إن من يريد العمل من أجل إنقاذ بلاد المسلمين والإخلاص في دعوته
الرسالية عليه أولا وقبل كل شيء أن يرفع شعار عدم التفرقة وعدم إشاعة
الفتن التي تأكل الأخضر واليابس وتدمر البلاد والعباد و تسلب الخيرات
والبركات وتضيع القدرات والكفاءات وتشعل الأحقاد والضغائن التي في
القلوب والنفوس وخاصة عند ضعاف الإيمان وقلة الوعي وعمى البصيرة وعدم
البحث عن الحقيقة والسعادة التي أرادها الله تعالى.
بصراحة واضحة.. إن من أهم الأسباب والعوامل في انتصار رسول الله (ص)
في دعوته الرسالية المباركة هي إتباعه شعار عدم التفرقة وإطفاء الفتن
التي تظهر هنا وهناك.. واستطاع بالفعل رسول الله (ص) بحنكته وحكمته
ومعرفته الجيدة للأحداث والوقائع التي تقع هنا وهناك.. واستطاع رسول
الله (ص) أن يجمع جميع الشعوب والطوائف منصهرة في بوتقة واحدة تحت لواء
" الناس سواسية " و{ إن أكرمكم عند الله أتقاكم }.
ولو كان رسول الله (ص) يفعل ما يفعله المسلمون اليوم لما كان قد بقي
من الإسلام شيء ولم يحقق الانتصار الكبير على دول الشرق والغرب لقد
أصبح حالنا ومصيرنا كمصير الأمم السابقة التي انتهت وذهبت في مهب الريح
ودخلت في مزبلة التاريخ تجر اللعنات تلو اللعنات ونحن نبكي ونتباكى على
أوضاعنا المأساوية والمتخلفة للغاية.
الجريمة الكبرى والعظمى التي ارتكبها و يرتكبها الأعداء (أعداء
الإسلام المحمدي الأصيل) في الماضي والحاضر الراهن هو استخدامهم "أبشع
الوسائل الحقيرة بمعنى الكلمة " لتحقيق أهدافهم الدنيوية الوضيعة
والخسيسة (سلاح التفرقة وإشاعة الفتن المدمرة والقاتلة وتحت غطاء عجيب
وغريب باسم الإسلام وباسم الدفاع عن الدين). وخاصة عندما نتأمل ونقرأ
التاريخ الإسلامي جيدا نلاحظ أن أعداء الإسلام المحمدي الأصيل من
الداخل والخارج كانوا يتفننون باستخدام سلاح التفرقة وإشاعة الفتنة
ويتلاعبون على عامة الناس والبسطاء منهم والسذج والمغفلين هؤلاء في
الحقيقة قليلون الوعي عمى البصيرة بعيدون كل البعد عن الحقيقة والمعرفة.
لقد ارتكب ابن آكلة الأكباد معاوية بن أبي سفيان - بعد مقتل عثمان
بن عفان وإعلان تمرده وعصيانه على أوامر الخليفة الشرعي الإمام علي بن
أبي طالب (ع) -جرائم كبرى وعظمى باستخدام " سلاح التفرقة وإشاعة الفتنة
" بل علّم أتباعه من أدعياء الإسلام بمعاونة وزيره عمرو بن العاص في
التزييف والغش والتضليل وهو ما أتقنه الأحفاد وأحفاد الأحفاد إلى يومنا
هذا.
يقول محمود أبو رية في كتابه شيخ المضيرة أبو هريرة ص 185: " قال
أحد كبار علماء الألمان في الأستانة لبعض المسلمين.. وفيهم أحد شرفاء
مكة: إنه ينبغي لنا أن نقيم تمثالا من الذهب لمعاوية بن أبي سفيان في
ميدان كذا من عاصمتنا برلين. فقيل له: لماذا ؟؟؟ قال: لأنه هو الذي حول
نظام الحكم الإسلامي عن قاعدته الديمقراطية إلى عصبية ولولا ذلك لعمّ
الإسلام العالم كله. إذاً لكنا نحن الألمان وسائر شعوب أوروبا عربا
ومسلمين ".
كان ابن آكلة الأكباد وكذا أحفاده لا يتورعون عن ارتكاب أي موبقة من
الموبقات الشنيعة والعظيمة كما يحصل ويحدث فعلاً في وقتنا الراهن في
أفغانستان وباكستان والعراق وليبيا واليمن وفي أين مكان وصولا إلى
تحقيق أهدافهم الدنيوية الوضيعة والخسيسة اعتمادا على أنهم يسوقون
عقولا كانت ولا زالت عقولا بسيطة يسهل استثارة حميتها وعصبيتها
الجاهلية بشعارات لا تمد إلى الحق أو الحقيقة بصلة أو رابطة من أي نوع
كان.
العقل العربي كان ولا زال للأسف الشديد حتى هذه اللحظة صناعة أموية
بالغة الانحطاط والرداءة ينظر إلى الأمور نظرة سطحية ولا يجرؤ على
تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية إما خوفا من البطش و الاعتقال والطرد
والتهجير أو عجزا من الوصول إلى المعرفة الحقيقية أو لا هذا ولا ذاك
وإنما نكرانا وجحودا.. لقوله تعالى: { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم
ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين }.
لقد تمكن بالفعل " معاوية بن أبي سفيان " في زمنه أن يزرع الفتنة
بين القبائل ليحقق المقولة المعروفة " فرق تسد " وبذلك يفتت المعارضة
التي تعمل ضده.. ومن أبرز شواهد على ذلك ما قاله معاوية لرسوله إلى
البصرة يذكره بذكريات حرب الجمل وقتل عثمان: " فأنزل في مضر واحذر
ربيعة وتودد الأزد وانع ابن عفان وذكرهم الوقعة التي أهلكتهم ومنّ لمن
سمع وأطاع دنيا لا تفنى وأثرة لا يفقدها ".
و كان من أبرز أساليبه الوحشية القتل وحرق البيوت وسلب الأموال حيث
قتل في المدينة المنورة ومكة المكرمة ثلاثون ألفا عدا من أحرق بالنار "
وكان أشد الناس بلاء أهل الكوفة لكثرة من بهم من محبي الإمام علي (ع)
فقتلهم تحت كل حجر ومدر وقطع الأيدي والأرجل وأعمى العيون وصلبهم على
جذوع النخل وطرد الكثير منهم وشردهم عن العراق ". وقد نقل المؤرخون أنه
شرد من الكوفة خمسين ألفا من أهلها ليغير الوضع الديموغرافي فيها وقد
بلغ إرهاب معاوية بن أبي سفيان حدا جعل الرجل يفضل أن يقال عنه: " إنه
زنديق أو كافر ولا يقال عنه أنه من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
(ع) ".
وجاء بعده ابنه المشؤوم " يزيد بن معاوية بن أبي سفيان " ليكمل
مخططاته وأساليبه الوحشية والدموية حيث تولى حكم البلاد لمدة ثلاث
سنوات قتل في سنة الأولى منها الإمام الحسين (ع) وأهل بيت رسول الله
(ص) وسبي عيالهم وذبح أطفالهم وعمل فيهم أعمالا لا تصدر من كسرى وقيصر.
وفي سنة الثانية قتل عشرة آلاف من المسلمين وسبعمائة من الصحابة
حملة القرآن الكريم واستباح المدينة المنورة ثلاثة أيام وسمح لجند أهل
الشام أن يهتكوا أعراض المسلمات وذبح الأطفال حتى كان الجندي الشام
يأخذ الرضيع من ضرع أمه ويقذف به الجدار حتى ينتشر مخه على الجدار
وأجبر الناس على بيعة يزيد بن معاوية على أساس أنهم عبيد له وأخاف
المدينة وروع الناس وأحال أرض المدينة المنورة برك من الدمار وتلو ل من
الأشلاء.
وفي سنة الثالثة سلط المنجنيق على الكعبة وهدمها وأحرقها وزعزع
أركانها وجعل القتال داخل المسجد الحرام وسال الدم حتى في قاع الكعبة
وقد استعرض ذلك مفصلا كلٌّ من تاريخ الخميس للديار بكري والطبري وابن
الأثير والمسعودي في مروج الذهب وغيرهم من المؤرخين في أحداث سنة ستين
حتى ثلاث وستين من الهجرة.. ومع ذلك كله تجد كثيرا من أعلام السنة
يخطئون من يخرج لقتال يزيد وأن الخارج عليه يحدث فتنة ووصل الأمر إلى
حد تخطئة الإمام الحسين (ع) سيد شباب أهل الجنة فكأن النبي (ص) عندما
قال: " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " ما كان يعلم بأنه يقاتل
يزيد وحينما يقول النبي (ص): " إن الحسين وأصحابه يدخلون الجنة بغير
حساب " لم يأخذ في حسابه أنهم خارجون على يزيد بن معاوية " اللهم اهد
قومي " وكأن ابن العربي المالكي أعرف بمصائر الأمور من النبي (ص) نفسه
الذي يرسم للحسين (ع) مصيره ويأمره بتنفيذه ذلك أرأيت معي إلى أي مستوى
من المهازل تصل الدنيا ؟؟؟ إنها " عقدة تاريخية كبرى " تحكمت ولا زالت
تتحكم في مسار الدين الإسلامي وهي لا تختلف عن العقدة الناشئة عن جريمة
اليهود التي ارتكبوها لدى محاولتهم صلب المسيح أو صلبه بالفعل كما
يعتقد الكثير من المسيحيين!!!.
العقل العربي تربى على فن التبرير وعدم الوصول إلى المعرفة
التاريخية وكشف الحقائق التي لابد أن يعرفها الجميع في العالم العربي و
الإسلامي... ولكم أن تتأملوا فيما يجري في بلادنا العربية والإسلامية
وفي أي بقعة من الأرض فقد أمعنت جماعة تنظيم القاعدة الإرهابية وحركة
طالبان التكفيرية و بقايا من المرتزقة والبلطجية المفسدين وغيرهم من
اتبع الطريقة الأموية الدموية في قتل الشعوب المستضعفة وذبح وهتك
الأعراض وسفك الدماء وخاصة شيعة أهل البيت (ع) ولم يسلم من شرهم أو
أذاهم لا البشر ولا الحجر ولا حتى الموتى أو من يعزي في هؤلاء الموتى
وهي لم تجرؤ على فعله لا الدول الأوروبية ولا الولايات المتحدة
الأمريكية التي يصر البعض على اعتبارها سببا لكل مصائب العرب
والمسلمين!!!.
وهم يصرون دائما على القول بأن (التدخل الخارجي أيا كان شكله ونوعه)
هو سبب كل المصائب والأزمات والهدف الحقيقي هو التنكيل بالشيعة
والطوائف الأخرى التي تؤمن بالعملية السياسية الديمقراطية والدفاع عن
الحقوق المشروعة وذبحهم وإرهابهم وإجبارهم على التنازل عن حقوقهم كلها
أو أغلبها بسبب بشاعة ما يعانيه هؤلاء من ذبح وقتل ودمار وخراب يومي لا
يتوقف عند حد ولا يردعه رادع أخلاقي أو إنساني.
وأخيرا وفي نهاية المطاف... أن ما يسلي الفؤاد ويجعله في قمة
الطمأنينة والسكينة أن القرآن الكريم وعد المستضعفين بأنهم سيورثون
الأرض من أيدي المنافقين والمشركين وأنهم سينتصرون بإذن الله الواحد
الأحد بقيادة مهدي هذه الأمة (أرواحنا لمقدمه الفداء) على الشرق والغرب
فيدخل الجميع تحت ظل الإسلام المحمدي العظيم. |