ملك الملوك يبحث عن حفرة آمنه

شبكة النبأ: حققت كتائب القذافي خلال الايام الماضية القليلة بعض الانتصارات على قوات الثوار في معاركها على المدن الاستراتيجية، الا ان تلك الانتصارات كما يراها المحللون لن تفضي الى غير النهاية المحتومة المتمثلة بتنحي القذافي عن الحكم الى غير رجعه.

فخسائر الاخير باتت اكبر من مجرد قمع انتفاضة او صراع شعبي متسع، بعد ان بات شخصية منبوذة دوليا بسبب الجرائم التي امر اتباعه بارتكابها بحق شعبه والجاليات الاجنبية المقيمة، وهو ما بات يدركه بشكل جيد، باحثا في الوقت نفسه عن ملجئ يقيه وابناءه عواقب الامور التي تسبب بها.

تضاؤل الخيارات

فيبدو ان سعي الحكام الديكتاتوريين لايجاد مخرج يمكنهم من الهروب والافلات من جرائمهم لم يعد امرا سهلا على الاطلاق، وما علينا هنا سوى ان ننظر الى ما آلت اليه الامور مع العقيد معمر القذافي لندرك هذا. فمع سعي ثوار ليبيا الحثيث للاطاحة به، وبعد فرض منطقة الحظر الجوي وانشقاق بعض كبار مساعديه عنه، يفكر القذافي جديا الآن باحتمال الهرب على الرغم من اعلانه عن عزمه البقاء في ليبيا حتى آخر قطرة من دمائه كما يزعم.

غير ان المشكلة بالنسبة لهذا الرجل الذي اطلق على نفسه لقب «ملك الملوك» هي عدم توافر الا القليل من الخيارات امامه. اذ ان معاملته الوحشية لابناء وطنه تجعله ضيفا غير مقبول في الكثير من البلدان التي تريد ان تكون علاقاتها طيبة مع الولايات المتحدة أو اوروبا، كما ليس هناك بلد آسيوي ايضا يريد ان يصاب بالصداع نتيجة لترحيبه بحاكم ديكتاتوري، وعلينا ان نتذكر ايضا ان 31 بلدا افريقيا وقَّع على ميثاق محكمة جرائم الحرب الدولية مما يدفع القذافي لخطر الوقوع بيد هذه المحكمة اذا ما لجأ لواحد من هذه البلدان. اما نظراء القذافي من العرب السلطويين الآخرين فإنهم ليسوا في موقع هم ايضا يمكنهم من تقديم ملاذ آمن لأي زعيم على شاكلة القذافي هذه الايام. بحسب صحيفة الوطن.

الا ان وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون ابلغت شبكة أي.بي.سي الاخبارية اخيرا ان اشخاصا مقربين من القذافي يبحثون في اماكن عدة من العالم عن مخرج وملاذ آمن له، لكن حينما يحين الوقت لكي يستقل العقيد طائرته النفاثة محاولا النجاة سيكتشف عندئذ ان قائمة البلدان التي يمكنه اللجوء اليها صغيرة جدا، وربما منها الدول التالية:

فنزويلا

لقد انبرى الرئيس هوغو شافيز للدفاع عن الديكتاتور الليبي ووصفه بالصديق، وربما تدفعه كراهيته للولايات المتحدة لاستضافة أي عدو للامبرياليين الامريكيين، ويقال ان القذافي كان امضى وقتا ممتعا قبل سنتين على جزيرة مارغريتا الفنزويلية، واشترى من اسواقها مجوهرات وآلات تصوير رقمية.

غير ان علينا ان نتذكر ان مستقبل شافيز السياسي بالذات غير واضح، فقد عانى حزبه من هزيمة كبرى في انتخابات سبتمبر البرلمانية كما ان شعبيته الشخصية في تراجع، فبينما كانت %70 عام 2006 اصبحت اليوم اكثر بقليل من %50 فقط.

زيمبابوي

بالطبع ربما يستطيع القذافي السعي للحصول على ملجأ لنفسه لدى نظام الرئيس روبرت موغابي القمعي هو الآخر، فرئيس زيمبابوي هذا، الذي يعتبر نموذجا للحكام الديكتاتوريين في القرن العشرين، لم يتردد في استخدام كتائب الموت والارهاب لتخويف شعبه ودفعه للخضوع، الا ان موغابي بلغ الآن السابعة والثمانين، وليس هناك من يضمن ان تكون زيمبابوي ما بعد موغابي مكانا آمنا للقذافي وعشيرته.

غينيا الاستوائية

حينما تم اكتشاف النفط فيه قبل بضع سنوات، اصبح هذا البلد الصغير الواقع غربي افريقيا احدث ديكتاتورية في العالم. وبامتلاء خزائنه بدولارات النفط لا يبدو رئيس هذه الدولة تيودورأوبيانغ تقويما في موقف ضعيف. بل وربما لديه مكان لطيف ملائم للحكام الديكتاتوريين المسنين. والحقيقة ان اوبيانغ سوف يصبح اقدم حاكم ديكتاتوري في افريقيا في حال اضطر القذافي للرحيل. لكن على الرغم من هذا يهتم اوبيانغ بما يفكر به الناس، وحاول عام 2008 تمويل جائزة اليونيسكو الخاصة بالعلماء الذي يسهمون برقي الحياة الانسانية، ولما كان يسعى الآن على الارجح لرئاسة الاتحاد الافريقي سوف تؤثر استضافته للقذافي اذا ما تمت على سعيه هذا بالتأكيد.

المملكة العربية السعودية

لقد تمكن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي من الحصول على ملجأ لنفسه في المملكة، وكان للرئيس الباكستاني نواز شريف اقامة طويلة فيها ايضا، كما امضى الرئيس الاوغندي عيدي امين ايامه الاخيرة بالمملكة، لكن من المعروف ان القذافي ليس على علاقات طيبة مع الملك عبدالله، فقد تشاجر معه عام 2009 وبات من الصعب عليه الآن التقدم بطلب للحصول على حماية الملك.

على أي حال، يتعين على الحكام الديكتاتوريين المخلوعين القبول بالتضحيات عندما ينتهي حكمهم، ويصبحون في المنفي فعليهم التخلي عن حياة الرفاه التي كانوا يتمتعون بها سابقا مقابل الحصول على الامن على ارض جديدة غريبة. عندئذ لن يقف احد على قدميه حينما يدخلون، ولن يكون بمقدورهم الزج بخصومهم في السجون أو اذلالهم عند اول خطوة. لذا، ينبغي على اولئك الحكام الديكتاتوريين الذين لا يزالون متعلقين بالسلطة اخذ العبر والبحث من الآن عن مكان آمن قبل ان تصبح الابواب كلها موصدة امامهم.

صراع داخل العائلة الحاكمة

ويبدو أن النظام الليبي لا يعاني انشقاقاً على المستوى السياسي فقط، حيث كان الدبلوماسي علي التريكي، آخر من قدّم استقالته من منصبه كمستشار للعقيد معمر القذافي، بعد أيام قليلة على استقالة وزير الخارجية موسى كوسا، ذلك أن الانشقاقات وصلت إلى داخل العائلة الحاكمة. اذ وصلت الخلافات داخل بيت العقيد معمر القذافي إلى ذروتها، بعدما بلغ السيل الزُبى وتناحرت مصالح كل فرد من أفراد العائلة، التي أمسكت بمفاصل الدولة وثرواتها وقطاعاتها الإنتاجية على مدى أربعة عقود ويزيد.

الخبر اليقين ورد على لسان شاهد من أهل النظام الليبي، انشق عنه لكنه ظل يرصد حركته. هو مندوب المجلس الانتقالي الليبي لدى الجامعة العربية عبد المنعم الهوني، الذي تحدّث في مقابلة مع صحيفة "عكاظ" السعودية، عن انشقاق أسرة القذافي، الى طرفين أحدهما يطالبه بالرحيل، فيما يصر الآخر على بقائه في السلطة والمواجهة حتى اللحظة الأخيرة.

العضو السابق لمجلس قيادة الثورة الذي كان مقرّباً من القذافي، أفاد الصحيفة السعودية أنّ المجموعة الأولى من عائلة العقيد الليبي يتزعمها القذافي الأب وأنجاله سيف الإسلام ومعتصم وخميس، فيما يرأس نجله محمد والساعدي وهنيبعل وعز العرب وزوجته صفية، الطرف الآخر الذي يطالبه بالرحيل والنفاذ بما حقّقوه من ثروات طائلة.

ولم ينسَ الهوني الذي قدم استقالته كمندوب لليبيا لدى الجامعة العربية وانضم إلى الثوار، أن يشير الى انشقاق وزير الخارجية، لافتاً أنه يعدّ ضربة قاصمة لنظام القذافي. ولعل أهمية موسى كوسا بنظر الهوني هي أنه واحد من خمسة عناصر مهمة تعدّ ضمن الحلقة الضيقة في محيط القذافي.

أما في ما يتعلق بعائلة الزعيم الليبي التي تتكون من 8 أولاد وبنت، إضافةً إلى معمر القذافي وزوجته صفية، فإن هذا الانشقاق الحاصل يكشف عن مصالح معينة لكل طرف من الأطراف أملت عليه قراره. فرغم إنكارهم تبوّء مناصب سياسية، يسيطرون على كل المفاصل الحيوية والثروات النفطية وغير النفطية في الجماهيرية.

ربما يجد القذافي الذي كرس ثروات ليبيا وخيراتها لإثراء نفسه وعائلته، صعوبة في ترك هذه التركة التي لا يمكن مقارنتها بمغارة علي بابا، لذلك يستقتل "الصخرة الصمّاء" في الدفاع عمّا يراه حقاً له و"إنجازات" حققها خلال 42 سنة من عهده في حكم ليبيا.

إذاً هو العقيد الذي لا يملك أي منصب سياسي إنما هو "قائد ثورة"، كل ما لها له ولعائلته، أما ما عليها، فهو للشعب.

"ملك ملوك أفريقيا" الذي غمر القارة السوداء بكرمه الحاتمي منفقاً مئات مليارات الدولارات من أجل إرضاء جنون عظمته، لن يترك ما كان يعدّه ملكاً خاصاً وإنجازاً شخصياً بسهولة. وعلى طريقه سار نجله سيف الإسلام الذي انكشفت عورة أفكاره السياسية المتشددة، بعد سنين من تقديم نفسه كداعية للإصلاح وشخصية وسطية ليبرالية. فها هو رئيس مؤسسة القذافي الخيرية الذي لم يتبوأ أي منصب، يتحدث الى الجماهير على أنه ولي العهد في مملكة القهر، الذي سيدافع عن النظام حتى لو نشبت حرب أهليه. ربما جاء تحرك سيف الإسلام (38 عاماً) حاملاً بندقية في يده متوعداً المعارضة بالويل والثبور، بعدما أيقن بأن حلمه بخلافة والده قد تلاشى ولم يعد هناك ما يخسره. وعلى ما يبدو أن المهندس سيف الإسلام، لديه خلافات مع إخوته منذ سنوات طويلة بحكم "طريقة حياته المتحررة وسط مجتمع عرف عنه التحفظ"، حسبما جاء في وثيقة صادرة عن وزارة الخارجية الأميركية، نشرها موقع "ويكيليكس".

والأرجح أن خلافاته مع إخوته تعود في قسم منها الى مصالح تجارية واستثمارية، فسيف الإسلام يحصل على عوائد نفطية إضافية من خلال امتلاكه حصة مالكة في شركة "وان - ناين للبترول".

أما المعتصم، رابع أبناء القذافي، ومستشاره للأمن القومي، وبحكم قيادته وحدةً أمنية خاصة، فإنّه لا مناص أمامه إلا القتال حتى الرمق الأخير، لكونه اختار هدم البيوت فوق رؤوس أصحابها وأذاق المواطنين الذين لم يخرجوا في تظاهرات الولاء لأبيه، طعم الموت.

ويبدو أن وقوف المعتصم الى جانب والده يثبت التقارير التي تقول إن القذافي لا يثق إلا في أبنائه، وخاصةً المعتصم بالله، الذي تلقى تربية عسكرية في كل من ليبيا ومصر.

أما النقيب ركن خميس، الابن الأصغر للقذافي، فمن الطبيعي أن يكون في جناح الصقور الذين يفضّلون القتال حتى آخر رمق، ذلك أن قائد اللواء الـ32 للقوات الخاصة الليبي، الذي دُرّب في روسيا، يضطلع على نحو فعال بحماية النظام، وخصوصاً أن له باعاً طويلاً في التعاطي مع أهل الشرق؛ كانت كتيبته تتمركز في مدينة بنغازي. فضلاً عن أن كتيبة خميس هي الأفضل من حيث التدريب والعتاد في الجيش الليبي.

وفي ما يتعلق بعائشة (36 عاماً) لم يذكر الهوني موقعها في هذا الانشقاق، لكن ما عُرف عن محامية الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، أنها كانت دائماً تؤدّي دور الوسيط في حل الخلافات في عائلتها، ولا سيما أنها البنت الوحيدة للقذافي.

على الطرف الآخر من الجبهة الداخلية لعائلة القذافي، يقف هنيبعل (من مواليد 1977)، الى جانب والدته في مطالبة العقيد بالرحيل، والاحتفاظ بما خزّنه من ثروات الشعب الليبي في حسابات عائلته. ورغم عدائيته الفاضحة في التعامل مع من هم حوله، لا يفضّل المواجهة "الخاسرة" مع الشعب. قبل 3 أعوام سبّب أزمة دبلوماسية بين بلاده وسويسرا، بعدما ضرب اثنين من خدمه في أحد الفنادق في جنيف، إضافةً الى تعامله الوحشي مع صديقته عام 2005 في أحد الفنادق في باريس.

أما العقيد الساعدي، فيبدو أنه يفضّل العودة الى عالم الرياضة، على أن يخسر كل شيء في وجه ثورة لن تسكت عن جرائمه وسرقاته وبذخه على حساب أموال الشعب الليبي.

القطب الأبرز في هذه المعادلة هو صفية، الممرضة التي أنجبت معظم أبناء القذافي، التي يقال عنها إنها قليلة الحضور إعلامياً، قد تكون نصيحتها للعقيد بالرحيل نابعة من كونها ابنة مدينة بنغازي التي ثارت ضد زوجها.

في أي حال، فإن ما حققته عائلة القذافي من ثروات وسرقات وسمسرات، يجعل بعضهم يفضّل الاستمتاع بقية الحياة بما "غنموه" على أن يفقدوا كل شيء ويخضعوا للمحاكمة. فوثائق الدبلوماسية الأميركية، التي سربها موقع "ويكيليكس"، تشير بوضوح الى أن عائلة الزعيم الليبي (والدائرة المقربة منها) يحقّقون مكاسب طائلة في كل المجالات مثل قطاعات النفط والغاز والاتصالات والبنى التحتية.

متهور ونرجسي

من جانب آخر تقول صحيفة نيويورك تايمز في مقال نشر مؤخرا، ربما كان القذافي مصابا بنرجسية مضللة، تدفعه للقتال حتى الرمق الأخير، أو أنه رجل متهور محب للظهور الإعلامي، يفر من المدينة عندما يضيق عليه الخناق.. أو ربما شخص سيكوباتيّ واستراتيجي يقوم بحساباته بدم بارد مجنون مثل ثعلب صحراء.

ونتيجة لذلك، فإن الفصل الأخير من مأساة ليبيا ربما يرتكز في جانب كبير منه على غرائز العقيد معمر القذافي، وأي تحليل متعمق لهذه الغرائز سيكون ذا قيمة كبيرة للغاية لدى صانعي السياسة. وشكل الصحافيون انطباعاتهم عن القذافي من النكات وتصرفاته السابقة، بينما عمد آخرون إلى التعليق على هجومه الأخير على "القاعدة" والرئيس باراك أوباما.

وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" لكن مجموعة واحدة على الأقل حاولت تحديد سمات شخصيته معتمدة على طرق علمية يتوقع أن تؤثر نتائجها على السياسة الأميركية؛ فعلى مدى عقود كان المحللون في وزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات الأميركية يعملون على جمع التقييمات النفسية للقادة العدوانيين من أمثال القذافي، وكيم يونغ إيل في كوريا الشمالية، ورئيس فنزويلا هوغو شافيز والشخصيات البارزة الأخرى (الكثير من الحكومات الأجنبية تفعل ذلك بطبيعة الحال). واعتمد الدبلوماسيون وواضعو الخطط العسكرية، وحتى الرؤساء، على هذه السمات الشخصية في اتخاذ قراراتهم وفي بعض الحالات لمصلحتهم الشخصية وفي حالات أخرى مقابل ثمن.

ويقول الطبيب النفسي الدكتور جيرولد بوست الذي يدير "برنامج الطب النفسي السياسي" في جامعة جورج واشنطن، ومؤسس الفرع ذاته في وكالة الاستخبارات المركزية التي يقوم بعمل تحليلات سلوكية لصالحها: "ربما تكون السمات الشخصية السياسية هي الأكثر أهمية في الحالات التي يكون فيها رئيس الدولة مهيمنا على كل مقدراتها، والقادر على التصرف فيها من دون أية قيود. وهو ما ينطبق على حالة العقيد القذافي".

والملف الرسمي للقذافي بالغ السرية، لكن الوسائل التي اتبعت في تحليل شخصيته معروفة للجميع؛ فقد طور أطباء الطب النفسي المدني العديد من الوسائل التي تعتمد بشكل رئيسي على معلومات بشأن القادة مثل الخطب والكتابات والحقائق البيوغرافية والملاحظات السلوكية. والتوقعات الناجمة عن مثل هذا التحليل تشير إلى أن إعداد الجوانب الشخصية عن بعد، كما هو معروف، لا يزال فنا أكثر منه أمرا قائما على العلم إلى حد بعيد. ولذا، ففي أزمة كتلك التي تشهدها ليبيا، ربما يكون من المهم للغاية معرفة قيمة التقييمات المحتملة وأوجه قصورها الحقيقية.

ويقول أستاذ الطب النفسي في كلية وارتون للطب بجامعة بنسلفانيا الدكتور فيلب تيتلوك ومؤلف كتاب "حكم سياسي ذو خبرة: ما مدى جودته؟ كيف يمكن أن نعرف ذلك؟": "خبراء اكتشاف السمات الشخصية هم الأفضل في التنبؤ بالسلوك من قرد شمبانزي معصوب العينين، لكن الاختلاف ليس واسعا كما قد يتخيل البعض منهم؛ إذ لا توجد تركيبة سرية، وانطباعي هو أن هذه العملية غالبا ما تتداعى، فقد يتحول القائد فجأة إلى شخصية محل اهتمام شديد".

أما الطريقة صاحبة التاريخ الأكثر شهرة فتعتمد على دراسات الحالة السريرية والسيرة النفسية التي يدونها الأطباء عند التشخيص، مستشهدين بالتأثيرات التي تعود إلى أيام الطفولة. وقد أجريت التجربة الأولى لهذه الطريقة في أوائل عام 1940 من قبل مكتب الخدمات الاستراتيجية، الذي حلت محله وكالة الاستخبارات المركزية، وكانت لأدولف هتلر، التي قيم فيها اختصاصي تحليل الشخصية في جامعة هارفارد، هنري موراي بتخمين، بحرية وبطريقة بالغة الإثارة، الجوانب الشخصية لهتلر المتمثلة في التحقير المطلق للذات، والرهاب من المثلية الجنسية، والميول الأوديبية.

ولا يزال المحللون يعتمدون على دراسة الحالة السريرية، لكنهم يطبقونها بصورة أكثر قوة على حقائق السيرة الذاتية أكثر منها على تكهنات فرويد أو الآراء الشخصية.

وفي تحليل لشخصية القذافي الذي أجرته مجلة "فورين بوليسي"، خلص الدكتور بوست إلى أن "الدكتاتور على الرغم من عقلانيته، فإنه يميل إلى التفكير الخيالي عند التعرض للضغوط، وهو ما يتحقق على أرض الواقع الآن، حيث يواجه أقسى أنواع الضغوط منذ توليه قيادة ليبيا".

وفي داخله يرى القذافي نفسه متطرفا، والقائد المسلم المحارب القادر على قتال العقبات المستحيلة. ويؤكد الدكتور بوست على أن "القذافي دون شك مستعد للخوض في النيران".

هذا النوع من تحليل الشخصية كان أمرا لا يقدر بثمن في الماضي؛ ففي إطار الاستعدادات لمفاوضات سلام كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر، قدمت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية للرئيس جيمي كارتر تحليلا لشخصية رئيسي كل من مصر وإسرائيل، ويروي كارتر في سيرته الذاتية "الاحتفاظ بالإيمان"، أن هذه التحليلات ساعدته إلى حد كبير في التوصل إلى عقد اتفاق السلام بين الدولتين.

والتحليل الذي كتب عن السادات وحمل عنوان "معضلة السادات الحاصل على جائزة نوبل" فيه أن السادات: "يرى نفسه استراتيجيا عظيما، وسيقدم بعض التنازلات التكتيكية إذا ما أقنع بأن أهدافه الإجمالية قد تحققت. وأن ثقته بنفسه سمحت له بأن يقوم بمبادرات جريئة وفي أغلب الأحيان تجاهل اعتراضات مستشاريه".

على الرغم من هذه الحقائق التي لا تنكر والمكاسب التي يمكن أن تحققها مثل هذه التحليلات، فإن بعضها يمكن أن يكون مضللا في بعض الأحيان، بل وحتى مثيرا للحرج، فتحليلات شخصية الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين التي نشرت في أوائل عقد التسعينات من القرن الماضي، أشارت إلى أنه كان نفعيا ويمكن أن يستسلم تحت الضغوط، وفي عام 1993 قدمت وكالة الاستخبارات المركزية ملفا يزعم أن الرئيس الهايتي جان برتراند آرستيد لديه تاريخ من المرض العقلي يشمل الاكتئاب الهوسي.

وأنكر آرستيد هذا بشدة وسرعان ما تبين زيف التقرير. وفي عام 1994 كتب توماس أومستاد في مجلة "فورين بوليسي" يقول إن "تحليل شخصيات الزعماء لا يعتمد بشكل كبير على الحقائق، بل يعتمد على التخمينات، وهو ما يبدو أقرب إلى اغتيال الشخصية منه إلى تحليلها".

وقد تعلم المتخصصون في مجال الاستخبارات أن يخفوا رهاناتهم على مدار السنوات، ويكملوا تواريخ الحالة بوسائل تحليل المحتوى التي تبحث عن نماذج في تعليقات القائد أو كتاباته.. فعلى سبيل المثال، يعمل البرنامج الذي طورته الباحثة مارغريت هيرمان في جامعة سيراكيوز، الترددات النسبية لفئات معينة من الكلمات مثل "أنا" والضمائر المتصلة بها في المقابلات والكلمات والمصادر الأخرى والروابط، للعشرات من سمات القيادة.

والأسلوب الذي استخدمه الدكتور ديفيد وينتر، أستاذ الطب النفسي في جامعة ميتشغان، يعتمد على مصادر متشابهة للحكم على دوافع القادة خاصة حاجتهم إلى السلطة والإنجاز والشرعية. وعبارة "يمكن أن نسحقهم". تعكس تجذر القوة الكبير، وعبارة: "جلسنا بعد العشاء نتسامر ونضحك معا" تشير إلى الانتماء.

ويقول الدكتور وينتر، الذي أعد تحليلا لشخصية الرئيس ريتشارد نيكسون وبيل كلينتون وكثير من الشخصيات الأخرى: "مزج القوة المفرطة والانتماء الكبير يمكن الشخص من التواصل، في الوقت الذي تشير فيه القوة وضعف الانتماء إلى إمكانية التنبؤ بالعنف، هذه هي الفكرة على الرغم من أنه لا يمكنك بطبيعة الحال توقع أي شيء بصورة مؤكدة".

هناك مجموعة من المحللين النفسيين السياسيين دمجت ذلك القصور - الشك - مع التوقعات. فحاول بيتر سودفيلد، أستاذ الطب النفسي في جامعة كولومبيا البريطانية، الذي عمل مع الدكتور تيتلوك، دراسة كلمات القادة لتحديد الخاصية التي تسمى العقدة التكاملية، وهو إجراء يعبر عن مدى يقين الأفراد من أحكامهم سواء وضعوا في اعتبارهم وجهات النظر المعارضة لهم أم لا.

وفي سلسلة من الدراسات، حاول بعض الباحثين مقارنة المراسلات التي أدت إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى والحرب الكورية بتلك التي أدت إلى اتخاذ قرارات سلمية مثل أزمة الصواريخ الكوبية، ووجدوا أنه كلما زاد مستوى الشكوك، تضاءلت احتمالات لجوء القادة إلى الحرب.

لم يحلل سودفيلد خطابات القذافي، لكن الأمر لا يتطلب خبيرا لدراسة تعليقات القذافي لإدراك أن الزعيم الليبي يبدو واثقا للغاية إن لم يكن بالغ الصلابة.

ما يغيب وسط كل هذا العدد من التحليلات والقولبة هو استشعار الطريقة الأنجع في تحليل الشخصية؛ ففي مراجعة شاملة للتحليلات الاستخباراتية التي نشرت هذا الشهر، اتفقت لجنة من علماء الاجتماع على أن تحليل السمات النفسية للشخصية والطرق الأخرى التي يستخدمها محللو وكالة الاستخبارات في التنبؤ بسلوك الزعماء أو الأفراد بحاجة إلى اختبارات قوية.

وفي إطار البحث عن الأفكار الجديدة، قام مكتب مدير الاستخبارات الوطنية الذي أمر بإعداد التقرير، في خطوة غير مسبوقة، برعاية مسابقة دعت الأفراد إلى اختبار وسائل التنبؤ لديهم لتحسين تحليلاتهم الاستخبارية.

وبالنظر إلى تحدي التنبؤ بما قد يقوم به قادة مثل القذافي، ربما يمكن التفكير في الاشتراك فيه كنوع من المساعدة.

عمرو موسى ينفي وصفه القذافي بـ'الحمار'

من جهته نفى الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى تصريحاً صحافياً نسب اليه هاجم فيه معمر القذافي ووصفه بانه 'حمار'. وكانت صحيفة 'صوت الامة' المصرية نسبت الى موسى في تصريح نقلته السبت وصف القذافي بهذا بـ'الحمار'، ردا على تصريحات الأخير اشار فيها الى رشاوى قدمها إلى موسى من بينها سيارة قيمتها 42 الف يورو.

ونفى مكتب موسى في بيان ان 'يكون قد ذكر مثل هذه العبارات'، ونفى مكتب موسى تعرضه لشخص القذافي.

وقال المكتب ان 'السيارة التي أهداها القذافي إلى موسى كانت بصفته الرسمية وليست الشخصية، ومن ثم تم تنازل عنها لمصلحة الجامعة وحيزت إلي ملكيتها'.

وكانت صحيفة 'صوت الامة' قد سألت موسى في المقابلة عن اتهام القذافي له في خطاب على التلفزيون الليبي أخيرا أنه كان يستخدم طائرة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، كما يستلم منه اموالا فكان رده 'ده راجل حمار صحيح'.

كما كانت 'صوت الأمة' قد نقلت عن موسى ايضا نفيه لاتهامات القذافي بانه اعطاه اموالا.

وقال موسى في المقابلة 'أما عن إعطائي أموالا فهذا محض افتراء وخروج عن قواعد الأدب، وأقول له: ( إذا كان لديك إثبات على ادعائك فلتخرجه) وأتحدى أن يثبت أنني أخذت منه مليما واحدا'.

واضاف موسى، وفقا للصحيفة، 'ثم إن القذافي راجل كحيان (بخيل) كان يمتنع عن دفع مساهمات ليبيا في الجامعة حتى القمة الماضية وأخذنا الفلوس منه بخلع الضرس'.

واقر موسى في المقابلة انه كان يركب طائرة الحريري، الا انه اضاف 'كثير من القادة والملوك العرب يرسلون لي طائراتهم الخاصة كأمين للجامعة لقضاء بعض المهام والعودة في اليوم نفسه. وأؤكد أنني ركبت طائرات خاصة سعودية ولبنانية ومصرية ولو كنت ركبت طائرة الحريري مرة فقد ركبت طائرة القذافي عشر مرات'.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 5/نيسان/2011 - 30/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م