يوم الصحة العالمي: الفقراء مرضى الاغنياء

 

شبكة النبأ: عندما يصحّ الجسم يصح العقل، ويتعافى، ويفكر بطريقة سليمة، تحسِّن حياة الانسان، وبذا أصبحت الصحة مطلبا عالميا، بمعنى إذا أرادت الانسانية، أن تبني عالما محميا من العلل، والامراض العضوية والنفسية، فعليها أن ترتفع بمضمار الصحة، الى الدرجة التي تؤمِّن للانسان، الفرد والجماعة، مستوى صحيا لائقا، يتيح له توظيف الطاقات الكلية التي يمتلكها، في البناء والابداع وما شابه.

الصحة بهذا المنظور ليست هدفا فرديا، ولا هي حاجة فردية فقط، بل هي هدف وحاجة جماعية، لاتفرق بين غني وفقير (أو ينبغي أن تكون كذلك)، فالغني المعافى لا يعيش في كوكب آخر، إنه يقتسم مع الفقير كوكب الارض، ويشاركه في الهواء، والماء، والطعام، والملبس، والانتاج، والحركة، والتفاعل، وإذا أراد الغني أن ينعم بحياة هانئة مستقرة، عليه أن يشرك الفقير بتحقيق هذا الهدف، لكن كيف يتمكن ذلك؟.

الاجابة تتطلب أن لا يسمح الانسان، الفرد والمجتمع، بأن تصبح (صحة الانسان) سلعة تجارية، كغيرها من السلع التي تُشترى وتباع بالمال، كما نلاحظ ذلك في عالم اليوم، وما يؤكد أن الصحة أصبحت سلعة تجارية، يحصل عليها الغني بأمواله، ويفقدها الفقير بسبب فقره، هو ما تشير إليه الاحصائيات التي تتبناها وتعلنها منظمات معنية مستقلة، حيث تؤكد على انتشار انواع الامراض، بين الفقراء بنسب عالية، عمّا يتعرض له الاغنياء، ولعل السبب يبدو واضحا، من خلال القدرة المالية، التي يتمتع بها الاغنياء، وبالتالي فهم أقل عرضة للمرض من غيرهم.

كما أن الواقع المرئي والملموس، يؤكد لنا بأن الفقراء، هم الشريحة الأكبر، التي تعاني من انتشار الامراض بين أفرادها، وهذا دليل قاطع، على أن الاغنياء (رسميون أو أهليون) لا يعبؤون بالامراض التي تهاجم الفقراء، ولا ينحصر هذا السلوك بين الافراد او الجماعات الصغيرة، بل يمتد ليصبح ظاهرة دولية، تمتد الى عموم مجتمعات، وشعوب العالم، والدليل هو إقدام الامم المتحدة، على تخصيص يوم عالمي للصحة، لكي تلفت إنتباه العالم، نحو خطر تحويل الصحة، الى سلعة مقابل ثمن، الامر الذي يدل على أن الغني، أكثر صحة، وأطول عمرا، وأهنأ حياةً، فيما يعاني الفقير، فقرا في الصحة، وقصرا في العمر، وحياة تغص بالحرمان والألم !!.

وعند الحديث عن البعد الاخلاقي في هذا المجال، فإننا سنُصاب بخيبة كبيرة، فالاطباء وهم ملائكة الرحمة، لم تعد الرحمة عنوانهم وهدفهم، بل أصبح المال مقابل العلاج، هدفا يمليه النزوع المادي الخطير الذي يسيطر على عقلية وسلوك الانسان عموما، كما أننا نلاحظ تقاعسا واضحا، من لدن الاغنياء في دعم الفقراء، بهذا الخصوص (الصحة) لاسيما في المجتمعات الشرقية الفقيرة وغيرها.

يدعم هذا التدنّي الاخلاقي، خلل خطير في إدارة الاموال الرسمية المخصصة للصحة، في معظم الدول، ذات الخبرة القليلة في هذا المجال، فثمة عدد من الدول النفطية الغنية، ومنها العراق، تعاني من فشل في إدارة الاموال المخصصة لقطاع الصحة، وتعاني من ضعف وغياب خطير للضمان الصحي.

إذن هناك فشل أخلاقي ورسمي، في التعامل مع صحة الانسان، ولهذا ينبغي أن يكون الهدف الجماعي، في يوم الصحة العالمي، هو معالجة الخلل الاخلاقي أولا، فيما يخص الاطباء والاغنياء، وتقع مسؤولية هذا الجانب على المعنيين، من المصلحين، والمفكرين، والاعلاميين، والمثقفين وعموم الجهات التي ينبغي أن تنشط، لتعيد الى النفس البشرية، تعاملها الاخلاقي مع الانسان المريض، بغض النظر عن قدراته المالية أو جنسه وانتماءاته الاخرى.

وثانيا لابد من التحرك الفعلي السريع، لمعالجة الخلل الرسمي الخطير في هذا المجال، ولابد أن تعرف الحكومات، والوزارات المعنية، و وزراؤها، بأنهم جميعا معنيون بالنجاح، في إدارة الأموال المخصصة للصحة، لأنها لاتعني صحة الانسان، كفرد فحسب بل تعني صحة المجتمع، ونجاحه في بناء عالم أفضل.

بهذا يكون يوم الصحة العالمي، مناسبة سنوية للتذكير، بأن الصحة ليست سلعة تجارية، ولا ينبغي لها أن تكون كذلك أبدا، حتى لو جاء هذا الرأي مخالفا لنظريات الاقتصاد، والربحية، والجدوى الاقتصادية وما شابه، وحتى لو بدا هذا المطلب طوباويا، في عالم اليوم، ففي يوم الصحة العالمي، ينبغي أن يتذكر ويؤمن العالم، حاكما ومحكوما، غنيا وفقيرا، بأن صحة الانسان (فردا، وشعوبا، وأمما) أهم وأغلى من كل الارباح والنظريات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 6/نيسان/2011 - 2/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م