الاستراتيجية المشتركة في استبداد الطغاة

الفوضى والتشبث بالحكم محركات البقاء في السلطة

كتب المحلل السياسي

 

شبكة النبأ: أثبتت قيادة الحكام العرب مؤخرا فشلها في إدارة الأزمات، وان محاولات اقناع الشعوب بالاصلاح بائت بالفشل وانها قيادة لاتستطيع ان تقف وقفة حيادية وتكون منصفة الى حد ما على الأقل في مواجهة هذه الشعوب المعارضة لتلك السياسات.

فما حدث من ثورات في المنطقة العربية وقابلها فوضى عارمة سببها حكام مستبدون تحت حجج واهية وصفت بأنها تنبع من ذات الحكام وتنم عن توجهات الحاكم، وترى الباحثة في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جين كينينمونت البريطانية أن نظرية الفوضى التي يستخدمها الحكام المستبدون في العالم العربي عندما يشعرون بأن حكمهم معرض للتهديد، حجة مزيفة.

فإن الإستراتيجية المشتركة لدى الحكام المستبدين تكمن في تدمير وإنكار كل بديل لحكمهم، وهذا يسمح للقائد بالقول إن التغيير –وخاصة الانتفاضات الشعبية والمظاهرات- سيفضي إلى الفوضى، وإن الواقع الراهن يعد بالاستقرار.

وهنا تذكّر الكاتبة بما قاله وزير الخارجية الليبي المنشق موسى كوسا من أن بلاده قد تنزلق في حرب أهلية، وبما صرح به سيف الإسلام نجل العقيد معمر القذافي بأن الاستمرار في الانتفاضة قد يؤدي إلى حرب أهلية دموية وبالتالي تفكيك البلاد.

الحكام العرب دأبوا في السنوات الأخيرة على اتخاذ العراق مثالا للفوضى، زاعمين أن ذلك هو الهدف الخفي لداعمي الديمقراطية الغربية وليس نتيجة حكم مطلق ولأساليب فرق تسد.

وهو ما انتهجه الحكام في ما يسمى بربيع العرب، فقد زعم الرئيس المخلوع حسني مبارك بأنه لا يسعى إلى ولاية جديدة، ولكنه أعرب عن خشيته من انزلاق البلاد نحو الفوضى.

وفي تلك الأثناء دفعت السلطات المصرية ببلطجية مأجورة إلى الشوارع في محاولة لإثبات وجهة نظر الرئيس المخلوع.

وفي سوريا زعم الرئيس بشار الأسد أن المتظاهرين في مدينة درعا يسعون إلى خلق الفوضى، وهو ما تحدث عنه أيضا سعوديون.

الإستراتيجية الثانية المشتركة لدى هؤلاء الحكام تنطوي على دمج القائد والحكومة والنظام والدولة معا، بحيث يظهر أي تحد للحاكم بأنه خيانة للأمة. فقد قدم سيف الإسلام والده على أنه الرجل الذي يوحد الأمة القبلية والعشائرية معا.

إلا أن الادعاء بأن القائد هو الوحيد الذي يضمن الوحدة الوطنية في مواجهة جماعات المصالح الطائفية والإقليمية والقبلية ربما يكون حجة مقنعة في منطقة ما بعد المرحلة الاستعمارية، ومع ذلك فإن أي مفهوم للاستقرار يرتبط بشخص واحد لا يمكن تحمله.

وبمقارنة الحالة الليبية بما جرى في مصر وتونس، فإن المرحلة الانتقالية في ليبيا ستكون أكثر صعوبة، بسبب أن القادة في هذين البلدين تنحيا عن الحكم ولم يتم المساس بالمؤسسات، ويبقى السؤال متعلقا بمدى الإصلاح الذي قد يجري.

فقد عمد العقيد القذافي إلى تشييد نظام سياسي مصمم لمنع الآخرين من بناء قاعدة قوية للسلطة، ويتطلب بناء المؤسسات السياسية التي كانت تقوم على نظام اللجان الشعبية غير الفاعلة إلى إعادة من جديد.

كما أن المعارضة، التي تحركت بشكل لافت لبناء مجلس قيادة مؤقتة في بلد لم يشهد حركات معارضة محلية منظمة، ما زالت تواجه أسئلة جادة منها ما يتعلق بمدى وطنية سلطتها.

فالانتقال السياسي سيكون في غاية الصعوبة بليبيا في ضوء ضعف مؤسسات المجتمع المدني والحكومي، ولكن إطالة أمد الحكم المستبد لن يضفي عليها قوة، لأن ضعف تلك المؤسسات هي نتيجة الحكم المستبد وليس سببا له.

يقول الكاتب الأميركي روبرت كابلان صاحب كتاب -الفوضى القادمة- إن القتال والصراع من أجل السلطة في كل من ساحل العاج وليبيا واليمن كان يفترض وبكل المقاييس المعقولة أن ينتهي لكن استمراره لمدة طويلة يؤشر على فشل الغرب في معرفة الحقيقة الأساسية للأشخاص الذين يحكمون تلك الدول.

ويتساءل الكاتب لماذا لم ينتهز غباغبو والقذافي وعلي صالح الفرصة التي عرضت عليهم بالخروج إلى المنفى المريح ويتنحوا؟ وربما كان ذلك أفضل لسلامتهم الجسدية وحساباتهم المصرفية وعقب أسابيع من القتال والمساومات ماذا عسى أن يكون لديهم لإثباته؟

ويرى محللون سياسيون أن هؤلاء القادة من السياسيين يحاربون من أجل قضايا أساسية وأقل قبولا للمساومة والتوصل إلى حلول وسط على الأقل من حيث طبيعة تحديدهم لها فعالمهم لا يتكون من المؤسسات والبيروقراطيات التي يمارسون الحكم عبرها بل هو عالم الهيمنة على مناطق من الأرض من خلال الاعتماد على الأقارب والتحالفات الإقليمية والقبلية.

أما في اليمن فإن وسائل الإعلام الغربية تصف الرئيس صالح بالطاغية المتشدد الذي تسبب تشبثه العنيد بالسلطة في دفع البلاد نحو هاوية التفكك شأنه في ذلك شأن غباغبو في ساحل العاج. هذا الوصف صحيح بشكل أكيد ولكنه لا يكشف سوى القليل

ويرى محللون سياسيون ان صالح يمتلك أعصابا فولاذية ومهارة كبيرة كونه تعرض إلى ضغوط نفسية بمستوى يمكن أن تشل نفسيا أكثر السياسيين الأقوياء في واشنطن، ولكنه يقوم حاليا بلعبة التفاوض على شروط تنحيه ليس فيما يخصه فحسب, وإنما بما يتعلق بمصير أقاربه القريبين منه وأولئك البعيدين نسبيا, وعليه فمن الذي بإمكانه أن يلومه إن اختار التمسك بالسلطة لفترة أطول سعيا لحصوله على شروط أفضل؟

فالمهم بالنسبة للرئيس اليمني هو ثروة وأعمال أسرته وهو يسعى لحلها وفقا لأفضل الشروط ويضيف في السنوات القليلة القادمة يمكننا أن ننظر إلى فترة حكمه بوصفها واحدة من أكثر فترات الحكم استقرارا نسبيا وأكثرها تعاونا مع الغرب ولكن كونه يستحق الإدانة والشجب من قبلنا حاليا فإن ذلك لا يعني من المنظور التحليلي أنه يجب التخلي عنه عاجلا.

أما بخصوص العقيد الليبي، فيرى الكاتب الأميركي أن هذا الرجل الذي تولى السلطة بانقلاب عسكري وهو في العشرينيات من عمره حافظ على تماسك ليبيا لمدة اثنتين وأربعين عاماوهي التي كانت في معظم تاريخها منطقة جغرافية دون الشعور بوجود سلطة أيا كان نوعها ونظرا لأنه مارس الحكم عن طريق توليفة بين السياسات القبلية وقبضة أجهزة المخابرات والأمن الحديدية فهو لم يبن أركان دولة وبالتالي لن يترك إرثا وسيكون زبدا بالكامل.

ويعتقد محللون سياسيون إن السبب في عدم تنحي القذافي بسهولة ليس مرده كونه يحارب من أجل قضية معينة ولكن بسبب مشاعر الكرامة التي تتعلق بالمنطقة والقبيلة والأرض.

أنه من المهم الاعتراف بأن حكم القبلية لكل من القذافي وصالح وغباغبو كان أحد خلفيات الحكم بالنسبة لهم وأن رفض بعض القبائل اليمنية لدولة قوية وباستمرار ربما لم يكن تعبيرا عن الرغبة في الفوضى بقدر الرغبة في قيام ثقافة إسلامية أوسع ودولة غير قمعية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 20/نيسان/2011 - 16/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م