
شبكة النبأ: تحاول قطر ان تبرز كلاعب
دولي مهم في الأزمة الليبية والمصرية ومؤيد حاسم للسياسة الأمريكية.
إلا أن علاقتها مع الولايات المتحدة غالباً ما كانت صعبة، كما أن
مكانتها في بقية العالم العربي هي موضع شك. وبالنسبة لواشنطن، يتمثل
التحدي في تحقيق توازن بين التوقعات الأمريكية، وطموحات قطر الإقليمية،
والحاجة إلى تقليل أي تأثير عكسي على روابط الولايات المتحدة مع
حلفائها العرب الآخرين.
وكون قطر عضواً في منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك، تنتج هذه
الإمارة نفطاً قليلاً نسبياً. إلا أن ثروتها المتنامية هي نتيجة
امتلاكها لثالث أكبر احتياطيات للغاز الطبيعي في العالم بعد روسيا
وإيران). والآن تعتبر قطر أكبر مصدّر للغاز الطبيعي المسال في العالم
حيث أن دولاً عديدة في آسيا تعتمد بشكل خاص على إمداداتها. إن عائد تلك
المبيعات قد منح القطريين أعلى ناتج إجمالي محلي للفرد الواحد في
العالم 88000 دولار وهو ما يعادل ضعف الرقم تقريباً بالنسبة للأمريكيين.
فإن شبه الجزيرة القطرية هي بحجم ولاية كونتيكيت الأمريكية تقريباً،
لكن معظم سكانها حوالي 200000 مواطن و 600000 من العمال المغتربين
يعيشون في العاصمة الدوحة وحولها.
قطر وموقفها من الثورات العربية
يقول الكاتب سايمون هندرسون مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في
معهد واشنطن، في الأيام الأخيرة، أصبحت قطر أول دولة عربية تساهم في
دوريات منطقة حظر الطيران فوق ليبيا، وتعترف بالمتمردين المتمركزين في
بنغازي كخلفاء شرعيين لنظام القذافي. كما عرضت أيضاً مكانتها وخبرتها
في منظمة أوبك لمساعدة المتمردين على تسويق إنتاج النفط والغاز الليبي
الذي يسيطرون عليه. وبالإضافة إلى ذلك كانت الإمارة مشاركاً رئيسياً في
المؤتمر الذي عقد في لندن في 29 آذار/مارس للتباحث حول الأزمة، كما
سيعقد في الدوحة قريباً أول اجتماع لـ مجموعة الاتصال المنبثقة عن
المؤتمر حول ليبيا تحت رئاسة قطر.
ويشغل ممثل قطر البارز في اجتماع لندن والقوة الدافعة وراء سياستها
الخارجية الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، منصبي رئيس الوزراء ووزير
الخارجية على حد سواء. والشيخ بن جاسم هو أحد الأقرباء من درجة بعيدة
لحاكم الإمارة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، إلا أن الزعيمين تجمعهما
علاقة عمل وثيقة بصورة استثنائية. ويعود الفضل لحمد بن جاسم في جعل
الكثير من رؤى الأمير حقيقة واقعة.
ويضيف سايمون هندرسون في الوقت نفسه، تُعتبر قناة الجزيرة الفضائية
التابعة لقطر من بين أكثر القنوات مشاهدة في المنطقة، حيث تقف من
ورائها زوجة الأمير (الثانية) الشيخة موزة التي هي القوة الدافعة في
تشجيع الجامعات الأمريكية على إنشاء فروع لها في الدوحة، وتطوير مدينة
طبية على مستوى عالمي. كما اختيرت قطر لاستضافة كأس العالم في عام
2022. وتتحول الإمارة أيضاً بصورة متزايدة إلى مؤسسة ضخمة للأعمال
الكبيرة، ولها أسطول خطوط جوية وطنية سيزيد عدد طائراته قريباً على
مائة طائرة، وتملك صندوق ثروة سيادية قام بشراء مخزن لندن الشهير
هارودز في عام 2010، وتشارك الإمارة أيضاً بأكبر حصة من الأسهم في
سلسلة متاجر بريطانية.
ويعتقد هندرسون إذا كانت سياسة قطر الخارجية تبدو انتقائية من حيث
الجوهر، إلا أن أسلوبها غالباً ما يبدو متضارباً بل ومستفزاً حتى
لأصدقائها. فعلى مدى السنوات العديدة الماضية حاولت قطر تمييز نفسها عن
باقي أعضاء مجلس التعاون الخليجي السعودية والكويت والبحرين ودولة
الإمارات وعُمان فأصبحت أكثر وداً مع إيران، وأقل خوفاً علنية من
الطموحات النووية للجمهورية الإسلامية. وقد فوجئ قادة دول مجلس التعاون
الخليجي بقلق ملئ بالخوف عندما دعت قطر الرئيس الإيراني محمود أحمدي
نجاد إلى الدوحة لحضور قمة المجلس عام 2007. ومع ذلك، تسخر قطر بصورة
غير علنية من تطلعات إيران. وكما قال حمد بن جاسم ذات مرة لمسؤول
أمريكي الإيرانيون يكذبون علينا ونحن نكذب عليهم.
استخدام قناة الجزيرة
ويعتقد الكاتب هندرسون ان قطر تميل إلى استخدام قناة الجزيرة كأداة
دبلوماسية. إلا أن تغطية الشبكة لشؤون قطر المحلية هي بصورة محدودة
وعوضاً عن ذلك، غالباً ما يبدو أن برامج الجزيرة الإخبارية تهدف إلى
إزعاج دول عربية أخرى. كما أن الولايات المتحدة كانت أيضاً هدفاً
معتاداً لبرامج الشبكة بعد غزو العراق. فعلى سبيل المثال، زعمت إحدى
النشرات الكاذبة في عام 2005 أن جنوداً أمريكيين في العراق كانوا
ينزعون الحجاب عن رؤوس النساء. مضيفاً قد سبب ذلك التقرير غضباً واسع
النطاق في العالم العربي، ووفقاً لنائب وزير الدفاع الأمريكي في ذلك
الحين پول وولفويتز، كان التقرير هو السبب وراء مقتل أكثر من مائة من
الأفراد الأمريكيين. وقد أكد مسؤولون قطريون براءتهم من ذلك البرنامج
مدعين أن الجزيرة كانت مستقلة عن سيطرة الحكومة، وكان يُسمح لها حرية
التعبير. غير أن مخرجات هذه القناة الإخبارية العربية وموقعها
الإلكتروني يؤكدان أن مسؤوليها يحذفون الأخبار التي قد تلحق الضرر
بالعلاقات الدبلوماسية المهمة رغم أن الموقع والقناة الإنجليزية هما
أقل تقيداً وأكثر موضوعية.
وأضاف هندرسون وقد آوت قطر أيضاً أو بالأحرى ارتبطت بمتطرفين
إقليميين بارزين. ففضلاً عن استضافة زعيم حماس خالد مشعل، سمحت الإمارة
للشيخ المصري المثير للفتن يوسف القرضاوي بإذاعة برنامج منتظم على قناة
الجزيرة منذ سنوات وحتى الآن، على الرغم من تضمنه حلقات تبرر الهجمات
الانتحارية على الأطفال الإسرائيليين بحجة أنهم سوف يكبرون لكي يصبحون
جنوداً. وفي منتصف التسعينات من القرن الماضي، سمحت قطر لإرهابي تنظيم
القاعدة خالد شيخ محمد المطلوب من قبل الولايات المتحدة بتهمة التخطيط
لتفجير طائرات بالعيش في الدوحة حيث مُنح وظيفة حكومية، وكان محمياً من
قبل أحد وزراء الدولة.
وفي أطار التواصل مع إسرائيل والجيش الأمريكي قال هندرسون بعد أن
أطاح الشيخ حمد بأبيه المتراخي عام 1995، عملت الدوحة على تطوير علاقات
أفضل مع واشنطن، التي كانت تميل في ذلك الحين إلى رؤية علاقاتها مع دول
الخليج العربي من خلال منظور السعودية المجاورة. ومن بين الأساليب
والمناورات التي قامت بها قطر كان تواصلها المتعمد مع إسرائيل كوسيلة
لمواجهة أية معارضة محتملة من قبل الكونغرس الأمريكي. وفي مرحلة ما،
أدى ذلك إلى إنشاء مكتب دبلوماسي إسرائيلي يعمل تحت غطاء تجاري في
الدوحة. غير أنه عندما قُدم لقطر عرضاً متبادلاً لفتح مكتب في إسرائيل،
تجاهلت الإمارة ذلك الاقتراح بينما قوبل الوجود الإسرائيلي في الدوحة
بانتقادات من قبل دول عربية أخرى وأُغلق في نهاية المطاف.
وأضاف هندرسون ان قطر بنت وبإنفاق باهظ قاعدة العديد الجوية
العملاقة على بعد أميال قليلة خارج الدوحة. وبعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر،
توترت العلاقات الأمريكية السعودية بحيث طلبت الرياض من واشنطن وقف
استخدام قاعدة الأمير سلطان الجوية، ومركز العمليات الجوية المشتركة
المرتبط بها. وبذلك كانت قطر قادرة على الولوج ومنحت للولايات المتحدة
الوصول الفوري إلى قاعدة العُبيد.
مشيرا الى أدارة الجيش الأمريكي الذي قال عنه ان معظم عملياته
الإقليمية من تلك القاعدة، بما في ذلك القيام بدوريات لمواجهة أية
تحركات عدائية من جانب إيران على مسافة مائة ميل شمالاً بالإضافة إلى
تنفيذ طلعات جوية فوق أفغانستان على مسافة ستمائة ميل شرقاً. غير أن
القوات الأمريكية ليس لديها تفويضاً مطلقاً على قاعدة العُبيد، حيث
يحرس الجيش القطري بتحفز سيطرته السيادية على الوصول إلى المنشأة، على
الرغم من أن قوته الجوية الصغيرة لا تستخدم هذه القاعدة، وتعمل عوضاً
عن ذلك من إحدى جوانب مطار العاصمة الدولي الرئيسي.
ويعتقد الكاتب ان قطر تستمد فخراً كبيراً من دورها في وقف الأزمة
الليبية. وكما قال رئيس هيئة أركان القوات الجوية القطرية لم تأخذ بعض
الدول مثل السعودية ومصر القيادة خلال السنوات الثلاث الماضية، ولذلك
أردنا أن نرتقي ونعبر عن أنفسنا، ونرى إذا كان سيتبع آخرون مسارنا أم
لا.
ومع ذلك، ففي واقع الأمر، إن الجيش القطري مقيّد إلى حد كبير في كل
من حجمه وكفاءته. فطائرات الميراج 2000 النفاثة الأربعة التي نشرتها
الدوحة في اليونان للانضمام إلى العمليات ضد ليبيا تمثل الجزء الأكبر
من قوة الإمارة الجوية العملياتية. وقد فشلت اثنتان من هذه الطائرات
تقريباً في الوصول واضطرت إلى تحويل مسارها إلى قبرص بعد أن نفد وقودها
في الطريق. وباعتمادها على الخدمات التي يقدمها فنيون فرنسيون وآخرون
من جنسيات أخرى، ليس من المتوقع أن ترى الطائرات أي عمل عسكري حقيقي.
تحقيق التوازنات
وفي اطار تحقيق التوزانات يقول سايمون هندرسون لا يعترف المجتمع
القطري بالحريات المعروفة على نطاق العالم التي توجه سياسة إدارة
أوباما الخارجية، لكن هناك القليل من المعارضة الداخلية لحكم الأمير
الذي تميز بالإعانات السخية وسهولة الوصول التقليدية إلى دول الخليج.
ومع ذلك، ينبغي على الإدارة الأمريكية الاستفادة بأقصى صورة ممكنة من
الزيارة المقبلة للشيخ حمد إلى واشنطن، التي كان مقرراً إجراؤها في
الأصل في شباط/فبراير لكن يبدو الآن أنه تقرر القيام بها في نيسان/أبريل،
وسوف تسعى الدوحة إلى استخدام هذه الزيارة للتأكيد على مكانتها
الدبلوماسية الجديدة.
غير أن واشنطن يجب أن تحقق توازن بين امتنانها من استمرار قابلية
الوصول إلى قاعدة العبيد ودعمها الدبلوماسي للإمارة حول ليبيا،
بالاعتراف بأنه ما يزال على قطر أن تثبت أنها حليفاً موثوقاً وثابت
المبدأ. وفي النهاية تسعى الدوحة إلى الحصول على ضمانات أمريكية
لحمايتها ضد إيران، وهو ما ينبغي أن تجعله واشنطن موقفاً يحقق مكاسب
لكلا الطرفين. لكن الدوحة قلقة من التزام إدارة أوباما حول التعامل مع
القذافي وهو الأمر بالنسبة لإيران. وسوف يراقب حلفاء الولايات المتحدة
الآخرون في الشرق الأوسط عن كثب ليروا كيف تتعامل واشنطن مع صديقها
الحميم الجديد.
نبذة عن معهد واشنطن
الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه
الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية
في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل
توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه
المنطقة الحيوية من العالم.
وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم
المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة
العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم
للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق
باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف
الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف
به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة. |