مدرسة العلامة أحمد بن فهد الحلي صرح منير بعد تلاشي الظلام

 

شبكة النبأ: في مدينة كربلاء سيد الشهداء عليه السلام أحد أهم مراكز العلم والحوزات العلمية الشريفة برز فيها خلال القرون الماضية الكثير من قادة الطائفة ومفكريها فما أن يأفل نجم من نجومها العظيمة أو قطب كان محوراً وزعيماً حتى يبرز بدر ينير للمؤمنين محالك الظلام مثيراً لدفائن العقول شموس الحقيقة الناصعة، مؤسساً للمشاريع الحوزوية والخيرية والإنسانية، مشمِّراً عن ساعد الجِد في بناء أجيالٍ من العلماء والفقهاء والخطباء والكتاب والمتكلمين.

موقع (الشيرازي نت) سلط الضوء على اهم المراكز العلمية الحوزية في مدينة كربلاء المقدسة  في التقرير التالي:

مدرسة العلامة أحمد بن فهد الحلي صرح أسسه أحد أفذاذ الأمة ومفكريها ومراجعها العظام سلطان المؤلفين سماحة المجدد الثاني الإمام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي ـ نور الله مضجعه ـ وبإشراف وإدارة مباشرة من قبل المفكر الإسلامي الجهبذ آية الله السيد الشهيد حسن الشيرازي ـ قدس سره ـ وبجهود هذين العالمين العلمين أصبحت المدرسة ركن أساسي وفعال في حوزة كربلاء العلمية بل الحوزة العلمية بشكل عام.

فاغتنم طلبة العلم وعشاق المعرفة الفرصة لينهلوا معيناً صافياً ونميراً سائغاً وبالفعل خرَّجت المدرسة الكثير من الأعلام من فقهاءٍ وكتَّابٍ ودعاةٍ ومبلغين وخطباء، ولكن ظهر العفالقة البعثيون.

العفالقة البعثيون

ما ان وصل العفالقة إلى سدة الحكم في العراق بمساندة أعداء الإسلام من المستعمرين إلا واخذوا بتنفيذ ما خططوا له من قبل في القضاء على منابع الفكر والعلم والنور وفي مقدمتها القمة وهي الحوزات العلمية الشريفة بعلمائيها ومفكريها وطلبتها، واستهلوا ذلك بالمضايقات الكثيرة لرجال الدين والعلماء العاملين وشنوا حملات التهجير والاعتقال، فغادر الكثير منهم على أمل النجاة بدمائهم ودينهم ومبدئهم من العراق، وكان من ضمنهم الإمام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي قدس سره فغادر العراق مهاجراً إلى ربه ليستقر في الكويت، فانفسح المجال للعفالقة وأخذوا باحتلال المدارس والمؤسسات والمراكز، فهدموا بعضها واستغلوا البعض الآخر لإغراضهم الدنيئة الخاصة ومن تلك المدارس المحتلة مدرسة العلامة ابن فهد الحلي رحمه الله ليصيروها مدرسة خادمة لأهدافهم وغاياتهم أطلقوا عليها اسم هو غير المسمى حيث غيروا اسمها إلى ـ مدرسة النهضة الإسلامية ـ وهي مدرسة بلا طلبة بل مقر للمفسدين والمجرمين العفالقة.

بعد سقوط العفالقة وطاغيتهم عام2003م

إثر سقوط سلطة الاستبداد والإلحاد في العراق عام 2003م، عادت بعض المؤسسات إلى الوجود ومزاولة أعمالها بعد محاولة العملاء طمس نوره، قال تعالى: (وَيَأْبَى اللّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) التوبة 32.

وكانت مدرسة العلاّمة ابن فهد الحلي قدس سره أول مدرسة دينية في كربلاء المقدسة تفتح أبوابها لاستقبال طلبة العلم بغية إعادة ازدهار الحركة العلمية في أرض الطهر والقداسة كربلاء سيد الشهداء عليه السلام.

مدرسة العلامة ابن فهد القديمة:

تقع مدرسة العلامة على امتداد شارع الإمام الحسين عليه السلام انطلاقاً من باب القبلة لصحن الروضة الحسينية الشريفة، بجانب مزار الفقية والعالم الرباني الزاهد والورع صاحب الكرامات الشيخ أحمد بن فهد الحلي الأسدي المتوفي عام841هـ.

وقد تم إنشاءها على مساحة كبيرة من الأرض وفي دورين يحويان على أربعين غرفة لسكن طلاب العلوم الدينية، وبداخلها مسجد كبير للصلاة كان الإمام الراحل السيد محمد الشيرازي يقيم فيه صلاتي الظهر والعصر جماعة، كما تحوي مكتبة عامة باسم مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وقد تم إنشاءها عام 1358هـ.

المدرسة في الوقت الحالي:

البناية الحالية للمدرسة في ذات الموقع الجغرافي للمدرسة القديمة إلا أن مساحتها قد تقلصت اثر توسعة شارع قبلة مرقد الإمام الحسين عليه السلام، وقد أُعيد بناء المدرسة لتتشكل بنايتها من طبقات أربع، يحتوي الدور الأرضي منها على مصلى تقام فيه صلاة الجماعة يومياً يشارك فيها عدد من العلماء وطلبة العلم فضلاً عن عامة الناس، كما ويحتوي على عدد من المرافق الصحية وأماكن للوضوء، فيما يحتوي الطابق الأول منها على مؤسستين الأولى مؤسسة الرسول الأعظم الثقافية والأخرى المركز الثقافي الإسلامي، أما الطابق الثاني فيحتوي على عددٍ من القاعات المعدة لإلقاء الدروس الحوزوية فضلاً عن قاعة المؤتمرات والندوات، أما الطابق الثالث فيتضمن المكتبة العامة التي تحتوي على الآلاف من الكتب العلمية والثقافية، فما بين كتب فقهية وأصولية وموسوعات حديثية وكتب تاريخية ودراسات متخصصة وغيرها في شتى أنواع العلوم،في الوقت الذي يحوي الطابق ايضاً بعض المؤسسات الأخرى.

كما وتتميز المدرسة بوجود مكتبة صوتية حيث يجري تسجيل وتوثيق دروس أساتذة الحوزة وأرشفتها ليتم الاستفادة منها لاحقاً من قبل الطلبة والباحثين.

النظام والمناهج الدراسية:

تمتاز مدرسة العلامة احمد بن فهد الحلي رحمه الله بتوفر السطوح العلمية كافة فيشرع الطالب بالدراسة فيها من مرحلة المقدمات إلى مرحلة السطوح ثم السطوح العليا ومنها إلى خارج الفقه والأصول.

مرحلة المقدمات:

يدرس الطالب في هذه المرحلة علوم أساسية مختلفة ففي العربية يدرس الطالب مبتدئاً بكتاب الاشتقاق والتصريف وشرح الاجرومية من ثم كتاب شرح قطر الندى وبل الصدى وثم يدرس شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك أو كتاب البهجة المرضية وهو شرح جلال الدين السيوطي على ألفية ابن مالكٍ في النحو وفي المنطق يدرس الطالب خلاصة المنطق ثم منطق المظفر وبعده حاشية ملا عبد الله.

أما في علم الأصول فيدرس الطالب كتاب مبادئ الأصول ثم كتاب الموجز في الأصول ثم كتاب أصول المظفر ومنه ينتقل إلى كتاب فرائد الأصول للشيخ الأعظم الأنصاري ومن ثم كتاب كفاية الأصول للمولى المحقق الشيخ محمد كاظم الخراساني ليكون الطالب بعدها على استعداد كامل لحضور دروس الخارج في الأصول.

أما في الفقه فيستهل الطالب دراسته بدراسة الفقه الفتوائي «الرسالة العملية» ثم كتاب شرا يع الإسلام للمحقق الحلي رحمه الله ومن ثم كتاب اللمعة الدمشقية ومنه ينتقل إلى دراسة كتاب المكاسب بأقسامه الثلاث، ليتمكن الطالب بعد ذلك من حضور دروس الخارج في الفقه.

هذا فضلاً عن دروس أخرى كثيرة في الأخلاق والتفسير والحديث والثقافة العامة.

وعليه فالنظام الدراسي المقرر والمتبع في المدرسة يؤدي بالطالب إلى قضاء عشر سنين حتى يصل إلى البحث الخارج، إلا أن المجال قد فسح للأكفاء والمتميزين من الطلبة لكي يطووا بعض السنوات والمراحل الدراسية وبعد امتحانهم تقرر إدارة المدرسة إمكانية انتقالهم إلى مرحلة أعلى.

كما وان النظام يقضي بأن تكون الدراسة الرسمية ابتداءاً من يوم السبت من كل أسبوع وحتى يوم الأربعاء، أما في المناسبات الإسلامية الكبرى مثل مواليد الأئمة الأطهار عليهم السلام ووفياتهم، فالنظام يقضي بأن يدرس الطلاب درسين فقط ومن ثم يجري إحياء المناسبة، لأجل تنمية طاقات الطلبة حيث  يتكفلون ببرامج الحفل من نظم الأشعار والخطابة وإلقاء المدائح وكتابة البحوث حول المناسبة ثم يتوجه الجميع في حال كانت المناسبة وفاة إلى حرم سيد الشهداء عليه السلام تعزية له بالمصاب الجلل وان كانت ولادة فيكونون مهنئين بها وبذلك يتعمق الولاء أكثر مع أهل بيت الطهر والقداسة عليهم السلام.

العطل الرسمية:

العطل الرسمية في المدرسة فهي: خمسة عشر يوماً في شهر محرم الحرام وخمسة أيام في شهر صفر الخير بمناسبة زيارة أربعين الإمام الحسين عليه السلام والأيام الثلاثة الأخيرة منه حزناً وتسلية لمصاب أهل البيت عليهم السلام بالمصاب الجلل الذي وقع في مثل هذه الأيام، كما تعطل المدرسة دروسها في فصل الصيف مدة شهرين ونصف، أما في شهر رمضان المبارك فالدوام الرسمي معطل إلا أن الطلبة تتلقى بعض الدروس الجانبية على نحو تفسير القرآن الكريم والحديث الشريف والمعارف وغيرها وبعض الطلبة يسافرون خلال الشهر الفضيل للتبليغ.

امتحانات واختبارات:

من المعلوم أن للنظام الامتحاني الدوري دوره الفعّال في الارتقاء بمستوى وكفاءة طلبة العلم وقد أثبتت التجارب ذلك وهو نظام مُتبع في جميع الجامعات والمراكز العلمية العالمية، لذا فقد قررت إدارة المدرسة ضمن نظامها الأساس إجراء امتحانين رئيسيين في كل عام احدهما نصف العام والآخر في نهايته فضلاً عن الامتحانات الشهرية واليومية التحريرية والشفوية التي يجريها الأساتذة، ووفق نتائج الامتحانات يتم تقييم مستوى الطلبة وتحديد الدروس التي يتلقونها بعد ذلك.

صعوبات وتحديات:

في لقاء أجرته مجلة النفحات الغراء ـ وهي مجلة دينية تصدر عن مؤسسة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الثقافية ـ في عددها الحادي عشر عام 1427هـ مع حجة الإسلام والمسلمين الشيخ عبد الكريم الحائري عميد المدرسة أشار إلى جملة من المشاكل والمعوقات منها ضعف معاش الطلبة، وصغر مساحة المدرسة لذا فقد تم السعي الحثيث لحلحلة هذه المشاكل فقام سماحته بتشيد مدرسة باسم مدرسة سيد الشهداء عليه السلام كما وسعى لاستعادة بعض المدارس التي تحولت اثر أعمال النظام البائد إلى قاعات للمناسبات.

أما في الجانب الاقتصادي فقد أٌسس صندوق القرضة الحسنة فضلاً عن توزيع بعض المساعدات الغذائية للطلبة.

لجان متخصصة:

لأجل الارتقاء بالمستوى التنظيمي والأدائي للطلبة بغية الحصول على نتائج أفضل في الميادين المختلفة، تشكلت في مدرسة العلامة ابن فهد الحلي ـ رحمه الله ـ لجان متعددة تكون تحت إشراف لجنة طلاب العلوم الدينية:

الأولى/ لجنة المواكب: وقد اختصت بنظم مواكب الطلبة في المواسم المختلفة ومنها وفيات المعصومين عليهم السلام وذكرى هدم القبور الطاهرة في بقيع الغر قد وذكرى فجيعة سامراء بتفجير مرقدي الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام.

الثانية/ لجنة المجالس الحسينية: وهي المختصة بإقامة المجلس الحسيني السنوي خلال شهري محرم الحرام وصفر المظفر حيث يرتقي أحد الطلبة كل يوم بعد نهاية الدوام الرسمي المنبر ويلقي على الطلبة مجلس عزاء.

الثالثة/ لجنة الاحتفالات والمهرجانات: وقد اختصت بإقامة المواليد ومناسبات الفرح والأعياد مثل عيد الغدير الأغر ويوم دحو الأرض وغير ذلك.

الرابعة/ لجنة الندوات والمؤتمرات: المختصة بعقد المؤتمرات والندوات الثقافية والفكرية وغيرها في مختلف المناسبات مثل ذكرى رحيل الإمام الشيرازي قدس سره.

ثمرات متحصلة:

خلال السنوات التي مضت استطاعت المدرسة  قطف بعض الثمرات حيث ظهر بين طلبتها عدد جيد من الخطباء وهم الآن يمارسون الخطابة وبمستوى جيدٍ في داخل العراق وخارجه، كذلك في جانب الكتابة فالبعض عنده كتابات جيدة فضلاً عن جانب التدريس  حيث تخصص بعض الطلبة في هذا الجانب الامر المساعد على ديمومة المدرسة والانتقال الثقافي والمعرفي عبر الأجيال.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12/نيسان/2011 - 8/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م