الاصلاح والتغيير بين أساليب العنف ومزايا الحوار البنّاء

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: الفرد هو لبنة وأصل تكوين المجتمع، وكلما صحَّت الاصول والاسس صحّ ما تلاها من تكوينات مجتمعية أو غيرها، لذا يتطلب بناء المجتمع أن نبني الفرد أولا وفق مزايا وفضائل أخلاقية وعرفية وضحّها لنا الاسلام والسنة النبوية الشريفة وسيرة آل بيته الاطهار عليهم السلام، كونها نماذج سلوكية فكرية يمكن للانسان أن يتعلم منها ويبني بهديها مسيرته الحياتية الصعبة والشائكة في ظل عصر مفخخ بالأخطاء والاغراءات والعنف والعنف المضاد، وفي ظل حكومات لاتهتم كثيرا بشعوبها ولا بسلام وحياة مجتمعاتها أو رعاياها.

في هذا الصدد، يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي في كتاب عنوانه (من عبق المرجعية):

(لا شك في اختلاف ذاتيات الافراد فان الناس معادن كالذهب والفضة الا ان التربية العائلية والمحيط الاجتماعي والنظام الحاكم لها اكبر الاثر في اذكاء حالة العنف في النفوس واشعال جذوة العنف في المجتمع).

وظاهرة العنف لن تتولد من الفراغ، بمعنى لابد أن تكون لها مسبباتها التي تنطلق من أرض الفكر والسلوك معا، لهذا غالبا ما تُسهم الحكومات السيئة بصناعة الفرد العنيف ومن ثم المجتمع العنيف لاسباب عديدة، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد بالكتاب المذكور نفسه:

(تكمن جذور العنف في الجهل والعصبية والفهم الخاطئ للدين والاستبداد والدكتاتورية والحرمان الاجتماعي والظلم من قبل الحكومات والافراد الذي يولد العنف المضاد وغلق قنوات الحوار البناء او ضيق هذه القنوات).

ويؤكد سماحته قائلا في المنحى نفسه:

(في اجواء الكبت وارهاب والاستبداد والدكتاتورية تنمو الاتجاهات المتطرفة والحركات التدميرية، لذا يجب توفير الحرية للمجتمع، وارساء دعائم العدالة الاجتماعية، وتوفير الفرص للجميع، واعطاء حقوق الفقراء والمحرومين، وقيام الانظمة العامة التي تحمي المجتمع من حاملي راية العنف).

لهذا حين تندلع تظاهرات هنا وهناك كما يحدث اليوم فربما تشوبها بعض مظاهر العنف، والسبب الحقيقي الذي يقف وراء هذه المظاهر العنيفة هو الحكومات المستبدة التي تعمّدت تجهيل المجتمع اضافة الى الحاضن الاجتماعي الذي يتحرك فيه الافراد وينمون فيه، فإذا كان حاضنا عنيفا، لابد أنه يورث العنف للاشخاص الذين يعيشون فيه، لهذا لابد أن ينبه المطالبون بالاصلاح والتغيير ومن يتبعهم من الجمهور الى الابتعاد عن ظاهرة العنف واللجوء الى الاساليب المتحضرة التي تكسبهم احترام العالم، ولابد للمعنيين ومن يهمهم الامر من القضاء على هذه الظاهرة من خلال وسائل التثقيف وغيرها من السبل المؤدية الى ذلك.

يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص:

(يمكن مكافحة العنف في المجتمع من خلال تعميم ثقافة اللاعنف وتوضيح ان العنف نار تحرق الكل ولا تستثني احدا).

ولهذا السبب يعارض الاسلام في تعاليمه مظاهر وأعمال العنف، ويدعو الى السلم واعتماد أساليب التمدّن والحوار طريقا لتحقيق الاهداف التي يبحث عنها الانسان او المجتمع ويسعى الى تحقيقها، إذ يؤكد سماحة المرجع الشيرازي بأن الاسلام:

(يحرم العنف والارهاب والغدر والاغتيال ويحارب كل ما يؤدي الى الذعر والخوف والرعب والاضطراب في الناس الآمنين).

إن الابتعاد عن العنف بكل أشكاله تمثل ظاهرة حضارية تحاول المجتمعات المتوازنة أن تحققها وتصل إليها وتنشرها بين أفرادها وجماعاتها، حتى في حالات التظاهر والاضرابات وما شابه، حيث تلجأ الشعوب الى هذا الاسلوب من اجل تحقيق اصلاحات او تغييرات سياسية تحقق لها اهدافها، فهي تسعى الى ذلك بتجنب العنف واتخاذ السلم والتحضّر والتمدّن إسلوبا لتحقيق أهدافها، ولعل العنف الذي يرافق الانتفاضات الراهنة في عدد من دول الشرق الاوسط يعود اولا الى الحكومات التي تستخدم العنف ضد المتظاهرين، وفي الوقت نفسه تتهم المتظاهرين بأنهم يقفون وراء العنف، لكي تبرر هجماتها واعتداءاتها على المنتفضين.

ولكن يبقى هذا الاسلوب قاصرا، أيا كان الطرف الذي يلجأ إليه، فالعنف لايقود إلا للمزيد من العنف، لهذا لابد من اعتماد سياسة نبذ العنف من اجل التغيير والاصلاح، كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي الذي يؤكد على أن:

(اسلوب الحوار – اولا- والمظاهرات والاضرابات – ثانيا- هي الاجدى والاحمد عاقبة في السعي الى الاصلاح والتغيير).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 14/نيسان/2011 - 10/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م