فتيـات نيبـال يتعلّمــن مقـاومة الاستعباد

العمل 16 ساعة في اليوم وضرب واغتصاب

 

شبكة النبأ: يوجد في العالم نحو 27 مليون من ضحايا الاستعباد الحديث 40 إلى 50٪ منهم من الأطفال... كانت أورميلا تشودري تجلس عند قدمي الرجل الذي اشتراها وتقدم له الشاي، وهو يلفظ كمية من التبغ بعد أن مضغها لبعض الوقت، وعلى الرغم من أنها تكرهه وتريد أن تلعنه أو تشتمه، لكنها كانت تدعوه (والدي)، لأنه مالكها السابق، وأخذها من عائلتها واستعبدها منذ طفولتها.

والآن فإن أورميلا اصبحت في الـ20 من عمرها، وهي فتاة جميلة وتتميز بابتسامة كئيبة، وتضع الاقراط في اذنيها وترتدي اللباس التقليدي للنساء في نيبال. بحسب مجلة دير شبيغل.

ويمكن ان يستنتج المرء الكثير من اللباس الذي ترتديه أورميلا والرجل الذي اشتراها، وعن آلاف الفتيات الأخريات اللواتي يتم بيعهن كل عام حالما يصبحن في سن مناسبة للعمل خادمات.

وأصيب الرجل الذي اشترى أورميلا من اهلها قبل ردح من الزمن، بالدهشة والذهول عندما شاهدها على شاشة التلفزيون والصحف وهي تجلس الى جانب الرئيس النيبالي رام باران ياداف، وتتحدث معه. وقال الرجل لاورميلا: (أعتقد انك نسيتني)، ولكنها أجابته(بالطبع لا).

وتقول أورميلا إنها كانت في الخامسة من العمر عندما جاء هذا الرجل، وهو محامي من عائلة محترمة، الى قريتها مانبور عن طريق نهر رابتي، ووضع حدا لطفولتها، وكان ذلك في احد ايام يناير بعد بداية (مهرجان ماغي)، إذ يحتفل شعب تارو بالسنة الجديدة، ويبيع في هذه الايام من السنة بناته.

وتضيف (شاهدت الرجل قادما نحونا، وكان من المدينة، يرتدي نظارة وبدلة. لم أرَ من يرتدي مثل هذه الملابس من قبل).

وتوضح أنها أدركت حينها أن (الدور جاء عليها)، إذ ان شقيقتها وقريباتها عملن فتيات مستعبدات او كما يعرف باللغة المحلية (كامالاري)، وابلغتها احدى شقيقاتها عن الضرب الذي تحملته على ايدي من اشتروها، وعن الاطعمة السيئة التي كانت تقدم لها. وتقول أورميلا: (رجوت أمي ألا تبيعني)، ولكن أمها قالت إنه ليس لها أي رأي في الموضوع.

وكان الرجل قد تحدث مع شقيقها الاكبر الذي يعيل العائلة، وعرض عليه مبلغ 4000 روبية، أي ما يعادل 70 دولاراً، مقابل اخته الصغيرة أورميلا.

وكانت العائلة مدينة لمالك الارض التي تحرثها وتزرعها، ولم يكن هناك ما يكفي من الطعام للعائلة، في حين كان الاطفال يرتدون احذية مصنوعة من جذوع النباتات التي يتم ربطها باقدامهم بواسطة قطع من الحبال. وكان مبلغ الـ4000 روبية مبلغاً جيداً، ولهذا قبل شقيقها بالصفقة.

استعباد الأطفال

في نيبال تعني كلمة (كامالاري) في الاساس (المرأة العاملة بجد)، ولكنهن هنا لسن نسوة يتم بيعهن ويجبرن على العمل، وانما اطفال تراوح اعمارهم ما بين الخامسة والخامسة عشرة، حيث تجبر الفتيات النحيلات على العمل 14 أو 16 ساعة في اليوم في الاعمال المنزلية لدى العائلات، وتحت رحمة مالكيهن، ويخضعن لمزاجهم وضربهم، وتتعرض واحدة من كل 10 من هؤلاء للاغتصاب.

وتشير تقديرات منظمات المساعدة الدولية الى ان هناك نحو 10 آلاف فتاة تعمل (كامالاري) في نيبال. ومنذ عام 1956 اعلنت الامم المتحدة أن عددا من أشكال عمالة الاطفال يعتبر عبودية، وتجب محاكمة من يفعل ذلك في القضاء.

وعلى الرغم من أن الاتجار في البشر يعتبر غير شرعي وبصورة رسمية في معظم دول العالم، الا انه لايزال موجودا وبصورة كبيرة في نحو 70 دولة حول العالم. ويوجد تقريبا نحو 27 مليون شخص حول العالم هم ضحايا الاستعباد الحديث، ويعيشون تحت الديون، والبغاء الاجباري والعمالة الشبيهة بالرق. ونحو 40 الى 50٪ منهم من الاطفال، العديد منهم من الآسيويين.

هدية

كانت أورميلا تعاني الوضع نفسه كما هو حال الاخريات. وتقول: (أخذني شقيقي الى منزل من اشتروني بالحافلة الى غوراهي)، وهي مدينة مليئة بالضجيج في الجنوب الغربي من نيبال، إذ ان معظم سياراتها عبارة عن دراجات معروفة باسم الركشا. وكان المكان مختلفا تماما عما هو عليه الوضع في قريتها مانبور.

وجلست أورميلا على حصير يغطي الارض الى جانب فتاة اخرى كان مالك البيت قد اشتراها. وكان الجو بارداً. وبدا جلياً لها أن حفل زفاف أقيم في البيت. فقد وجد ابن مالك البيت زوجة وكان هناك الكثير من الاقارب من الضيوف بمن فيهم ابنة مالك المنزل، التي تعيش في كاتمندو، وتم شراء أورميلا هدية لها.

وقالت الابنة عندما شاهدت أورميلا للمرة الاولى: (إنها نحيلة وصغيرة، كيف يمكنها ان تعمل بصورة جيدة ؟).

منذ ذلك اليوم طلب من أورميلا ان تدعو الابنة بلقب (مهراني) اي سيدتي، واطفالها بالامير والاميرة، وبعد مرور بضعة ايام اخذت الابنة أورميلا معها الى كاتمندو، وكان مطلوب منها ان تخدم 12 شخصاً. وانقضت اربع سنوات قبل ان تتمكن من رؤية اهلها و11 عاماً قبل ان تصبح حرة، وتعود الى عائلتها.

وفي هذا اليوم من شهر فبراير، وبعد مرور 15 عاماً على بيعها جاءت أورميلا لزيارة هذا الرجل الذي حرمها طفولتها، لتتمنى له عيد ميلاد مجيد، ولكنها أرادت ان تطلب منه أجرها عن عقد من الزمن، ولم تتمكن من ذلك، وعندما سئلت لماذا لم تطلب اجرها، قالت: (انها عائلة متنفذة، ولا أدري ما يمكن ان يفعلوه اذا غضبوا مني).

اضطهاد وفقر

يتعرض شعب تارو للاضطهاد منذ زمن بعيد، وهو احد الشعوب المنبوذة الأكثر دونية في نيبال الهندية. ويتواصل هذا الوضع من جيل الى اخر. ويعيش هذا الشعب في منطقة تيراي وهي منطقة معروفة بالخصب بالقرب من الحدود الهندية. وكانوا يملكون الارض في السابق، ولكن من خمسينات القرن الماضي بدأ سكان من المناطق الجبلية في سكن هذه المنطقة، واخذوا الاراضي من شعب تارو وجعلوهم خدماً لديهم. ونظرا الى أن الرضوخ متجذر في نفوس هذا الشعب فلم يُبدِ اي مقاومة.

وكان والد أورميلا قد أصبح ملكاً لاحد ملاك الاراضي طيلة حياته. وعندما سئل لماذا وافق على بيع ابنته يؤكد انها الطريقة الوحيدة التي كانت تجري فيها الامور في حينه.

ويقول وهو يجلس امام منزله والى جانبه زوجته التي تصنع طعام العشاء من الاعشاب التي جمعتها من الغابة: (نحن كنا عبيداً وغير متعلمين).

ويضيف (كنا نحرث الارض ونزرع الحقول مقابل كمية من الارز)، ولكنهم كانوا يرسلون نساءهم وبناتهم الى مالك الارض من اجل المزيد من المال، إذ يطلب منهن القيام باعمال الطبخ وغسل الملابس واعمال اخرى.

تحرّر نسبي

في عام 2000 انتهت عمالة الاستعباد في نيبال، الأمر الذي يعني أن شعب تارو أصبح حراً، ولم يعد مطلوبا منه العمل في حقول ملاك الاراضي، ولكن ذلك كان بمثابة فقدان رزق هذا الشعب، اذ انه من دون هذه الحقول لن يكون هناك ارز للطعام. وبناء عليه فإن بيع البنات في مهرجان ماغي هو المصدر الوحيد للرزق للعديد من العائلات، اذ يمكن ان تحصل العائلة على 4000 إلى 5000 روبية لكل طفلة سنوياً، واذا لم تجر الامور على ما يرام يمكن ان تحصل الفتاة على مبلغ لمرة واحدة.

وتواصل الفتيات سيئات الحظ العمل لدى العائلات حتى يصبحن كالروبوت لا يستطعن التحرك دون امر من شخص ما، واما الفتيات المحظوظات فينتهي بهن المطاف الى نزل، هو عبارة عن مساكن بسيطة تحوي عددا من الفتيات، ولدى كل طفلة سرير خاص بها، وكانت أورميلا قد عاشت في هذا النزل لفترة من الزمن.

ويعتبر هذا النزل جزءاً من مشروع القضاء على (كامالاري) الذي جاء تمويله من منظمة (بلان) للمساعدة الدولية، والتي تحصل على نسبة كبيرة من تبرعاتها من المانيا، ويقوم العاملون في مشروع المساعدة بادراج الفتيات في مدرسة او برنامج تدريب مهني.

ويتضمن المشروع فرقاً عدة من الفتيات اللواتي ينظمن حملات تحرير (فتيات القرى) لشعب تارو، إذ يسرن في الشارع ويتظاهرن امام المنازل، ويكتبن احرفاً لاسم الملاك والاباء الذين يبيعون على لافتات، واذا فشلت كل هذه الطرق فانهن يجبرن المالك على اطلاق سراح الفتيات اللواتي يعملن لديه عن طريق التهديد برفع قضايا ضده لدى المحكمة. واستغلت أورميلا هذه الطريق لتحرير العشرات من الفتيات في منطقتها. وتمكنت هذه الفتاة المستعبدة سابقاً من تحرير 1759 فتاة منذ بدء المشروع.

السيدة القاسية

أصبحت أورميلا تشودري حرة منذ أربع سنوات وتعيش في لامهاي، وهي مدينة صغيرة قريبة من قريتها. وهي تستيقظ يوميا في الساعة الخامسة صباحا للدراسة والتعلم، وفي الساعة التاسعة تذهب الى المدرسة وتواصل تعليمها. وهي الاكبر عمرا في صفها، إذ تبلغ الـ20 من العمر حالياً، ومع ذلك فانها مقصرة في العديد من الموضوعات، وهي تقول: (ذلك يشعرني بالغضب).

وفي فترة ما بعد الظهر تعود الى البيت مشياً على الاقدام وتغير ملابسها، ومن ثم تركب الحافلة الى نارتي لزيارة الفتيات في النزل او الى القرى لامضاء الوقت مع بعض فرق الفتيات. وهي تساعدهن على حفظ الشعارات التي يجب قولها في الحملات والتظاهرات التي تتم من اجل جهود تحرير المستعبدات.

ويقمن بوضع سجلات من اجل الفتيات اللواتي يختفين، ويكتبن اسماءهن ويحاولن العثور عليهن حتى لو تم اخذهن الى مدن أخرى. وقبل أن يتم تحرير أورميلا، عملت لدى امرأة ثرية ومتنفذة وتعمل في مجال السياسة، وهي شقيقة الرجل الذي جاء لشرائها. وبعد العمل لابنة الرجل لبضع سنوات في البداية، تم نقلها الى هذه السيدة التي تدعوها اورميلا بالسيدة القاسية.

وكانت السيدة تغلق على أورميلا فيلتها في كاتمندو لسنوات عدة. ولم يكن مسموحاً لها بالخروج الى الشارع وحدها لشراء الحليب. وكانت واجباتها تتضمن اعداد الطعام والتنظيف والخدمة، وتقول: (كانت تطلب مني القيام بعمل مساج لها).

ولكن هذه المرأة السياسية سمحت لأورميلا بالعودة الى عائلتها عندما بلغت من العمر 16 عاما. وكانت قد اصبحت في سن الزواج، وهي سن يمنع فيها تقليديا عمل الـ(كامالاري). ولكن أورميلا سمعت بمشروع تحرير الفتيات فذهبت اليه. وبعد فترة قصيرة اصبحت تقود فرق الفتيات المناديات بتحرير المستعبدات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 21/نيسان/2011 - 17/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م