Did you can?

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كان شعار اوباما الانتخابي yes we can واصبح اول رئيس امريكي من اصل افريقي في تاريخ الولايات المتحدة. القدرة على تحقيق الطموح والارادة السابقة للقدرة هي مفاتيح النجاح الرئيسية لجميع المشاريع والافكار الخلاقة في تاريخ البشرية.. يسبقهما او يترافق معهما الخيال او الحلم الذي لا تحده حدود.

هل تستطيع ان تعيش حياتك بلا ضغينة؟ نعم تستطيع ذلك.

هل تستطيع ان تستيقظ في الصباح وانت اكثر نشاطا وتفاؤلا؟ نعم تستطيع.

هل تستطيع ان تبتسم دوما. نعم تستطيع.

هل تستطيع ان تعترف بأخطائك.. بآثامك.. بنزواتك؟ نعم تستطيع.

هل تستطيع ان تفكر مع من تحب بصوت مسموع؟

هل تستطيع ان تخلق الاختلاف بين يومين من ايام حياتك؟

ان تسير عكس التيار وتصل الى بر الامان؟

ان تحارب الدنيا بإيمانك ويمينك وتنتصر؟

من قصيدة للشاعر محمد اقبال حملت عنوان (العقل التائه في هذا العالم اللامحدود):

كل العارفين بالحقيقة

يعلمون في قلوبهم سر التوحيد

الكامن في العوالم المقدسة

فيأتي العارف للرحمن عبدا

عمليا دع قوة الايمان تجرب

لترشدك الى قواك السرية

ومنها استخلص حكمة الدين

والقانون

والحماسة التي لا تتضعضع

والقوة والسلطة.

هل تستطيع ان تقول الحق على نفسك.. وان تطرد الباطل من امامك وخلفك.. فوقك وتحتك.. يمينك ويسارك؟

هل تستطيع ان تحارب رغباتك وشهواتك، الممكنة منها والمستحيلة؟

ان تعيد ترتيب اثاث حياتك المبعثرة من جديد؟

هل تستطيع ان تنهض من كبواتك المتلاحقة وتمد يد المساعدة لمنكوبين بجوارك؟

نعم.. كل ذلك تستطيعه اذا امتلكت الارادة والقدرة على الفعل وتخليت عن التذمر والشكوى.

للشاعرة الامريكية سارا تياسديل من قصيدة لها اسمها (قصور كثيرة):

عندما ينفض الطائر ذيله

بغية ان يوازن نفسه على غصن شجرة

يشعر بسعادة اكبر مما لو وهبه احدهم ثروة

او مما لو بنى لنفسه عشا مع حمام خاص

لماذا لا يستطيع الناس ان يكونوا سعداء مثل ذلك؟

في مقالة جميلة للصحفي مايكل وينيز نشرتها صحيفة نيويورك تايمز حملت عنوان (كيف يتصرف اليابانيون بعد حلول الكارثة) رأى فيها ان تحمل الجوع والالم بدون ابداء الشكوى والتضحية بالنفس، وهناك الشجاعة الهادئة في مواجهة مأساة يبدو انها تنبع على الاغلب من الشخصية الوطنية.

وفي احد مراكز ايواء المتضررين استطاع اليابانيون تكثيف صورة مصفرة من يابان منظمة وكفوءة علة نحو متكامل.

كل ذلك تختصره الشعارات المكتوبة بخط اليد على جدران ذلك المركز (دعونا نكون من الشاكرين لبقائنا على قيد الحياة) و (دعونا نتواصل ونشد من ازرنا).

طريقة تعامل اليابانيين مع الكارثة التي حلت بهم تكشف القدرة الكبيرة لهذا المجتمع على التحدي والارادة الكافية لتجاوز كل ما يمكن ان يفرزه التحدي ويضعه في طريقهم من عقبات.

يرى المختصون في علم النفس ان اي تحد يمكن ان يكون مصدرا للقلق او سببا للمتعة.. فاذا كانت نظرة الشخص اليه ايجابية يتحول الى حافز له يدفعه الى تخطي ذاته وامكانياته وهذا هو المقصود من (هوس الربح) فاذا واجه الانسان احد التحديات تمنحه قدرته على السيطرة على الوضع احساسا بالسعادة او ما يسمى الضغط النفسي الايجابي.. اما اذا كانت جهوده غير كافية لتجعله يتحكم بزمام الموقف فسيؤول الى حالة من الاحساس بالفشل او ما يسمى بالضغط النفسي السلبي.

ربما سؤال يطرح نفسه: هل الشخصية العراقية قادرة على التعاطي مع الضغوط النفسية والحياتية بصورة ايجابية، ام ان ما نراه من سلوكيات ومظاهر تكشف ان التعاطي مع تلك الضغوطات تم ويتم بطريقة ايجابية ام سلبية؟

على امتداد ذاكرة القمع العراقي خلال اربعة عقود من حكم الحزب القائد والزعيم الاوحد وما غرسه في الشخصية العراقية من قيم اجتماعية ونفسية عديدة منها الشك والريبة والخوف واللامبالاة والازدراء والاحتقار والاذلال والعنف، نستطيع ان نتلمس الكثير من عناصر التوتر والشد الذي تفرزه الضغوط النفسية على تلك الشخصية على شكل ظاهر ومظاهر سلوكية في المنزل والمدرسة والدائرة الحكومية والشارع.

وهي ظواهر ومظاهر تعبر عن نفسها من خلال الازمات المستمرة التي يعيشها الفرد العراقي داخل سجن الضغوط التي يتعرض لها.

روى لي اخي العائد من امريكا حديثا قصة اعلان اذاعي يقدم من على محطة اذاعية عراقية.. الاعلان عبارة عن حوار بين زوجين مفترضين حيث يعيش الزوج حيرة مستمرة وهو يبحث عن شركة توفر له كل ما يحتاجه.. فتخبره زوجته عن احدى الشركات وتعدد له ميزاتها وطريقة التعامل معها ومقدار الاقساط الشهرية المتوجب دفعها.. وتختم الزوجة حديثها بالطلب منه (الا يخبر احدا بذلك).. تلك الانانية المفرطة في تكتمها عشنا الكثير من تجلياتها في سوريا وبلدان المهجر.. لا احد يخبرك عن شيء فيه ولو القليل من التخفيف عنك ومساعدتك على وضعك الحياتي هناك.

الجميع يتذمر ويشتكي وفجأة تجد اكثر المتذمرين هو من وجد الحل ولم يقدم لك الدعوة للمشاركة فيه.. تتعجب كثيرا من تلك السلوكيات، هل تراها متجذرة الى هذا الحد في الشخصية العراقية والتي عرف عنها الازدواجية وجمع التناقضات بصورة نافرة؟

ماهي عوارض تلك الضغوط النفسية على نفس الانسان وجسده؟

علم النفس الجسدي يخبرنا بالكثير عن ذلك.

من العوارض السلوكية:

افراط في التدخين، افراط في الاكل، فقدان للشهية المؤقت، فقدان للشهية المرضي، اهمال الشكل الخارجي والهندام، طريقة عدائية في قيادة السيارة، التزام الصمت، التشتت بين نشاطات عدة دون اتمام اي منها، قضم الاظافر، نتف الشعر، افكار ثابتة وهوس بفكرة ما، تصرفات موسوسة.

من العوارض الجسدية:

تشنج وانقباض في الحلق والصدر والمعدة والكتفين والرقبة والفخذين، صداع وشعور بالام الشقيقة، انفاس متقطعة، اختلاجات في القلب، لهاث حتى اثناء الراحة، توتر وفروغ صبر، حركات عصبية لا ارادية، جفاف في الفم، صوت مرتفع جدا، عرق، برودة في اليدين والقدمين، رجفة، شعور بالدوار، شعور بالتعب، عسر هضم، غثيان، اسهال، وارق، اضطرابات في الحياة الجنسية، تقرح في المعدة، حساسية مفرطة على الضجيج.

تلك اهم العوارض التي تلحق بالشخص ويمكن ان تلحق بمجتمعات باسرها كالمجتمع العراقي الذي عانى من الكوارث والنكبات طيلة عقود من حياة افراده، واصابت تلك الكوارث والنكبات اجبالا عديدة منه..

هل ان الحياة المعاصرة تساهم في زيادة نسبة تلك الضغوط في الاحوال العادية؟ نعم.. تفعل ذلك وتجعل من انسان العصر الحديث ماكنة للعمل لا وقت لديه للاسترخاء والتأمل، وبالتالي يفقد تركيزه على الكثير من الامور الجوهرية في الحياة.

للشاعر الانكليزي وليم هنري ديفيز قصيدة حملت عنوان (فراغ) تصف تلك الحالة وصفا دقيقا يقول فيها :

ما جدوى هذه الحياة اذا كانت مليئة بالانشغال

بحيث لا يجد المرء فسحة من الوقت ليتوقف ويحدق

لا يجد وقتا ليقف تحت الاغصان

وبحدق طويلا مثلما تفعل الابقار والخرفان

لا يجد وقتا ليراقب، عندما يعبر بالغابات

اين تخبئ السناجب حبات اللوز في الاعشاب

لا يجد وقتا ليشاهد الجداول في وضح النهار

وفيها لألأة كالنجوم وكأنها السماء في الليل

لا يجد وقتا لينتبه للفتة الحسناء

ويراقب مشيتها الراقصة

لا يجد وقتا لينتظر ريثما تكمل شفتاها

تلك الابتسامة التي ابتدأتها عيناها

انها لحياة مجدبة تلك المليئة بالانشغال

اذا كنا لا نجد فيها متسعا من الوقت للتوقف والتحديق.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 16/نيسان/2011 - 12/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م