حلم عند دوار اللؤلؤة

قصة قصيرة

هادي عباس حسين

اعتدت دوما على اهتزاز سيارتي وهي تشق الطريق إلى المكان المتفق عليه، لكني لم أكن مستعدة على المواجهة والالتقاء به، فانا مفاجئة بتمايل سيارتي يمينا ويسارا وهو الإعلان بأنها في سرعتها القصوى، اشعر بدوار في راسي الذي امتلأ بأصداء أصوات الرصاص الصادر من البنادق، الخوف الشديد انتابني لما رأيت ان الطريق المؤدي إلى المكان المتفق عليه اللقاء مغلقا كل الأشياء التي أحاطتني بدت غريبة وتلفت النظر وكل ما موجود في ذهني من صور خالدة واقفة تتجمل بزي جديد بقيت واقفة في مكاني لحظات أحدق في الأشخاص المتراكضين باتجاهي، تعجبت ان البعض منهم بقمصانهم الممزقة والأخر ملطخة أجسادهم بالدماء، سالت نفسي بالحال:

- ما الذي يجري حولك أيها الدوار السرمدي.. ؟

اقترب لي رجلا مصوبا باتجاهي فوهة البندقية قائلا

- هيا تحركي... ممنوع التوقف هنا..

تراجعت بسيارتي إلى الخلف قائلة:

- ان لي موعدا هناك باتجاه الأخر للدوار..

اشر لي بيديه بالتراجع، استجبت لأوامره وفي مخيلتي أشياء جاهلة مصادرها بان الذي يجري لابد ان يخلق هوية جديدة، لذا ازددت قوة وإصرار وثبات بان انتظر لعل هناك حلا لمشكلتي واجد بصيصا لنور يقتل الظلمة التي غرقت بها نفسي، ضغطت على مفتاح الاوتماتيكي، تحرك زجاج النافذة القريبة إلى راسي، فازداد الصوت الداخل لمسامعي والصادر من البنادق لذا أعدت بعجل إلى إغلاقها مرددة مع نفسي:

- يا رب الإسلام... أحفظ المسلمين الموجودين هنا..

محور حديثي لم يشجعني بان ابحث عن سبيل يوصلني إلى مبتغاي، وأنا لا ارغب بالعودة أبدا من حيث أتيت،، سيارات الإسعاف والشرطة تجوب في كل الشوارع والتي أمست خالية من المارة باستثناء الإبطال المتجهين صوب الدوار، ما تزال الأجواء صعبة ومخيفة والصور تتنقل لكل المنافذ المتبقية نحو الهدف، قلق كبير وحيرة كبيرة تملئني وان لا أغير ما بداخلي من مزاجان متقلبة، وبين لحظة وثانية اتفاجيء بمرور سيارة الإسعاف من جواري لهذا فقد خيمت على وجهي ملامح الإصرار والتحدي والثبات لأجل الوصول إلى ما قصدت اليه، وان لا ابرح المكان مهما كلفني من ثمن، انه شعور غريب وإحساس تأجج في أعماقي، وكأنها ثورة النفس على النفس ذاتها، وهمتي بدأت تكبر والجميع ماضين إلى الدوار انه موعد اللقاء المنتظر والمتفق عليه، أوشكت ان اقفز من مكاني وأنا داخل سيارتي، حدقت حولي وإذا بمصفحة عسكرية ارتطمت بها من الجانب الأخر، أنها كانت مسرعة كي تسبقني إلى ذلك الدوار الذي بات مبتغاي وحلمي الجميل، انه الموعد المولود في زمن صعب كهذا، الأفكار هادرة تملئ ذاكرتي وأنا أخاطب ذاتي:

- كيف سأصل... سأفعل كما أراهم فاعلين، مشيا على الأقدام...

في غضون تفكيري وحيرتي، سمعت الضربات تتوالى على صندوق السيارة وصرخة العسكري قائلا:

- هيا لم أنت واقفة هنا،، عودي إلى بيتك..؟ كل الطرق مغلقة..

رائحة البارود والغاز المسيل للدموع تتخلل المكان الذي مازلت واقفة فيه وكأنني انتظر الأوامر بالزحف إلى حلمي الأخضر الجميل، وأصوات الرصاص طوقتني من كل جانب، انتبهت إلى رجل كبير بالسن يخاطبني يصوت عال:

- ان وقوفك هنا يشكل خطرا عليك..

كلامه جاءني متأخرا لان كل المنافذ قد أغلقت وحوصر المكان وامتلأ بالحراس والعسكريين، ان أبقى مرابطة بمحلي، لكن ليس فيه فائدة تركت المكان حتى أحسست على نفسي بان صوتي عاليا يهتف:

- الكرامة والتحرير.. نحن نريد التغيير..

أصوات إطلاق النار تهز مشاعري وقد ترعبني بعض الشيء الا ان حلمي الكبير يمدني بالشجاعة والصبر على البلوى حتى الانتصار، انه اللقاء الذي طالما تمنيته ان أكون بحق وحقيقة في دوار اللؤلؤة، باقية وصامدة أضمد جراح الإبطال في هذا المكان الخالد...

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 13/نيسان/2011 - 9/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م