امريكا وسبل العودة الى دائرة السيطرة

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: امريكا التي اذهلتها الاحداث الاخيرة في الشرق الاوسط وجعلتها تعيد كل حساباتها تجاه التطورات السريعة والثورات العارمة في الوطن العربي، تقف اليوم حائرة امام تحديد موقفها وسياستها مع التعارض الشديد الذي تواجهه بين مصالحها في المنطقة وبين مبادئها في دعم الديمقراطية وحرية الشعوب التي طالما افتخرت بها الحكومات الامريكية المتعاقبة وتغنت بها الاجيال الامريكية.

ان الازمة التي تعيشها الادارة الامريكية في البيت الابيض وبحسب كبار المسؤولين فيه، تتضح في ايجاد هوية الولايات المتحدة الامريكية من خلال تحديد موقف موحد وصريح امام مايحدث من ثورات شعبية تطالب بأسقاط الانظمة الفاسدة واطلاق الحريات التي حرم منها الشعب لعقود طويلة، فالامر بالنسبة لها اكثر تعقيد، فهناك ثورات تم دعمه، وهناك ثورات تم دعمها لكن بعد تردد، بينما التزمت الصمت امام الثورات الاخرى.

ان سياسة الكيل بمكيالين ليست جديدة على السياسة الامريكية، لكنها جديدة على حساب مبادئها التي تؤمن بها وهذا هو سبب حيرتها وتخبطه، فحينما دعمت الثورة في تونس وترددت قليلاً في مصر نجدها غضت الطرف عن مطالب الشعب في السعودية والبحرين وماتعرض له المتظاهرون هناك من عنف ووحشية، فالمبادىء تأتي بعد المصالح حتى في الولايات المتحدة الامريكية. 

تحديد سياستها

حيث يسعى الرئيس الامريكي باراك أوباما جاهدا للتوصل الى سياسة متسقة تجاه الشرق الاوسط يدخل في إطارها قراره الحاسم بالقيام بعمل عسكري في ليبيا ورد فعله المتردد على القمع في دول أخرى، ولم يكن من السهل الموازنة بين البراجماتية والمباديء في ظل تنوع المصالح الوطنية الامريكية المعرضة للخطر في كل صراع وضخامة العمل الذي يواجه فريق سياسة الشرق الاوسط المكلف بادارة الازمات، حيث يقول برايان كاتوليس خبير شؤون الشرق الاوسط في مركز التقدم الامريكي "على المستوى الرفيع هناك تحد خطير يتمثل في كيفية التعامل مع كل هذا"، وأضاف "انهم يبذلون أقصى ما في وسعهم لكن العاملين بالبيت الابيض ومجلس الامن القومي ليس أمامهم سوى 24 ساعة فقط في اليوم"، وقال البيت الابيض الذي تعرض لاتهامات بأنه بعث برسائل متضاربة بشأن الاحداث في الشرق الاوسط انه يضع استراتيجية جديدة شاملة تحدد المباديء الاساسية لسياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة.

وأصدر أوباما أوامره بمراجعة السياسة بعد انتفاضة تونس، لكن خبيرين يتشاوران مع البيت الابيض قالا ان المراجعة عطلتها أزمة ليبيا وشعور بأن أجزاء منها "تجاوزتها الاحداث"، ورفض مسؤول بالبيت الابيض فكرة أن هذه او اي مبادرة أخرى " ستتعطل او تلغى لمجرد ظهور قضايا أخرى"، وقال المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه "لسنا بحاجة الى أن ننظر لابعد من أحداث الاشهر القليلة الماضية لندرك أن هذه الادارة بارعة في التعامل مع مشاكل متعددة في الداخل وعلى صعيد السياسة الخارجية في نفس الوقت"، لكن في ظل الاوضاع الراهنة خصوصاً في ليبيا فان احتمال الوصول قريبا الى منهج تجاه الشرق الاوسط يغطي العلاقات مع حلفاء شموليين للولايات المتحدة مثل السعودية ومساندة الحركات الداعية للديمقراطية في أنحاء المنطقة يبدو ضئيلا.

وقال ماكس بوت من مجلس العلاقات الخارجية وهو معلق محافظ حث على اتخاذ الولايات المتحدة رد فعل أقوى تجاه الازمة في ليبيا "من المؤكد أنني لا أرى أي منهج لاوباما"، واستطرد قائلا "ما أراه هو ردود فعل عصبية للرئيس على ضغوط الاحداث وجذبه الى هنا او هناك من قبل الفصائل المختلفة في ادارته"، وعبر أوباما عن دعم الولايات المتحدة لحقوق الانسان والديمقراطية وسعى الى أن يبدو في صف المحتجين الذي أسقطوا الرئيس التونسي زين العابدين بن علي في يناير كانون الثاني وأطاحوا بالرئيس المصري حسني مبارك في فبراير شباط على الرغم من أن الولايات المتحدة تعاونت لزمن طويل مع الرجلين.

وواجه الرئيس الامريكي انتقادات لبطء تحركه بشأن مبارك الذي اعتبر لعشرات السنين حليفا محوريا للولايات المتحدة بالمنطقة غير أنه زاد الضغط وأشاد بالمحتجين بوصفهم أبطالا "لقوة الكرامة الانسانية" في مواجهة القمع، وأثار سقوط مبارك مخاوف في السعودية وممالك خليجية أخرى من أن واشنطن ربما لا تساند حكاما اخرين يتولون مقاليد السلطة في بلادهم منذ زمن طويل، وفيما يتعلق بليبيا تغير موقف الولايات المتحدة بشدة مع تطور الاحداث، ففي البداية رفضت دعوات للتدخل في ليبيا مع اتجاه الزعيم الليبي معمر القذافي لسحق انتفاضة ثم أيدت بعد ذلك شن غارات جوية لوقف الهجمات على المدنيين، وينظر الى مصر وتونس باعتبارهما نموذجين محتملين جديدين للديمقراطية اما السعودية فهي مورد ضروري للطاقة وحائط صد في مواجهة ايران في حين تصور ليبيا على أنها اختبار للمثل الانسانية للولايات المتحدة.

ويقول محللون سياسيون ان تباين المناهج الامريكية يعكس المصالح المختلفة للولايات المتحدة في كل دولة من الدول المعنية فضلا عن التغير السريع للواقع على الارض، وينظر مسؤولون أمريكيون الى تونس على أنها ذات أهمية استراتيجية محدودة مما جعل مساندة واشنطن للمحتجين اكثر سهولة، وكانت مصر اكثر أهمية باعتبارها أول دولة عربية تبرم اتفاقا للسلام مع اسرائيل مما دفع المسؤولين الامريكيين الى العزوف عن التخلي عن مبارك رغم أنهم رأوا تبدل المشاعر تجاهه. بحسب رويترز.

والسعودية التي تورد 12 في المئة من امدادات النفط الخام للولايات المتحدة لها أهمية اقتصادية كبيرة لهذا فمن غير المرجح أن تقوم واشنطن بأي شيء قد يزيد من زعزعة الاستقرار او يضعف أسرة ال سعود الحاكمة، ويقول محللون ان النتيجة هي سياسة غير متسقة على السطح لكنها تعكس مصالح الولايات المتحدة، وقال جيمس لينزي المسؤول السابق بمجلس الامن القومي في عهد الرئيس الاسبق بيل كلينتون ويعمل الان بمجلس العلاقات الخارجية "الادارة تحاول الان تنفيذ سياسة ووضع التفاصيل في نفس الوقت وهذا يضاعف المشاكل دائما"، وأوباما ملتزم بالشراكة مع دول أخرى وليس التصرف من جانب واحد كما كان يفعل سلفه جورج بوش مما يوسع نطاق عملية اتخاذ القرار ويعقده، وقال انتوني كوردزمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "هذا تحول مهم في السياسة الخارجية الامريكية، لكن اذا توقع أحد نجاحا فوريا في بناء مؤسسات دولية للتعامل مع أسوأ الحالات فانه سيصاب بخيبة أمل شديدة."

وظهر هذا الاثر بوضوح في ليبيا حيث انتقد البعض أوباما بأنه لا يتحرك بالسرعة الكافية ضد القذافي واتهمه اخرون باشراك القوات الامريكية في عملية ليست لها نهاية محددة في دولة ثالثة في العالم الاسلامي بعد العراق وأفغانستان، ويقول مسؤولون أمريكيون ان جهود بناء تحالف دولي ضرورية للنجاح لكن المشاركة العربية محدودة، ويقول محللون ان تركيز الولايات المتحدة على الفوز بتعاون العرب يجبرها على تقديم تنازلات غير مريحة مع دول مثل السعودية التي تقاوم التغيير في الداخل، وقال شادي حامد مدير قسم الابحاث بمركز بروكينجز في الدوحة " الولايات المتحدة لديها فرصة لتعيد ضبط سياستها في العالم العربي"، واستطرد قائلا "لكن هذا ليس سهلا وسيتطلب قيادة جريئة وخلاقة ونحن لم نر الكثير من هذا من ادارة أوباما حتى الان."

التنبؤ بديمقراطية

الى ذلك قالت الولايات المتحدة انه من المستحيل أن تتنبأ بما اذا كانت الانتفاضات الديمقراطية في الشرق الاوسط ستثبت جذورها مشيرة في تقريرها السنوي عن حقوق الانسان الى أن مصر لم تنه بعد حالة الطوارئ، وقالت وزارة الخارجية الامريكية ان انتشار الهواتف المحمولة المزودة بكاميرات وتبادل ملفات الفيديو من خلال وسائل الاتصال زاد الاحتجاجات الديمقراطية في أرجاء العالم على نحو مثير لكنه أدى أيضا الى رد فعل عكسي من جانب الحكومات التي تسعى الى احكام قبضتها على تدفق المعلومات، وكشف مسح حالة حقوق الانسان في 194 دولة عدا الولايات المتحدة ثلاثة اتجاهات، متمثلة بأتخاذ اجراءات صارمة ضد نشطاء المجتمع المدني والجهود الحكومية المتنامية لتقييد الانترنت وتزايد العنف والتمييز ضد الاقليات العنصرية والدينية والعرقية المستضعفة.

وقالت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون عند تقديم التقرير الذي جاء في سبعة الاف صفحة انها "تشعر بقلق بالغ" بسبب تقارير أفادت بأن الصين اعتقلت عشرات الاشخاص من بينهم محامون وكتاب وفنانون ونشطاء منذ فبراير شباط الماضي، وأضافت "رأينا اتجاهات سلبية تزداد سوءا على ما يبدو في النصف الاول من عام 2011" مشيرة الى اعتقال اي وايوي وهو فنان معاصر صيني وناشط معروف وهو يستعد لركوب طائرة متجهة الى هونج كونج، ولم يعالج التقرير الذي يغطي عام 2010 بالتفصيل الثورتين الشعبيتين اللتين أطاحتا برئيسي تونس ومصر وما تلاهما من صراعات في البحرين وليبيا واليمن وبلدان عربية أخرى.

وقالت وزارة الخارجية الامريكية في مقدمة تقريرها السنوي عن وضع وممارسات حقوق الانسان في دول العالم عام 2010 "لا نستطيع في هذه اللحظة أن نتنبأ بنتيجة هذه التغيرات ولن نعرف الاثار المستمرة لسنوات قادمة"، وأضافت في مقدمة التقرير "ستستمر الولايات المتحدة في مراقبة الوضع في هذه الدول عن كثب لمعرفتها بأن الانتقال الى الديمقراطية ليس تلقائيا وسيتطلب وقتا واهتماما دقيقا"، وقد فوجئت ادارة أوباما وكثير من العالم بسرعة الانتفاضات التي أشعلها تونسي أشعل النار في نفسه احتجاجا على اساءة معاملته على أيدي السلطات المحلية، ونوه التقرير الى أن المجلس العسكري الذي تولى السلطة في مصر في فبراير شباط الماضي لم ينه بعد حالة الطوارئ المفروضة في البلاد منذ اغتيال الرئيس الاسبق أنور السادات في عام 1981.

وقال التقرير "انتظرنا انهاء حالة الطوارئ" مشيرا الى أن المجلس الاعلى للقوات المسلحة الحاكم وعد بانهاء حالة الطوارئ قبل الانتخابات البرلمانية المقررة حاليا في سبتمبر أيلول القادم، وقالت وزارة الخارجية الامريكية ان كثيرا من البلدان تسرع جهودها كي تسيطر على جماعات غير حكومية تضغط من أجل الحريات المدنية مشيرة الى قانون جديد في اثيوبيا يقلل هذه الجماعات الى 1655 جماعة بدلا من 3522 جماعة، وأشارت أيضا الى جهود حكومية للسيطرة على تدفق المعلومات من خلال الانترنت قائلة ان السعودية فرضت قيودا على حرية الوصول وانتهكت خصوصية مواطنيها في استخدام الانترنت وأن الصين "فرضت رقابة صارمة على المحتوي وحرية الوصول الى" الانترنت واعتقلت من ينتقدون الحكومة، ورثى التقرير لما قال انه "تصعيد متواصل للعنف والقمع والتمييز الرسمي والمجتمعي ضد أفراد الجماعات المستضعفة التي غالبا ما تكون أقليات عنصرية أو دينية أو عرقية". بحسب رويترز.

تحذيراً حول اليمن

في سياق متصل يذكر أن زعيم حزب يمني معارض اخطر مسؤولا بالسفارة الامريكية في صنعاء قبل أقل من عامين بخطة سرية للاطاحة بالرئيس اليمني علي عبد الله صالح، وان عدة برقيات أمريكية لم تكن معلومة في السابق سربها موقع ويكيليكس الالكتروني كشفت أن مسؤولين أمريكيين كانوا على دراية بالوضع السياسي في اليمن لكنهم قللوا الى حد ما من احتمال الاطاحة بصالح حليف الولايات المتحدة الرئيسي في حربها على جناح تنظيم القاعدة في اليمن، وأفادت البرقية أن المعارض اليمني حميد الاحمر عرض في مقابلة مع مسؤول بالسفارة الامريكية خططا لاشعال تمرد اذا لم يضمن صالح اجراء انتخابات برلمانية نزيهة عام 2011.

وذكر التقرير أن الاحمر وهو شيخ يمني ثري قد تعهد بتنظيم مظاهرات حاشدة على غرار الاحتجاجات التي أطاحت بسوهارتو رئيس اندونيسيا قبل عقد مضى، كما ان البرقية الدبلوماسية ذكرت أن السفارة الامريكية في اليمن خلصت الى أن تحدي الشيخ لا يشكل سوى "توتر غير قوي" لصالح، ويتشبث صالح بالسلطة بعد اسابيع من مظاهرات حاشدة تطالب بانهاء حكمه المستمر منذ 32 عام، وقتل أكثر من 100 شخص منذ بدء الاحتجاجات المناهضة للحكومة، وأدان مسؤولون أمريكيون أحداث العنف، وقد اظهرت البرقية أن شخصيات يمنية مؤثرة وحلفاء للولايات المتحدة حذروا دبلوماسيين أمريكيين من ضعف صالح المتزايد خلال عامي 2009 و2010 . بحسب رويترز.

وذكر المقال أن السفارة الامريكية في اليمن قدمت ملاحظة دقيقة عن تزايد الغضب من صالح في برقيات لواشنطن "ولكنها ايضا انصرفت عن شكاوى كثيرة على اعتبار انها بعيدة الاحتمال"، وتقول برقية بتاريخ 30 مايو ايار 2009 تحمل توقيع السفير الامريكي انذاك ستيفن سيش "من غير المدهش في دولة يسيطر عليها زعيم قوي أن يلقي اولئك الاشخاص غير الراضين باللوم على هذا الفرد"، وقالت الصحيفة ان وزارة الخارجية الامريكية رفضت التعليق على صحة هذه البرقيات أو ما جاء فيه، ونقل عن مسؤول بادارة الرئيس الامريكي باراك أوباما لم يذكر اسمه قوله "اليمن من تلك الاماكن التي لم يكن لدينا فيها كثير من الخيارات السياسية الجيدة، كان لدينا هذا التأكيد على محاولة تحقيق الاصلاح."

التغيير في سوريا

من جهته قال وزير الدفاع الامريكي روبرت جيتس انه يتعين على سوريا ان تحتذي بالنموذج المصري حيث امتنع الجيش عن اطلاق النار وساعد الشعب في الاطاحة بحكم الرئيس السابق حسني مبارك، حيث واجه الرئيس السوري بشار الاسد الاحتجاجات التي تستلهم الانتفاضات على الحكام المستبدين في انحاء العالم العربي، وقال جيتس اثناء زيارة لاسرائيل "أقول ان ما تواجهه الحكومة السورية هو في الحقيقة نفس التحديات التي تواجه العديد من الحكومات في أنحاء المنطقة وهي مظالم شعوبها السياسية والاقتصادية التي لم تلب"، وقال جيتس للصحفيين "بعضهم يتعامل معها بطريقة أفضل من الاخرين حيث وقف الجيش المصري متابعاً وسمح للشعب بالتظاهر وفي الحقيقة دعم الثورة، يمكن للسوريين تعلم الدرس من ذلك."

وقتلت القوات السورية عشرات من المتظاهرين في مدينة درعا بجنوب سوريا ورفض الاسد نداءات الاصلاح المتزايدة في البلد الذي يقطنه 20 مليون نسمة ويحكمه حزب البعث منذ انقلاب عام 1963، غير ان الاسد قدم مؤخراً تعهدا غير مسبوق بمنح مزيد من الحريات والرفاهية للسوريين، حيث قرأت مستشارة الاسد في دمشق قائمة مراسيم شملت احتمال انهاء حالة الطواريء المستمرة منذ 48 عام، لكن منظمة لحقوق الانسان قالت ان الناشط البارز المؤيد للديمقراطية مازن درويش اعتقل، وقال مسؤول في المستشفى الرئيسي بمدينة درعا في جنوب سوريا ان ما لا يقل عن 37 محتجاً قتلوا في المدينة عندما فتحت قوات الامن النار على متظاهرين يستلهمون الاحتجاجات في أرجاء العالم العربي، وأدان البيت الابيض "القمع الوحشي للمظاهرات" في سوريا وقال انه يجب محاسبة المسؤولين عن العنف.

الى ذلك من المرجح أن تلتزم الولايات المتحدة بموقف حذر وألا تتدخل في الاحتجاجات التي تشهدها سوريا فيما تتابع ما اذا كانت ستمتد بشكل كبير أو ستشعل حملة قمع وحشية، كما عاد سفير أمريكي الى دمشق بعد غياب نحو ست سنوات وفي ظل عدم تمتعه بنفوذ فعلي لم يتضح الى أي مدى يمكن لواشنطن التأثير على الاحداث أو ما اذا كانت ستحاول أن تفعل ذلك الا اذا سقط عدد كبير من الضحاي، والعلاقة بين سوريا والولايات المتحدة مضطربة منذ وقت طويل، وتتهم واشنطن دمشق بدعم نشطاء فلسطينيين والتدخل في لبنان والسماح لمتمردين مناهضين للولايات المتحدة بعبور الحدود السورية الى العراق، ورغم العلاقة المتوترة بين البلدين الا أن الولايات المتحدة التي فرضت بالفعل عقوبات على سوريا ليس لديها أوراق ضغط تذكر للتأثير على النظام السوري. بحسب رويترز.

وقال جون الترمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "الخيارات السياسية الحقيقية هي هل تحاول اقناع الحكومة بالتراجع وانقاذ نفسها أم تحاول الضغط لتحويل الامر الى أزمة يمكن أن تفقد الحكومة بسببها قبضتها على زمام الامور، لا أرى أي أدوات تتمتع بها الحكومة الامريكية يمكنها أنه تحدث أي النتيجتين"، والاحتجاجات التي اندلعت بدايتها في مدينة درعا بجنوب سوريا وامتدت الى أنحاء البلاد متحدية حكم عائلة الاسد بعد أن قتلت السلطات عشرات المتظاهرين في الجنوب، الا أن محللين متخصصين في شؤون الشرق الاوسط قالوا ان المظاهرات وعدد القتلى الذين سقطوا جراء تعامل الحكومة مع المتظاهرين ليسا بالقوة التي تدفع الولايات المتحدة لاتخاذ رد أكبر من مجرد الادانة.

وقال ادوارد ووكر السفير الامريكي السابق لدى مصر واسرائيل "لن أحرص بشكل كبير على الانخراط في الامر اذ أن لدينا ما يكفي من الاعباء" في اشارة الى الضربات الجوية التي تشارك الولايات المتحدة فيها تطبيقاً لقرار الحظر الجوي المفروض على ليبي، ومع تقليص الحرب في العراق ووجود نحو مئة ألف جندي في أفغانستان كانت الولايات المتحدة مترددة في باديء الامر في التدخل في ليبيا ومن المرجح أن تكون مترددة بشكل أكبر للتدخل في سوريا الا اذا تزايدت اراقة دماء المدنيين، وأدان جاي كارني المتحدث باسم البيت الابيض جهود سوريا لقمع الاحتجاجات وطالب بانهاء فوري لقتل المدنيين على أيدي قوات الامن وحثت السلطات على متابعة التفاوض مع المعارضة، وقال برايان كاتليس من مركز التقدم الامريكي ان الولايات المتحدة يمكن أن تسعى لفرض عقوبات على منتهكي حقوق الانسان أو تحاول حث دول مثل تركيا والمملكة العربية السعودية اللتين تتمتعان بعلاقات أفضل مع سوريا على محاولة التأثير على حكومة الاسد.

وأضاف أن النقطة التي يمكن أن تشهد تحركا أمريكيا أكبر ستكون عندما تصبح هناك انشقاقات كبيرة من داخل النظام أو عندما تندلع احتجاجات شعبية واسعة تتحدى أساسا كيان الحكومة السورية، وقال ووكر انه لا يرى أي امكانية لتراجع أسرة الاسد وأفرادها من الاقلية العلوية في سوري، وتابع الدبلوماسي المتقاعد "هم بشكل اساسي اقلية مكروهة (العلويون)، واذا فقدوا السلطة واذا خضعوا للثورة الشعبية فسيعلقون على اعمدة الانارة، "ليس لديهم اي حافز على التراجع مطلقا"، ولكن دبلوماسيا غربيا قال انه فوجيء بما وصلت اليه الاحتجاجات في سوريا حتى الان رغم تاريخ الحكومة الوحشي مضيفا أن الاجواء في البلاد تغيرت، واستطرد "اجتازوا خط الخوف وذلك أمر رائع في سوريا."

تدريب ناشطين حقوقيين

وازاء تعاظم دور الديموقراطية الرقمية وتزايد استخدام الوسائل الالكترونية في حركات الاحتجاج والمعارضة السياسية، تقوم الولايات المتحدة بتدريب الاف الناشطين الحقوقيين في العالم على سبل التحايل على الانظمة المتسلطة على الانترنت وبواسطة هواتفهم النقالة، وتتركز جهود ادارة الرئيس باراك اوباما بهذا الصدد على مساعدة الناشطين على الحصول على التكنولوجيا التي تسمح لهم بالالتفاف على القيود المفروضة على الانترنت في دولهم وضمان امن رسائلهم النصية والصوتية وحماية مواقعهم من الهجمات الالكترونية، واوضح مايكل بوسنر مساعد وزيرة الخارجية لشؤون حقوق الانسان "ان الامر اشبه بلعبة القط والفار، اذ تطبق الحكومات باستمرار تقنيات جديدة للتصدي للانتقادات وللمنشقين".

وقال في حديثه "نحاول الابقاء على هامش تقدم من خلال تامين وسائل تكنولوجية وتدريب ودعم دبلوماسي بما يسمح للناس بالتعبير عن وجهات نظرهم بحرية"، وسيحتل موضوع الحريات على الانترنت حيزا اكبر منه في الماضي في التقرير السنوي حول حقوق الانسان الذي تصدره الدبلوماسية الاميركية والذي رفعه وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون مؤخر، وكانت كلينتون التي تقر بجهلها في مجال الشبكات الاجتماعية، لفتت مؤخرا الى ان الدور الذي لعبته مواقع فيسبوك وتويتر ويوتيوب في موجة التظاهرات في مصر وايران يثبت "قوة التكنولوجيات التي تربط بين الناس، كعامل محفز للتغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي"، وخصصت الادارة الفدرالية الاميركية منذ سنتين خمسين مليون دولار لتطوير وسائل تكنولوجية تهدف الى حماية الناشطين من مخاطر توقيفهم وملاحقتهم من قبل حكوماتهم، كما اجرت دورات تدريب لخمسة الاف ناشط في نواح مختلفة من العالم.

وجمعت احدى جلسات التدريب تلك نظمت قبل ستة اسابيع في دولة من الشرق الاوسط، ناشطين قادمين من تونس ومصر وسوريا ولبنان، تعهدوا بنشر مهاراتهم المكتسبة من حولهم لدى عودتهم الى بلدانهم، وقال بوسنر انه بعد انتهاء الدورة "غادروا وهم الان يحدثون ظاهرة موجة"، وقال مسؤولون في وزارة الخارجية ان احدى الوسائل التكنولوجية قيد التطوير حاليا وقد اطلق عليها اسم "اشارة الانذار"، تسمح للناشطين بمحو قوائم معارفهم عن هواتفهم النقالة في حال اعتقالهم، وقال بوسنر "ان كان بوسعكم تلقي اشارة الانذار التي تمحي (هذه القائمة) قبل ان يتم اعتقال (الناشطين)، عندها تنقذون ارواحا". بحسب فرانس برس.

حيث يمكن استخدام هذه التكنولوجيا الجديدة في بلدان مثل سوريا حيث تقوم السلطات على حد قول بوسنر باعتقال الناشطين لمجرد استخدام هواتفهم النقالة، واوضحت وزارة الخارجية انها سبق ومولت شركات خاصة معظمها اميركية لتطوير عشر الادوات تساعد في الالتفاف على الرقابة التي تفرضها بعض الحكومات، وقال مسؤول في الوزارة طلب عدم كشف اسمه ان "احدى هذه الادوات كانت مفيدة جدا في ايران"، مضيفا ان استخدامها "ينتشر في كل ارجاء الشرق الاوسط"، غير انه رفض كشف اسم الاداة مؤكدا ان ذلك سيعرض اشخاصا للخطر.

التحكم بالمواقع الاجتماعية

حيث تعمل وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، حاليا على تطوير برنامج يسمح بالتحكم في الشبكات الاجتماعية على «الإنترنت» بشكل سري، من خلال استخدام أسماء وهمية، من أجل التأثير في المحادثات والنقاشات التي تجري على المواقع الإلكترونية، وتوسيع نطاق الدعاية للمبادئ والسياسة الأميركية، وتتولى شركة معلوماتية في ولاية كاليفورنيا مهمة تطوير البرنامج، الذي أطلق عليه اسم «خدمة إدارة الشخصيات على الإنترنت»، التي تسمح لشخص واحد بالتحكم في 10 شخصيات مختلفة في آن واحد، وسيكون على صفحة كل شخصية وهمية على «الإنترنت» معلومات كافية تبدو كأنها تعود إلى شخص حقيقي، وسيقوم 50 موظفا بالتحكم في الشخصيات الوهمية من أماكن عملهم، «دون أن يتمكن أحد من اكتشاف أمرهم، مهما كانت التقنية التي يستخدمها».

وتأتي هذه الخطوة رداً على محاولات الصين التحكم، وفرض قيود على الحريات على «الإنترنت»، وستقوم قيادة الجيش الأميركي الوسطى، المسؤولة عن منطقة الشرق الأوسط وباكستان وأفغانستان، بزرع ثمانية حواسيب (خوادم)، في أرجاء مختلفة من العالم، و«خادم» واحد في الولايات المتحدة، لإعطاء الانطباع بأن الحسابات «الوهمية» على المواقع الاجتماعية تعود إلى أشخاص حقيقيين، يوجدون في أماكن مختلفة من العالم، وبفضل هذا البرنامج المتطور، سيكون بإمكان موظفي «البنتاغون»، الذين يعملون على مدار الساعة، التجاوب مع المدونات وغرف الدردشة على المواقع الاجتماعية، مثل «تويتر» و«فيسبوك» وغيرهما، من خلال المشاركات والتعليقات، وتشير المعلومات إلى أن قاعدة ماكديل الجوية في ولاية فلوريدا، ستكون مقر التحكم في عملية التجسس، من خلال انتحال الشخصيات.

وقال المتحدث باسم القيادة العسكرية الوسطى، بيل سبيكس، إن «التقنية تتوافق مع أنشطة التدوين السري على المواقع الأجنبية، بهدف الوقوف في وجه التشدد والعنف، والدعاية التي يقوم بها أعداؤنا خارج الولايات المتحدة»، وأوضح أن التقنية لا تستخدم اللغة الإنجليزية، لأن «مخاطبة جمهور أميركي» باستخدام هذه التكنولوجيا، يعتبر غير قانوني، في المقابل تستخدم لغات أجنبية عدة، بما في ذلك العربية والفارسية والأوردو والبشتو، ويعتقد أن هذا المشروع يدخل ضمن برنامج «أوبرايشن إيرنست فويس»، الذي بدأ تطويره في العراق، ليكون بمثابة سلاح ضد مؤيدي تنظيم «القاعدة»، الذين يستخدمون شبكة الإنترنت وأولئك الذي يرفضون وجود قوات التحالف في الشرق الأوسط، وقد تم تطوير البرنامج بعد ذلك بقيمة 200 مليون دولار، ويعتقد أنه استخدم ضد الجماعات المسلحة في باكستان وأفغانستان والشرق الأوسط.

ويرى مسؤولون عسكريون أميركيون أن برنامج التجسس على «الإنترنت» هذا يعتبر وسيلة حيوية في الحرب الأميركية على ما يسمى الإرهاب، وأداة مهمة، لمحاربة التطرف بين الشباب في هذه المنطقة، ووصف قائد القوات الأميركية في أفغانستان الجنرال ديفيد بترايوس، الذي كان رئيسا للقيادة المركزية الوسطى، البرنامج بأنه يساعد على «محاربة الأيديولوجية والدعاية اللتين يقوم بهما المتطرفون، إضافة إلى التأكد من الاستماع إلى الأصوات المعقولة الأخرى»، أما خلفه الجنرال جيمس ماتيس، فيدعم كل ما من شأنه أن «يضعف الخطاب المعادي، بما في ذلك النشاط على (الإنترنت)»، ويقول منتقدو العملية، إنها ستؤدي إلى إجماع خاطئ على مسائل معينة، خلال الدردشة، وكما ستنتج آراء كثيرة وتغمر الشبكة بتعليقات وتقارير لا تتوافق مع الأهداف الأميركية نفسه، ويقول مراقبون إن برنامج التجسس على مستخدمي «الإنترنت» قد يواجه ملاحقة قانونية، في حال استخدم مع أميركيين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 19/نيسان/2011 - 15/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م