سوريا خارج منعطف التغيير... الأسباب والنتائج

 

شبكة النبأ: شكلت أحداث العنف الأخيرة في سوريا تحدياً لاستراتيجية إدارة أوباما في الشرق الأوسط. ويمكن النظر إلى الدوافع المتعارضة داخل الإدارة الأمريكية من خلال التصريحات الأخيرة التي أدلى بها مسؤولون، وصفت فيها الرئيس السوري بشار الأسد بانه إصلاحي؛ مع توجيه إدانة قوية للحكومة السورية بسبب القمع التي تقوم به تجاه المتظاهرين.

إن الرأي الذي سيسود تجاه الأسد، والكيفية التي سترد فيها الولايات المتحدة على الأحداث في سوريا، سيقطع شوطاً بعيداً نحو تحديد التغيير العميق الذي حدث في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بسبب الاضطرابات الأخيرة هناك.

ويعد مصير الرئيس السوري بشار الاسد من الموضوعات النادرة التي يتفق فيها الاسرائيليون مع الفلسطينيين إلى حد كبير لان الطرفين يريدان استمراره في الحكم.

فالرئيس السوري بشار الأسد ليس وحيداً في مراقبته بقلق وحذر الأحداث التي عصفت ببلده خلال الأسبوعين الماضيين، إذ لو انهارت سورية على الطريقة الليبية التي تتسم بالفوضى أو تمت إزاحة الأسد كما حدث لنظيريه في تونس ومصر سيكون لذلك عواقب استراتيجية رئيسية على حلفاء سورية الإقليميين إيران، حزب الله وحماس بل وربما يغيّر ذلك أيضاً ميزان القوة في الشرق الأوسط كله.

لذا، تراقب حتى إسرائيل الوضع القائم بقلق وبشيء من الخوف لأن سورية كانت على الدوام جاراً معادياً لكن يمكن التنبؤ بأفعاله.

بقاء الأسد في السلطة

يقول مدير دراسات الامن القومي بجامعة حيفا "جابرييل بن دور" سيفضل الجانبان أن يستمر الاسد في الحكم. تنطبق في هذه الحالة مقولة من تعرفه افضل ممن لا تعرفه. حسب تحليل لوكالة رويترز.

وأضاف لا يعتقد أي من الجانبين أن هذه الاضطرابات ستتمخض عن الافضل ويشعران بالخوف من أنه اذا رحل الاسد من هناك فسيؤدي هذا الى فترة طويلة من عدم الاستقرار.

وتضطر إسرائيل لمراجعة خياراتها الاستراتيجية أسبوعيا هذا العام. وبعد أن شهدت الاطاحة بحليفها الذي تثق به في الشرق الاوسط الرئيس المصري السابق حسني مبارك تواجه الان اضطرابا محتملا في جارتها الشمالية الشرقية المسلحة جيدا.

وعلى خلاف مصر لم تعقد سوريا سلاما مع اسرائيل بعد حرب عام 1973 لكنها تقيدت بشدة بالتزاماتها الخاصة بفك الارتباط فأنشأت واقعا أمنيا ناسب الجانبين على مدار السنين.

وبطبيعة الحال فان اسرائيل لا تسعدها مساندة سوريا لاثنين من ألد أعدائها وهما حزب الله اللبناني وحركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية (حماس). ويرى بعض المحللين أن التغيير في دمشق قد يفيد اسرائيل في نهاية المطاف.

لكن اخرين يقولون انه اذا أدت الاحتجاجات في سوريا في نهاية المطاف الى اسقاط القيادة في دمشق كما حدث في تونس ومصر فان المتشددين الاسلاميين السنة قد يملاون الفراغ ويجعلون البلاد اكثر تشددا.

ويقول موشي ماعوز خبير الشؤون السورية بالجامعة العبرية في القدس فكرة أن هذه الانظمة ستحل محلها ديمقراطيات ليبرالية غير واقعية.

وكما يراقب الاسرائيليون الوضع في سوريا في صمت يراقبه أيضا الفلسطينيون في غزة التي تديرها حركة حماس والضفة الغربية التي تحكمها ادارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الموالية للغرب.

وقال وليد العوض القيادي في حزب الشعب الفلسطيني وهو فصيل من منظمة التحرير الفلسطينية ان أهمية ما يحدث في سوريا بالنسبة للفلسطينيين اكثر كثيرا من الاحداث في أماكن أخرى لعدة أسباب اولها أن 400 الف فلسطيني يعيشون هناك كما أن مكاتب الكثير من الفصائل موجودة هناك ايضا.

ويعتقد محللون أن الطرفين لا يريدان أن تتم الاطاحة بالاسد ويقولون ان الفلسطينيين قد يكونون بمثابة داعم لحكومته مما ينفي تلميحات من دمشق بأن أجانب لم تحدد جنسياتهم ربما يقفون وراء الاضطرابات.

ويقول المحلل السياسي الفلسطيني الذي يعيش في غزة طلال عوكل ان وجود فصائل المقاومة الفلسطينية الرئيسية في سوريا يعطي النظام بعض القوة الداخلية.

ومن شبه المؤكد أن حركة حماس وحركة الجهاد الاسلامي ستضطران الى العثور على مقار جديدة اذا سقط الاسد وحلت محله اي حكومة موالية للغرب تطمح في أن تنأى بنفسها عن ايران.

وسيكون هذا السيناريو هو الافضل لاسرائيل التي تخشى طموحات ايران النووية وتريد عزلها تماما.

وقال جوش بلوك الباحث في معهد السياسة التقدمية بالولايات المتحدة سوريا تلعب دورا شديد الاهمية في جهود ايران للتأثير على المنطقة والسيطرة عليها.

وأضاف اذا رحل الاسد فسيضعف هذا بشدة حماس وحزب الله وايران وكل القوى المعارضة لعملية السلام.

ويرى متفائلون أن من شأن ظهور ادارة أقل عدوانية في سوريا فتح الباب لاتفاق سلام مع اسرائيل.

ويقول المدافعون عن ابرام اتفاق ان على اسرائيل تطبيع العلاقات مع كل جيرانها اذا كانت تريد مستقبلا امنا.

ويرى معارضون أن سوريا ليس لديها ما تقدمه لاسرائيل ليبرر التكلفة العسكرية والاقتصادية والنفسية للتخلي عن الجولان التي يعيش بها نحو 20 الف مستوطن اسرائيلي. لكن اي حديث عن اتفاق للسلام في الوقت الحالي غير معقول.

وكانت اسرائيل قد قالت انها بحاجة الى مناخ مستقر لاجراء محادثات سلام ويشك محللون فيما اذا كان خلفاء الاسد سيسارعون بخوض مفاوضات خشية أن تتضرر مصداقيتهم في الداخل في وجود مواطنين تربوا على الخطاب المناهض لاسرائيل.

وقال بن دور من جامعة حيفا لن يستطيع أي نظام جديد تعريض شرعيته للخطر بالتوصل الى اي اتفاق مع اسرائيل.

غير أنه اذا استمر الاسد في الحكم فقد يبدي مرونة اكبر تجاه الغرب في محاولة لتعزيز اقتصاد سوريا واخماد الغضب الشعبي بشأن الفقر والبطالة.

وقال ماعوز خبير الشؤون السورية اذا استمر فقد يكون اكثر براجماتية مشيرا الى أن الاسد يريد سلاما دائما.

وأضاف يريد استرداد مرتفعات الجولان من اسرائيل. والده  حافظ الاسد فقدها والهيبة المرتبطة بالامر مهمة جدا بالنسبة له.

سوريا والتأثير على المنطقة

يرى الكاتب نيكولاس بلانفورد الذي كتب تحليلا سياسيا في صحيفة كريستشن ساينس مونيتور، الحقيقة أن سورية، التي تعاني من مشكلات عدة منها الفساد، زيادة في عدد السكان وارتفاع في معدل البطالة، برهنت عن قدرتها في لعب دور ربما أكبر من حجمها من خلال ممارستها تأثيراً قوياً في مناطق رئيسية ملتهبة بالمنطقة مثل لبنان، العراق والأراضي الفلسطينية، كما أصبحت بوابة لإيران في محاولتها مد نفوذها بالشرق الأوسط.

من جهته يقول أحمد موصللي أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في بيروت: سوف يكون لأي نظام جديد في سورية تأثير في المنطقة بالتأكيد، غير أن هذا يعتمد على طبيعة هذا النظام. وإذا تذكرنا أن سورية تُمسك الآن بأوراق إيران، حزب الله، الجهاد الإسلامي وحماس، سيتبين لنا أن أي نظام يحكمها لن يتخلى عن أي من هذه الأوراق دون مقابل.

ويضيف بلانفورد ان سورية تتمتع بموقع استراتيجي مركزي يربط إيران بحزب الله في لبنان ويمنح طهران موطئ قدم على حدود إسرائيل الشمالية. كما توفر سورية وإيران الجزء الأكبر من ترسانة حزب الله من الصواريخ الموجهة، القذائف المضادة للدبابات وقنابل مدافع الهاون التي يقال إنها تدخل لبنان من خلال التهريب عبر حدوده الجبلية الوعرة مع سورية.

لذا، إذا ما جرى إغلاق الحدود السورية سوف يصعب على الحزب إعادة ملء ترسانته في حال نشوب حرب أخرى مع إسرائيل.

وبالإضافة لهذا، يتعين على إسرائيل عند دراستها احتمال الدخول بمواجهة مع حزب الله أن تحدد ما اذا كانت حدة هذا الصراع ستتزايد أم لا، وما اذا كانت سورية ستنجر إليه عندئذ.

صحيح أن الجيش السوري لا يضارع نظيره الإسرائيلي تسلحاً وخبرة، لكن النظام أنفق أموالاً كثيرة خلال السنوات القليلة الماضية من أجل الاستحواذ على صواريخ بعيدة المدى تستطيع الوصول الى كل مكان في إسرائيل. كما حصل الجيش السوري أيضاً على أسلحة مضادة للطائرات والدبابات لمواجهة التفوق الإسرائيلي جواً وبراً.

ويقول المحللون كما ينقل بلانفورد إنه لو انزلقت سورية لأتون صراع داخلي كبير، لن تحاول فقط الدول المجاورة لها وهي العراق، إيران، تركيا والمملكة العربية السعودية التأثير في مجرى الأحداث بما يلائم مصالح كل منها بل وستفعل هذا أيضاً الولايات المتحدة وربما إسرائيل أيضاً على النحو التالي:

 سوف تسعى إيران لقيام دولة معادية لإسرائيل والغرب في سورية لكي تستمر في الشراكة الاستراتيجية الراهنة مع طهران.

 سوف تعمل السعودية لكي تتخلى سورية عن روابطها بإيران، وتحد من نفوذ طهران في لبنان، وتعود للعمل مع شقيقاتها العربيات.

 سوف تتطلع الولايات المتحدة لقيام دولة سورية علمانية ديموقراطية مفتوحة على الغرب وعلى السلام مع إسرائيل.

 أول ما ستهتم به إسرائيل هو العمل لمنع سقوط سورية بأيدي المسلمين السنّة كالإخوان المسلمين.

إذ على الرغم من شجب الحكومة الإسرائيلية المتعاقبة تحالف سورية مع إيران ودعمها لحزب الله وحماس، إلا أن تلك الحكومات كانت تعترف ضمنياً أنها تفضل دائماً وجود نظام علماني صارم في دمشق على أية بدائل أخرى غير معروفة.

سورية وإيران والنفوذ في لبنان

ويرى الكاتب بلانفورد انه لا شك بأن أية تغييرات تطرأ على الساحة السورية سوف تؤثر في لبنان الذي يقع تقليداً ضمن دائرة نفوذ جارته الكبرى في الشرق. ومن الملاحظ هنا أن إيران احترمت خلال تحالفها مع سورية منذ ثلاثة عقود دور دمشق في الشؤون اللبنانية، لكن هذا الموقف تغير في عام 2005 حينما سحبت سورية قواتها من لبنان إثر اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري. إذ سرعان ما تحركت إيران عندئذ لملء الفراغ الذي تركه السوريون وساعدت حليفها حزب الله للبروز كلاعب سياسي مهيمن في لبنان.

غير أن سورية بدأت في السنوات القليلة الماضية إعادة تأكيد نفوذها في لبنان مما ولّد احتكاكاً الى حد ما مع إيران وحزب الله اللذين لا يرغبان بالطبع بالعودة للعب دور التابع لدمشق.

على أي حال، إذا ما انهار النظام القائم اليوم في دمشق، وبرز آخر يهيمن عليه السنّة مكانه، سيمثل ذلك ضربة شديدة لإيران وحزب الله، ولحماس الى حد ما برأي محلل سياسي لبناني أضاف قائلاً: فمثل هذا النظام سيحول عندئذ دون وصول إيران الى لبنان، ويضعف بالتأكيد تأثير حزب الله فيه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 4/نيسان/2011 - 29/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م