المرأة وصورها في الثقافة الشعبية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لا تنفصل النظرة الى المرأة عن الموروث الثقافي للمجتمع وبضمنه المثل الشعبي اضافة الى المعتقدات والعرف الاجتماعي. الثقافة الشعبية كجزء من منظومة القيم الثقافية العامة للمجتمع تمارس دورها الشفاهي عبر الاقوال والامثال المأثورة التي تتناقلها الاجيال شفاها.. وهي تصنع صورا نمطية للكثير من القضايا والاشياء والامور الحياتية وتمارس دورا فاعلا في صياغة النظرة الى الحياة والى التفاعلات في حركتها.

تاخذ المرأة حيزا كبيرا من هذا التنميط بدلا من التسميات والصفات التي تطلق عليها وليس انتهاءا بالنظرة الى وظيفتها ودورها في المجتمع. فالمرأة هي المرة، والحرمة (حرمه: وترد هذه الكلمة في اللغة الأكدية بصيغة [حرماتو ] و [شمخاتو] وتعني (بغي المعبد) او (كاهنة الحب)، والكلمتان في الأكادية تشيران الى زمرتين من كاهنات معبد عشتار الموكلات بالبغاء المقدس).  وهي العائلة وهي حين ياتي الحديث على ذكرها يقال (حاشاك) و (اجلّك الله).

كثيرا ما نشاهد في جميع المطاعم العراقية لافتة مكتوب عليها (جناح خاص للعوائل) ويقصد بها النساء او (نشوي الكباب للعوائل). او ما نشاهده في الكراجات عند معظم السائقين حين يريد ترغيبك بالصعود معه قائلا (بس انت وهذه العائلة).

ولا ادري ماهي علة هذا الوصيف في عملية شواء الكباب الذي يفترض ان يكون مسالة عادية لانها جزء من عمل المطعم والجميع يأكل هذا النوع من اللحوم المشوية.. ولا اعرف علة التوصيف في عملية السفر والجميع يريد ان يصل الى وجهته بغض النظر عمن يركب معه في نفس السيارة.

وهناك مثل صارخ لهذا التمايز تجده في اللافتات السوداء التي تعلق على الجدران اعلانا لوفاة احد النساء فهي عادة ماتكون عقيلة او كريمة فلان او هي ام فلان وفلان واخت فلان وفلان.. حتى اسمها لايرد في الاسماء المعرفة بها مع انها هي المتوفاة وهي الشخص المعني لحضور مراسم عزاءها.

في الاسواق وفي السيارات العامة وفي المؤسسات الحكومية وغيرها من الاماكن لا تنفصل النظرة للمرأة عن هذا الموروث الثقافي المتراكم عبر قرون طويلة. وخير معبر عن هذا التوجه الثقافي هو المثل الشعبي الذي يخنزن خلاصة التجربة الحياتية لأفراد المجتمع وخاصة الرجل مبدع المثل والمروج له والذي يكثف فيه تلك النزعة الذكورية في كلماته القليلة وهي النزعة التي يكتنفها المثل بين طيات تلك الكلمات.

 في ندوة (صور المرأة في الأمثال الشعبية) التي نظمتها لجنة الثقافة بالمجلس القومي للمرأة، اجمعت البحوث المقدمة على أن صور المرأة سلبية في أغلب الأحيان.

وتضمنت الندوة عرضاً لنتائج البحث الذى أعدته الدكتورة وفاء كامل عضو اللجنة بشأن صورة المرأة في العقل الجمعي المصري من خلال أمثاله، واستهدفت التعرف على أفكار ومفاهيم المجتمع حول المرأة وصورة الأنثى في الأمثال الشعبية، مقارنة بصورة الرجل وطبيعة العلاقة التي تحكم علاقة الذكر بالأنثى في المجتمع المصري، كما تردد في الأمثال الشعبية.

وأوضحت الدكتورة وفاء كامل أن الأمثال الشعبية هي مرآة الشعوب التي تعكس حكمتها وتجاربها، وأنها عادة ما تظهر صراعاً بين الرجل والمرأة، فالعلاقة بينهما يشوبها قدر من الشك والتوجس. وأشارت إلى أن تحليل مضمون الأمثال الشعبية يظهر كماً هائلاً من التحيز الذى أوقعه المثل الشعبي على المرأة، فالصفات التي ينسبها إليها سلبية في الغالب والحديث عن المرأة عموماً يشوبه كثير من الازدراء، وأنه لا يمكن تجاهل دور النساء في عملية انتشار الأمثال الشعبية فهن الأكثر استخداماً للمثل الشعبي من الرجال.

ويرى الباحث المغربي فوزي بوخريص أن خطاب الأمثال، هو في جوهره خطاب ذكوري بامتياز- حتى وهو يتحدث عن المرأة أو بلسانها-، خطاب موجه من الرجل إلى الرجل، من الرجل صاحب التجربة الطويلة في الحياة إلى المبتدئ فيها، يقدم له - من خلال الأمثال- صورة عن المرأة تحذره منها أو ترغبه فيها. فإن دراسة الأمثال الشعبية تتيح الكشف عن صورة المرأة في مجتمعنا المغربي(والعربي بشكل عام)، الذي ينتظم وفق مبدأ المركزية الذكورية، هذه الصورة التي تنتقل من جيل لآخر، عبر فعل التنشئة الاجتماعية، والذي تشكل الأمثال الشعبية، أحد روافده الأساسية. والمفارقة أن المرأة مسؤولة عن تكريس صورتها السلبية، باعتبارها فاعلا أساسيا في مجال التنشئة الاجتماعية. فالوضع الدوني للمرأة في الأسرة والمجتمع، لا تعبر عنه الأمثال الشعبية (والثقافة الشعبية بشكل عام) فحسب، وإنما تعمل على تكريسه، بفعل التنشئة الاجتماعية. والمرأة، باعتبارها" الكائن الناطق الأكثر خضوعا للتقاليد والأعراف والعادات. وبصفة عامة للموروث الثقافي" وكما تؤكد زكية سيناصر فيما يتعلق بالأمثال فـ" إن النساء هن اللواتي يستعملن الأمثال أكثر من غيرهن" تستبطن خطاب الأمثال الشعبية بكل حمولته القيمية " وتعترف بشرعيته، وتعتقد بملاءمته للفطرة والطبيعة، وتدافع عنه وتنقله إلى أبنائها إناثا وذكورا بوصفها فاعلا أساسيا في تنشئتهم".

وبذلك تصبح المرأة، كما يقول أحد الباحثين" بسبب استلابها عدوا لذاتها وشرطا أساسيا لإعادة إنتاج دونيتها بالنسبة للرجل".

وكما أبرز بيير بورديو، فإن ما يجعل الهيمنة الذكورية،" راسخة في لا شعورنا لدرجة أننا لم نعد ندركها أو نضعها موضع تساؤل، هو أنها تتأسس على مثل هذا النوع من العنف الرمزي الذي يمارسه الرجال على النساء، والذي يتم تشغيله، وكأنه عنف طبيعي. حيث "تجد النساء أنفسهن تحكين وضعيتهن استنادا إلى معايير الايديولوجيا الذكورية، محرضات على انتقاصهن الذاتي. وبالاستناد إلى إحصائيات، يظهر بورديو إلى أي حد تتبنى أغلبيتهن، وبكيفية لا شعورية كليا، وجهة نظر الرجال في تقييم تصرفاتهن" وطبيعتهن ومركزهن داخل المجتمع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 7/نيسان/2011 - 3/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م