الغرب والعالم العربي... قراءة جديدة على اطلال الماضي

 

شبكة النبأ: بات الدول الغربية على يقين انها تتعامل مع شكل جديد في طبيعة العلاقة مع اغلب الدول العربية، بغض النظر عمن اطيح بحكامها مؤخرا، ام من لا تزال النمطية السابقة تتسيد انظمتها السياسية.

فعلى كل الاحوال اصبح الزلزال الاخير الذي ضرب تلك المنطقة الحساسة من العالم يمثل منعطفا حاسما وكبيرا حتم على جميع الاطراف اعادة جدية لقراءاتها على الصعيد الداخلي والخارجي، بعد ان سقطت فرضيات الدعم المطلق للحكام العرب من جهة، والديمقراطيات الصاعدة من جهة أخرى.

فالتحالفات السابقة اهتزت بشكل عميق، بعد ان تخلت الدول الغربية عن اقرب حلفائها، ولم تعد تمثل عكاز لبعض الانظمة التي لا تزال قائمة، فيما تتوجس الانظمة السياسية الجديدة من الغرب بسبب تلك التحالفات الغابرة، وبين هذه المعطيات وتلك باتت الدول الغربية تعد سيناريوهات جديدة املا في ترسيخ علاقات جديدة اسوة بما مضى.

واقع جديد

فيقول هيربرت ڤيدرين (وزير خارجية فرنسا سابقاً):إذا كان من الصعب بعد معرفة الكيفية التي ستتطور من خلالها الأحداث في العالم العربي الآن، إلا أن الأمر الواضح هو أن علينا في الغرب أن نكيف أنفسنا لواقع جديد هو أن العالم العربي سيكون بعد اليوم أكثر تمسكاً بوطنيته وقوميته بالتأكيد.

وإذا كان الغرب يخيف نفسه الآن من شبح الإسلام السياسي، إلا أن من السابق لأوانه القول: إن العالم سوف يشهد بعد سقوط الأنظمة السلطوية سيناريو مشابهاً لما حدث في إيران وكان مباغتاً للجميع بمن فيهم الإيرانيون أنفسهم. بحسب فايننشال تايمز.

صحيح أن الأحزاب الإسلامية ستبرز على نحو أقوى من خلال الانتخابات الحرة الآن، إلا أن فرصها في اختطاف العملية الديموقراطية ضئيلة، وهناك مثال مناقض لإيران: تركيا.

بل ويمكن القول إن ما سنشهده في المستقبل القريب على الأرجح هو انبعاث القومية العربية ولاسيما في مصر. لكن هذه القومية لن تكون شيفونية «مغالية في الوطنية» بل قومية حقيقية مشروعة تنبع من شعور جديد بالكبرياء الوطني.

ويضيف الوزير الفرنسي، لقد كانت مصر تاريخياً قلب العالم العربي لكن تم تحييدها على أساس الأمر الواقع لأكثر من 30 سنة مما جعل العالم العربي في حالة شللل. والآن، لابد أن تسعى مصر الديموقراطية لتأكيد نفوذها وتأثيرها من جديد. وهي في هذا لن تثير مسألة معاهدة سلامها مع إسرآئيل، ولن تتخذ موقفاً عدائياً منها بل ستتوقف عن إسباغ المصداقية على عملية سلام زائفة وتكف أيضاً عن إلزام الآخرين بها من خلال استضافة مؤتمرات قمة في شرم الشيخ.

وينبغي ألا يشكل مثل هذا التطور مفاجأة للغرب أو يشعر بالذعر ويندفع لخلق عدو جديد لنفسه هو القومية العربية بل يتعين عليه الاستعداد للتعامل مع العالم العربي عندئذ كشريك حقيقي.

إن علينا أن ننسى تلك الفترة الطويلة والمريحة من الزمن التي تمتع بها الغرب وإسرائيل لأنها انتهت الآن، وبات علينا أن نتكيف بذكاء مع المرحلة الجديدة.

وينطبق هذا أيضاً على الدول العربية الأخرى وخاصة دول الخليج، التي استفادت من غياب مصر وأصبح عليها اليوم أن تتكيف مع عودتها.

على أي حال، سوف تكون مصر الديموقراطية كما يبدو الآن شريكاً موثوقاً أكثر في السلام شريطة أن توافق إسرائيل على تقديم التنازلات التي يعتبرها العالم كله ضرورية، والتي تقبل لها غالبية الإسرآئيليين طالما أنها تضمن الأمن لهم.

ويتابع، وإذا كان الغرب قد تساهل مع الحكومات العربية، وسعى لكسب تأييدها لمبادراته إلا أنه لم يكن سبباً في وصول هذه الحكومات الى السلطة، ولم يكن له أيضاً دور في سقوطها. فقد سقطت نتيجة لثورات الشباب العرب رجالاً ونساء، بدءاً من تونس الى مصر وما سيتبعهما الآن من أنظمة قمعية أخرى.

 وينوه، كما ليس من حق المحافظين الجدد في أمريكا وأنصارهم في أوروبا أن ينسبوا الفضل في هذه الثورات العربية لأنفسهم، فهم لم يتوقعوها أصلاً، وإلا لما وضعوا نظرياتهم الخاصة بالتدخل العسكري من أجل التغيير كما حدث خلال إدارة الرئيس جورج بوش.

بل وحتى التدخل الدولي في ليبيا كان حالة استثنائية نادرة طغت فيها مسؤولية حماية السكان على كل ما عداها من اعتبارات أخرى.

ولاشك الآن أن التوانسة والمصريين ومن سيتبعهم سوف يواجهون مشكلات صعبة، كما أن مستقبل ليبيا لايزال غامضاً إذ أن بناء مجتمع ديموقراطي ومتماسك فيها ربما يستغرق وقتاً طويلاً.

وإذا كان ليس من حقنا التدخل في الشؤون الداخلية العربية إلا أن هذا لا يعفينا من مسؤولية العمل لمساعدة الثورات العربية على النجاح. وعلينا أن نتذكر أنه مع سعيها لإنشاء مؤسسات ديموقراطية ستكون الدول العربية الجديدة مصممة أكثر على تحقيق مصالحها وأقوى ثقة بالنفس.

ولقد ضربت مصر مثالاً على ذلك بإشارتها للقوى الرئيسية الثلاث في المنطقة: تركيا، إيران وإسرائيل بل وأيضاً السودان انها تسعى الآن لفتح صفحة جديدة في علاقاتها معهم. ومن المؤكد أن الدول الأخرى سوف تحذو حذوها. بيد أن هذا الشعور القومي الجديد يختلف عن تيار القومية العربية الذي ساد في خمسينيات القرن الماضي، فهو يعكس تحمساً أكبر للتأكيد على مبدأ السيادة على مستوى السياسة الخارجية. موضوعياً، ليس لدينا ما يدعونا للخشية من ذلك.

قراءة جديدة

فيما يتساءل مصطفى التليلي، مؤسس ومدير مركز جامعة نيويورك للحوارات، في هذا التحليل: فيمَ إذا كان نجاح الثورتين التونسية والمصرية بالإطاحة بأنظمة ديكتاتورية ومسيرات التغيير في العالم العربي ستُخرج في النهاية كيانا متوسطيا يتغذى على قيم الديمقراطية والتسامح والآمال المشتركة؟

ويرى مصطفى، تؤوي بلدان البحر الأبيض المتوسط 475 مليون نسمة ـ 272 مليون أوروبي، بما في ذلك 20 مليون مسلم، ونحو 200 مليون من العرب واليهود غير الأوروبيين. ويبدو أنه بات من الممكن الآن للاتحاد من أجل المتوسط، الآلية التي ابتكرها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في عام 2008 بغية تعزيز التعاون الإقليمي، أن يرقى إلى مستوى التحدي المتمثل في استعادة ماضي المنطقة بوصفها مهداً للعقل والتسامح والإنسانية. وبوسع الاتحاد من أجل المتوسط أن يقدم نموذجاً للتعايش في عالم جريح بفعل الدكتاتورية والخوف من الأصولية الإسلامية. بحسب بروجيكت سنديكيت.

ويشير، الواقع أن التوتر المتصاعد في أوروبا حول ما تبلور على نحو مشئوم بوصفه "المسألة الإسلامية" جعل ننسى بسهولة بالغة أن الإسلام كان في وقت ما ـ الحضارة الأكثر تسامحاً وشمولاً مما بدا عليه الأمر في فترة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر في الغرب ـ كان يشكل بالكامل جزءاً من الحياة الأوروبية. واليوم، وعلى نحو لا يقل وضوحاً عن الأمس، أصبحت شعوب منطقة البحر الأبيض المتوسط ـ من المسلمين والمسيحيين واليهود ـ تتقاسم حقائق جغرافية سياسية وديموغرافية لا مفر منها. ويتعين على هذه الشعوب أن تذكر نفسها بأن التشويه والإقصاء والفرقة ليست الخيارات الوحيدة المتاحة أمامها ـ ولا ينبغي لهذه الخيارات أن تحدد مصير المنطقة.

ويتابع، من بين المتحاورين الرئيسيين مع ساركوزي عند مولد الاتحاد من أجل المتوسط في عام 2008، كان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، والرئيس المصري حسني مبارك. والآن بعد أن ذهب الرئيسان، فقد ذهب معهما نهجهما المحدود القاصر في التعامل مع الحوار الدولي، والذي كان مستنداً على نحو يكاد يكون كاملاً على العلاقات بين الدول في غياب أي مساهمة ملموسة من المجتمع المدني. ومن المحزن أن نلاحظ أن زعماء أوروبا يتبنون في بعض الأحيان مواقف مماثلة تتسم بضيق الأفق، في استجابة لمطالب قصيرة الأمد ترتبط بالسياسة الانتخابية بلاً من مواجهة التحديات المرتبطة بالفكر الاستراتيجي الأبعد أمدا. كما سقط ساركوزي أيضاً فريسة لهذا التوجه. والواقع أنه أعلن في شهر فبراير/شباط أن التعددية الثقافية كانت "فاشلة"، ثم أضاف قائلا: "ينبغي لمواطنينا المسلمين أن يكونوا قادرين علي الحياة وممارسة شعائرهم الدينية مثلهم كمثل أي شخص آخر... ولكن إسلامهم لابد وأن يكون إسلاماً فرنسيا، وليس مجرد إسلام في فرنسا". ولم يحدد ساركوزي بطبيعة الحال ماذا كان يقصد بالإسلام الفرنسي. ولكن تعليقاته فسرت على نطاق واسع بوصفها صدى لتصريحات أطلقت قبل بضعة أيام على لسان ماريان لوبان، زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف.

ويؤكد مصطفى على انه، يتعين على الحكماء أن ينظروا بدلاً من ذلك إلى أسبانيا الإسلامية في عصر الأندلس، التي أشرقت في أوروبا من القرن الثامن الميلادي إلى القرن الخامس عشر ـ وهي الفترة الخصبة من التألق الثقافي التي مهدت الطريق أمام النهضة الغربية، فضلاً عن عملها كنموذج ملهم للتعايش. إن دمج عالم البحر الأبيض المتوسط في مجتمع متسامح يضمن توفير السلام والرخاء لكل شعوبه أمر وارد الحدوث اليوم، فقد حدث من قبل. ومثل هذا الإنجاز من شأنه أن يقدم للعالم البديل المنشود لنموذج العولمة الاقتصادية الذي بات موضع شك على نحو متزايد.

ويلفت، إذا نظرنا إلى أوروبا من مسافة، فسوف نجد إغراءً قوياً في النظر إلى القارة باعتبارها كياناً متراجعاً عن الساحة العالمية ومنخرطاً في صراع مع ذاته ومع ماضيه. ورغم ذلك فإن الحقيقة أكثر تعقيدا. ذلك أن أوروبا اليوم باتت عامرة بالإمكانات، شريطة أن تنجح منطقة البحر الأبيض المتوسط في تسخير القوى والثروات المتضمنة في مبادرات مثل الاتحاد من أجل المتوسط.

وحماسة ساركوزي للاتحاد أخذت تتبخر في خضم تضارب المصالح والقضايا السياسية الإشكالية الكبرى. وهناك جانبان مهمان فيما يتصل بالثورتين التونسية والمصرية، وسوف يشكل هذان الجانبان أهمية بالغة في تقييم فرص المتاحة لتجديد الاتحاد المتوسطي. ويتمثل الجانب الأول في الاستخدام الواسع النطاق والفعّال لوسائل الإعلام الاجتماعية في كلا البلدين، والذي كشف عن قدر مذهل من التطور التكنولوجي والإبداع بين الشباب. والأمر الأهم من ذلك أن هذا الجانب عَرَض ذلك المستوى غير المسبوق من الوعي السياسي والنشاط بين أبناء هذا الجيل. والواقع أن اختبار نجاح أي بنية متوسطية جديدة سوف يتلخص في الدرجة التي سوف تلبي بها في مختلف أنحاء المنطقة طموحات هذا الجيل الشاب الذي يتمتع بقدر عظيم من الوعي السياسي، وتتجاوب مع قدرتهم على التدقيق والتمحيص.

وللأسباب ذاتها، فإن الاتحاد المتوسطي الجديد من الممكن أن يعمل كإطار لحيوية أخلاقية جديدة، تستمد قوتها من نفس القيم العالمية التي حركت الشباب في تونس ومصر، وبلدان أخرى ـ الحرية، والمسؤولية الفردية والمساءلة، والشفافية، والتسامح، والتضامن مع الضعفاء والمقهورين، والعدالة، والمساواة بين الجنسين، وغير ذلك من حقوق الإنسان الأساسية والحقوق الديمقراطية. ولكن إلى متى قد يستمر الهاجس الأوروبي فيما يتصل بالأصولية الإسلامية في ضوء هذا الاتجاه الجديد العامر بالأمل؟ وإلى متى سوف نستمر في استخدام "المسألة الإسلامية" المزعومة كأداة لإلحاق الهزيمة بخصومنا السياسيين؟ إن العديد من الناخبين الأوروبيين الشباب، الذين ربما كانوا أفضل اطلاعا، لن ينظروا بعين العطف على الأرجح إلى مثل هذه التكتيكات الانتهازية.

وأخيرا يقول، لا نملك إلا أن نأمل أن يكون مفهوم الانتماء إلى نفس الأسرة المتوسطية قادراً على جلب حلول جديدة للصراعات القديمة ـ على سبيل المثال، تقديم العلاج الشافي الذي يرغب في الحصول عليه كل من الفلسطينيين والإسرائيليين، والذي فشل النظام العربي البائد في تقديمه. ما كان فلاسفة التنوير العظماء ليترددوا في اعتناق الإجماع الأخلاقي الذي عبرت عنه المشاركات التي غمرت الفضاء الإلكتروني أثناء الثورة التونسية. فقد كانت العلمانية الأخلاقية في أفضل حالاتها من الشوارع الوعرة في سيدي بوزيد إلى شارع الحبيب بورقيبة المصقول المتألق في تونس. لقد تردد صدى هذا الشعور المتجدد بالانتماء إلى نفس الأسرة البشرية ونفس الكون الأخلاقي بقوة لدى الأوروبيين في منطقة البحر الأبيض المتوسط، والذين وجدوا في المطالبات والتوقعات الناشئة على الضفة المقابلة أصداءً لمطالبهم الخاصة وتطلعاتهم وتوقعاتهم التي لم تتحقق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 6/نيسان/2011 - 2/جمادى الاولى/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م