ووقعت اربع دول مطلة على النيل العام الماضي اتفاقية تتيح للدول الواقعة عند منبع النهر اقامة مشاريع للري والطاقة الكهربائية من دون الحصول على موافقة مسبقة من مصر، ويقوم محور الخلاف حول اتفاقية مبرمة في 1929 بين القاهرة والمستعمر البريطاني منحت مصر بموجبها حق الاعتراض على مشاريع تبنى على النيل خارج اراضيه، كما تمنح اتفاقية اخرى موقعة بين مصر والسودان في 1959، مصر 55،5 مليار متر مكعب من المياه كل سنة (اي 87 في المئة من منسوب النيل) والسودان 18،5 مليار متر مكعب. بحسب فرانس برس.

وقاطعت مصر والسودان مراسم اعلان الاتفاقية وتعهدتا بعدم الاعتراف باي اتفاق يتم التوصل اليه دون موافقتهم، واتفقت اوغندا ورواندا وتنزانيا واثيوبيا في المراسم التي اقيمت في اذار/مارس 2010 على الغاء حق مصر في الاعتراض وفي استغلال 90% من موارد النهر، وشكلت مراسم التوقيع نهاية المفاوضات واعطيت الدول الاخرى المعنية بما فيها كينيا وبوروندي وجمهورية الكونغو الديموقراطية مهلة عام لتوقيع الاتفاقية، ووقعت كينيا في ايار/مايو الماضي بينما وقعت بوروندي في اليوم الاخير من المهلة، وقال ميبويا "الان دور السلطات التشريعية في كل من هذه الدول للمصادقة على الاتفاقية"، واعترضت مصر والسودان بان مواردهما من المياه ستتأثر بشكل كبير اذا سمح للدول في المنبع بتحويل مياه النهر دون مشاورات متعددة الاطراف.

تحذير من اختراق استعماري

الى ذلك حذر كاتبان من السودان ولبنان مما يعتبرانه "اختراقا استعماريا خطيرا" لدول حوض النيل بهدف التأثير على دولة المصب مصر، وقال اللبناني أسعد الحمراني ان النيل وهو أطول أنهار العالم ويزيد طوله على 6600 كيلومتر في تسع دول كان محل اهتمام الاستعمار الاوروبي القديم وانتقل هذا الاهتمام حاليا الى تطلع "استعماري صهيوأمريكي" في اشارة الى اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية، وأضاف في (مهرجان طيبة الثقافي الدولي الثالث) الذي تستضيفه مدينة الاقصر في جنوب مصر أن الاهتمام الاسرائيلي بدول حوض النيل بدأ مبكرا بالتركيز على اثيوبيا " مصدر 85 بالمئة من مياه النيل وقد عقد العدو الاسرائيلي اتفاقيات عديدة مع اثيوبيا منها اقامة 40 سدا على نهر النيل" في ظل ما يصفه بالتعاون بين البلدين منذ عام 1955 في مجالات الري والزراعة والطب البيطري. بحسب رويترز.

وتابع أن "اثيوبيا أبرز سوق للسلاح الاسرائيلي في افريقيا" وأن ما يعتبره حضورا معاديا تنتهجه اسرائيل في افريقيا كان نتيجة لمعاهدة السلام المصرية الاسرائيلية عام 1979 والتي أقيمت بموجبها العلاقات الدبلوماسية بين اسرائيل ومصر "الاكثر تضررا" مما يسميه التطويق الاسرائيلي لمصر فيما يتعلق بقضية مياه نهر النيل، ويذكر ان المهرجان الذي يعقد تحت عنوان ( النيل في ثقافات الشعوب الافريقية، رؤية واستشراف) ويشارك فيه ممثلون لبعض اتحادات الكتاب العربية وكتاب من دول افريقية منها الكاميرون واريتريا وأوغندا والسودان وغينيا وأنجولا وأوغندا بهدف بحث المشترك الثقافي بين شعوب وادي النيل، وقال الحمراني وهو الامين العام للشؤون الخارجية في اتحاد الكتاب اللبنانيين في ورقة عنوانها (النيل، التحديات والواجبات) ان "الاختراق الصهيوني لدول حوض النيل يزيد من محاصرة مصر" واضعاف دورها الاقليمي.

أما الفاتح حمدتو الامين العام للاتحاد العام للادباء والكتاب السودانيين فشدد على دور الاستعمار في طمس حضارات شعوب حوض النيل وثقافاته "المتداخلة والمتكاملة على طول مجرى النيل" منذ استولت بريطانيا في القرن التاسع عشر على مصر والسودان وأوغندا وكينيا وسيطرت ألمانيا على تنزانيا ورواندا وبوروندي وسيطرت بلجيكا على "الكونجو بشقيه" كما قامت ايطاليا باحتلال اثيوبي، وتابع أن الاستعمار القديم تمكن "من الهيمنة الاستعمارية ومن الاستلاب الثقافي" لدول حوض النيل، وأضاف "نرى اليوم بوادر شقاق ومظاهر اختلاف يقودها الاجنبي كما حدث في جنوب السودان، كما قال "ونحذر من أن ما حدث في السودان لن يكون الانقسام الاخير في المنطقة" في اشارة الى الاستفتاء الذي أجري في جنوب السودان على حق تقرير المصير، وقال "ما زالت هناك خلايا نائمة وأخرى بدأت في التحرك فعلا لتفتيت المنطقة بأكمله، الاستعمار الجديد جاء الينا في صور متعددة يريد أن يجعل من هذه المنطقة بؤرة للصراعات بسبب المياه."

ملس يحذر مصر

على صعيد متصل قال رئيس الوزراء الاثيوبي ملس زيناوي ان مصر لا يمكنها ان تكسب حربا مع أثيوبيا على مياه نهر النيل وانها تدعم جماعات متمردة في محاولة لزعزعة استقرار أثيوبي، وتجري دول حوض النيل التسع ومن بينها مصر واثيوبيا محادثات منذ ما يزيد على عشر سنوات لتسوية الخلافات حول اقتسام مياه النهر حيث ترى بعض الدول انها تعرضت للغبن في اتفاقية سابقة بشأن مياه النيل وقعت عام 1929، ووصفت مصر موضوع المياه بأنه قضية "أمن قومي"، وقال ملس انه غير راض عن تصريحات المصريين لكنه هَوَن من شأن زعم بعض المحللين ان حربا قد تندلع في نهاية المطاف، وأضاف "لا أخشى أن يغزو المصريون اثيوبيا فجأة فلم يعش أحد ممن حاولوا ذلك قبلا ليحكي نتيجة فعلته ولا أعتقد ان المصريين سيختلفون عمن سبقهم وأعتقد أنهم يعلمون ذلك". بحسب رويترز.

وأمهلت الدول الخمس الموقعة على الاتفاقية الجديدة الدول الاربع الاخرى عاما للانضمام اليها قبل دخولها حيز التنفيذ، وأيَد السودان مصر بينما ترفض جمهورية الكونجو الديمقراطية وبوروندي التوقيع حتى الآن، وأشار ملس الى ان الاتفاقية الأصلية وقعت في عهد الاستعمار قائلا "على المصريين ان يحسموا أمرهم أيريدون العيش في القرن الحادي والعشرين أم في القرن التاسع عشر"، وقال "ولذلك تبدو العملية معطلة"، ويمتد نهر النيل مسافة تزيد على 6600 كيلومتر من بحيرة فكتوريا الى البحر المتوسط وهو مورد حيوي للماء والطاقة للدول التسع الواقعة في حوضه، وتعتمد مصر بالكامل تقريبا على نهر النيل وتهددها أخطار التغير المناخي ومن ثم فهي تراقب عن كثب أي مشروعات لانشاء سدود للطاقة الكهرومائية على النهر في دول المنبع، وأقامت اثيوبيا خمسة سدود ضخمة على مدى العقد الأخير وبدأت إقامة منشأة جديدة للطاقة الكهرومائية تتكلف 1.4 مليار دولار وصفت بأنها أكبر منشأة من نوعها في افريقيا.

واتهم ملس مصر بمحاولة زعزعة الاستقرار في بلاده من خلال دعم عدة جماعات متمردة صغيرة لكنه قال ان هذا أسلوب لم يعد مجدياو وقال "اذا تصدينا للمشاكل التي التف حولها المتمردون يمكننا تحييدهم وبالتالي يستحيل على المصريين الصيد في الماء العكر لانه لن يكون هناك أي ماء عكر"، وأضاف "نتمنى ان يقنع هذا المصريين بأنه ما دام الصراع المباشر لن يفلح والاسلوب غير المباشر لم يعد فعالا كما كان فالخيار المتعقل الوحيد هو الحوار المتحضر"، ودعا الرئيس الاوغندي يوويري موسيفيني في يوليو تموز الى حضور زعماء الدول في اجتماع من المقرر عقده في نوفمبر تشرين الثاني للدول التسع، وقال ملس ان ذلك لن يتحقق الآن.

ووصلت الخلافات الى طريق مسدود في آخر اجتماع لدول حوض النيل وانتهى الاجتماع الذي عقد في اديس ابابا عاصمة اثيوبيا بمؤتمر صحفي لوزراء الري والمياه تبادلوا فيه التصريحات الغاضبة، أديس أبابا تتهم القاهرة باستغلال "مجموعات متمردة" ضدها ومصر تعرب عن "دهشتها" من تصريحات رئيس الوزراء الاثيوبي ملس زيناوي الذي قال إن مصر قد تلجأ إلى عمل عسكري ضد أثيوبيا بسبب خلاف حول مياه النيل، وأكدت القاهرة أنها لا تدعم مجموعات متمردة بغرض زعزعة استقرار أثيوبي، وشددت على إنها لا تريد مواجهة ولا تدعم متمردين اثيوبيين، وتجري دول حوض النيل التسع ومن بينها مصر واثيوبيا محادثات منذ ما يزيد على عشر سنوات لتسوية الخلافات حول اقتسام مياه النهر حيث ترى بعض الدول انها تعرضت للغبن في اتفاقية سابقة بشأن مياه النيل وقعت عام 1929.

مصر تعبر عن دهشتها

قالت مصر انها تشعر "بالدهشة" لإشارة اثيوبيا الى احتمال لجوء القاهرة الى العمل العسكري في الخلاف الخاص بمياه النيل وشددت على انها لا تريد مواجهة ولا تدعم متمردين أثيوبيين، وتجري دول حوض النيل التسع ومن بينها مصر واثيوبيا محادثات منذ ما يزيد على عشر سنوات لتسوية الخلافات حول اقتسام مياه النهر حيث ترى بعض الدول انها تعرضت للغبن في اتفاقية سابقة بشأن مياه النيل وقعت عام 1929، وقال رئيس الوزراء الاثيوبي ملس زيناوي ان مصر لا يمكنها ان تكسب حربا مع أثيوبيا على مياه نهر النيل وانها تدعم جماعات متمردة في محاولة لزعزعة استقرار اثيوبي، وأبدى وزير الخارجية المصري السابق أحمد أبو الغيط  خلال زيارة لابوظبي دهشته للغة التي استخدمها ملس قائلا ان مصر لا تسعى لحرب ولن تكون هناك حرب.

كما أصدرت وزارة الخارجية المصرية في القاهرة بيانا قالت فيه "ان الاتهامات التي تضمنتها تصريحات رئيس الوزراء الاثيوبي بشأن استغلال مصر لمجموعات متمردة ضد النظام الحاكم فى أثيوبيا هي اتهامات عارية عن الصحة"، وتعتمد مصر بالكامل تقريبا على نهر النيل وتهددها أخطار التغير المناخي ومن ثم فهي تراقب عن كثب اي مشروعات لانشاء سدود للطاقة الكهرومائية على النهر في دول المنبع، وأقامت اثيوبيا خمسة سدود ضخمة على مدى العقد الاخير وبدأت اقامة منشأة جديدة للطاقة الكهرومائية تتكلف 1.4 مليار دولار، وجاء في البيان  عن المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية حسام زكي "أنه كان من المؤسف أن تسرع بعض الدول وفي طليعتها أثيوبيا الى استباق نتائج الحوار والتوقيع على مسودة اتفاق"، وأكد زكي "تمسك مصر بمواقفها القانونية والسياسية الثابتة في موضوع مياه النيل" وقال ان مصر تتبع نهج الحوار والتعاون بشأن قضية مياه نهر النيل، وأمهلت الدول الخمس الموقعة على الاتفاقية الجديدة الدول الاربع الاخرى عاما للانضمام اليها قبل دخولها حيز التنفيذ.

وأضاف المتحدث المصري "انه من الممكن فى ضوء التطورات الاخيرة تفهم الاحباط الذي يستشعره الجانب الاثيوبي تجاه الصعوبات التي تواجه مبادرة حوض النيل، "وقالت وزارة الري والموارد المائية المصرية في بيان ان الوزير محمد نصر الدين علام أجرى محادثات في القاهرة  مع مسؤولين من بوروندي بشأن الري ومجالات أخرى من التعاون، من جهتها رفضت اثيوبيا الانتقادات لمشروعاتها الضخمة لبناء سدود لتوليد طاقة بالقوى المائية وتعهدت بالمضي قدما في خطط لزيادة قدرتها على توليد الطاقة من 2000 ميجاوات الى عشرة الاف ميجاوات خلال خمس سنوات واستبعدت اندلاع حرب بشأن مياه النيل.

واثار البرنامج الطموح للدولة الواقعة في القرن الافريقي لبناء سدود انتقادات من جماعات لحقوق الانسان وايضا من مصر ودول أخرى في حوض النيل، وقال وزير الطاقة والمناجم اليمايهو تجينو "لدينا خطة للوصول الى عشرة الاف ميجاوات خلال الاعوام الخمسة القادمة، "وأضاف "ستأتي أغلب الطاقة التي نخطط لها من القوى المائية"، وتعتمد اثيوبيا بقوة على السدود لتلبية احتياجاتها من الطاقة وافتتحت ثلاثة سدود على مدى العام الماضي ليصل اجمالي العدد في البلاد الى سبعة سدود، ويجري بناء سدين اخرين منهما سد جيبي 3 العملاق وهو مشروع تقول جماعات خيرية اجنبية انه يمكن أن يجعل اكثر من 200 ألف شخص يعتمدون في حياتهم على المساعدة الغذائية، وبدأت جماعات حقوق تقودها سيرفايفال انترناشونال حملة عبر الانترنت ضد السد الذي سيولد ألفي ميجاوات وتضغط على المقرضين الدوليين للامتناع عن المساهمة في تغطية تكلفته البالغة 1.4 مليار يورو (1.79 مليار دولار).

وقال اليمايهو "هذه المنظمات لا تريد لاثيوبيا ان تتطور"، وأضاف "انتقاد دول مثل اثيوبيا هو مصدر دخلهم، لا سبب لديهم لمهاجمة سدودن، لدينا خطط بيئية واجتماعية قائمة"، وقال بنك الاستثمار الاوروبي انه قرر عدم المساعدة في تمويل المشروع لكنه لم يوضح سبب قراره.وقال اليمايهو ان من المحتمل ان جماعات حقوقية ضغطت على البنك، واستدرك قائلا "لكنني لا أعرف السبب لديهم (البنك)"، وتابع "ليست مشكلة كبيرة بالنسبة لن، لدينا خيارات اخرى، والتمويل في الوقت الحالي يأتي من حكومتنا"، وتلقى خطط اثيوبيا في مجال توليد الطاقة بالقوى المائية متابعة عن كثب ايضا من مصر والسودان اللذين يخشيان تأثر نصيبهما من المياه بسبب اقامة المزيد من السدود على نهر النيل في اثيوبيا. بحسب رويترز.

ومن المقرر ان تجتمع الدول التسع مرة أخرى في العاصمة الكينية نيروبي في نوفمبر تشرين الثاني، وقال اليمايهو "ما سنبنيه على النهر لن يسبب مطلقا اي مشاكل للمصريين"، واستدرك قائلا "لكن المصريين يقفون دائما ضد التنمية الاثيوبية، ينبغي ان يفهموا بشكل أفضل ما نخططه، "لكن اليمايهو استبعد امكانية اندلاع حرب بشأن النيل، وقال "لن يحدث ذلك ابد، ابدا"، وقال اليمايهو ان اثيوبيا تعتزم تصدير الطاقة الى السودان وجيبوتي وكينيا المجاورين لها بمجرد ان تفي باحتياجاتها المتزايدة من الطاقة، ولجأت اثيوبيا الى ترشيد استهلاك الطاقة لخمسة اشهر هذا العام وأدت انقطاعات الطاقة بمعدل كل يوم واخر الى اغلاق مصانع وتعطيل الصادرات ونقص العملات الاجنبية، وقال اليمايهو "ينبغي ألا تكون لدينا حاجة لترشيد الطاقة في 2011 بفضل سدودنا الجديدة"، وأضاف "نشيد حاليا البنية التحتية للربط مع السودان وجيبوتي وينبغي ان يكتمل ذلك خلال ستة اشهر"، وتقول وكالة الطاقة الدولية ان الطلب على الطاقة في افريقيا سيرتفع بمقدار 150 الف ميجاوات بين عامي 2007 و2030 .

اثيوبيون ينتظرون سخاء النيل

ففي ظل جبل غيش تكثر منابع النيل المعروفة بمزاياها العلاجية الشافية المفترضة، الا ان الاثيوبيين يعتبرون انها الميزة الوحيدة المفيدة لهم من كون اطول نهر افريقي ينبع من اراضيهم، يؤكد برهانو ملاك وهو مزارع مسن يملأ حوضا من الماء من النبع لتشرب منه الجموع التي ترتدي الابيض وتقف في طوابير منذ بزوغ الفجر في غيش اباي على بعد 400 كيلومتر شمال اديس ابابا، "هذه المياه مقدسة وهي تشفي بشكل عجائبي"، تكمل المياه طريقها لترتمي في احضان بحيرة تانا ومن ثم تواصل مسارها على اكثر من 1600 كيلومتر عبر السودان حيث يسمى النهر النيل الازرق.

في الخرطوم يلتقي النهر مع النيل الابيض قبل ان يواصل مشواره في مصر لينتهي في مياه البحر الابيض المتوسط، ويضيف المزارع الذي يطغى على صوته ضجيج المستحمين في المياه "انظروا حولنا، لا يوجد شيء، النهر الكبير لا يؤمن لنا لقمة العيش"، الشعور بالظلم هذا متواصل منذ عقود في اثيوبي، فالاراضي التي ينبع منها النهر تجتاحها بانتظام فترات جفاف في حين ان الدول الاخرى التي يواصل فيه النهر رحلته تستفيد كثير، في منطقة امهارا من حيث تنبع 85% من مياه النيل يعتمد 850 الف شخص على المساعدة الغذائية على ما يفيد برنامج الاغذية العالمي، فلا محاصيل من دون امطار في هذه المنطقة في وضع يتناقض مع الوضع في مصر مع مزارعها الشاسعة وملاعب الغولف المقامة قرب النهر.

وقد ادانت السودان ومصر مشروع السد الذي تعتزم اثيوبيا اقامتة على نهر النيل والذي سيؤدي على حد قولهما الى خفض منسوب النهر بشكل كبير، ويؤكد وزير الموارد المائية اسفو دينغامو ان "هذه الشكاوى لا اساس لها" مؤكدا انه حتى الان كل الطلبات التي تقدمت بها اثيوبيا للحصول على قرض دولي لاستغلال قدراتها المائية رفضت بسبب الاعتراضات المصرية والسودانية.وتنوي اثيوبيا الان تمويل مشاريعها ذاتي، ويقول فيكاحمد نقاش وهو خبير في الوزارة "جزء النيل (الواقع في اراضينا) قادر على انتاج عشرة الاف ميغاواط وتأمين الري ل1،1 مليون هكتار"، ويؤكد ان بلاده تنوي استخدام 6 % فقط من دفق النيل في غضون 50 عام، وبعيدا عن هذه التصريحات القوية، يحلم الخبراء بتعاون اقليمي في هذا المجال. وتقول انا كاسكاو المشرفة على مشاريع في المعهد الدولي للمياه في ستوكهولم، "السيناريو المثالي يكون بتحويل حوض النيل ليس فقط الى كيان مائي بل ايضا سياسي واقتصادي يمكن بفضله للدول ان تتعاون وتطور مشاريع تكون نافعة للجميع".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 26/نيسان/2011 - 23/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م