في البداية لابد أن نفرق بين نظام الحكم – جماهيري، جمهوري، إسلامي،
بعثي، قومي، وطني، اشتراكي، شيوعي، رأسمالي،..الخ- وبين تنفيذ نظام
الحكم؛ من هنا نبدأ المفاصلة واستكشاف الخلط الذي يمارسه الديكتاتوريون
على مدار التاريخ، وفي كل الأنظمة المتنوعة، السابقة، الحاضرة
والمقبلة؛ وإذا وضحنا الفرق بين العنوانين ظهرت جليا للعيان الإجابة عن
سؤال العنوان: إن النظام هو السلطة والسلطة هي النظام، أو النظام وبحد
فاصل نظام و سلطة تنفيذ النظام.
ولو كنا أمام نظام حكم واحد ودولتين: واحدة تطبق الفصل بين النظام
والسلطة وأخرى تخلط بين السلطة والنظام، إن هذا الخلط لا يختلف كثيرا
عن الخلط بين خزينة الدولة وجيب الحاكم.
إذا طبقنا أي نظام حكم من الأنظمة التي نعد ونرنو إليها، ونهيئ لها
في مناهجنا التربوية، ونربي وننشئ النشء لامتثالها، وتعكف مؤسساتنا
الثقافية لغرسها، في المقابل من الذي سيحكم وينفذ هذا النظام، من الذي
سيراقب، هل هناك من نظام يتابع ويراقب بصورة شفافة، من الذي يفصل بين
المحافظة على السلم والنظام العام وبين حماية الحقوق والحريات الأصيلة
للمواطن واحترامها، يحارب ويمنع الجريمة ويقدم المساعدة للجمهور، يقيم
العلاقات الودية مع العالم ويحمي الدولة من الاعتداءات، ويتجاوز
التحديات، الذي يوفر الحاجات الأساسية للمواطنين ويضبط السياسة الخاصة
للحاكم والحكومة.
إن السلطة الحقيقية التي تعمل على تعزيز الصفة الشرعية للدولة
وتثبت يوميا أنها تستجيب، تفهم وتعي في الوقت المناسب وقبل فوات الأوان
مطالب المجتمع وآماله، ورغباته، وتهيئ الأمور لتقدم المجتمع بوضوح، دقة،
وتعلن ذلك للشعب.
قوة هيبة السلطة والضابط
إن القوة التي تمتلكها الدولة هائلة كبيرة؛ فهي ثمرة جهد الملايين،
وسطوتها عظيمة برجالها المنتجبين، لاسيما أمام الإنسان الضعيف وحتى
تشكيلاته النقابية، المجتمع المدني، الاتحادات، لكن ضوابط هذه السلطة
مسئولية كبيرة تحتاج إلى تكاثف الجهود؛ لقطع دابر التفرد الذي يمثل قمة
الفساد وباب الاستبداد، إن مهمة ضبط قوة السلطة يجب إن تكون مستمرة
وشراكة للجميع لحظة بلحظة ؛ وإلا فالجميع شركاء في الاستبداد، وفي
تجيير هذه القوة لصالح الديكتاتور، والخاسر الجميع.
المساءلة
لم نتعود في عالمنا العربي أن نسمع النقد فضلا عن أن نتقبله، فكيف
إذا طرحت المساءلة، وإنزال ارفع الشخصيات للتحقيق في سفر غير مبرر، وعد
انتخابي لم يطبق أو 450 يورو ثمن أجرة ليلة في فندق.
إن عملية الخضوع للمساءلة في النظم الناجحة؛ بغض النظر عن هذه
النظم، تقتضي تمكين بعض الفئات من المساءلة أمام: المواطنين، ممثليهم و
الجهاز القضائي، فلابد من الانفتاح على الأجهزة الرقابية، لضمان شفافية
العمليات التي تنفذها الحكومة في كافة مجالات العمل، إضافة إلى إجراءات
التعيين، الموازنة،........الخ.
لذلك لابد من إرساء نظام المساءلة الذي يجب أن يشمل الجميع : من
رأس الهرم حتى القاعدة، دون، أي استثناء، أو تجاوز؛ بذلك يطمئن المواطن
أن السلطة للجميع وليست ملك احد، الجميع سواء أمام القانون، الكل محاسب
وثمرة هذا النظام سيادة الأرض وعمارتها، إن هذا المسعى ليس بعيد المنال
بل قريب جدا ويحتاج منا ومن كل فئات المجتمع العمل والمبادأة الجماعية.
من الضروري الوصول للمجتمع الذي يتقبل احتكار الحكومة للقوة؛ وإلا
فالبديل لا يحبه احد، لكن قبل ذلك يجب أن يقتنع المجتمع أن هذا المسار
من اجل ضمان سلامة المجتمع من الفساد، النصابين، المجرمين، وقطع الرابط
بينهم وبين قوة المجتمع الممثلة بالحكومة، وكذلك ترسيخ الحريات
المدنية، السياسية والاقتصادية، للوصول إلى تمكين المجتمع من حقوقه.
بقى في المساءلة فتح الاستراتيجيات الخاصة بالدولة وعملياتها،
وإدارة الموازنة من خلال مختصين مدربين من اجل الوصول للدقائق الأمور
وتفصيلاتها المهنية الصرفة سواء أفقيا أو رأسيا؛ ويشرك في ذلك أعضاء
المجلس التشريعي، لجانه المختصة، الجهاز القضائي.
إن لم تتوفر منظومة من الرقابة الداخلية، التشريعي، الجهاز
القضائي، المجتمع المدني، فان مثل هذه السلطة لن يكتب لها النجاح لسبب
بسيط أن هذا النظام سيوصم بأنه مستبد وهنا المحك؛ وان لم يع ذلك أو
اعتقد انه القيم على السياسات العليا للوطن أو الدين وفي ذلك يبيح
لنفسه كل شيء، وتبقى سلطة الفرد.
* باحث من غزة
samiastal@gmail.com |