المتغيرات الديمغرافية والقدرات التذكرية

اهمية دراسة علاقة بعض المتغيرات الديمغرافية بالقدرات التذكرية لدى الطلبة

أ.م.د. غالب محمد رشيد الاسدي

يسعى المختصون في العملية التربوية إلى إحداث أفضل تعلم ممكن لدى الطلبة. مستهدفين من وراء ذلك رفع نسب التعلم لدى الطلبة، ومن ثم تحقيق نسب النجاح التي يسعون اليها. وهنا تؤدي عملية التذكر بجميع محتوياتها الدور الرئيس في إصدار الأحكام على مدى نجاح وتقدم عملية التعلم. لأنها مكملة ومتممة لعملية التعلم.

 وبما أن عملية التذكر هي المحك الأساسي لتقويم مدى هذا النجاح فان هؤلاء المختصين يسعون أيضا إلى استعمال أفضل أساليب وطرائق تدريس واختبارات لقياس التعلم الحقيقي لدى الطلبة. ويوازي ذلك أن على الطلبة استعمال أفضل الوسائل التي تعينهم على تذكر واسترجاع المادة العلمية التي تعلموها.

 تعد عملية تذكر المعلومات من أساسيات حدوث عملية التعلم، بل يمكن عد قدرة تذكر المعلومات التي يتعلمها الفرد دالة على مقدار المعلومات التي تعلمها، ومن المفترض ان تكون هذه القدرة موجودة لدى جميع الافراد لانها مرتبطة بعملية التعلم التي تحدث عند الافراد بمستوى نسبي للموضوعات او المواد الدراسية الواحدة مما يعني وجود فروق فردية فيما بينهم في مقدار عملية التعلم، وهنا يثار سؤال هو هل لبعض المتغيرات الديمغرافية اثر في القدرة التذكرية لدى الطلبة ؟.

 إن التعامل مع المشكلات التي تعيق من عملية التعلم او تمامها بشكل صحيح إذا لم يكن ضمن الأسس العلمية والموضوعية الخاضعة للبحث والاستقصاء فانها لا تودي الى نتائج ايجابية، ومن ضمن هذه المشكلات بيان علاقة بعض المتغيرات الديمغرافية التي ربما يكون لها علاقة بقدرة تذكر بعض المعلومات لدى الطلبة، لاسيما في المرحلة الدراسية المبكرة التي تعد الاساس لمراحل دراسية لاحقة تعتمد عليها اعتمادا كليا في بعض المواد الدراسية ومنها المواد العلمية مثل الفيزياء او الكيمياء او مواد انسانية مهمة مثل قواعد اللغة العربية والانكليزية مثلا، وهذا يعني اهمية التعرف على الفروق فيما اذا وجدت وفقا لمتغيرات مهمة لايمكن تجنبها لانها جزء من العملية التربوية والتعليمية الموجودة، وبذلك فان وجود هذه الفروق يعني البحث عن بدائل وظروف مناسبة لتحسين قدرات التذكر لدى بعض الطلبة وبشكل مناسب كي يتساووا مع أقرانهم الاخرين وبالتالي يكون الناتج التعليمي واحد لان عملية التذكر تكون متقاربة.

 لقد كان الشغل الشاغل للباحثين والمختصين والعاملين في العلوم التربوية والنفسية طوال العقود المنصرمة البحث عن الاساليب التي يمكن لها ان تحد او تخفض من صعوبات التذكر لاسيما بعد التقدم الكبير في جميع مناحي الحياة المختلفة الاقتصادية والثقافية والحضارية والسياسية والتي ألقت بظلالها على العملية التربوية، ما يعني وضع خطة إستراتيجية مناسبة تتضمن أهدافاً تعليمية و طرائق تدريس حديثة مناسبة وبناء المناهج بشكل يناسب العصر واستعمال وسائل تعليمية وأنشطة تربوية مناسبة، وهي إستراتيجية تتناسب مع التغييرات وتواكب التقدم العلمي والحضاري الحاصل وتحد من الانخفاض المتواصل في نسب النجاح وتواجه المعيقات التي تحد او تؤثر سلبا على العملية التربوية والتعليمية ومنها ما يتعلق بالقدرات التذكرية لدى طلبة المدارس في مراحل دراسية مبكرة.

 ويأتي أهمية موضوع القدرات التذكرية في عملية التعلم لأنها تعد مدخلا هاما لتحسين مستوى الانجاز المعرفي للطلبة، إذ أن معرفة مدى قدرة تذكر الطلبة لموضع عما هو عبارة عن معرفة مقدار ما تعلموه عن هذا الموضوع، وهو دلالة على ما تعلموه حقا من معارف وحقائق. كما أن تحصيل الطلبة الدراسي وأدائهم في الامتحانات يعتمد اعتمادا كبيرا على القدرات التذكرية التي يمتلكوها.

 وتتعلق أهمية مثل هذه الدراسات وما يتم التوصل إليه من نتائج حولها ما توفره من إسهام في عملية الإرشاد النفسي والتوجيه التربوي، إذ أن التعرف على العوامل التي قد تسهم في زيادة أو خفض الأسباب التي تعيق دون فهم الموضوعات المتعلمة ومن ثم تكون القدرة التذكرية عند الطلبة ضمن مستواها الطبيعي تؤدي بالنتيجة إلى أن الطلبة يتذكرون ما تعلموه بكفاءة، وبالتالي تحقيق نسب النجاح المطلوبة منهم.

 فإذا أردنا أن نتغلب على مشكلات انخفاض التحصيل الدراسي التي تشير النتائج الامتحانية إلى وجود نسب منها تسعى جميع الإدارات المدرسية إلى خفضها لأقصى حد ممكن، ويعزون أسبابها إلى جوانب اقتصادية عامة أو سياسية أو اجتماعية، وربما يكونون محقين إلى حد كبير، ولكن هناك أسباب أخرى لها فعالية واثر هي الاخرى في انخفاض التحصيل الدراسي تتعلق بالتكوين الشخصي للطفل في المدرسة والظروف المحيطة به. فإذا أردنا أن تكون المعالجات التربوية شاملة وفعالة، لابد أن نتبع استراتيجيات معالجات تربوية يكون محورها الطفل، وليس الإمكانيات التربوية فقط مثل طرائق التدريس أو المناهج أو الوسائل التعليمية أو إعداد المعلمين أو الأجواء المدرسية.

 وتلك الاستراتيجيات تنظر إلى العملية التربوية بشمولية دون جزئياتها ومن خلال النظرة الجدية والحل الجذري فان أسلوب أو منهج حل المشكلات العلمي وإتباع خطواته بدقة وموضوعية وتضمينها في خطة المعالجة الإستراتيجية المخطط لها ربما تحل كثير من حالات الإخفاق أو الفشل التي تؤدي إلى انخفاض التحصيل الدراسي للطلبة في المدارس، لاسيما في مرحلة الدراسة الأولية. ومنها التعرف على بعض المتغيرات المحيطة بالعملية التربوية أو جزء منها مثل الجنس او العمر او المستوى الدراسي او المستوى الاقتصادي- الاجتماعي واخرى غيرها كثير والتي ربما يكون لها تأثيرا سلبيا أو ايجابيا في عملية التعلم عن طريق أثارها المباشرة أو غير المباشرة على القدرات التذكرية للطلبة والتي تعد مقياسا لعملية التعلم التي حدثت لديهم مما يبرر إجراء دراسات تتناول هذه المتغيرات المحيطة بالعملية التربوية.

 إن إجراء دراسات عن بعض المتغيرات الديموغرافية وأثرها في القدرات التذكرية لدى الطلبة من الموضوعات التي تؤثر في مجالين مهمين من العملية التربوية وهما مجال طرائق التدريس التي يمكن أن تحور بشكل مناسب و توظف عن طريقها عملية نقل المعلومات، بحيث تضمن تمكن الطلبة فيما بعد من تعلم اكبر قدر منها، وثانيهما هو تصميم الاختبارات أو الامتحانات بحيث تمكن الطلبة من تذكر المعلومات التي تعلموها حقا عن طريق توافر اكبر قدر من الإشارات أو الأدلة التي تقود إلى ما تعلموه من معلومات يراد التعرف عليها من قبل المعلمين أو المعنيين بالعملية التربوية. وإذا كان لهذين الموضوعين أهمية كبيرة في العملية التربوية، فالتعرف على اثر بعض المتغيرات الديمغرافية مثل الجنس أو المرحلة الدراسية أو المستوى الدراسي أو زمن الإجابة في القدرة التذكرية سيساهم بشكل أو أخر في التصميم المناسب لكلا الموضوعين.

* كلية التربية الأساسية-الجامعة المستنصرية

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 19/نيسان/2011 - 15/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م