الثورات المخملية تنتشر بصمت في دول الخليج

حتمية التغيير القادم تحبط مساعي شيوخ المنطقة

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: على الرغم من شراسة الهجمة القمعية التي مورست اتجاه انتفاضة الشعب البحريني مؤخرا، الا ان ذلك لم يحد من تطلعات الشعوب الخليجية المجاورة  الى امل الانعتاق من الكبت المتواصل من قبل الانظمة الحاكمة اسوة ببعض الدول المجاورة التي نجحت في تحقيق ذلك مؤخرا، فيما يتطلع آخرون الى تعديل مسار السلطات الخليجية صوب جادة تحد من حجم الفساد السياسي والاقتصادي الممارس من قبل العوائل المهيمنة على مقاليد الامور.

فحركة الاحتجاجات الشعبية وان تفاوتت في حجمها واسلوبها بين دول واخرى، الا ان ذلك يكشف للمتابعين رغبة المجتمعات الخليجية في انظمة ديمقراطية تساوي بين الحقوق والواجبات والافراد ايضا دون تمييز، في محاولة لتغيير الواقع المستمر منذ عقود طويلة.

وتستحكم بضع عوائل ومشايخ على السلطات في تلك الدول الغنية بالنفط، نصبت من قبل القوات البريطانية منتصف القرن الماضي.

المزاج الثوري العام

فقد أعلن ناشطون إلكترونيون عن خطة لتنفيذ ما سموه بـ "ثورة الإمارات"، وهي وقفة احتجاجية سلمية ينوون القيام بها في مكان غير محدد بعد، في إحدى أو بعض الإمارات، حيث أسسوا لذلك صفحة على الموقع الاجتماعي "فيسبوك"، انضم إليها حتى الآن حوالي 3000 عضو، في حين حظرت السلطات الإماراتية الصفحة.

وحدد مؤسس الصفحة، الذي استخدم كنية "يو إيه إي ريفيليوشن"، وهي ترجمة لكلمة "ثورة الإمارات" باللغة الإنجليزية، يوم 25 مارس/ آذار الجاري، لتنفيذ الاحتجاجات، مشيراً إلى أنهم، أي منظمي الحدث، سيطلقون "هذه الثورة، ضد عصر الشيوخ، والظلم وكبت الحريات، وضد من نهبوا ثروات الشعب الإماراتي"، على حد تعبيرهم.

وتقدمت مجموعة مؤلفة من 133 شخصاً بعريضة إلى رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وأعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات السبع المكونة للاتحاد، يطالبون فيها بالتجاوب مع المتغيرات الدولية والإقليمية، وتبني نهج ديمقراطي نيابي، كما نص على ذلك دستور الدولة الصادر عام 1971.

وقال الناشط، أحمد منصور، وهو أحد الموقعين على الالتماس، إن المجموعة مؤلفة من أكاديميين ومسؤولين حكوميين سابقين وصحفيين وناشطين. ودعت المجموعة إلى إجراء إصلاحات شاملة للنظام البرلماني، المتمثل في المجلس الوطني الاتحادي، كما اشتملت المطالب على الانتخاب الحر والكامل لجميع أعضاء المجلس من قبل كافة المواطنين، وإصلاح التشريعات المنظمة لعمله، بحيث تصبح له سلطة تشريعية ورقابية كاملتين، مع إجراء التعديلات الدستورية الضرورية لضمان ذلك، وفق منصور.

وخلال الأيام الماضية، شهد موقع "فيسبوك" إضافة المزيد من الصفحات التي تحمل نفس الهدف، وبعناوين مشابهة، منها "ثورة الإمارات ضد الفساد"، و"ثورة تحرير الإمارات"، وثورة الإمارات 25-3-2011"، و"ثورة شباب الإمارات"، وغيرها، حيث ضمت عشرات من المشاركين، بدا وكأنه التفاف على حظر الصفحة الرئيسة من قبل السلطات الإماراتية.

ولم تعرف دولة الإمارات، وهي عضو باتحاد دول مجلس التعاون الخليجي، وصاحبة خامس أكبر احتياط نفطي في العالم، والمكونة من سبع إمارات، هي بجانب العاصمة أبوظبي، دبي، والشارقة، وعجمان، وأم القيوين، والفجيرة، ورأس الخيمة، من قبل، هذا النوع من الاحتجاجات لمن يقولون إنهم من مواطنيها، وهي بالتالي تواجه هذه "المحاولة للتمرد الشعبي" للمرة الأولى في تاريخها المعاصر.

غير أن أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإمارات، الدكتور عبد الخالق عبد الله، قال، إن منطقة الشرق الأوسط بشكل عام "تعيش ما يمكن تسميته بـ(المزاج الثوري العام)، ولا شك أن ما حدث في كل من تونس ومصر وليبيا حالياً وبعض الدول الأخرى، يمثل مصدر إلهام لكل عربي في الإمارات وغيرها من بلاد المنطقة." بحسب السي ان ان.

وأضاف أن "المزاج الثوري هذا يصب في إطار إصلاحي، تغييري، فيما لا توجد دولة لديها مناعة أو حصانة إلهية ضد الثورات"، مشيراً إلى أنه "ربما يكون الهدف الرئيس لهذه الحركة المطالبة بمزيد من الحريات، التعامل مع أمور كانت موجودة بالفعل من قبل ثورات البلاد العربية."

لكنه أشار في الوقت نفسه إلى إمكانية ألا تكون هذه المجموعة المنشأة على الإنترنت ناطقة بلسان الأغلبية الكاسحة للشعب الإماراتي، وهو الشعب الذي عرف عنه أنه "شعب حشيم" (وهي كلمة باللهجة المحلية تعني "الاعتدال والحشمة") في السلوكيات والمطالب العامة من أولي الأمر، كما أن الغالبية العظمى من أهل الإمارات يقدرون ويحترمون قيادتهم."

ولفت عبد الله، وهو مفكر إماراتي معروف، إلى أن "الموروث الشعبي الإماراتي يخلو من التراث الثوري والحزبي، ومن الصعب تخيل مثل هذه الفئة تقود ثورة في الدولة، فليس كل من أسس موقع على فيسبوك عبر عن المزاج العام للأمة."

لكنه حذر في الوقت نفسه مما لا يمكن توقعه، حيث قال: "ينبغي أن نتوقع ما لا يمكن توقعه، فها نحن في العالم العربي، وخلال 60 يوماً فقط، نعيش المفاجآت الواحدة تلو الأخرى في بلاد العرب."

وحسب ما هو منشور على الصفحة، فقد أخذ بعض المشاركين في نشر أخبار وتقارير صحفية نشرت من قبل في صحف ومواقع إخبارية، حول شكوك في عمليات غسيل أموال في الإمارات، وتصوير لعملية اغتيال القيادي الفلسطيني في حماس، محمود المبحوح في دبي، وفيديو لواقعة تعذيب مواطن أفغاني في الصحراء، وأخبار عن تعذيب أشخاص من الجاليات العربية كذلك.

وشهدت الصفحة مشاركات من أشخاص حاولوا تثبيط عزائم المنظمين للحدث إلكتروني المنشأ، حيث ظهر شخص، يبدو أنه مواطن إماراتي، واسمه عبد الله محمد، غير راغب في أن تنفذ هذه الوقفة، حيث استهل تعليقه قائلاً: "الله.. الوطن.. الرئيس."

وكتب عبد الله: "أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً لدولة الإمارات العربية المتحدة، ولرئيسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، مطيعاً لجميع الأوامر التي تصدر إلي من رؤسائي، منفذاً لها في البر والبحر والجو، داخل البلاد وخارجها، في كل الظروف والأوقات، واضعاً نفسي ومواهبي في خدمة البلاد، رافعاً علمها وحامياً استقلالها وسلامة أراضيها، معادياً من يعاديها، مسالماً من يسالمها، مادمت حيا محافظاً على شرفي وسلاحي لا أتركه قط حتى آخر قطرة من دمي، والله على ما أقول شهيد."

لكن المواطن عبد الله، أردف بعبارة قصيرة، فصل بينها وبين جسم النص الأول، وهي تقول: "تم الانضمام فقط (يقصد إلى المجموعة الإلكترونية) لكتابة هذا الرد، وتم الخروج من المجموعة."

ويواجه معلقون على الصفحة الإلكترونية هجوماً شرساً من قبل رافضين لهذا الاحتجاج المزمع تنفيذه، تصل في بعض الأحيان إلى تبادل السباب والشتائم بالجنسية والعرق، حيث يقول أحد المشاركين لمشارك آخر، إن أنت أكرمت الكريم ملكته، وإذا أكرمت اللئيم تمرد."

وحاول مشاركون آخرون نشر عناوين إلكترونية لمجموعات مضادة، من بينها مجموعة "الإمارات العز"، و"كلنا خليفة"، التي تدعو من خلالها الناس إلى الانضمام لرد الجميل للشيوخ الحكام، و"كيد العزال والحساد"، على حسب ما كتب أحد المتبنين للفكرة، ويدعى سيف الكتبي.

اعتقال مدون اماراتي

في سياق متصل دعت منظمة "هيومان رايتس ووتش"، السلطات في دولة الإمارات العربية للكشف عن مكان وأسباب اعتقال الناشط أحمد منصور، الذي كان ضمن مجموعة نشطاء تقدموا بعريضة الشهر الماضي إلى الحكومة تدعوها لإجراء إصلاحات.

وقالت زوجة الناشط، إن منصور اعتقل بعد مداهمة قوة أمنية، يتراوح عدد أفرادها ما بين ثمانية إلى عشرة، لشقته في إمارة دبي، وتفتيشها لمدة ثلاث ساعات، ومصادرة أجهزة كمبيوتر محمولة ومستندات خاصة. وأوضحت الزوجة، وفق ما نقلت المنظمة الحقوقية، إن زوجها تم اعتقاله دون إبداء أسباب أو تقديم مذكرة اعتقال، لافتة إلى أنها لم تسمع منه منذ توقيفه.

وقالت سارة ليا واتسون، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بـ"هيومان رايتس ووتش": "إن اعتقال أحمد منصور هدفه تخويف وترهيب آخرين في الإمارات العربية المتحدة، الذين ربما يرغبون في المطالبة علانية بإصلاحات ديمقراطية." وأردفت: "رغم أن الحكومات الأخرى في المنطقة تناقش إصلاحات ديمقراطية، إلا أن حكومة الإمارات العربية المتحدة تتمسك بالألاعيب القمعية التي عفا عليها الزمن."

عمان نجحت فى احتواء المظاهرات

من جهة اخرى ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أن أكثر من نصف سكان عمان البالغ عددهم 2.8 مليون نسمة لم تتعد أعمارهم الـ20 عاما، و83% منهم تحت سن الـ35، لذا لم يكن غريبا، أن تكون الشكوى الرئيسية للمواطنين العمانيين منحصرة فى نقص فرص العمل والتدريب لشباب السلطنة، ومع ذلك عندما اجتاحت موجة الاضطرابات العالم العربى وأدت إلى انتشار المظاهرات الاحتجاجية العنيفة فى مدينة "صحار"، فى شهر فبراير المنصرم، على ما يبدو لم تؤثر كثيرا على البلاد لأنها سرعان ما خمدت نيرانها.

وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن السلطان قابوس بن سعيد، الذى يحكم البلاد منذ 40 عاما، عكف على احتواء الموقف، واستبدل بالفعل ثلثى حكومته، ورفع معدل الأجور لموظفى الحكومة، والمتقاعدين من الحكومة، كما رفع الحد الأدنى للأجور لـ200 ريال عمانى فى الشهر، ما يعادل 520 دولارا بعد أن كان 150 ريالا، وقدم بدل بطالة يقدر بـ150 ريالا فى الشهر، وأعلن خطط لتوفير 50 ألف وظيفة فى مناطق مختلفة فى القطاع العام.

وقالت "نيويورك تايمز" إنه برغم تعرض الأنظمة الاستبدادية الأخرى فى المنطقة لنفس القدر وربما أكثر من الانتفاضات، وبرغم تقديمها نفس التنازلات، غير أنها لم تفلح فى كبح جماح المظاهرات، مما يثير تساؤلات بشأن حقيقة استقرار عمان، هل هو الهدوء الذى يسبق العاصفة، أم أن السلطان نجح بالفعل فى احتواء المسألة، وإذا كان هذا حقيقيا، ما هى الدروس المستفادة التى قد تتعلمها الحكومات الأخرى فى المنطقة.

الوجود الامني المكثف

على الصعيد ذاته حال الوجود الامني المكثف دون تجدد الاحتجاجات بعد صلاة الجمعة في مدينة صحار العمانية حيث اعتصم محتجون لما يزيد على شهر قبل ان تفرقهم قوات الامن الاسبوع الماضي.

واقيمت نقاط تفتيش في شتى انحاء تلك المدينة الصناعية الواقعة في شمال شرق البلاد ورابطت عربات مدرعة منعت الوصول الى مواقع الاحتجاجات. وقال شهود عيان انه تمت مضاهاة اسماء المقيمين بقائمة كما فرضت قيود على دخول المساجد فيما حلقت طائرة هليكوبتر في سماء المنطقة.

وتركزت الاحتجاجات في سلطنة عمان والتي أعقبت موجة اضطرابات في اماكن اخرى بالشرق الاوسط وأطاحت بزعيمي مصر وتونس على المطالبة بتحسين الاجور وتوفير فرص العمل والقضاء على الفساد. وطالب الكثير من المتظاهرين الحكومة بمحاكمة وزراء تمت اقالتهم بتهمة الفساد.

وقال أحد سكان المنطقة "حرمت القيود المصلين من الذهاب لصلاة الجمعة بسبب كثرة نقاط التفتيس". وبسؤاله ما اذا كان هناك امكانية لتنظيم مزيد من الاحتجاجات في المدينة قال "لا اظن ذلك". واضاف ساكن اخر "هناك ما لا يقل عن عشر نقاط تفتيش في صحار بزيادة ثلاثة امثال ما كان عليه الحال الجمعة الماضي."

ودعا ناشطون عمانيون يستخدمون رسائل البريد الالكتروني والرسائل النصية لتنظيم مظاهرة يوم الجمعة ضد مقتل محتج واحد على الاقل واصابة ثمانية اخرين عندما سحقت قوات الامن محتجين كانوا يرشقون الحجارة الاسبوع الماضي. وقال شهود عيان لاحقا أن ما بين 50 و 60 متظاهرا اعتقلوا الاسبوع الماضي.

فيما ذكرت وسائل الاعلام الرسمية ان السلطات في سلطنة عمان اعتقلت ثلاثة اشخاص بتهمة حيازة مواد تستخدم في صنع قنابل حارقة في الوقت الذي تستعد فيه السلطنة لمظاهرات جديدة تتعلق بالوظائف والاصلاح يوم الجمعة. بحسب رويترز.

وقال سكان ان نشطاء بعثوا رسائل عبر الهواتف المحمولة تطالب بتنظيم احتجاجات بعد صلاة الجمعة في ميناء صحار الشمالي الشرقي وهو المركز الصناعي الرئيسي بالبلاد.

ويوم الجمعة الماضي قتل متظاهر واحد واصيب ثمانية اخرون عندما فتحت قوات الامن النار على حشد من المحتجين كانوا يرشقونها بالحجارة وذلك بعد ايام من قيام الشرطة باخراج المحتجين من ساحتين كانوا يعتصمون فيهما.

وتركزت الاحتجاجات في سلطنة عمان والتي أعقبت موجة اضطرابات في اماكن اخرى بالمنطقة على المطالبة بتحسين الاجور وتوفير فرص العمل والقضاء على الفساد.

ويطالب الكثير من المتظاهرين الحكومة بمحاكمة وزراء تمت اقالتهم في مارس اذار بتهمة الفساد بعد ان ظلوا في مناصبهم لفترة طويلة.

وأعلنت وكالة الانباء العمانية اسماء الرجال الثلاثة الذين جرى اعتقالهم وقالت انهم اعترفوا بالتخطيط لتصنيع قنابل حارقة. وقالت الوكالة ان السلطات تلقت في وقت سابق معلومات مخابراتية بان اشخاصا يقومون بشراء اسلحة بيضاء وذخائر ووقود بهدف "استخدامها في أعمال شغب". واعتقلت القوات الحكومية يوم الجمعة الماضي نحو 60 شخصا.

وفي السابع والعشرين من فبراير شباط اطلقت قوات الامن النار على المحتجين في صحار وقتلت رجل اعمال يبلغ من العمر 38 عاما.

النفط والانفاق الحكومي

من جانب آخر تهدد التوترات السياسية في منطقة الخليج انفاق واستثمار القطاع الخاص لكن ارتفاع أسعار النفط يزود الحكومات بما يكفي من الذخيرة المالية للحيلولة دون وقوع اقتصاداتها في براثن تباطؤ حاد.

ووصلت الاحتجاجات التي شاب بعضها العنف الى كل دول الخليج تقريبا خلال الشهرين الماضيين. وباستثناء البحرين كان الاثر الاقتصادي المباشر المتمثل في خسارة في الناتج محدودا. لكن الاحتجاجات أبرزت احتمال حدوث المزيد من المتاعب اذا لم تحل المسائل السياسية وهو ما يعكر معنويات القطاع الخاص.

ومع ذلك يعزز ارتفاع أسعار النفط العالمية - الذي يرجع هو نفسه جزئيا الى الاضطرابات في الخليج وشمال أفريقيا- قطاعات الطاقة في المنطقة ويوفر للحكومات ما يكفي من السيولة لانفاق ما يعينها على تجاوز المتاعب.

وقال ماريوس ماراثيفتيس المدير الاقليمي لابحاث الشرق الاوسط وشمال أفريقيا وباكستان لدى ستاندرد تشارترد في دبي "سيعزز ارتفاع أسعار النفط العوامل المحركة للنمو بصورة كبيرة سواء بصورة مباشرة أو من خلال أثر الثروة."

واندلعت الاضطرابات في الخليج بينما لا تزال البنوك في بعض البلدان مثل الامارات العربية المتحدة تحجم عن الاقراض في أعقاب أزمة الائتمان العالمية ومشكلات الديون المحلية.

وقال سايمون وليامز كبير الاقتصاديين لدى بنك اتش.اس.بي.سي في دبي انه نتيجة لذلك "تدهورت" افاق الاستثمار الاجنبي المباشر في المنطقة "في الاجل القصير حتى في الدول التي لم تشهد احتجاجات واسعة."

ويضيف "الحصول على رأس المال الاجنبي سيكون أكثر صعوبة وأعلى كلفة الى أن تقتنع السوق باستعادة الطلب في الاجل الطويل."

وفي أعقاب الازمة العالمية هوى الاستثمار الاجنبي المباشر بأكثر من 70 بالمئة في السعودية والامارات في 2009 وبنحو 86 بالمئة في البحرين. وليست هناك بيانات متاحة أحدث من ذلك الا أن التوترات السياسية تعرقل تعافي الاستثمار في البحرين وربما في دول أخرى.

وقال مستثمر في الاجل الطويل في البحرين طلب عدم ذكر اسمه "تأجل مشروعي الاستثماري بسبب هذه الاحداث لمدة شهر كامل... لابد لي من التساؤل اذا كانت البحرين هي أفضل مكان لذلك بالمقارنة مع دبي على سبيل المثال."

وكان اقتصاد البحرين -المركز المالي الاقليمي والتي استخدم نظامها الحاكم السني الدبابات لقمع احتجاجات قادها الشيعة في المقام الاول- هو الاكثر تضررا. وقتل نحو 24 شخصا خلال شهر من الاحتجاجات التي أغلقت البنوك والمتاجر ودفعت رؤوس أموال للنزوح. وبلغت الخسائر الاقتصادية مليار دولار أو نحو 20 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي الفصلي وفق تقديرات الاهلي كابيتال.

لكن لم تغادر كل الاموال التي هربت من البحرين -والتي تقدر بعشرات وربما مئات الملايين من الدولارات- منطقة الخليج بالكلية بل انتقل بعضها ببساطة الى دول أكثر استقرارا في المنطقة لتستفيد ولو في الاجل القصير.

وتراجعت تكاليف تأمين ديون دبي التي تعتبر ملاذا امنا في الخليج عما كانت عليه قبل الاضطرابات لتصل الى 389 نقطة أساس انخفاضا من أعلى مستوى في ثلاثة أشهر البالغ 459 نقطة الذي سجلته في فبراير شباط.

في الوقت نفسه تستفيد جميع اقتصادات الخليج من ارتفاع أسعار النفط الخام الامريكي الى أعلى مستوى في عامين ونصف فوق 108 دولارات للبرميل. وتشير تقديرات البنك السعودي الفرنسي أن ارتفاع متوسط سعر النفط المتوقع في الميزانية السعودية بمقدار عشرة دولارات الى 92 دولارا للبرميل سيضيف نحو 43 مليار دولار الى الناتج المحلي الاجمالي الاسمي للمملكة هذا العام وهو ما يمثل نحو 10 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي العام الماضي.

بالاضافة الى ذلك تعزز السعودية ودول أخرى الانفاق الحكومي بشكل كبير لاحتواء الضغوط الاجتماعية. وتوفر لها أسعار النفط المرتفعة المزيد لانفاقه لكن على أية حال فان هذه الدول مستعدة لاستخدام الاحتياطيات المالية اذا ما دعت الحاجة لمواجهة أكبر تهديد سياسي لاستقرارها في أكثر من عشر سنوات.

وأعلنت السعودية في فبراير ومارس اذار أنها ستنفق 130 مليار دولار اضافية - في غضون عدة سنوات كما يفترض- على الاسكان والمنح لموظفي الدولة وخلق الوظائف ومشروعات أخرى لتحسين الرعاية الاجتماعية والاقتصاد.

ومن المتوقع أن يسهم ذلك في زيادة ناتج القطاع الحكومي بأكثر من خمسة بالمئة للسنة الثالثة على التوالي في 2011 وهي المرة الاولى التي يشهد فيها القطاع مثل هذا النمو المتصل منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي.

ومع الاخذ في الاعتبار زيادة الانتاج النفطي لتعويض نقص الامدادات الليبية فمن المتوقع نمو الاقتصاد السعودي 4.5 بالمئة هذا العام و4.4 بالمئة في 2012 مقارنة مع 3.8 بالمئة في 2010 حسبما أظهر استطلاع أجرته رويترز في منتصف مارس.

وارتفعت الاسهم السعودية تسعة بالمئة منذ أن أعلن العاهل السعودي الملك عبد الله أحدث حزمة للتحفيز المالي في مارس.

وقالت دينا أحمد المحللة لدى بي.ان.بي باريبا "فيما يتعلق بالافاق الاقتصادية فجميع هذه الدول مصدرة للنفط وتوقعات اقتصاداتها ايجابية للغاية في الاجل المتوسط لاسيما قطر وكذلك السعودية.

وفي قطر -حيث من المنتظر أن يزيد الانفاق الحكومي 19 بالمئة في السنة المالية التي تنتهي في مارس 2012 - من المتوقع أن ينمو الاقتصاد 15.8 بالمئة مسجلا أحد أعلى معدلات النمو في العالم حسبما أظهر استطلاع أجرته رويترز.

وخفض الاقتصاديون توقعاتهم للنمو في البحرين هذا العام الى 3.4 بالمئة من 2 ر4 بالمئة التي توقعوها في ديسمبر كانون الاول كما قلصوا توقعاتهم لسلطنة عمان الى 4.1 بالمئة من 4.6 بالمئة. لكن هناك تحسنات طفيفة متوقعة في 2012.

ومن بين العوامل الداعمة للبحرين وعمان أن الدول الخليجية الاكثر ثراء - والحريصة على منع امتداد الاضطرابات السياسية الى أراضيها- تقدم المساعدات للاقتصادات الاشد تضررا.

وتعهدت السعودية وجيران أغنياء اخرون بتقديم عشرة مليارات دولار من المساعدات للبحرين ونفس المبلغ لعمان خلال السنوات العشر المقبلة لتحسين قطاعي الاسكان والرعاية الاجتماعية.

وتأمل الحكومات أن يحافظ هذا الانفاق على مستويات النمو الاقتصادي المريحة حتى تنحسر موجة الاضطرابات السياسية ويستعيد نشاط القطاع الخاص الزخم ربما في وقت لاحق هذا العام.

الا أن انتعاش القطاع الخاص ربما لا يكون كافيا في بعض الدول لتعويض تباطؤ محتمل في برامج التحفيز الحكومية العام المقبل خاصة اذا تراجعت أسعار النفط.

وقال جون سفاكياناكيس كبير الاقتصاديين لدى البنك السعودي الفرنسي "أتوقع تراجعا في نمو الناتج المحلي الاجمالي (السعودي) العام المقبل لانني لا أظن ان بوسعهم مواصلة هذا المستوى المرتفع من الانفاق والاعلان باستمرار عن مثل هذه الاجراءات الاستثنائية."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 11/نيسان/2011 - 7/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م