ومازال العبيد يبحثون عن خلاصهم

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: تعتبر التجارة بالرقيق من الامور التي اقلقت المجتمعات العالمية التي سعت ومنذ قرون في محاربة هذه الظاهرة ولم تتمكن الى اليوم من القضاء عليها نهائي، حيث تشير التقارير والاحصاءات الى وجود ملايين من العبيد يباعون ويشترون في سوق النخاسة في مختلف بقاع الارض وتحت انظار الحكومات التي تغض الطرف عنها.

ان الواقع العربي لايقل ظلماً عن بقية المجتمعات التي تزدهر فيه هذه التجارة، حيث نجد العبيد في العديد من الدول العربية مثل اليمن والسودان وقد يجري ترويج معاملات العبودية من بيع وشراء داخل المحاكم وبحضور الشهود.

ان معاناة العبيد في العصر الحديث لايمكن ان توصف، وهم يرزحون تحت ضروف معيشية سيئة للغاية، لاتقل عن معاناة اسلافهم ممن استعبدوا في سالف الازمان، كما يتعرضون لمعاملة قاسية وتسلب منهم ابسط حقوق الانسانية، في زمن يفتخر فيه العالم بنشر وتطبيق حقوق الانسان في اغلب المجتعات والامم.

30 مليون "عبد" حول العالم

حيث تفاوتت تقديرات أعداد البشر من يزرحون تحت ما يطلق عليه "رق القرن الحديث"، قالت الأمم المتحدة إن عددهم 12 مليون شخص ووضع ناشطون الرقم بما يتراوح بين 27 إلى 30 مليون، في تباين يعكس التحديات المرتبطة بالمممارسة القائمة في الخفاء وإيجاد توافق في الآراء بشأن أفضل السبل لتحديدها وتقديره، ويتفق خبراء على أن الغالبية العظمى لـ"رقيق العصر" يعيشون في آسيا ومناطق المحيط الهادئ حيث يتم احتجازهم قسرا نتيجة لعبودية الدين للعمل في الزراعة وكخدم، ويسخر ملايين آخرون للاستغلال الجنسي في جميع أنحاء العالم، وحدد كيفن باليس، ناشط في مجال مكافحة العبودية"، معايير "الرق" بأنه "يعني أن شخصاً يخضع بشكل تام لسيطرة شخص آخر يطوع العنف للحفاظ على هذه السيطرة، واستغلاله من أجل عائد مادي و’الضحية‘ لا يملك سوى الخنوع."

وقال باليس، مدير منظمة "حرروا العبيد"، وهي مؤسسة تعني بتحرير "العبيد" من رجال ونساء وأطفال، حول العالم وضمان بقائهم أحراراً "هدفنا النهائي هو اجتثاث العبودية على كوكب الأرض، ونعتقد بإمكانية تحقيق ذلك"، وأشار إلى إمكانية اجتثاث "الرق الحديث" بمهاجمته من أربعة جبهات سياسية، واقتصادية، ودينية واجتماعية، مشبهاً الحرب على هذا الصعيد بالحملة الدولية للقضاء على مرض "الجدري" قبل عدة عقود، و"الرق" الحديث يختلف كثيرا عن تجارة الرقيق خلال الفترة بين عام 1501 حتى 1867 حيث تم "شحن" ما يقدر بـ12.5 مليون أفريقي إلى الأمريكتين، آنذاك، كان ملاك العبيد عادة أعضاء بارزين في المجتمع، وقام نظام اقتصادي ضخم على مؤسسة العبودية العالمية، واليوم المستعبدون هم في معظم الأحوال بشر يعيشون في الظل على الهامش. بحسب السي ان ان.

من جهته دعا الأمين العام للأم المتحدة بان كي مون، دول العالم إلى المصادقة على المعاهدات القانونية الرامية إلى مكافحة العبودية بكل أشكالها، ووضعها موضع التطبيق، في كلمة توافق اليوم العالمي لإلغاء الرق، وقال كي مون إنه "رغم دعم الدول في جميع أنحاء العالم لحظر الرق، فإنها ممارسة ما زالت مستمرة وتتخذ أشكالا مختلفة، مثل استعباد المدين والعمل بالسخرة والإكراه والاتجار بالنساء والأطفال والإجبار على البغاء واستعباد خدم المنازل وعمل الأطفال واستعبادهم"، وأضاف في بيان "إن الرق المعاصر جريمة، ويجب محاكمة كل من يرتكبها أو يغض الطرف عنها أو ييسر ارتكابها، ولضحاياها الحق في اللجوء إلى العدالة وفي الحصول على تعويضات."

وأشار كي مون إلى "عدد من الاتفاقيات والمعاهدات القانونية لمكافحة الآفة،" مشيدا ببروتوكول منع وقمع الاتجار بالبشر، خصوصا النساء والأطفال، والذي دخل حيز التنفيذ عام 2003 وعمل المحكمة الجنائية الدولية في اعتبار الرق جريمة ضد الإنسانية.

الرق في دول عربية

من جهة اخرى فقد لا يصدق البعض أن هناك جوار وعبيد يباعون ويشترون دون أن يكون لهم أدنى حق في تحديد مصيرهم في الألفية الثالثة، وفي الدول العربية بالتحديد، ولكن هذا الأمر حقيقة لا تقبل الشك بالنسبة لعشرات المنظمات الأهلية والناشطين الحقوقيين الذين يتحدثون عن "سوق نخاسة" مسكوت عنه في أكثر من دولة، يذكر بأيام المماليك والرقيق، فالكثير من الدول العربية حديثة العهد بتحريم الاتجار بالعبيد، بل إن الشكل القانوني للمنع لم يصدر في السعودية مثلاً إلا عام 1962، وفي موريتانيا تتعالى صرخات القوى السياسية التي تتحدث عن استمرار العبودية، وكذلك في بعض مناطق السودان، أما في اليمن فالقضية أخذت منحاً تصعيدياً منذ الكشف عن عقد بيع (مختلف بتفسيره) لأحد الأشخاص، نظمه قاض شرعي، ما أسس لإطلاق حملة لمكافحة العبودية بالبلاد.

فقد كشف المرصد اليمني لحقوق الإنسان عن حالة رق مثبتة بشكل رسمي في محكمة يمنية، سجلت بيع رجل مقابل نصف مليون ريال يمني (21 ألف دولار) في إحدى مديريات محافظة حجة عام 2009، ومسجلة بسجل البصائر برقم 98/ 1429ه، وجاء في وثيقة البيع المحررة المعمدة من المحكمة والمشهود عليها بشاهدين عدلين إن أحد الأشخاص "اشترى من شخص آخر (العبد المسمى) قناف ابن (الجارية) سيار بيعا صحيحا شرعيا نافذا بإيجاب وقبول من المشتري بماله لنفسه"، وتبع ذلك حصول تحقيقات واسعة في المنطقة أثبتت أن حجم الظاهرة لا يمكن إنكاره، وهناك الآلاف ممن يمكن وصفهم بـ"العبيد المنسيين" في المحافظات اليمنية النائية، رغم العقود التي مرت منذ منع الثورة اليمنية للاستعباد. بحسب السي ان ان

وفي يوليو/تموز الماضي، أعلن الناشط الحقوقي والنائب السابق، محمد ناجي علاو، منسق الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات "هود،" إطلاق حملة ضد العبودية في اليمن، داعياً إلى "تحرير من لا يزالون يعيشون حياة الاستعباد في اليمن بعد مرور 48 عاما على قيام ثورة السادس عشر من سبتمبر/أيلول التي أسست النظام الجمهوري، وتحدثت الجمعية عن "حالات استعباد مروعة" يتم فيها الفصل بين الإخوة لتقاسمهم بين ورثة عائلة تمارس الاستعباد، وإلى اعتداءات جسدية وجنسية على "العبيد والجواري"، فضلا عن حرمان المستعبدين من حقوقهم الإنسانية.

وفي حديثة  قال علاو: "في البدء شعرت بالصدمة مثل الآخرين بوجود حالات رق أو استعباد، وهو المصطلح الذي أفضل استخدامه احتراماً للضحايا، ولكن عندما درست الحالة تاريخياً وجدت الأمر أعقد مما يظهر عليه"، وأضاف علاو أن حالات الاستعباد تتركز في مناطق الساحل وتهامة المتاخمة لعسير بالسعودية والتي تضم منطقتي حجة والحديدة، وتبين أنه بعد ثورة 26 سبتمبر أطلق الكثير من الأفراد سراح عبيدهم، ولكن العبيد تحولوا إلى التبعية للقبيلة أو العائلة ككل بدل التبعية لفرد، وأوضح وهم لا يتوارثون من شخص إلى آخر، ولكنهم يعرفون عن أنفسهم على أنهم عبيد هذه الأسرة أو تلك، وهم يتعرضون لممارسات تمييزية ضدهم ويحرمون من حق التنقل والسفر دون إذن أربابهم ويستخدمون في أعمال شاقة وأحياناً في الدفاع عن القبيلة، وأضاف علاو "أثبتت أبحاثنا أن حالات الاسترقاق أشمل من ملف هؤلاء العبيد فقط، لأن هناك ثلاث طبقات من المستعبدين، أولاً العبد العادي للقبيلة، وتحته طبقة المهمشين، الذين يطلق عليهم لقب الأخدام، وهم يعملون في مهن التنظيف وسواها، وهناك فئة ثالثة هي المجاربة، ويقطنون بمناطق هامشية وغير مبنية وهم منبذون بالكامل وعرضه للإقصاء حتى ضمن الطبقات الدنيا إذ يرفض العبيد التعامل معهم أو حتى التزاوج منهم."

ولفت علاو إلى أن الأخطر في هذا الموضوع هو شعور هذه الطبقات أن وضعها طبيعي وليس من حقها الزواج ممن يستعبدونها أو النظر إلى أنفسهم على قدم المساواة معهم، وحدد الناشط اليمني أهداف حملته بدعوة الجميع للقيام بواجبه، ليس على سبيل الإدانة بل على سبيل المعالجة، وبحسب علاو، فإن الدولة معنية بتعويض المهمشين وتأمين الحياة وفرص العمل الكريمة لهم حتى لا تصبح العبودية حالة اقتصادية أصعب من الحرية ويفضل المستبعد البقاء مع "سيده" السابق على التحرر، قائلاً إن الحكومة شكلت لجنة لمعالجة الوضع لكنها لم تتصل بالجمعية أو به، وعن موقف القوى الدينية من تحركاته وما تردد عن رفض بعضها لتحريم الرق والبحث عن تأصيل شرعي له قال علاو، "كنا قلقين من قيام بعض التقليديين بإثارة القضية من باب الفقه، لذلك أشرنا إلى أن السعودية سبق لها أن حظرت الرق بقانون عام 1962 وعملنا على تأصيل المسألة شرعاً وقلنا إن اجتماع أمم الأرض على رفض المسألة يوافق قواعد الشرع الإسلامي."

وتابع "تواصلنا مع الكثير من الفقهاء فقالوا إن هذا كلام صحيح ويوافق الشرع وأشاروا إلى أن القاضي أخطأ في تسجيل العقد،" مقراً بأن الشق الديني من ضمن المعالجات المطلوبة لأن على المستبعدين أن يدركوا بأن الحرية حق شرعي لهم، وكشف علاو أن من وصفهم بـ"السلطات المحلية في حجة" تأذت من حملة مكافحة العبودية لأنها مرتبطة بالعائلات الكبيرة التي كانت تمتلك العبيد، مشيراً إلى أن بعض كبار النافذين ذهبوا بالمستعبدين إلى أقسام الشركة لتسجيل وثيقة رسمية تنفي كونهم عبيداً، ورأى في الأمر "خطوة سلبية وفيها إنكار للحقائق"، للكثير من المستعبدين يجهلون حقوقهم، من جهته، قال كريستوف ويلكي، مسؤول ملف اليمن في منظمة هيومان رايتس ووتش "نحن نتابع هذه القضية وهناك بالفعل ظروف مشابهة لأوضاع الرق والعبودية باليمن، وهذا أمر لا يشكل مفاجأة بالنسبة لنا نظراً لضعف سيادة القانون وسيطرة الدولة."

وقال ويلكي إن المنظمة التي تتخذ من نيويورك مقراً لها ترغب في التحقيق بالقضية ولكنها ممنوعة من دخول اليمن منذ أشهر بسبب التقرير الأخير الذي أعدته، وتحدثت فيه عن حصول "جرائم حرب" خلال المواجهات بين الحوثيين والجيش اليمني، أما النائب شوقي القاضي، وهو عضو لجنة الحريات البرلمانية ونائب عن حزب التجمع المعارض الإسلامي التوجه، والذي هو أيضاً إمام وخطيب مسجد وأكاديمي متخصص في الشريعة والقانون الدولي فقد أكد أنه يرفض محاولات إيجاد سند شرعي للرق، مضيفاً أن النصوص الواردة في الشريعة حول الموضوع إنما كانت لمعالجة الظاهرة التي كانت موجودة قبل الإسلام.

وشرح القاضي قائلاً "الشريعة نزلت تعاملت مع العبودية كأمر واقع وسعت لإلغائه تدريجياً وذلك عبر الدفع باتجاه تحرير الرقاب وجعلها كفارة للكثير من الذنوب وآيات القرآن في ذلك كثيرة، ومن يتحدث عن تأصيل العبودية اليوم كمن يريد الاستشهاد بآيات سابقة على التحريم النهائي للخمر للقول بمشروعية تحليله"، وعن ملف العبودية المثار، قال القاضي "الموضوع في اليمن فيه تداخل كبير، فالثورة قامت والعبودية موجودة، لذلك قامت بحظرها، ووقع اليمن على اتفاقيات ومعاهدات حقوق الإنسان، ولكن القضية اليوم مغلفة بالفقر لأن من يقال عنهم عبيد هم في الواقع حالة هي مزيج من الأخدام والمهمشين والموالي والعبيد"، وبحسب القاضي فإن أصل القضية تتمثل في أن الضحايا هم فقراء تقطعت بهم السبل فلجأوا إلى شيوخ قبائل فمنحوهم قطع أرض للسكن عليها وأصبحوا تحت حماية شيخ القبيلة ويعلمون لديه ويتبعونه، وبالتالي فهم لم يستعبدوا بطرق الاستعباد العادية أي عبر الشراء من أسواق النخاسة أو الأسر، بل يمكن وصفهم بأنهم "استرقوا اقتصادياً" ولتأكيد أنهم ليسوا عبيداً بالمعني القانوني نفى القاضي أن يكون لأربابهم عليهم حق ممارسة الجنس.

ومن موقعه في لجنه الحريات، ذكر القاضي أنه بحث مع وزيرة حقوق الإنسان اليمنية، هدى البان، "سبل معالجة الموضوع بهدوء" لأن الأساس هو "مصلحة هؤلاء الذين قد يرفضون مغادرة أرباب عملهم خشية الموت جوعاً،" داعياً إلى توفير التنمية وفرص العمل لهم، وتحدثت عبدالكريم الأسلمي، وهو نائب عن منطقة حجة بحزب المؤتمر الشعبي الحاكم، والذي قيل إن منطقة تضم العدد الأكبر من "العبيد،" فقال إن الصورة "غير واقعية ومبالغ فيها، ولا يوجد اليوم عبيد يباعون ويشترون، فقد جرى تحرير جميع العبيد بعد الثورة، وإن ظل بعضهم يعمل لدى شيوخ القبائل، ولكن كعمال أحرار"، وعن رأيه بعقد بيع "العبد قناف" قال الأسلمي "القضية أثارت لبساً شديداً، والحقيقة أن أحد الأشخاص تسبب في قتل رجل عن طريق الخطأ، وقيل له إن عليه عتق رقبة، ودله أحدهم على قناف وقال له إنه من العبيد فقرر أن يشتريه ليحرره، والواقع أن هذا خطأ قانوني وقع فيه الجميع لأن قناف حر، ولم يكن على القاضي تدوين هذا العقد المخالف للشريعة والقانون، رغم أننا نقول في نهاية الأمر إن الجميع كان لديهم حسن نية."

ولدى سؤاله عن عدد الذين تشملهم هذه الظاهرة قال الأسلمي "العدد كبير ففي مديريتي هناك خمسة آلاف شخص ربما، وفي مديريات أخرى يتضاعف العدد، وبالتالي فهذه الفئة ليست صغيرة"، ونفى الأسلمي بشدة وجود منع لحرية تنقل هذه الشريحة أو حظر على الاختلاط بها بالزواج، ولكنه قال إنهم في واقع الأمر لا يتزاوجون إلا في ما بينهم "بسبب الفوارق الاجتماعية بينهم وبين سائر الطبقات فلا يقدرون على مهور النساء من الطبقات الأخرى،" معبراً عن أمله في تطوير برامج تنمية تخرج هذه الشريحة من حالتها الراهنة.

يذكر أن الحالة في موريتانيا ليس أفضل منها باليمن، فقد شكلت قوى سياسية حقوقية قبل فترة جمعية حملت اسم "نجدة العبيد، كما أثارها في يوليو/تموز الماضي رئيس منسقية المعارضة، بجيل ولد هميد، الذي قال إن العبودية موجودة في البلاد " بشكل واضح وملموس، والقضاء عليها يحتاج تحركا وطني، ومن المعروف أن انتخابات الرئاسة الموريتانية شهدت العام المنصرم ترشيح مسعود ولد بلخير، القيادي بجبهة الدفاع عن الديمقراطية، وكان برنامجه الانتخابي يشمل إنهاء العبودية وتأكيد مساواة طبقة "الحراطين" وهم أبناء العبيد الأفارقة الأصل بأبناء القبائل العربية من أصحاب البشرة البيضاء، وحمل ولد بلخير لقب "أوباما مورتانيا" ما يؤكد عمق الظاهرة، أما في السودان، فسبق أن أشارت الدوائر الحكومية الأمريكية إلى وجود آلاف حالات العبودية في البلاد، خاصة بعد الحروب الأهلية الطويلة التي عاشتها البلاد وما خلفته من أيتام وأرامل وعمليات خطف، ولكن الخرطوم تنفي ذلك.

أفضل الموت

في سياق متصل يذكر ان الجمعية الوطنية في موريتانيا وافقت عام 2007 بالإجماع على قانون يجرم العبودية، ولكن وفقاً للمنظمة غير الحكومية (استغاثة العبيد)، كان 18 بالمائة من سكان موريتانيا البالغ عددهم 3.1 مليون نسمة من العبيد في عام 2009. وحتى الآن لم يحاكم أحد وفقاً للقانون، ولا تزال هذه الممارسة القديمة مستمرة، حيث يعمل معط الله ولد مبورك في منظمة استغاثة العبيد في العاصمة الموريتانية نواكشوط، ولأنه أمضى معظم حياته كعبد، فهو يعلم معنى العبودية والحرية، وقد روى قصته قائلاً "عندما رأيت أمي وأختي تتعرضان للضرب على أيدي مُلاكنا، لم أستطع تحمل المنظر، أردت الهرب لكنهم ضربوني أنا أيض، كان عملي رعاية الماشية وصنع الفحم، كنت أغادر مع الجمال في الصباح ثم أصنع الفحم وبعدها أخرج للبحث عن مياه الشرب، كنت أعود إلى مستوطنتنا عند منتصف الليل تقريباً. بحسب ايرين.

كان منزلنا مجرد جزء من المستوطنة مطوق بقطعة قماش، ولم نكن نحصل على شيء من الطعام إلا ما تبقى من طعام مُلاكن، ولذلك كنا نذهب إلى الصحراء لاصطياد الحيوانات الصغيرة مثل السحالي لطهيها وأكله، فلم نكن نستطيع المغادرة فقد كنا في الصحراء وإذا هربنا فسوف نموت من الجوع أو العطش، كما يستطيع مُلاكنا البحث عنا في سياراتهم حتى يجدونن، وفي الكثير من الأحيان، كان العبيد الذين يحاولون الفرار يقتلون، نحن نعلم حالات من هذا القبيل، كنا نتعرض للضرب إذا فقدنا جمل أو جلسنا على نفس حصيرة سادتنا أو قمنا بعصيان أوامرهم، ذات مرة، ضربني ابن مالكي على عيني بعصا عندما فقدت بعض الإبل بسبب الرياح في يوم من الأيام كنت بالقرب من إحدى الطرق، والتقطني بعض الجنود وسألوني عن مكان يمكنهم شراء بعض الأغنام والحليب منه وفي النهاية طلبت منهم ألا يعيدوني إلى مكان مالكي، ثم جاء سادتي إلى حيث كنت، فقلت للجنود أني أفضل الموت رمياً بالرصاص على العودة إلى مُلاكي، فأمر الجنود الرجال بالمغادرة، وأخيراً سمعت عني منظمة استغاثة العبيد وساعدتني على الهرب إلى الأبد، لا تزال أسرتي ترغب في الخروج، لكنها لم تجد سبيلاً لذلك بعد".

من جهته وضمن مساعي موريتانيا لارضاء المواطنين، أصدر الرئيس محمد ولد عبدالعزيز قرارا بالعفو عن مجموعة من نشطاء الرق وسجناء الحق العام الذين كانوا يقضون أحكاما بالسجن، ووصف الناشط الحقوقي بيرام ولد اعبيدي المشمول بقرار العفو الإجراء الذي اتخذه الرئيس بأنه "محاولة من النظام لإخفاء ممارسته للعبودية وتهميش طبقات عريضة من الشعب".

وأكد ولد اعبيدي وهو ناشط عن شريحة "الحراطين" (الأرقاء السابقين) في تصريحات صحفية، أن المحاكمات التي خضع لها مؤخرا أثبتت من جديد تحكم من وصفهم بـ"ملاك العبيد في جهاز القضاء وتوجيهه طبقا لمآربهم الخاصة"، وأشار الناشط الحقوقي إلى أنه تلقى خلال إقامته في السجن عروضا غير مباشرة بتنازله عن قضيته (النضال ضد الرق) مقابل بعض الضمانات، لكنه رفض كافة تلك العروض، معتبرا أن إطلاق سراحه نتيجة طبيعية لنضال القوى الحية في الداخل والخارج الرافضة للعبودية والاسترقاق، كما قال، وكانت محكمة الاستئناف في نواكشوط أدانت بيرام ولد اعبيدي مؤخرا بتهمة الاعتداء على عناصر من الشرطة وإنشاء منظمة غير مرخصة، وحكمت عليه بالحبس النافذ ستة أشهر، قبل أن يصدر عنه العفو رفقة اثنين من زملائه بموجب مرسوم رئاسي صدر عن رئاسة الجمهورية.

في سياق متصل، وتحت تأثير الحراك السياسي الذي أشعلته الثورتان التونسية والمصرية، أصدر نشطاء حركة "تحرير وانعتاق الحراطين" المعروفة باسم "الحر"، بيانا أعلنوا فيه أن "شريحة الحراطين (الأرقاء السابقين) تشهد هذه الأيام وضعا يفرض التوقف وإمعان النظر أكثر من أي وقت مضى في سبل تحسين ظروفهم والوقوف بحزم في وجه الذين يحاولون إجهاض مسيرة نضالهم ضد العبودية والاسترقاق والإقصاء والتهميش والاستعلاء والتمييز العنصري الذي يواجهونه من طرف النظامين التقليدي والرسمي"، وناشدت حركة "الحر" المناهضة للرق في موريتانيا في بيانها كافة المناضلين التحرريين والانعتاقيين إلى تحمل مسؤولياتهم الأخلاقية والتاريخية في مواصلة النضال من أجل تحرير شريحة الحراطين من أغلال العبودية بشقيها التقليدي والمعاصر، والعمل فورا على تمكينها من المشاركة الفعالة في مراكز القرار ومصادر الثروة والعيش الكريم، مذكرة في نفس الوقت الرأي العام الوطني والدولي بضرورة تحمل المسؤوليات الجسام الملقاة على عاتقه تجاه هذه القضية الوطنية، وطالب البيان بتحقيق مطالب في مقدمتها القضاء النهائي على ظاهرة الاسترقاق والعبودية التقليدية، من خلال محاربة الفهم الخاطئ للعبودية في الإسلام وتطبيق الترسانة القانونية ذات الصلة، واستصدار المراسيم المطبقة والإجراءات المصاحبة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 14/نيسان/2011 - 10/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م