الإخوان المسلمون بين الأيديولوجية والديمقراطية

 

شبكة النبأ: "في 22 آذار/ مارس 2011 خاطب جان- بيير فيليو ومهدي خلجي منتدى سياسي خاص على مأدبة غداء في معهد واشنطن لمناقشة ما إذا كانت حركة «الإخوان المسلمين» وفروعها الإسلامية - ليس فقط في مصر بل في جميع أنحاء المنطقة العربية وخارجها - يمكن أن تستجيب لبيئة سياسية أكثر انفتاحاً وروح ديمقراطية ناشئة.

جان- بيير فيليو هو أستاذ مساعد في "سيونس بو" [العلوم السياسية في معهد الدراسات السياسية] في باريس وأستاذ زائر في جامعة كولومبيا. ومهدي خلجي هو زميل أقدم في معهد واشنطن وشخصية معترف بها عن التيارات الأيديولوجية الإسلامية الدولية.

فيقول جان- بيير فيليو، تواجه جماعة «الإخوان المسلمين» للمرة الأولى تحدي العمل في بيئة سياسية مفتوحة. فعند ذبول الناصرية في سبعينيات القرن الماضي، والبعثية في التسعينيات أصبح «الإخوان» الحركة الأيديولوجية أو المعارضة الوحيدة المهمة في الدول العربية. ومن المفارقات أن «الإخوان» قد استفادوا من القمع الذي رعته الدولة من خلال طرح أنفسهم كالبديل الحقيقي للنظام دون الحاجة إلى تفصيل برنامجهم إلى ما هو أبعد من شعارهم "الإسلام هو الحل."

ويتابع، مع ذلك، فخلال الثورة المصرية سُمع كثيراً شعار مختلف، وهو "انتهت اللعبة." وعلى الرغم من أنه كان موجه إلى نظام الرئيس حسني مبارك، إلا أنه يمكن أيضاً تطبيق مثل هذه المشاعر على «الإخوان»، لأنهم لم يعودوا يشكلون الخيار السياسي الوحيد للنظام.

انشقاقات إقليمية

ويرى فيليو، على النقيض مما يتظاهرون به فإن «الإخوان» ينقصهم الزخم الإقليمي، وبقوا ممزقين، كما أنهم ما يزالون بشكل عام خاضعين للجيش. وفي هذا الصدد، فإن التباين مع «حزب العدالة والتنمية» الإسلاموي الحاكم في تركيا، الذي تعلّم كيف يلعب اللعبة الديمقراطية، هو فارق يحمل قدراً من التنوير. فقد تلاعب «حزب العدالة والتنمية» بالجيش التركي لتحقيق مكاسب سياسية، واضعاً اللوم عليه في المحن التي تمر بها البلاد، وذلك للاستفادة في صناديق الاقتراع. ومع هذا، ما يزال الجيش له اليد العليا في الدول العربية. ورغم ذلك، يميل الجيش المصري الآن إلى الاتفاق مع «الإخوان» على العديد من القضايا الرئيسية مثل: خروج الجيش السريع من حكمه العلني الحالي، ومقاومة الإضرابات وأشكال النشاط العمالي الأخرى، وتعزيز وجود نظام قوي في اقتصاد البلاد.

ويشير، لكن في حين أن «حزب العدالة والتنمية» متحد -- بل إنه حتى قد استوعب جماعة «الإخوان المسلمين» التركية -- إلا أن جماعة «الإخوان» في مصر مستمرة في الانشقاق. فعلى سبيل المثال، انفصل أحد القادة عن الإخوان في عام 1996 لتشكيل «حزب الوسط» الأكثر اعتدالاً، والذي تم الاعتراف به من قبل محكمة مصرية في أعقاب الثورة.

ويضيف، منذ حوالي عام، حدثت نقطة تمزق أخرى على نفس الدرجة من الأهمية عندما تم ترشيح المتشدد المُسن محمد بديع لمنصب المرشد العام لـ جماعة «الإخوان المسلمين» المصرية. وقد واجه بديع إعياءاً تنظيمياً وأزمة، وقف من ورائها المعتدلون نسبياً في «الإخوان» عندما استقال عبد المنعم أبو الفتوح وجمال حشمت من "مكتب الإرشاد".

ويتابع فيليو، على المستوى الإقليمي أثار ترشيح بديع جدلاً داخلياً آخر حول ما إذا كان [من الأفضل] ترشيح مصري أم مسلم من الخارج (ربما خالد مشعل زعيم «حماس»). ومن خلال بعث رسالة في جميع أنحاء المنطقة فإن غير المصري كان سيقوي أهداف «الإخوان» العابرة للقوميات، لكن في النهاية أثبت اختيار بديع مركزية مصر.

وعلى مستوى المنطقة فإن التنوعات المحلية هي المعيار. ففي المغرب تبنى «الإخوان» اسم «حزب العدالة والتنمية» مقلدين نظرائهم في تركيا. وفي الأردن يسعى «الإخوان المسلمون» إلى الإصلاح وليس الثورة. وفي سوريا فإن الجماعة غائبة. وعلاوة على ذلك، إن الثورات التي تحدث الآن هي إلى حد كبير قومية وطنية، ورغم أن لها بعداً قومياً عربياً تؤججه جزئياً قناة "الجزيرة" إلا أن تطلعاتها ترتكز ضمن حدود ما بعد الاستعمار -- وهو توجه يخالف رؤية «الإخوان» العالمية الأكثر انحيازا لطروحات الإسلام القومي.

في تونس الفرصة والعقبات

وفي سياق متصل يجد فيليو إن جماعة «الإخوان المسلمين» التونسية على وجه الخصوص -- التي بقيت لفترة طويلة بعيدة عن التعاليم العنيفة والمتطرفة لسيد قطب وفرع الجماعة المصري في فترة الخمسينيات -- كانت قد شكلت «حزب النهضة» في عام 1989. ويمكن أن يُعزى غياب قادة «الإخوان» في الثورة التونسية إلى كونهم مسجونين أو منفيين أو مطاردين. إن التحدي الرئيسي لهؤلاء القادة هو إعادة بناء منظمة دمرتها عقود من القمع.

ويقول، تفضل جماعة «الإخوان المسلمين» التونسية أن تنمذج نفسها على غرار «الإخوان» الأتراك، بدلاً من أقرانها المصريين. ورغم ذلك فإن الإسلاميين الآن يتعرضون لفحص مدقق من جانب العلمانيين ونشطاء حقوق المرأة والنقابيين والشباب. ونتيجة لذلك ظلوا حتى الآن على الهامش. فعندما عاد قائدهم راشد الغنوشي من منفاه في 30 كانون الثاني/يناير، تنصل من أية تطلعات للرئاسة. كما أن إعطاء الشرعية لـ «حزب النهضة» لم يُحدث ضجة في الإعلام المحلي. وفي 19 شباط/فبراير، سار المتظاهرون في قلب العاصمة تونس لكي يرفضون أية ادعاءات للإسلاميين بالقيام بدور في الثورة.

مصر تكيف صعب مع الديمقراطية

ويسترجع فيليو خلال كلمته، في مصر فوجئ «الإخوان المسلمون» باحتجاجات 25 كانون الثاني/يناير وانضموا إليها فقط في يوم "جمعة الغضب" بعد ثلاثة أيام، وفي أعقاب الكثير من الإقناع من قبل كوادرها من "الشباب" -- أي من هم في الاربعينات من عمرهم داخل المنظمة مثل محمد البلتاجي. وحتى في ذلك الحين، كان استقبال الجماعة بارداً: وكانت إحدى الشعارات التي سُمعت في ميدان التحرير "لا لمحمد البرادعي ] الرئيس السابق لـ "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"[ ولا لـ جماعة «الإخوان المسلمين»." كما أن «الإخوان المسلمون» قد تعرضوا أيضاً للنقد عندما انضموا إلى المحادثات مع نائب الرئيس آنذاك عمر سليمان في 6 شباط/فبراير مما وضع الجماعة في موقف دفاعي.

ويتابع، إن جماعة «الإخوان المسلمين» المتماسكة التي يسيطر عليها الخوف من التمزق كانت بالفعل قد انقسمت بين المحافظين الذين وقفوا إلى جانب المؤسسة الدينية في تفضيل الاستقرار والطاعة بدلاً من الاحتجاج، و"فجوة الجيل" المملوءة بشباب غاضب. وبعد سقوط مبارك انحاز «الإخوان» إلى الجيش في إدارة المرحلة الانتقالية.

ومما يلقي المزيد من الضوء على عدم حنكة الجماعة في التعامل مع المظاهرات، ما حدث عندما تحدث في 18 شباط/فبراير في "ميدان التحرير"، الداعية الإسلامي يوسف القرضاوي الذي ظل منفياً لفترة طويلة، حيث منع حراسه بطل الثورة الشاب وائل غنيم من الظهور. ومما يبرز الاختلافات بين الأجيال أن الكادر الأصغر سناً من جماعة «الإخوان المسلمين» بقيادة البلتاجي قد أدرك فداحة هذا الخطأ، فظهر مع غنيم بعد أسبوعٍ، للاحتجاج ضد رئيس الوزراء الذي احتفظ بمنصبه منذ فترة مبارك.

وليس لدى «الإخوان» حتى الآن برنامج سياسي، كما لا يمكنهم التغلب على معارضتهم لفكرة أن تكون إمرأة أو مسيحي رئيساً لمصر. وبالرغم من أن موقع الجماعة على شبكة الانترتت بالإنجليزية ينقل كلمات بديع المؤيدة للديمقراطية "بغض النظر عن الدين أو اللون أو العقيدة"، إلا أن النسخة العربية من الموقع تحمل رسالة مختلفة تماماً.

وعلاوة على ذلك، يواجه «الإخوان» منافسة حتى داخل المعسكر الإسلامي. فـ «حزب الوسط» يفضل تأجيل الانتخابات لمدة عام لكي تستطيع الأحزاب تنظيم نفسها بشكل أفضل، كما أن ثمة شائعات تنتشر عن انضمام أعضاء «الإخوان» من أصحاب التوجه الإصلاحي إلى «حزب الوسط» أو قيامهم بتشكيل حزب خاص بهم. وقد توقع أحد المتحدثين باسم «الإخوان» احتمال ظهور ما لا يقل عن أربعة أحزاب إسلامية. كما أن كلاً من "الداعية التلفزيوني" ذي الشعبية، عمرو خالد وائتلاف من مشايخ الصوفية الإسلاميين الأكثر تقليدية يفكرون في إنشاء أحزاب خاصة بهم.

مهدي خلجي

من جانبه يرى مهدي خلجي، ان على الرغم من وجود حاجز عقائدي يفصل بين «الإخوان المسلمين» السنة والمنظمات الشيعية إلا أن تفاعلاً كبيراً قائماً بين المعسكرين. فالأصولية الإسلامية في إيران كان مستلهَمة جزئياً من المفكر المصري في أوائل القرن العشرين رشيد رضا، وكذلك من مؤسسي جماعة «الإخوان المسلمين». وحتى آية الله علي خامنئي يملك العديد من الترجمات الفارسية لكتبٍ ألفها الشخصية الأكثر تطرفاً في «الإخوان المسلمين»، سيد قطب الذي ظهر في فترة لاحقة، واستشهد بكلامه علناً.

وينوه، غير أن الروابط مع الشيعة ليست مقبولة عالمياً من جانب «الإخوان المسلمين». ففي البحرين يَعتبر بعض قادة «الإخوان» أن الشيعة هم أولاد زنا بسبب ممارستهم زواج المتعة -- المحرم في الإسلام السني. ويجزم الشيخ يوسف القرضاوي المقيم في قطر والذي شَهَرته قناة الجزيرة، وهو اليوم أقرب ما يكون إلى زعيم دولي لـ «الإخوان»، بأن الشيعة يؤمنون بقرآن مختلف عن القرآن الذي يؤمن به. كما أن حرب لبنان عام 2006 بين إسرائيل و «حزب الله» قد ضاعفت الانقسامات داخل مجتمع «الإخوان» تجاه الشيعة: حيث رأى القرضاوي أن «حزب الله» هو مصدر إزعاج لكن أعضاءاً آخرين من «الإخوان» وعدوا بإرسال مقاتلين لأي صراع مستقبلي.

ويتابع، تضم حركة «الإخوان المسلمين» في مصر مدرستين مختلفتين في الرأي تجاه العلاقات مع الشيعة. الأولى شرعية وتدعم تنفيذ الشريعة، بينما تؤكد الثانية على الوحدة الإسلامية. ويشارك أعضاء المدرسة الشرعية في الكثير من آراء السلفيين والوهابيين ويزدرون الإسلام الشيعي، بينما أولئك الذين يؤكدون على الوحدة هم الأقرب إلى الجماعات الشيعية في الخليج العربي وإيران. وثمة شخص مؤثر قد كتب عن التعاون السني الشيعي وهو المصرفي البارز المقيم في سويسرا ومبعوث «الإخوان» السياسي الدولي يوسف ندا، الذي دافع عن علاقة الجماعة مع الشيعة بعد حرب لبنان عام 2006. إن التفسيرات كتلك التي يكتب عنها ندا إنما تؤكد الجوانب الصوفية للإسلام على حساب الجوانب الفقهية. ومن الجدير بالذكر أن الكثير من أعضاء «الإخوان المسلمين» بمن فيهم المؤسس الشيخ حسن البنا كانوا قد تلقوا تعليماً صوفياً.

ويشير خلجي، وعلاوة على ذلك، إذا تم تجاوز هذا الجدل العقائدي فثمة مصالح مشتركة يمكن أن توحِّد السنة الأصوليين والشيعة معاً. إن السياسة وليس الدين هي العامل الأساسي وراء التعاطف الذي يُظهره بعض قادة «الإخوان» تجاه إيران -- وكذلك وراء دعم إيران النشط جداً لفرع «الإخوان المسلمين» الفلسطيني -- ألا وهو «حماس».

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 3/نيسان/2011 - 28/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م