
شبكة النبأ: كما هو معلوم لدى الجميع،
لقد تحولت الثورة في ليبيا الى حرب طاحنة بعد ان كانت ثورة سلمية تطالب
برحيل واحداً من اعتى الانظمة الدكتاتورية في العالم العربي والمنطقة،
وقد جرت الى ساحات القتال العديد من الدول العظمى كالولايات المتحدة
الامريكية وحلف الاطلسي، مما اضاف الى الثورة الليبية تعقيدات جديدة
وجعل المعارضة في ليبيا في مواجه تحديات تختلف عن تلك التي واجهها
الثوار في تونس ومصر وحتى اليمن.
ومن اهم التداعيات التى تواجه الليبيين والمعارضة على حداً سواء، هي
الحالات الانسانية المأساوية التي نتجت جراء المواجهات المسلحة بين
الكتائب الامنية والمرتزقة التابعة للقذافي من جهة وبين المعارضين
الثوار من جهة اخرى، فالقتلى بألالاف والجرحى يعانون من نقص الدواء
والمعدات الطبية المناسبة فضلاً عن ندرة الكادر الطبي، اضف الى ذلك
الحصار المفروض على بعض المناطق وما سببه من قلة السلع الغذائية
وارتفاع اسعارها الى الضعف.
ان رفض القذافي الرحيل او حتى التنازل عن السلطة وتحويل الثورة
السلمية الى حرب دامية بعد ان قمع الثورة بالقوة، ادى الى انزلاق ليبيا
في هاوية الحرب التي لاتبقي ولاتذر، وحتى المنتصر فيها خاسر، وقد توعد
القذافي بأطالة امدها في محاولة منه لانهاء حماسة المعارضة، لكن الثوار
مازال لديهم الامل في الانتصار والقضاء على القذافي وبزوغ فجر الحرية
في ليبيا.
مفقودين في ليبيا
فحين ابتهج محمد علي جربوع رجل الشرطة السابق لقصف طائرات حلف شمال
الاطلسي للدبابات الحكومية الليبية خارج بنغازي معقل المعارضة الشهر
الماضي فاندفع في اليوم التالي مع صديقين اخرين لالتقاط الصور لكن ايا
منهم لم يعد حتى الان.ويخشى أقاربه الاسو، وهو أن يكون قد وقع في أيدي
القوات الموالية للزعيم الليبي معمر القذافي، وقال هاني شقيق محمد "بحثنا
في كل مكان، لا بد ان رجال القذافي قد أخذوه، لقد فعلوا ذلك مع كثيرين
غيره، انا متأكد من أن هذا يحطم محمد، فهو شخص اجتماعي وودود يحتاج لان
يكون مع اسرته واطفاله طول الوقت، والان نفوض امرنا الى الله"، وقالت
منظمة العفو الدولية ان الموالين للقذافي وراء الاختفاء القسري لكثيرين
منذ بداية الانتفاضة في ليبيا في 17 فبراير شباط وان هؤلاء يواجهون
بشدة خطر التعرض للتعذيب وغيره من انتهاكات حقوق الانسان.
وسجلت مجموعة من المتطوعين الليبيين تتعقب المفقودين في الشرق نحو
500 اسم في قاعدة بياناته، ويعني استمرار الاضطرابات في مناطق مثل بلدة
اجدابيا التي تسيطر عليها المعارضة في الشرق احتمال زيادة هذا العدد،
وتمكنت قوات القذافي التي تقصف أطراف البلدة بالصواريخ بشكل منتظم من
دخولها في شاحنات صغيرة مثل تلك التي تستخدمها قوات المعارضة المسلحة،
واندلعت الاشتباكات وأطلق قناصة القذافي النار من البنايات التي
احتلوها مما وضع قوات المعارضة في موقف الدفاع، وخلال الاضطرابات خطف
اشخاص مثل عادل من الشوارع، وكان عادل يقود سيارته الى المستشفى ليوصل
طعاما عندما اختفى، ويعتقد اقاربه ان انصار القذافي قد خطفوه، وقال
محمد شقيق عادل وهو يجلس الى جوار ابنة اخيه المفقود التي تبلغ من
العمر اربع سنوات والتي لا تكف عن السؤال عن ابيها ومتى يعود "لم نستطع
الوصول اليه طوال اليوم.
وعندما وصلنا أخيرا الى هاتفه المحمول رد علينا رجل اخر، "سألنا عن
مكان عادل لكنه هددن، وقال، سنأتي لنشدكم ايها الجرذان، انتظروا فسوف
نأتيكم حالا"، وكان القذافي قد وصف معارضيه بأنهم جرذان وتعهد باستعادة
السيطرة على شرق ليبيا من ايدي المعارضة، وتنفي حكومته ارتكاب اي
انتهاكات لحقوق الانسان وتقول انها تقاتل متشددين ينتمون للقاعدة
يريدون الاستيلاء على ليبي، وفي مكتب صغير بمجمع مستشفيات في اجدابيا
يفتش متطوعون يحاولون العثور على مفقودين في ملفات من بينها ملف لطفل
في العاشرة ورجل مسن بينما يتردد على المكتب ليبيون يبحثون عن أي
معلومة تدلهم على اقاربهم المفقودين، وجلس رجل خلف شاشة كمبيوتر ينقر
على صور جثث غارقة في الدماء في الصحراء أو لاشخاص مقيدين في شاحنات
وهي صور يقول انها قد عثر عليها على الهواتف المحمولة لجنود من قوات
القذافي وقعوا في الاسر. بحسب رويترز.
ومع ندرة المعلومات عن المفقودين لا يملك اقاربهم سوى الدعاء
واجترار الذكريات، وقال هاني شقيق جربوع (26 عاما) وهو يبتسم "كانوا
يقولون انني ومحمد توأمان لاننا متقاربان في العمر جد، لقد كان اخا
مقربا ايض، كنا ننام في فراش واحد في طفولتنا"، وحتى من لم يفقدوا احدا
من ذويهم يشعرون بالصدمة بسبب اختفاء مواطنين وهو ما يعني بالنسبة لهم
ان قوات القذافي ما زالت صاحبة اليد العليا رغم الانتفاضة الشعبية
والضغوط الدولية، ومن المستبعد ان يتغير ذلك ما لم تصبح قوات المعارضة
غير المنظمة فعالة بما يكفي للاطاحة بالقذافي أو أن تقرر الدول الغربية
استخدام المزيد من القوة العسكرية للاطاحة به، لكن يبدو ان الضربات
الجوية التي تقوم بها طائرات حلف شمال الاطلسي ليست كافية لابعاد قوات
القذافي عن اجدابيا وغيرها من البلدات التي اختفى منها سكانها تمام،
وقال احمد علي مدير المدرسة وهو يحدق في صور مفقودين علقت على بناية في
بنغازي والى جوار كل منها رقم هاتف للاتصال به في حالة معرفة أي
معلومات عن المفقود "القذافي يخطف الليبيين، يخطف شبان ليبي، انا ابكي
في داخلي عندما ارى هذه الصور"، هذا الطغيان لن ينتهي حتى ترسل الدول
الاخرى ببساطة جيوشا الى هنا لاسقاط القذافي".
العاملون بمستشفى اجدابيا
من جهتهم ووسط دوي الضربات الصاروخية ومعارك الشوارع يحافظ العاملون
الطبيون المتطوعون على استمرار العمل في المستشفى الرئيسي في اجدابيا
حتى مع رحيل معظم سكان المدينة الواقعة في شرق ليبي، واجدابيا هي
المدخل المفضي الى بنغازي الى الشرق ومن ثم فمستشفى المدينة هو أول
محطة بالنسبة لكثير من الجرحى العائدين من خطوط جبهات القتال بين
مقاتلي المعارضة والقوات الموالية للزعيم الليبي معمر القذافي، واعتبر
طبيبان في عداد المفقودين وتعرض المبنى للقصف مع امتداد القتال الى
داخل المدينة في الاسابيع الاخيرة، ويستطيع العاملون في المستشفى سماع
دوي صواريخ جراد وهي تسقط على الضواحي الغربية للمدينة وهم يعملون،
وقال (ج.س) محمد رئيس قسم الجراحة بالمستشفى "من الصعب اجراء جراحات
هنا.
واضاف، كيف يمكن اجراء جراحة في ظل القصف، نحن مدنيون ولسنا معتادين
على الحرب، كل صوت يؤثر علينا خلال العمليات الجراحية"، وقال الطبيب
الذي يبلغ من العمر 52 عاما ويتحدث الكرواتية التي تعلمها خلال دراسته
في يوغوسلافيا السابقة انه عاد للعمل في المستشفى منذ اكثر من عقدين،
ومثله مثل كثير من العاملين هناك قال محمد انه لن يبرح المكان في اي
وقت قريب، وقال انه واطباء اخرين ظلوا في المستشفى عندما دخلت قوات
القذافي المدينة في مارس اذار الماضي وعالجوا الجرحى من الموالين
والمعارضين على السواء، ولكن معظم الممرضات والموظفين الاداريين فروا
بعد ان وردت انباء بأن قوات القذافي استهدفت المستشفيات في مصراتة وهو
ما اضفى على المستشفى شعورا موحشا كأنه مكان مهجور.
وحتى المرضى لا يبقون بالمستشفى لفترة طويلة حيث يتم ارسالهم الى
بنغازي بعد تلقي العلاج الاولي، ويأتي متطوعون من بنغازي ومدن اخرى
لمساعدة الاطباء في اجدابيا وينامون في أكثر الاحيان في الغرف الخلفية
بالمستشفى، وكثير منهم شبان لم ينتهوا حتى من دراستهم الطبية، ولكن
مساعدتهم مطلوبة في أيام مثل التي وصل فيها اكثر من 24 جريحا من مقاتلي
المعارضة معظمهم اصيبوا بوابل من صواريخ جراد على الطريق الى ميناء
البريقة النفطي، وتفيد سجلات المستشفى بأن ثمانية على الاقل من مقاتلي
المعارضة قتلوا في الهجوم، وقال محمد براسي وهو طالب يدرس الطب عمره 21
عاما "كانوا جميعا مصابين بحروق، لم ار مثل ذلك قط في حياتي"، وانهار
جزء من سقف المستشفى خلال احدى المعارك ولا تزال كتل من الخرسانة
متناثرة في مسافة قريبة على الارض. بحسب رويترز.
وقال العاملون بالمستشفى انه ليس واضحا ما اذا كان المستشفى اصيب
عمدا أو عن غير قصد، وتقف بقايا قذيفة قرب مدخل الاستقبال الذي اصبح
شاغرا الان وقد ثبتت عليها ورقة كتب عليها بخط اليد انها سقطت على
البوابة الغربية للمدينة، وتضيف أعلام ليبيا ابان فترة الملكية والتي
تضم الالوان الحمراء والسوداء والخضراء وصور المفقودين بعض الالوان الى
جدران المستشفى العارية، وتتناثر صناديق من الورق المقوى مليئة بعقار
الباراسيتامول والشاش وامدادات طبية اخرى في اروقة المستشفى التي اصبحت
شبه خالية، وأدت الحرب الى خسائر في صفوف العاملين بالمستشفى ايض، وقال
محمد ان طبيبا يدعى صالح عوامي كان قد انهى للتو دراسته الطبية لقي
حتفه خلال القتال، واعتبر طبيبان اخران احدهما كان قد عاد من الولايات
المتحدة لتقديم يد المساعدة في عداد المفقودين، وقال مايكل فوفك وهو
جراح اوكراني يعمل في المستشفى منذ اكثر من ثمانية اعوام انه لا ينوي
الرحيل عن المدينة رغم الاخطار، وقال "لست مجنونا فكلنا خائفين، ولكن
لنا قلوبا وعلينا مسؤولية نحو الناس، نحن اطباء وعملنا هو المساعدة."
المعارضة وأفضلية الارض
من جهة اخرى وفي مواجهة الدبابات والقناصة بشوارع مصراتة يستغل
أعضاء المعارضة المسلحة الليبية ميزة طبيعية يتمتع بها عادة المدافع في
حرب المدن للاستمرار في قتال ممتد منذ شهرين ضد القوات الحكومية
المسلحة بشكل أفضل، يغلق مقاتلو المعارضة شارعا رئيسيا بشاحنات محملة
بالرمال ويحاولون عزل وطرد الجنود الموالين للزعيم الليبي معمر القذافي
الذين يطلقون النار عليهم من على أسطح المباني في قتال يائس يتشبث فيه
مقاتلو المعارضة باخر معاقلهم المهمة في غرب ليبيا.لكن المرجح أن يتوقف
مصير مصراتة على ما اذا كانت المعارضة المسلحة تستطيع منع أعدائها من
الاستيلاء على ميناء المدينة ومنع الوصول اليه، ويمثل الميناء طوق
النجاة للمدنيين المحاصرين وتصل من خلاله المساعدات الغذائية والطبية
فضلا عن أنه طريق محتمل لادخال الاسلحة والذخيرة.
ويقول شاشناك جوشي المحلل بالمعهد الملكي لدراسات الدفاع والامن "السيطرة
على الميناء ضرورية لان بدونها سيعزلون بالفعل وسيتوقف تقدمهم ولن
يستطيعوا الصمود امام الحصار"، وتبث لقطات لمقاتلين يحملون قذائف
صاروخية وبنادق الية يرابضون بين المباني المتداعية ويشنون هجمات كر
وفر مما يعيد للاذهان مشاهد لحصار مدن أخرى مثل محاصرة الصرب لسراييفو
في أوائل التسعينات، لكن محللين يقولون انهم يتمتعون بأفضلية هامة
للغاية في القتال بالمناطق السكنية على أرضهم لانهم على دراية بالارض
افضل من خصومهم الذين ربما يواجهون صعوبات في تحقيق اكبر استفادة من
أسلحتهم الثقيلة، ويقول المحلل العسكري بول بيفر "حتى اكثر الجنود
كفاءة واحترافا في العالم مثل الامريكيين والبريطانيين الذين ذهبوا الى
العراق على سبيل المثال وجدوا أن في حرب المدن تكون الافضلية دائما
للمدافع".
ويستطيع المقاتلون استخدام معرفتهم المحلية في نصب الاكمنة والوسيلة
الوحيدة للاستيلاء على مصراتة ستكون تدميرها مثلما فعل السوفيت في
برلين في نهاية الحرب العالمية الثانية، وقال بيفر "السوفيت دمروا
أحياء كاملة، ولا يملك الجيش الليبي قوة النار اللازمة لذلك"، لكن
الطبيعة التي توفر للمعارضين امكانية الاحتماء وتتيح لهم فرصة المناورة
التكتيكية السريعة هي نفسها التي تصعب على طائرات حلف شمال الاطلسي قصف
مواقع الحكومة الليبية، واشتكى المعارضون المسلحون مر الشكوى من اخفاق
التحالف العسكري في اتخاذ اجراءات اكثر حسما ضد قوات القذافي وترجيح
كفة الميزان لصالحهم محذرين من "مذبحة" وشيكة في مصراتة ان لم يقم
التحالف بذلك، وقال متحدث باسم المعارضة المسلحة يدعى عبد السلام مكررا
اراء اخرين "للاسف مهمة حلف الاطلسي لم تنجح وقد فشلوا في حماية
المدنيين في مصراتة".
وقال مراسلون ذهبوا الى مصراتة في زيارات نظمتها الحكومة منذ اندلاع
القتال هناك في اواخر فبراير شباط ان القوات الموالية للقذافي تسيطر
على الجزء الجنوبي من شارع طرابلس وهو شارع رئيسي وساحة قتال مهمة،
وحاول الموالون للقذافي نشر اكبر قدر ممكن من المعدات العسكرية داخل
المدينة، وقالت المراسلة ماريا جولوفنينا "رأيت الكثير من المدافع
المضادة للطائرات على أسطح المباني السكنية وايضا اسفل أشجار كبيرة"،
وكانت اخر مرة ذهبت فيها الى مشارف المدينة في التاسع من ابريل نيسان،
ومنذ ذلك الحين أعلن المعارضون تحقيق مكاسب في شارع طرابلس، واتهم قائد
العمليات العسكرية لحلف شمال الاطلسي في ليبيا القوات الموالية للقذافي
باستخدام أساليب مخادعة في مصراتة، وقال اللفتنانت جنرال تشارلز
بوتشارد "قوات النظام استخدمت قناصة على أسطح المساجد وهم يختبئون
بجوار المستشفيات ووضعوا عرباتهم المدرعة داخل المدارس بل انهم خلعوا
ملابسهم الرسمية". بحسب رويترز.
وقد يكون لنتيجة المعركة على مصراتة أهمية أوسع نطاقا للحرب الاهلية
الليبية التي وصلت الى حالة من الجمود في ظل قتال غير حاسم على جبهتها
الشرقية، وقال بيفر "اذا استطاعت القوات الحكومية الاستيلاء على مصراتة
فسيعطيها هذا انتصارا ضخما"، وتستعين قوات القذافي بصواريخ جراد روسية
الصنع وقذائف مورتر وهي تقصف مواقع المعارضة ومناطق سكنية يومي، وتقول
جماعة معنية بالدفاع عن حقوق الانسان ان هجوما أودى بحياة عدة مدنيين
اثناء وقوفهم في طابور لشراء الخبز، ويعتقد أن المئات قتلوا فيما نددت
به القوى الغربية بوصفه حصارا "على غرار العصور الوسطى" لاجبار سكان
مصراتة البالغ عددهم 300 الف نسمة على الرضوخ، لكن مقاتلين من المعارضة
يقولون انهم يقاومون بشراسة ويحبطون اي محاولة من قبل أعدائهم للتقدم
نحو الميناء والتوغل في وسط مصراتة، وأضافوا أنهم طوقوا ثلاثة مبان
للموالين للقذافي في المدينة وسيطروا على اثنين منه، وقال عبد السلام
وهو متحدث باسم المعارضة "يعلمون أنهم متى خرجوا من الدبابات والعربات
المدرعة فسيضطرون الى مواجهة مقاتلي المعارضة في معارك من دار الى دار".
ويصعب على الغرباء تكوين صورة واضحة عن الوضع في مصراتة التي مثل
كثير من المدن الليبية هبت ضد حكم القذافي الممتد منذ أربعة عقود في
فبراير شباط ولا يتسنى التحقق من مزاعم المعارضين من مصدر مستقل بسهولة،
ويقول المسؤولون الليبيون انهم يقاتلون ميليشيات مسلحة لها صلات بتنظيم
القاعدة وعقدت العزم على تدمير البلاد وينفون أن القوات الحكومية تقصف
مصراتة او المدنيين، وقال سيف الاسلام ابن القذافي ان الجيش يجتث
الارهابيين المختبئين في المدينة مثلما فعل الروس في جروزني عاصمة
اقليم الشيشان او كما فعل الامريكيون في الفلوجة بالعراق، وأضاف لصحيفة
واشنطن بوست "انه نفس الشيء تمام، لن أقبل أن يقتل الجيش الليبي
المدنيين، هذا لم يحدث، ولن يحدث ابدا"، لكن روايات لمعارضين مسلحين
وروايات شهود ترسم صورة لقصف بلا تمييز وقتال مكثف في المدينة وعلى
مشارفها. ودكت نيران المدفعية مباني وتتناثر العربات المحترقة في
الشوارع التي تمتليء بالانقاض ويعالج الاطباء المدنيين المصابين بموارد
غير كافية، ويقول ابراهيم علي الذي وصل الى تونس مؤخرا على متن سفينة
تابعة لمؤسسة خيرية طبية عنا القوات الحكومية "انهم يقصفون مناطق سكنية
ليل نهار بلا توقف".
المعارضة وحرب العصابات
في سياق متصل يعجز مقاتلون معارضون عن مجاراة التفوق العسكري لقوات
الزعيم الليبي معمر القذافي ولجأوا في الغرب الليبي قرب معقله في
طرابلس لاساليب حرب العصابات في مسعاهم للاطاحة بالزعيم المخضرم، وعلى
عكس شرق ليبيا حيث تسيطر المعارضة على العديد من المدن الساحلية لا
يزال القذافي يحكم قبضته على الغرب، ونظرا لقرب مركز التحكم في الالة
العسكرية القوية للقذافي من العاصمة طرابلس فمن الصعب على المعارضة
المتشرذمة تنظيم خطواتها لتتخذ تحرك، وربما يتغير هذا الوضع اذ يقول
سكان طرابلس انه وقعت عدة هجمات على نقاط تفتيش للجيش ومراكز شرطة، كما
يسمع دوى طلقات رصاص اثناء الليل، وذكر مقيمون انه في هجوم وقع اقتحم
انصار المعارضة نقطة تفتيش في شرق طرابلس واستولوا على اسلحة، ويزعم
احد انصار المعارضة مقيم في المنفى في الخارج انه على اتصال يومي
برفاقه في حي تاجوراء في طرابلس ويقول "هناك هجمات يشنها أهل طرابلس.
قتل كثيرون من افراد جيش القذافي"، وحين سئل عن هوية المهاجمين قال
انهم من سكان المدينة الذين يريدون الاطاحة بالزعيم الليبي، وسواء كانت
الهجمات جزءا من خطة اوسع للمعارضة او مجرد تطور عفوي للخطط فان التحول
نحو مزيد من المقاومة في المدن يضيف بعدا جديدا للقتال الدائر منذ
شهرين ويفت في عضد قاعدة التأييد للقذافي في معقله الرئيسي في الغرب،
وقال ساكن اخر انه في مناطق مثل حي تاجوراء تسيطر الحكومة فقط على
الطرق والمحاور الرئيسية حيث توجد نقاط تفتيش تدعمها مدفعية مضادة
للطائرات ودبابات، ولكن الشوارع الاصغر داخل الاحياء خارج نطاق سيطرته،
ولا يمكن التحقق من هذه الانباء بشكل مستقل، ويصعب تجميع المعلومات لان
الحكومة لا تسمح للصحفيين بالعمل بحرية في العاصمة ولا يستطيع الصحفيون
الوصول لاحياء مثل تاجوراء.
وقال سكان ان دلائل التحدي تصاعدت بما في ذلك احتجاج باحد شوارع حي
فشلوم وهو امر نادر الحدوث في العاصمة منذ القمع الوحشي لتظاهرات
مناهضة للقذافي في اوائل مارس اذارالماضي، ونشرت مجموعة معارضة على
موقع فيسبوك على الانترنت لقطات فيديو لما وصفته باحتجاج في السابع من
ابريل نيسان في حي فشلوم الذي تقطنه الطبقة العاملة وسبق ان شهد
اشتباكات، وفي اللقطات حمل رجال ملثمون لافتات مناهضة للقذافي وقرأ
احدهم بيانا يعلن انضمامهم للمعارضة، واضاف انهم يعاودون التظاهر من
جديد بعدما ضحوا بمئات الشهداء، وقال السكان ان بعض رجال الامن لجأوا
لاسلوب جديد هو التظاهر بانهم من منظمي التظاهرات لاجتذاب المعارضين
للنزول الى الشوارع، وقال احد سكان طرابلس واصفا واقعة حدثت مؤخراً "كان
من الصعب فهم ما يحدث ولكن اتضح في وقت لاحق ان بعض رجال الامن
المتخفين يتظاهرون بانهم نشطاء ومحتجون". بحسب رويترز.
وتابع "حين ينزل الناس للشارع للمشاركة يلقى القبض عليهم على الفور،
لم يطلق سراح معظمهم وما من معلومات عن اماكنهم"، وقال المعارض الليبي
في المنفي انه في الثامن من ابريل ظهرت سيارتان تلوحان بعلم المعارضين
للقذافي بالوانه الثلاث في حي اخر في طرابلس، وأضاف "كانت خدعة
والسيارتان مملوكتان لقوات القذافي، وحين تجمع المحتجون حول السيارتين
بدأوا اطلاق النار على المدنيين، وتنفي الحكومة استخدام القوة ضد
المدنيين وتقول ان من حق المواطنين تنظيم تظاهرات سلمية والتعبير عن
رأيهم وتنفي أي تنام لنشاط سري للمعارضة، وقال موسى ابراهيم المتحدث
باسم الحكومة ان الحكومة علمت بهذه التقارير ووصفها بانها كاذبة، وتابع
ان ثمة حديثا عن تبادل لاطلاق النار بين المعارضة والقوات الحكومية
لكنه أضاف ان ذلك لم يحدث ووصف الوضع في طرابلس بانه هاديء ولا يوجد اي
تمرد منظم، ونفي ان عملاء حكوميين يتظاهرون بانهم محتجون لاستثارة
المعارضة.
وشجع نجاح المعارضة في الشرق عددا من المدن الغربية على الانتفاض ضد
القذافي في مارس اذار ولكن الانتفاضتين في الزاوية وصبراتة سحقتا بعنف،
ويقول سكان طرابلس ان قوات القذافي استخدمت الذخيرة الحية ضد المحتجين
في المدينة وان شبانا سجنوا للشك في تعاطفهم مع المعارضة، وفي المساء
تظهر شبكة من نقاط التفتيش العسكرية في ارجاء طرابلس وتستوقف قوات
القذافي جميع السيارات المارة رغم عدم فرض حظر تجول رسمي اثناء الليل،
ويسمع دوي اطلاق النار في طرابلس اثناء الليل بشكل متكرر، وتكثر
الاسلحة في البلاد ويطلق المواطنون الرصاص في الهواء للاحتفال ولكن
السكان يفزعون مما يبدو كصوت تبادل لاطلاق النار في الليل، ونقل عن
شاهد قوله في الثامن من ابريل نيسان "يعتقد كثيرون ان معارك متقطعة
محدودة تدور في بعض احياء طرابلس مثل سوق الجمعة"، واضاف الشاهد انه
سمع دويا اشبه بانفجارات وقال انه تردد انها غارة شنت على مركز للشرطة
بحي سوق الجمعة.
وفي النهار تخضع طرابلس لسيطرة امنية ولا تظهر بوادر احتجاج او
معارضة، وتسمع الاغاني الوطنية في ارجاء المدينة وتسير سيارات مسرعة
تحمل صورة القذافي مطلقة ابواقه، ويتردد الناس في التعبير عن رايهم،
وتعج مواقع الشبكات الاجتماعية بشائعات متناقضة عن هجمات لمعارضين في
طرابلس ويسرد السكان روايات متضاربة عما يسمعونه ويرونه اثناء الليل،
ولمح بعض مستخدمي المواقع الاجتماعية لان المعارضة تسللت للعاصمة،
والصورة مشابهة في مناطق اخرى في غرب ليبيا ففي زليتن يقول السكان ان
القمع الامني تتزايد حدته في البلدة الصغيرة غربي مصراتة المحاصرة حيث
تقاتل المعارضة قوات القذافي في مواجهة تتصاعد حدته، وقال احد
المتعاطفين مع المعارضة من زليتن "ما من احد يريده بعد الان، ينبغي ان
يرحل"، وقال ان المقاتلين في مصراتة جلبوا الجرحي لعلاجهم في زليتن
ولكنه ذلك صعب بسبب القمع الامني المتزايد، وخلال زيارة لزليتن في
الاونة الاخيرة، يمكن مشاهدة ظلال مسلحين على اسطح المباني بينما هجر
المدنيون الشوارع تقريبا والمتاجر مغلقة بالواح خشبية، واشار لمبنى ضخم
بوسط البلدة وقال "يراقبون كل التحركات عن كثب. المبني بكامله يعج
برجال المخابرات، يحاولون اشاعة الفرقة بيننا."
متطوعون في معسكرات التدريب
الى ذلك يذكر ان أشرف محمد سالم (27 عاماً)، يدرس العلوم ولم يطلق
رصاصة في حياته، لكنه جاء ضمن مئات المتطوعين المتحمسين الى ثكنة
عسكرية في بنغازي، لتلقي دورة تدريب أساسية، ليتمكن من الانضمام الى
جيش المعارضين الذي يواجه قوات الزعيم الليبي معمر القذافي، وقال "نريد
أن نحمي أسرنا، لكن ليس لدينا خبرة، آمل أن نصل الى المستوى الكافي
لانضمامنا للجبهة، لكن اذا لم يحدث ذلك، فإننا سنحمي منازلنا"، وقال
انه عمل في توريد الغذاء للمقاتلين على الجبهة أثناء الانتفاضة ضد حكم
القذافي، التي بدأت في منتصف فبراير الماضي، لكنه الآن قرر أن يقاتل،
وأضاف، "لم أطلق رصاصة من قبل، لذلك جئت الى هنا لأتعلم"، ويتكون جيش
المعارضين بدرجة كبيرة من شبان مدنيين يتقدمون ويتقهقرون في مواجهة
قوات القذافي الاكثر خبرة والافضل تسليح، وكانت قلة تدريب قوات
المعارضة وافتقارها الخبرة العسكرية من عوامل قلق ليس قادة المعارضين
فقط، بل أيضا الحكومات الغربية التي ساندتهم بغارات جوية، لكنها أحجمت
عن ارسال قوات برية للمساعدة على الاطاحة بالقذافي.
وتبذل قيادة المعارضة جهوداً منسقة لتحسين الوضع، وكانت هناك دلائل
على أن ضباطا سابقين بالجيش يفرضون سيطرة أكبر على المشاهد التيكانت في
أغلب الاحيان تتسم بالفوضى على خط القتال، ويخضع الذين يجري تدريبهم في
معسكر بنغازي لتعليمات ضباط سابقين في الجيش انضموا للمعارضين، وأغلبهم
من المتقاعدين، وقال المدرب فوزي الهادو، وهو قائد سابق بمشاة البحرية،
"ان الوقت ضيق وما يتعين تعليمه لهم كثير"، وأضاف "ندربهم بما لدينا من
سلاح، هذه هي الاسلحة الوحيدة المتاحة، نريد أسلحة بعيدة المدى ومدفعية
ثقيلة وصواريخ لتكون لنا ميزة تسمح بالتقدم"، ويستمر التدريب أسبوعاً
ويشمل أساساً استخدام السلاح، أما التكتيكات وأساليب الحرب، فيقول هادو
الذي شارك في قتال في اوغندا وتشاد ولبنان إنها يتعين أن تنتظر لوقت
لاحق، ويرسل أفضل المتدريبن الى الجبهة، لكن هناك حاجة لمقاتلين آخرين
للدفاع عنالمدينة والمواقع الاستراتيجية.
وقال ان جميع المدربين ليبيون، ولم يشاهد أي أجنبي في ساحة التدريب
وفي المعسكر، وكان تردد أن جنوداً أميركيين ومصريين يقومون بالتدريب في
معسكرات المعارضين في شرق ليبيا، لكن لم تؤكد الحكومات أو قيادة
المعارضة الليبية ذلك، وجلست مجموعات من المتدربين في حلقات على أرض
الساحة حول قاذفات صواريخ تستمع بتركيز للمدرب، وقال الهادو "ليس بيننا
أجانب"، وقال مدرب وهو يعيد تجميع أنبوب مدفع مضاد للطائرات "هذه
القطعة تدخل هنا، هل هذا واضح؟"، فيرد المتدربون معاً "نعم"، ومن بينهم
طلاب وأطباء ورجال أعمال ومهندسون فضلا عن عمال وعاطلين، وفي حين يعرف
عن القذافي انه يعين حارسات من النساء، لم تكن هناك نساء يقاتلن بين
المعارضين، على عكس ما حدث في جيوش المتمردين في نيكاراغوا وسريلانكا.
وقال مسؤول انهن يقمن بأدوار أخرى في الحركة الثورية، وقال هشام
محمد (32 عاما) طالب يدرس الاتصالات ان لديه سببا شخصياً للانضمام
للمقاتلين، وأضاف "لم أتلق تدريبا من قبل، ولم يكن لدي سلاح، أنا هنا
لان القذافي اعتقل شقيقي منذ عام .1996 لا نعرف أين هو، أو ما اذا كان
مازال على قيد الحياة"، وتابع انه لذلك حرم هو وأسرته من الحصول على
وظائف في الحكومة، وقال الهادو "انها على الارجح ستكون حربا طويلة
وصعبة"، وأضاف "لدينا العزيمة، نحن نقاتل جيشا مدربا، لكن الله والحق
معنا في صفن، عندما يذهب القذافي سأعود للتقاعد".
اثار الحرب في سوق الجمعة
من جهة اخرى وتحت السطح الصاخب لسوق الجمعة في بنغازي بدأت الاثار
الاقتصادية للحرب المستمرة منذ اكثر من شهرين في الظهور، وما زال
الباعة يضعون الصناديق الكرتونية والطاولات المصنوعة من رقائق الخشب
على الارض المغبرة لاطراف بنغازي معقل المعارضة المسلحة في الشرق وهم
ينادون على بضائعهم المتنوعة بينما يتجول مئات المتسوقين بينهم، لكن
العمالة الوافدة التي كانت تملا هذا السوق يوما ما غابت عنه بشكل كبير
وارتفعت اسعار سلع كالبيض وزيت الطعام واصبح العلم الملكي بألوانه
الاحمر والاسود والاخضر الى جانب بعض الشعارات القطرية من بين السلع
التي تباع في السوق، وعزلت الحرب السوق عن مسارات امداده التقليدية الى
العاصمة طرابلس وغيرها من المدن الغربية واختفى الباعة الذين يأتون
لبيع وشراء الماشية الحية، وقال احمد العروفي (55 عاما) والذي يعمل
مزارعا "اعتاد التجار القدوم من طرابلس لشراء الخراف، وكانت عشر سيارات
كبيرة تغادر يومي، الان لا يوجد شيء من هذا"، ويشتري مزيد من التجار
المحليين الاغنام الان ويرجع السبب في ذلك غالبا الى صعوبة الحصول على
الابقار والدجاج لكن العروفي قال ان ذلك لم يمنع من تدني دخله الشهري
الى النصف تقريبا. بحسب رويترز.
كما توقفت امدادات البيض الذي كان يأتي من مدينة مصراتة المحاصرة
حالي، وقال التجار ان ثمن كرتونة البيض ارتفع من خمسة دنانير ليبية
(4.17 دولار) الى سبعة، ويواجه المجلس الوطني الانتقالي الليبي المعارض
الذي يتخذ من بنغازي مقرا له صعوبات في الحفاظ على طبيعية الحياة في
الشرق بعد ان تخلص من حكم القذافي في فبراير شباط، وما زالت الرواتب
التي تصل الى 700 دينار شهريا تدفع ويسمح بسحب مبلغ مساو من البنوك لكن
الكثير من العمالة الوافدة التي كانت تطهو الطعام وتنظف الشوارع وتعمل
في محطات الوقود وتبني المساكن قد فر، وخلف التهديد المستمر بتجدد
الحرب المحال وغيرها من المصالح في بنغازي مغلقة، وقال احد مربي
الدواجن الذي أعد أطباق البيض فوق مقدمة سيارته "كان هنا الكثير من
الاجانب من بنجلادش وتركي، كانوا يأتون من الشركات ليشتروا أشياء من
هنا لكنهم ليسوا هنا الان."وعرقلت الحرب بشكل كبير صناعة النفط المربحة
في ليبيا.
واضطرت المعارضة الى وقف الانتاج بعد أن هاجمت القوات الموالية
للقذافي حقول النفط التي يسيطرون عليها الاسبوع الماضي مما قطع مصدرا
حيويا للدخل في الشرق، وقال محي الدين البجو (52 عاما) ويعمل مهندسا
انه جاء الى بنغازي بعد أن اضطر الى ترك عمله في شركة سرت النفطية في
بلدة مرسى البريقة حيث تحاول قوات المعارضة طرد قوات القذافي منذ
اسبوعين، وذكر مثل اخرين في السوق ان اسعار السلع الغذائية كالسكر
واللحم وزيت الطعام ترتفع منذ بدء الانتفاضة الشعبية، وقال "لدينا نقص
في بعض السلع مثل زيت الطعام، السعر تضاعف تقريب، اشتريت زجاجتين
بثلاثة دنانير ونصف، من قبل كان بامكانك الحصول عليها بدينارين"، وفي
اخر الشارع كان عمران زروق (19 عاما) يبيع بضائع متعددة كالامشاط
والمقصات وسلاسل المفاتيح والبطاريات والمظلات، وقال هو يلوح بعلم
الانتفاضة ان تجارته لم تتأثر بالانتفاضة، وقال وهو يستريح قليلا من
النداء على بضاعته "السوق بحالة جيدة ونحن نعيش حياة طبيعية، "لكن
اخرين كانوا اقل منه ابتهاج، وبعيدا عن نقص الامدادات اشتعل التضخم
بسبب تدهور قيمة الدينار الليبي، وقال عبد الرحمن الذي يدرس الفيزياء
وكان يقف الى جوار طاولة زروق "الدولار كان يساوي 1.25 دينار والان
يساوي 1.90 دينار، كل شيء زاد ثمنه."
جرائم حرب
الى ذلك قالت الامم المتحدة ان استخدام الحكومة الليبية الذي أشارت
اليه تقارير لذخائر عنقودية وأسلحة ثقيلة في مصراتة تسبب في خسائر
كبيرة في صفوف المدنيين وربما يرقى الى جرائم حرب وفقا للقانون الدولي،
ودعت نافي بيلاي مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الانسان في بيان الى إنهاء
حصار مصراتة ونددت بالهجمات التي شملت استخدام قنابل عنقودية انفجرت
على مسافة بضع مئات الأمتار عن مستشفى المدينة الذي يقع في غرب البلاد،
وقالت بيلاي وهي قاضية سابقة في جرائم الحرب"، وفقا للقانون الدولي
الاستهداف المتعمد لمنشآت طبية يمثل جريمة حرب والاستهداف المتعمد أو
تعريض المدنيين لمخاطر على نحو متهور ربما يرقى الى انتهاكات خطيرة
للقانون الدولي الخاص بحقوق الانسان أو القانون الانساني الدولي، "وتتهم
المعارضة القوات المؤيدة للزعيم الليبي معمر القذافي باستخدام قنابل
عنقودية، وقالت منظمة هيومان رايتس ووتش لمراقبة حقوق الانسان ومقرها
الولايات المتحدة، ان القوات الحكومية قصفت المناطق السكنية في مصراتة
وانها عثرت على آثار تثبت ذلك.
ونفت الحكومة الليبية هذا الاتهام كما نفت قصف المدنيين، وأفادت
بيلاي أنه أبلغ عن اصابة عيادتين طبيتين في مصراتة على الاقل بقذائف
مورتر أو نيران قناصة، ومصراتة ثالث أكبر مدينة ليبية وآخر معقل رئيسي
للمعارضين في غرب البلاد ومحاصرة منذ أكثر من سبعة أسابيع، وقالت
المعارضة ان مقاتليها اشتبكوا مع قوات حكومية للسيطرة على شارع رئيسي
في مصراتة وان ثمانية قتلوا في اليوم السابق أغلبهم مدنيون، ويعتقد أن
المئات قتلوا في المدينة حيث يقول عاملون في هيئات اغاثة ان الوضع
الانساني يتدهور مع نقص الغذاء والمياه والامدادات الطبية، وقالت بيلاي
"استخدام أسلحة غامضة مثل الذخائر العنقودية والراجمات التي تطلق عدة
صواريخ وقذائف المورتر وغيرها من الاسلحة الثقيلة في مناطق سكنية مكتظة
سيؤدي حتما الى سقوط قتلى وجرحى مدنيين" وأضافت أن بين القتلى نساء
وأطفال. بحسب رويترز.
وقالت بيلاي وهي قاضية سابقة بالامم المتحدة في جرائم الحرب ان
القوات الحكومية التي تحاصر مصراتة وبينهم قادة عسكريون قد يحاسبون
جنائيا على الاوامر التي أصدروها والافعال التي ارتكبوه، وتحقق المحكمة
الجنائية الدولية بالفعل في جرائم محتملة، وقال لويس مورينو أوكامبو
المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية ان السلطات الليبية قررت قتل
المحتجين العزل المعارضين لحكم القذافي المستمر منذ 41 عاما حتى قبل أن
تمتد الاضطرابات التي اندلعت في تونس ومصر الى ليبي، وعبر أوكامبو عن
القلق بشأن أعمال الخطف والتعذيب والقتل.وعبرت بيلاي عن قلقها من إساءة
السلطات الليبية معاملة الصحفيين وقالت ان صحفيين على الاقل قتلا وان
16 صحفيا اختفوا بينهم عشرة أجانب، ومضت تقول "اعتقل عشرات آخرون أو
تعرضوا لاعتداء أو لاساءة بدنية قد تصل الى حد التعذيب أو طردوا".
مقابر الماضي في ليبيا
على صعيد متصل ومع تجدد دوي قذائف الدبابات والمدفعية في الصحراء
الليبية فيما يدور القتال حول بلدات متناثرة فيها تذكر مقابر قتلى
معارك الحرب العالمية الثانية بكفاح سابق ضد القهر، وترقد جثث 3651
جنديا معظمهم من بريطانيا واستراليا ونيوزيلندا وجنوب افريقيا في مقبرة
جسر الفرسان (نايتسبريدج) قرب عكرمة على بعد 25 كيلومترا غربي طبرق،
ويوجد عدة مقابر مماثلة في المنطقة احداها لجنود ألمان، وعانت طبرق
ذاتها من الحصار الشهير الذي فرضته القوات الالمانية والايطالية والذي
بدأ في 11 ابريل نيسان عام 1941 اي قبل 70 عام، كما دارت معارك حول مدن
مثل اجدابيا والبريقة وبنغازي بين قوات المحور بقيادة الجنرال اروين
روميل الملقب بثعلب الصحراء والقوات البريطانية وقوات الكومنولث،
وترددت هذه الاسماء من جديد في معارك تدور على طول الطريق الساحلي
السريع بين المعارضة المسلحة للزعيم الليبي معمر القذافي والقوات
الموالية له.وشيدت مقبرة جسر الفرسان على موقع معركة دارت رحاها في
مايو أيار 1942، وتنقسم صفوف القبور المهيبة الى قسمين يفصل بينهما ممر
تحف به اشجار النخيل ويظلل على المكان صليب كبير.
ويقول محمد حنيش المشرف على المقبرة منذ 28 عاما بتكليف من هيئة
الكومنولث لمقابر الحرب "قتل جميع هؤلاء الجنود حول طبرق، انه مكان
جميل ولكنه حزين"، وساعد والده في جمع الجثث ودفنه، وقتل الاف الليبيين
في الحرب ولكن لم يدفن اي منهم هن، وقال حنيش "تعاون عدد كبير من
الليبيين مع البريطانيين وكانوا يسعون للتخلص من الحكم الفاشي لبلادنا"،
وتكمن الاهمية الاستراتيجية لتلك المساحات الشاسعة من الاراضي
الصحراوية في حاجة بريطانيا لحماية قناة السويس وحقول النفط في الجزيرة
العربية من اي هجوم من جهة ليبيا التي كان يحتلها الايطاليون، وفي
بداية المعارك تقدم روميل المعروف بسرعة الحركة والمباغتة سريعا في
الصحراء بفيلقه الافريقي ودبابات بانزر وطرد البريطانيين من بنغازي الى
مصر، واستمر حصار طبرق 240 يوما ووصف راديو برلين القوات الاسترالية
المدافعة عن المدينة والتي تحصنت في الانفاق والخنادق "بجرذان طبرق"
وهي صفة كانت محل فخر له، وفي نوفمبر تشرين الثاني عام 1941 نجح
الجنرال كلود اوكنلك في فك الحصار في نهاية المطاف ودارت معركة شرسة
بالدبابات في الغرب في الاشهر التالية، وكانت عكرمة نقطة انطلاق رئيسية
او "صندوق" للامدادات حيث تقع نقطة التقاء عدة طرق صحراوية.
وكما هو الحال في المعارك الدائرة هذه الايام يمثل توفير امدادات من
الوقود والذخيرة لمسافة تصل لمئات الاميال قضية حيوية، وسقطت طبرق في
ايدي روميل في يونيو حزيران 1942 وتقدم صوب مصر حيث واجه ثعلب الصحراء
ندا له هو الجنرال البريطاني برنارد مونتجومري الذي تولى قيادة الجيش
الثامن، وهزم روميل في معركة العلمين في مصر في نوفمبر من نفس العام،
واصدر هتلر اوامره لفيلق افريقيا بالقتال حتى الموت ولكنه تقهقر في
النهاية عبر الصحراء، وكان مقر روميل في طبرق حصنا صغيرا يطل على
الميناء ولا يزال موجودا اليوم ولكنه يعاني من الاهمال والتأكل، ويبدو
انه هو شخصيا لم يعجب بليبيا وكتب "سالت انهار من الدماء في هذه
المناطق البائسة التي لا يعيرها افقر العرب اهتماما في الاوقات العادية"،
ونقل تيري برايتون ما كتبه في كتابه (سادة المعارك).
وتضم المقبرة نحو ألف جندي مجهول لا تحمل شواهد قبورهم اية بيانات،
اما بقية المقابر فيحمل شاهد كل منها الاسم والسن والكتيبة وتاريخ
الوفاة وتحمل بعض الشواهد عبارات مفعمة بالعاطفة من اباء وامهات وزوجات،
وتحاول عبارات اخرى تبرير خسارة الاحباء، وكتب على شاهد مقبرة
اللفتنانت ادوارد جاردين من الجيش الملكي البريطاني الذي توفي في 20
مارس 1942 عن عمر يناهز 24 عاما "مات فداء لقضية تحرير البشرية"، وقال
حنيش ان اسرا وعسكريين زاروا المقبرة على مر الاعوام ولكن هذه الزيارات
توقفت منذ الانتفاضة ضد القذافي في فبراير شباط، وتابع ان جميع سكان
المنطقة يجلون المقبرة وان عدم المساس بالصليب يدلل على عدم وجود
اسلاميين متشددين في المنطقة، وحين سئل عن رأيه في الحرب والارواح التي
تهدر صمت قليلا ثم قال "اذا كانت من اجل الحرية فانها امر طيب ولكن ان
لم يكن ذلك فانها امر بغيض". |