شبكة النبأ: من المقومات الاساسية
لبناء الدولة الحديثة، أن تكون هناك منظومة صحية فاعلة، تقدم خدماتها
المتكاملة للمجتمع في ظل الدولة الحديثة، التي تعد من سماتها المهمة،
قدرتها على توفير الرعاية الصحية الجيدة لشعبها، والسبب أن طبيعة
الخدمات الصحية ترتبط بالوضع العام للدولة ودرجة انتمائها لروح العصر.
فالدول الديمقراطية التي تديرها أنظمة سياسية متطورة، تحرص كثيرا
على النجاح في مضمار الصحة، بل تحاول الحكومات في هذه الدول أن تتفوق
على غيرها كثيرا في مجال الصحة، وبعض الحركات والاحزاب السياسية تقدم
الصحة في برنامجها الانتخابي على المجالات الاخرى أملا بكسب أصوات
الناخبين.
أما في الدول الفردية أو الدكتاتورية أو تلك التي تدّعي التحرر
والديمقراطية ولا تعمل بها، فإنها لن تنجح في بناء منظومة صحية متكاملة،
والسبب لايحتاج الى تحليل عميق، فترابط منظومات الحركة والفعل والتفكير
تجعل فشل الدولة في السياسة ينعكس على فشلها في الصحة والاقتصاد
والتعليم وغيرها، لذلك تجد نكوصا وتراجعا كبير في منظومة الصحة لدى
الدول القمعية، أو الدول التي تتمسك بأذيال الديمقراطية وتدخل الى
أعماقها وتحولها كمنهج حياة شامل يتدخل في بناء المنظومات السياسية
والاقتصادية والتعليمية والصحية وسواها من المجالات الاخرى.
العراق كان بلدا محكوما بالقمع على مدى الحكومات الملكية والجمهورية
التي تتالت في حكمه، هذا النهج القمعي تمثل بالسياسة العرجاء التي كانت
تدير شؤون البلاد كافة، لذا فإن ضعف المنظومة الصحية يمثل حاصلا للتردي
في النهج السياسي، ومع أن بعض النظم الحديدية قد تنجح ببناء منظومة
خدمات صحية متطورة، إلا أن النهج السياسي المتوتر لابد أن ينعكس على
عمل هذه المنظومة.
في عراق الحاضر هناك تجربة ديمقراطية لايزال كثير من المعنيين
يطلقون عليها مصطلح الديمقراطية الوليدة او الجديدة، على الرغم من
عبورها الى عامها التاسع، هذه السنوات التسع طويلة نسبيا، ولو أن
الحومة الديمقراطية وعت أهمية الصحة وفعّلت هويتها وانتسابها الى
الانظمة المتطورة، لكانت قد بذلت جهدا تنظيميا واضحا في بناء المؤسسة
الصحية في العراق، لكن هذا الامر لم يحدث حتى الآن، لدرجة أننا نفتقد
لبرنامج ضمان صحي واضح المعالم يمكن أن يحمي الفقراء العراقيين من حالة
الضعف التي تواجههم صحيا.
وحتى الآن فيما لو تعرّض العراقي من ذوي الدخول المتدنية الى مرض
مفاجئ يتطلب جراحة أو ما شابه، فإنه سيعاني الامرين ولربما يفقد صحته
ويصبح عليلا الى وقت طويل إذا لم يفقد حياته كليا، هذا الخلل التنظيمي
الصحي الخطير لاينبغي أن يشكل حضورا واضحا في الدولة العراقية
الديمقراطية.
لقد حدثني أحد المرضى قبل أيام عن اضطراره للذهاب الى قسم الطوارئ
في المستشفى الحكومي بسبب تعرضه لألم داء الشقيقة، وحين وصل الطوارئ
كتب له الطبيب المقيم دواءا عبارة عن حقنة تخفف من ألم الصداع، وفوجئ
هذا الشخص بخلو قسم الطورئ من محلول الحقنة وأداة الحقن أيضا (السرنجة)
مما اضطره لشرائها من الخارج بمبلغ (500) خمسمائة دينار، وهو مبلغ بخس
وضئيل كما نلاحظ، لكن ردهة طوارئ المستشفى الحكومي لم تستطع توفيره
للمريض، فكيف إذا تحدثنا عن العمليات الكبرى وماشابه.
هذا المثال الواقعي الذي نضعه أمام عيون وزارة الصحة والجهات
المعنية، يؤكد لنا أن دولة العراق الجديدة تعاني من عدم قدرتها على
بناء وتفعيل منظومة صحية تليق بالانسان العراقي، وهو أمر يشي بانعكاس
الضعف السياسي على الصحة وعلى مجالات الحياة الاخرى.
المطلوب أن تحرص التجربة الحكومية الجديدة في العراق على بناء
مقومات الحياة العصرية للعراقيين وفي مقدمتها الصحة، وأن تتحاشى انعكاس
أزماتها على الميادين العملية الاخرى، فمن مؤشرات ودلائل الدولة
الديمقراطية العصرية، وجود مؤسسة صحية ناجحة ووجود ضمان صحي يكفل تقديم
العلاج (مهما كان ثمنه) للفقير وغيره ممن يحتاجونه، وأن تنهض وزارة
الصحة بمهامها بصورة جيدة، وأن تضع المحددات الكفيلة لعدم تصاعد وتيرة
الاسعار واستغلال بعض الاطباء لحاجة الناس، وذلك من خلال تشريع الضوابط
المطلوبة في هذا المجال.
وعندما تنجح مؤسستنا الصحية في مهامها على الوجه الامثل، وغيرها من
الميادين، يمكننا عند ذاك أن ننتسب الى الدول الديمقراطية المعاصرة!. |