دروس برنارد شو

قصتان قصيرتان

نهار حسب الله

الدرس الاول:

كان شديد الاعجاب بكتابات المؤلف المسرحي الايرلندي الشهير جورج برنارد شو، حيث كان يعدها حِكماً ونصائحاً وتجارباً حياتية، يؤسس من خلالها ثقافته وتساؤلاته.

اعتاد الجلوس صباح كل جمعة مع كتابات (شو) في مقهى الشابندر بشارع المتنبي ببغداد.

وفي احد الايام، دخل الشارع فيما عينيه تبحثان بين الكتب عن ترجمات جديدة لكاتبه المفضل.. استمر في سيره حتى وصل الى المقهى، تنبه لانشغال طاولته المفضلة بشيخ طاعن في السن له لحية كثة بيضاء وبشرة متعبة مرهقة، بانت عليها تأثيرات الزمن.

كان قد نثر مجموعة كتب على الطاولة تعود للمؤلف (شو).

اثارت الكتب فضول القارئ مما جعله يتقدم للشيخ ويستأذنه الجلوس معه على الطاولة نفسها.

اشار الشيخ بيده آذناً له بالجلوس من دون اية نظرة او تعبير.

دخل الشاب في حوار ودي معه وطلب له كوباً من الشاي في محاولة منه للدخول في حوار يخص الكتب والمؤلف.. إلا انه سرعان ما بوغت بنظرات الشيخ وكلامه الباسم:

- هذه كل اصداراتي التي ترجمت الى العربية؟

الشاب بدهشة وحذر:

- هل انت الكاتب الايرلندي الشهير جورج برنارد شو؟!

- نعم وانا هنا من اجل النقاش معك بشأن كتاباتي التي شكلت لديك بعض التساؤلات.

نظر الشاب من حوله باحثاً عن اي تفسير منطقي لما يشهده ويحسه في تلك اللحظة.

إلا انه فكر في استغلال وجوده حتى لو كان خيالياً لغرض كسب أكبر عدد من المعلومات، وقال له:

- استاذي الفاضل.. انا قرأت معظم مؤلفاتك وعدد كبير من الاقوال والحكم التي كتبتها وتأثرت فيها لدرجة اني اعدّها افضل مدرسة حياتية، غير اني احتاج تفسير يتعلق بمقولتك: (لا نتوقف عن اللعب لأننا كبرنا؛ إننا نكبر لأننا توقفنا عن اللعب)

وانا اعتقد ان هذه المقولة غير كاملة لانك لم تذكر فيها من لم يكن يعرف اللعب ابداً.. او من لعبت به الحياة او من لعب في ضمائر الناس، ولم تتحدث عن أطفال ترعرعوا من اجل اللعب في السلاح..

اجاب (شو) مقاطعاً: انت قارئ جيد، يستحق التقدير والثناء وأنا آسف لتجاهلي هذا الموضوع.. غير اني غادرت الحياة لاجلك ولاجل اقرانك القراء الجادين.. لامنحكم حق التساؤل والكتابة والمعالجة التي لم اتوصل إليها في كتاباتي، لطفكم تصحيح اخطائي واخطاء الجيل الجديد الذي نطمح ان يلعب بالزهور والالوان اكثر من اي شيء آخر.. ثم ترك صداه يصدح في قلب المكان واختفى تماماً.

 

الدرس الثاني:

في ما مضى كان لدي حبيبية تعلو في قلبي كما قمم الجبال الشاهقة، جميلة كأية باقة ورد ملونة، عذبة كصباحات بغداد وصوت فيروز، بسيطة كأمي... غير انها تجهل الصمت ولو لثوانِ معدودات، مما يضيع كل مميزاتها.

كنت على قناعة تامة بكلام سمعته من اجدادي عن الطبع والتطبع، وعشت خمس سنوات على أمل تغييرها ونقلها إلى عالم يعرف الهدوء والسكينة ولكن من دون جدوى، عملت على نصحها بان الثرثرة تشكل عنصراً سلبياً لدى المرأة، غير انها كانت توتر اعصابي من خلال الدخول في نقاشات غير مجدية.

وفي يوم من الايام، كنت انتظر موعد قدومها المعتاد.. هرعت مسرعاً لتعليق مقولة (شو) والتي تقول (الشخص الوحيد الذى يأمر المراة بالصمت فتطيعه.. هو المصور) وأضفت عليها: امل ان اكون مصوراً ولو ليوم واحد، وكنت قد كتبتها بخط كبير واضح للعيان..

دخلت عليّ بصوتها العالي غير مهتمة بمعنى الحكمة.. وقالت لي:

- حبيبي لماذا شوهت حائطك بمثل هذه التفاهات.. هل تجد اجمل من صوتي في الحياة؟

بقيت ساهماً شارد الخيال، وفوجئت بـ (شو) يخاطب مخيلتي قائلاً:

- عزيزي.. لقد كتبت مقولتي هذه ولم اكن اعلم بان حبيبتك هي من قتلت المصور، وبعثرت كل صور النساء التي في حقيبته.. حاول الخلاص من فوضويتها وغبائها قبل ان تقتل هدوءك.. وانا اعدك بانك ستكون مصوراً لعشرات النساء في يوم ما.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12/نيسان/2011 - 8/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م