
شبكة النبأ: يواجه الثوار الليبيين
صعوبة بالغة على الرغم من دعم قوات الناتو في الاطاحة بمعمر القذافي،
خصوصا وشراسة الكتائب التي يتحصن من ورائها في مواجهة الثورة.
الامر الذي دفع بالولايات المتحدة حسب التسريبات الاعلامية الى
التفكير بشكل جدي في تسليح المجاميع الثورية المسلحة لمواكبة التفوق
العسكري لكتائب النظام الليبي.
ولا تزال تلك الدولة الثائرة تواجه حرب مدن تتصف بالكر والفر بين
الاطراف المتنازعة، تأرجحت خلالها كفتي الطرفين بين معركة واخرى.
مأزق الغرب
حيث يتبدل الحال في الصراع الليبي من تقدم هائل للمتمردين من الشرق
الى تقهقر بنفس السرعة مما يبرز حقيقة ترامي أطراف الاراضي الليبية
الصحراوية. وليس هذا غريبا فقد كان التقدم السريع الذي تحرزه القوات
البريطانية والالمانية والايطالية في ليبيا خلال الحرب العالمية
الثانية يؤدي أيضا الى خطوط امداد أطول من اللازم مما يجعلها عرضة
للهجمات المضادة. لكن بالنسبة للتدخل العسكري الغربي في وقتنا هذا فان
هذا مجرد جزء من المشكلة.
والتحالف الدولي منقسم فيما يبدو بشأن قضية حاسمة وهي ما اذا كان
عليه ان يسلح مقاتلي المعارضة. وقال مسؤولون أمريكيون ان الرئيس باراك
أوباما وقع أمرا سريا يجيز تقديم الحكومة الامريكية دعما مستترا لقوات
المعارضة. وقالت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون انه لم يتم
اتخاذ قرار بتقديم هذا الدعم بعد.
وقد تمثل هذه الخطوة بداية تدخل أعمق في صراع اخر بالعالم العربي
ويتشكك كثيرون في نجاحها. وقال ماركو بابيك من مؤسسة ستراتفور
لاستشارات المخاطر السياسية "لم يظهر المتمردون حقا حتى الان أنهم قوة
قتالية تتمتع بالكفاءة ... قدرتهم العسكرية متدنية للغاية وهذا يفسر
التقدم والتقهقر المستمر." بحسب رويترز.
واستطرد قائلا "في حين أن هناك من بينهم أعضاء يتمتعون بالخبرة
فهؤلاء فيما يبدو يقضون معظم وقتهم يحاولون النجاة من نيران أسلحة
الاعضاء الاقل خبرة." وأضاف "بالتالي فانه ليس واضحا ما اذا كان اعطاء
المعارضة المسلحة أسلحة معقدة سيحقق اي شيء. مبدئيا ليس من الواضح ما
اذا كانوا يعرفون كيف يستخدمونها."
وأشارت المكاسب السريعة التي حققتها المعارضة في بداية الانتفاضة في
فبراير شباط الى أن الزعيم الليبي معمر القذافي سيسقط سريعا. وكان هذا
اتجاه التفكير أيضا حين بدأت القوى الغربية غارات جوية قبل اكثر من
عشرة ايام مما سمح للمعارضة بتحقيق مكاسب.
لكن الهزائم التي تبعت هذا كشفت حدود القدرة العسكرية للمعارضة كما
أظهرت أن القذافي وقواته اكثر قدرة على اعادة تنظيم الصفوف وأكثر براعة
من الناحية التكتيكية مما يضع الغرب في مأزق.
ووافق مؤتمر شاركت فيه 40 حكومة وهيئة دولية في لندن يوم الثلاثاء
على مواصلة القصف الجوي بقيادة حلف شمال الاطلسي الى أن يلتزم القذافي
بقرار مجلس الامن التابع للامم المتحدة بوقف العنف ضد المدنيين.
كما أنشأ مجموعة اتصال من 20 دولة ومنظمة بينها دول عربية والاتحاد
الافريقي والجامعة العربية لتنسيق الدعم الدولي للانتقال المنظم الى
الديمقراطية. لكن ليس واضحا أبدا كيف يمكن تحقيق هذا.
وقال باراك سينار خبير شؤون الشرق الاوسط في المعهد الملكي لدراسات
الدفاع والامن انه يجب أن يتوفر للمعارضة تدريب عسكري وأسلحة "تغير
مسار الامور" مثل أنظمة مضادة للدبابات ومضادة للطائرات. وأضاف "من
الواضح أن القذافي لن يترك موقعه نتيجة لاي مفاوضات او لان الرئيس
أوباما قال انه يجب ان يرحل."
وقال سينار ايضا انه يجب أن تتجاوز السياسة الغربية ما هو منصوص
عليه في تفويض الامم المتحدة القائم بحماية المدنيين لتسمح " باستهداف
وقطع رأس نظام القذافي."
وقال الرئيس الامريكي انه وافق على توفير معدات الاتصالات
والامدادات الطبية ومساعدات محتملة بمجال النقل للمعارضة لكنه لم يقرر
بعد ما اذا كان سيمدها بمعدات عسكرية. لكنه قال لشبكة (ان.بي.سي) "هذا
شيء لا أستبعده."
وقال محللون انه في حين بدا البريطانيون مستعدين لفكرة تسليح
المعارضة كانت فرنسا اكثر حذرا وأوضح وزير خارجيتها الان جوبيه أن هذا
يستلزم صدور قرار جديد من مجلس الامن وهو أمر من غير المرجح أن يحصل
على موافقة روسيا او الصين.
اما امين عام حلف الاطلسي اندرس فو راسموسن الذي يجب أن يحافظ على
التوافق بين الحلفاء وعددهم 28 فقال ان الحلف ليس لديه تفويض بتسليح
المعارضة.
ويقول أعضاء المعارضة المسلحة الذين عادوا من خط القتال الامامي ان
القوة العسكرية الفائقة للقذافي تغلبت عليهم وانهم بحاجة الى أسلحة
أثقل من بنادق الكلاشنيكوف والقذائف الصاروخية والاسلحة الالية
والصواريخ الخفيفة التي تحملها الشاحنات.
ويقول متحدثون باسم المعارضين انهم بحاجة بشكل خاص الى صواريخ مضادة
للدبابات والمزيد من الذخيرة وأجهزة الاتصالات. ومن الواضح أن هناك
حاجة ماسة للتدريب اذ يفتقر معظم المقاتلين للخبرة التكتيكية ولا
يعلمون شيئا عن المتطلبات الاساسية مثل الاستطلاع او حماية اجنحتهم وهو
ما عانوا منه في الايام القليلة الماضية.
ويقول بعض المقاتلين انهم تلقوا تدريبا ليوم او اثنين من منشقين على
الجيش لكن المعظم لم يتوفر له هذا. وكان سيصبح معهم المزيد من الذخيرة
لو لم يطلقوا النيران في الهواء باستمرار.
وفي حين يقول بعض المقاتلين ان لديهم ضباطا فان من الصعب رصدهم
ويبدو أنهم لا يستطيعون الحفاظ على الانضباط بدرجة كبيرة.
وتتخذ القرارات عادة بعد مناقشات حامية او بالانقياد لصاحب الصوت
الاعلى وعلى الرغم من شجاعة البعض فان الاغلب هو الفرار بشكل فوضوي حين
تبدأ قوات القذافي اطلاق النيران بشكل متواصل.
ويقول دانييل كيوهان من معهد الدراسات الامنية انه في حين أن هناك
خلافات واضحة بين الحكومات الغربية بشأن كيفية المضي قدما فانه سيندهش
اذا لم تكن قوات خاصة غربية تحاول بالفعل تقديم المشورة للمعارضة بشأن
كيفية تنظيم نفسها. غير ان تسليحهم سرا مسألة مختلفة وصعبة من الناحية
السياسية.
وقال "يجب أن ينظر الى هذا كانتصار ليبي وليس انتصارا للتحالف. أرى
أن من الصعب أن يتفق التحالف سياسيا على تسليح المعارضة لكن بدون
الاسلحة لا أرى كيف يمكن أن ينتصر المتمردون."
ويقول كيوهان ان من بين الخيارات المحتملة أن تقوم دول عربية مثل
السعودية او قطر او مصر بتوفير الاسلحة. وأضاف "سيكون هذا طريقا مقبولا
بدرجة اكبر من الناحية السياسية لان عربا يساعدون عربا. حتى اذا كانت
تكنولوجيا غربية فسيكون هذا مقبولا سياسيا اكثر من أن يقوم به أمريكيون
بشكل مباشر."
وقال البريجادير بن باري من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ان
المعارضين غير منظمين وان امدادهم بأسلحة أفضل لن يحقق فرقا يذكر على
المدى القصير. وأضاف "ما قد يحدث أثرا اكبر هو نشر فرق من المدربين
والمستشارين لمساعدة المعارضة المسلحة في تنسيق جهودها بشكل افضل.
القدرة يمكن أن توفرها قوات خاصة والوضع المثالي هو أن تكون من دول
عربية ومسلمة."
الانشقاقات مستمرة
في سياق متصل قال مسؤولون أمريكيون ان الرئيس باراك أوباما وقع أمرا
سريا يجيز تقديم دعم حكومي أمريكي سري لقوات المعارضة الليبية التي
تسعى للاطاحة بالزعيم معمر القذافي في الوقت الذي انشق فيه وزير
الخارجية الليبي على النظام مما أمال الميزان لصالح المعارضة.
وخلال الايام القليلة الماضية استخدمت قوات القذافي أسلحتها القوية
وتكتيكاتها لاجبار مقاتلي المعارضة على التقهقر بعد ان كانوا يحاولون
التقدم غربا على الطريق الساحلي من معقلهم في مدينة بنغازي بشرق ليبيا
لكن اي مساعدة من الولايات المتحدة ستشكل نقطة تحول في المعركة على
الارض.
كما يمكن للغرب ان يحصل على معلومات عن سبل اسقاط القذافي من وزير
خارجيته موسى كوسة وهو مدير سابق للمخابرات سافر الى بريطانيا فيما
وصفه صديق له بأنه انشقاق على الزعيم الليبي احتجاجا على الهجمات التي
تشنها قوات القذافي على المدنيين.
وأبلغ صديق لوزير الخارجية الليبي بأن كوسة وصل الى بريطانيا طالبا
اللجوء السياسي بعد ان ترك الحكومة احتجاجا على الهجمات التي تشنها
قوات القذافي على المدنيين. وأضاف نعمان بنعثمان وهو صديق لكوسة ومحلل
كبير في مركز كويليام البريطاني للبحوث "انشق على النظام. لم يكن سعيدا
بالمرة. فهو لا يؤيد هجمات الحكومة على المدنيين. انه يسعى للجوء في
بريطانيا ويأمل ان يلقي معاملة حسنة." بحسب رويترز.
وكوسة من بين مسؤولي القذافي الاساسيين وقام بدور رئيسي في صياغة
التحول في السياسة الخارجية الليبية الذي اعاد ليبيا الى صفوف المجتمع
الدولي بعد ان ظلت سنوات خاضعة لعقوبات دولية.
وسقطت بلدات النوفلية وبن جواد وراس لانوف في تتابع سريع خلال هجوم
مضاد شنته القوات الحكومية بعد ان نصب الجيش كمينا لمقاتلي المعارضة
خارج سرت مسقط رأس القذافي ثم التف حولهم من الصحراء.
مخاطر وانقسامات وحكومة انتقالية
من جهتها نشرت صحيفة "ذي غارديان"البريطانية اليوم تقريرا حول
المجلس الوطني الانتقالي الذي يدير مناطق الثوار، ووجود نذر انقسام في
صفوف قادة المعارضة لنظام الزعيم الليبي معمر القذافي خلال سعيهم الى
تشكيل حكومة انتقالية ذات مصداقية. وكتب مراسل الصحيفة كريس ماكغريل: "معظم
أسمائهم ظلت سرية. وكثيرا ما يجتمعون في المخابئ- أحيانا في كنيسة في
بنغازي، وأحيانا أخرى في أماكن بعيدة مثل طبرق. وبعض اعضاء ما قد يعتبر
حكومة ليبيا الثورية لم يُشاهَدوا على الإطلاق. وهم مجرد أصوات على
الهاتف.
وفي الوقت الذي تحولت فيه انتفاضة شعبية إلى حرب مسلحة يمكن أن يطول
أمدها، فقد اضطر الثوريون الذين تخيلوا ذات يوم أنهم سيطيحون بمعمر
القذافي خلال أيام، ويرثون الهياكل الحكومية، بدلا من ذلك الى رص
صفوفهم من إجل إدارة حرب، والحفاظ على الاقتصاد وتفريغ صناديق القمامة.
المجلس الوطني الانتقالي- وهذا واحد من عدة أسماء منحها لنفسه خلال
فترة وجوده القصيرة- سجل نجاحات سريعة، ليس أقلها إقناع فرنسا
بالاعتراف به حكومة أمر واقع لليبيا. وقد أفسح المجال للضربات الجوية
التي أنقذت الثورة بعد أن أوشكت دبابات القذافي على سحقها.
وفي مؤتمر لندن امتدح القادة الغربيون المجلس، وبالتالي فقد باركوه
باعتباره الحكومة المنتظرة.
ومع ذلك فإن أعضاء الإدارة أنفسهم يعترفون بأن فترته الانتقالية
القصيرة اتسمت بالفوضى والاختلاف حول قضايا مثل مشاركة الشخصيات
البارزة السابقة الذين كانوا ضمن نظام القذافي. بعض الليبيين قلقون
بشأن تمثيل حكومة الثوار، وما إذا كان لجناحها العسكري طموحات سياسية
خاصة به.
هذا المجلس التنفيذي هو برئاسة محمود جبريل، الذي ترأس المفاوضات مع
الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري
كلينتون وحضر إلى لندن كواجهة علنية للمجلس.
لكن المجلس لم يعلن إلا عن أسماء 11 من أعضائه الـ 31، الذين
اختيروا من البلدات والمدن الواقعة تحت سيطرة الثوار، خشية على سلامة
أقاربهم الذين ما يزالون في المناطق الخاضعة لهيمنة القذافي. ولم يجتمع
المجلس بكافة أعضائه مطلقا بسبب صعوبة وصولهم جميعا إلى بنغازي.
واهتزت ثقة الجمهور بالمجلس بسبب الحملة العسكرية التي سمحت لقوات
القذافي بالوصول إلى مشارف عاصمة الأمر الواقع للثوار، بنغازي، قبل 10
أيام، وعشية بدء الغارات الجوية.
كما أن الأعضاء أنفسهم يدركون أنهم فشلوا، بسبب استماتتهم في الحصول
على الدعم الغربي من خلال إعلانات لا تتوقف تؤكد التزام المجلس بدولة
ديموقراطية علمانية متعددة الأحزاب، في إقناع ليبيين كثيرين بقضيتهم.
وتقول بعض المصادر المقربة من المجلس أن الأعضاء الذين لم تعلن
أسماؤهم غير مرتاحين من هذه الرسالة المؤيدة كليا للغرب، حتى وإن كانت
مناسبة من الناحية الدبلوماسية. كما أن فكرة وجوب إعلان ليبيا دولة
علمانية لا تلقى الارتياح من جانبهم. وعلى سبيل المثال فقد أثيرت
اعتراضات حول تسليم المسؤولية عن التعليم في الإدارة الموقتة الى فتحي
باجا، وهو من بنغازي، لأنه يعتبر ملحدا في نظر عدد من أعضاء المجلس.
هذه التوترات انعكست في البيان الصادر أمس، الذي أشار الى الإسلام
من خلال "تصور دولة تستمد قوتها من الايمان الديني العميق بالسلام
والحق والعدالة والمساواة".
كما تسببت مسألة قبول موظفي القذافي في أوساط الثوار في خلافات. وقد
قفز وزير الداخلية السابق عبد الفتاح يونس ومصطفى عبد الجليل من سفينة
القذافي وتبناهم على الفو الثوار الحريصون على تشجيع المسؤولين الآخرين
العاملين مع القذافي على أن يحذو حذوهم على أمل أن تنهار الدكتاتورية.
وحين تعلق الأمر بإنشاء إدارة، تم اختيار عبد الجليل رئيسا لمجلس
انتقالي وكان من أسباب ذلك أنه كان على الأقل يتمتع بشيء من الخبرة في
الحكومة. لكن تم تهميشه في الأيام الأخيرة لصالح جبريل في محاولة
للسيطرة على الفوضى السياسية والهزائم العسكرية.
يونس، الذي وضعت الحكومة مكافأة قدرها 4 ملايين دولار مقابل رأسه،
استدعي لأن الوضع العسكري كان يتدهور بسرعة بعد أن استيقظ القذافي من
صدمة الثورة وجمع قواته وأطلق لها العنان ضد الثوار.
لكن تم استقبال تعيين يونس رئيسا لقوات الثوار بتشكك لأنه كان
الرئيس السابق لقوات القذافي الخاصة وقاد الجنود السابقين بإخلاص.
مصطفى الغرياني، وهو ناطق باسم مجلس الثورة، أقر بأن التعيين قوبل
بمعارضة شديدة. وقال: "كان من الصعب جعل يونس مقبولا، خاصة من قبل
الشباب. فهو مرتبط بالقذافي واستغرق الأمر وقتا. كان علينا أن نقوم
بالكثير من العمل الميداني لنجعله مقبولا".
وقال علي الترهوني، الذي كان مدرسا لمادة الاقتصاد في جامعة واشنطن
قبل تعيينه في حكومة الثوار وزيرا للمالية: "كان الأمر وما زال فوضويا
جدا. نحتاج لهيئة سياسية تحدد ما تسعى إليه هذه الثورة، وجيشا على
الأرض".
وقد عاد الترهوني إلى ليبيا الشهر الماضي بعد أن كان قد سافر إلى
الولايات المتحدة عام 1973 هربا من حكم بالسجن بسبب أنشطته السياسية
المناهضة للقذافي. وحكم عليه بالإعدام غيابيا بعد خمس سنوات. وقال إن
المجلس "أخطأ مرات عديدة، وإن لم يكن ذلك مقصودا".
وأضاف: "سوف نصلح الأمور، أعدك بذلك، الهدف الأساسي هو التخلص من
القذافي ثم بناء دولة ديموقراطية، لكننا نحتاج إلى ترتيب بيتنا أولا".
وأقر الناطق باسم المجلس شمس الدين عبد الملا بالمشاكل، وقال: "لا
أحد في ليبيا يملك خبرة سياسية. لمدة 42 عاما كان هذا الشخص يدير
الدولة هو وعائلته فقط. لذلك فلا أحد في ليبيا يمكن أن يأتي ويقول "أنا
أملك بعض الخبرة في البنية السياسية". الجميع يتعلمون العملية بينما
تسير". وأضاف: "خلال شهر واحد كان يجب أن يمنح الناس بعض الفضل لأنهم
شكلوا مجلسا وطنيا، ومجالس محلية لإدارة الشؤون اليومية في المدن
المحررة. ما زالت هناك مياه جارية وتيار كهربائي. وشيء من نظام
الاتصالات، وفي الوقت نفسه هم يقومون بالإغاثة الطارئة في المستشفيات،
وتقديم المعونات الغذائية محليا وعلى الجبهة. كل ذلك بينما يتعرضون
للهجوم والقصف. أظن أن الناس قد تعاونوا حقا، بينما كان الوضع في
الماضي (فرق تسد)".
وقد شاركه ذلك الرأي العديد من المتحمسين للثورة الذين كانوا
مبتهجين ببساطة لأنه كان يمكنهم أن يقولوا ما يفكرون به من دون التعرض
للاعتقال في واحدة من غرف التعذيب التابعة لنظام القذافي.
وقد ظهرت عشرات من الخيام العربية على شاطئ بنغازي للتعبير عن
التضامن مع الثورة وتسليط الضوء على مجموعة من ضحايا النظام.
كانت هناك خيمة مخصصة للإشارة إلى السجناء الذين بلغ عددهم 1200 شخص،
والذين قتلوا خلال ثورة في المدينة ساعدت بشكل غير مباشر في إطلاق
شرارة الثورة الحالية. كان هناك أيضا تجار مثل جلال الطواحني، الذي
يملك متجرا للملابس وكان يجلس في خيمة وضعها رجال أعمال.
وقال الطواحني إن المجلس الثوري له سيئاته لكنه أدى واجبه المهم.
وقال: "إن لديهم الفرنسيين إلى جانبهم، وجعلوا الناس يقاتلون من اجلنا.
لقد جعلوا ذلك يحدث، ليس لدينا عدد كبير من الناس الذين يعرفون في شؤون
السياسة أو الحكومة. ليس الأمر سهلا بالنسبة إليهم".
قائد قوات المعارضة خصم قديم للقذافي
فيما قال معهد أمريكي للابحاث ان القائد العسكري للمعارضة المسلحة
في ليبيا هو قومي عربي مخضرم من خصوم الزعيم الليبي معمر القذافي وله
تاريخ في تلقي الدعم من المخابرات المركزية الامريكية.
وقالت مؤسسة جيمستاون ان خليفة حفتر هو قائد عسكري سابق دعم
الانقلاب العسكري الذي جاء بالقذافي الى السلطة عام 1969 وأصبح عضوا في
مجلس قيادة الثورة مع القذافي قبل ان ينفصل عنه في عام 1987.
وذكرت دراسة كتبها ديريك هنري فلود محرر نشرة مراقب قيادات الجماعات
المسلحة الصادرة عن جيمستاون ان حفتر عاش العشرين سنة الماضية في
الولايات المتحدة.
وقالت الدراسة "اليوم ومع عودة العقيد حفتر أخيرا الى ميادين القتال
في شمال أفريقيا بهدف اسقاط القذافي زميله السابق في انقلاب ليبيا عام
1969 من الممكن ان يقوم بأفضل تنسيق مع الولايات المتحدة وقوات حلف
شمال الاطلسي الحليفة في التعامل مع متمردي ليبيا الذين لا تربطهم
قيادة.
وقال احمد باني المتحدث باسم المعارضة المسلحة لرويترز في بنغازي في
24 مارس اذار ان حفتر سيقود جيش المعارضة. ورفضت وكالة المخابرات
المركزية الامريكية التعليق.
ووصفت دراسة جيمستاون حفتر بأنه "ناصري علماني من المدرسة القديمة"
في اشارة الى الايديولوجية العربية المبنية على افكار الرئيس المصري
الراحل جمال عبد الناصر.
وقال المعهد ان حفتر كان القائد في المنفى للجيش الوطني الليبي
الذراع المسلحة للجبهة الوطنية لانقاذ ليبيا وهي جماعة معارضة في
المنفى.
الخوف يطارد الفارين
من جهته بينما كان يجلس في ردهة فندق بتونس عقب وصوله للتو من
طرابلس رفض رجل اعمال ليبي مرارا طلبات مراسلي قنوات تلفزيونية لاجراء
مقابلات معه للتحدث عن الاوضاع في بلاده. قال رجل الاعمال "هم يطلبون
مني (التحدث) لكني ارفض. لا اريد ان يتم التعرف علي. ما زالت لي اسرة
في ليبيا واذا تحدثت فسيحرقونها ...هل تفهمون؟ سيحرقونها."
وذكر رجل الاعمال ان زوجته واطفاله ما زالوا في ليبيا وانه مستعد
لتقديم تفاصيل عن حياته في طرابلس بشرط عدم نشر اسمه. وقال "ما يفعلونه
هناك مروع تماما لكني لا استطيع ان اقول ذلك علنا. سيتعقبون القريبين
مني."
وحتى في حالة فرارهم من بلادهم يرفض كثير من الليبيين التحدث صراحة
عن الانتفاضة ضد العقيد معمر القذافي خوفا مما قد يحدث لاقاربهم في
الداخل.
ويقول معارضو القذافي ان الخوف اصبح اداة فعالة جدا للزعيم الذي نجا
من مؤامرات انقلاب واغتيال خلال 41 عاما له في السلطة. وهذا الخوف
يطارد كثيرين من الليبيين في الخارج.
وقال ليبي اخر وصل الاسبوع الماضي الى تونس "بالطبع الناس خائفون...الوضع
غير مستقر. القذافي يعامل شعبه دائما وكأنهم حشرات. لذلك هم خائفون الى
ان يعرفوا انه لم يعد هناك (في الحكم)."
واحتج مئات الليبيين خارج سفارتهم في تونس الاسبوع الماضي داعين الى
تنحي القذافي. لكن عندما اقتربت منهم اطقم التصوير لاجراء مقابلات رفض
كثير منهم وغطى من وافقوا على التحدث وجوههم.
ورصدت جماعات حقوق الانسان دلائل على انتهاكات خطيرة تقوم بها اجهزة
الامن الليبية منذ اندلاع الانتفاضة ضد القذافي الشهر الماضي بما في
ذلك الاختفاء والقتل المتعمد لمارة ومحتجين. بحسب رويترز.
ويقول القذافي ومسؤولوه ان المعارضة المسلحة هي من متشددي القاعدة
الذين يحاولون تدمير البلاد. وينفون استهداف مدنيين. وفي طرابلس اصبح
بعض المواطنين مناهضين بشدة للقذافي حتى برغم عدم جهر اغلبهم بسخطهم
خوفا من العقاب اذا تحدثوا صراحة للصحفيين في الشارع.
ويقول عمال الاغاثة ان مئات الليبيين يعبرون الحدود الليبية
التونسية يوميا لكن قليلين يطلبون المساعدة. وتمتد العلاقات الاسرية
والقبلية على جانبي الحدود مع تجارة قوية للوقود والغذاء بين البلدين.
وقال مارك بيتزولد ممثل المنظمة الدولية للهجرة "من الصعب تحديد ما
اذا كانوا اضطروا للبحث عن مأوى او ما اذا كانوا يريدون رؤية اسرة."
لكن اذا كانوا فارين من القتال أو الضربات الجوية لقوات التحالف
الغربية او يأملون في الانتظار حتى تنتهي الازمة لا يطلع الليبيون
الذين يصلون الى نقطة رأس جدير الحدودية وسائل الاعلام او عمال الاغاثة
على شيء يذكر مما يحدث في بلادهم. وقال عامل اغاثة تونسي "هم ببساطة لا
يتحدثون. الكثير منهم اثرياء ويتوقفون للتزود بالوقود ثم يواصلون السير."
وعلى عكس الليبيين يتحدث اللاجئون الاجانب الذين يصلون رأس جدير عن
المعاملة الوحشية من جانب القوات الموالية للقذافي الذين نهبوا اغلب
متعلقاتهم. وروى شبان افارقة فارون كيف اعتقلت قوات القذافي المهاجرين
الافارقة السود لاجبارهم على قتال قوات المعارضة.
وسئل رجل ليبي وصل مع عائلته الى رأس جدير عما يحدث على الجانب
الاخر من الحدود فقال ببساطة "الطريق كان جيدا ...لا مشكلة."
بنغازي تكافح للعودة الى الحياة الطبيعية
الى ذلك أعادت بعض المتاجر فتح أبوابها وتقدم المقاهي الشاي
والنرجيلة للزبائن وأصبح حاليا بامكان السكان سحب أموال من البنوك في
بنغازي. غير أن تلك العلامات القليلة على عودة الحياة الى طبيعتها في
المدينة التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة قد تتلاشى سريعا بسبب
التقدم السريع لقوات الزعيم الليبي معمر القذافي شرقا.
ويكافح المعارضون الذين شكلوا حكومة انتقالية في ثاني أكبر مدن
البلاد لابقاء الاقتصاد الذي يعتمد على النفط قائما خاصة مع اضطرار
مزيد من الاسر للفرار اليها من المعارك الدائرة في بلدات الى الغرب مع
تقدم قوات القذافي.
وقال سائق سيارة أجرة يدعى وليد علي (32 عاما) "الاقتصاد الليبي..
لا يوجد اقتصاد ليبي منذ زمن." وأضاف "عمري 32 عاما ولا أملك منزلا
ولست متزوجا. لا أقدر على التكاليف. لكني لا أريد المال. أشعر بسلام
الان.. هناك حرية."
وتسبب النزوح الجماعي للمغتربين بسبب العنف الى ترك مصانع بنغازي
خاوية وقوارب الصيد متوقفة عن العمل وأعمال البناء غير مكتملة في الوقت
الذي يواجه فيه المعارضون تعقيدات في بيع النفط الذي يشكل شريان الحياة
الاقتصادية لهم من الموانيء التي تخضع لسيطرتهم.
وقال علي ترهوني المسؤول عن الشؤون المالية والاقتصادية والنفطية في
الحكومة الانتقالية ان أولوية هذه الحكومة هي توفير الغذاء والوقود
والدواء وغيرها من السلع. وأضاف أن فرع البنك المركزي في بنغازي
والبنوك الاخرى تملك أموالا وان الموظفين الحكوميين في المناطق الشرقية
التي تحت سيطرة المعارضة يحصلون على رواتب تصل الى 700 دينار (410
دولارات) شهريا. ويمكن للسكان سحب ما يصل الى 700 دينار شهريا من
حساباتهم المصرفية.
وتابع ترهوني يقول ان المتمردين يحاولون الحصول على خطوط ائتمان من
الخارج لكنهم معطلون بسبب ضعف الاتصالات لاسيما بالنظر الى تعقيدات
الاتفاقات اللازمة.
وقال "من الناحيتين الاقتصادية والمالية .. نحن في وضع أفضل كثيرا
هذا الاسبوع مما كنت أعتقد قبل بضعة أسابيع. وأضاف ترهوني أن الامر
سيستغرق أسبوعين الى ثلاثة لسد النقص في الكهرباء والبنزين في كثير من
المناطق الشرقية. وسيكون انعاش اقتصاد بنغازي مهمة مضنية.
ويقول سكان ان المدينة مهد الانتفاضة الشعبية على القذافي حرمت من
أغلب الثروة النفطية التي أنفقها القذافي بسبب عداوتها الطويلة له.
ويتحدث سكان عن عمليات انتقام دموي قامت بها اللجان الثورية التابعة
للزعيم الليبي ضد شخصيات معارضة في بنغازي ونشطاء طلابيين حيث أعدم
البعض دون محاكمة في الشارع أو في استادات رياضية ليكونوا عبرة للاخرين
المعارضين " للقائد الاخ". ويقولون ان القذافي دمر السوق القديمة في
المدينة خلال حملة في الثمانينات.
وتضررت بنغازي بشدة برحيل كثير من العمال المصريين والصينيين
والبنجلاديشيين والبريطانيين والاتراك وغيرهم من المغتربين الذين كانوا
يعملون في قطاعي الانشاء والنفط.
وقال سديري رضا وهو تونسي يمتلك متجرا للملابس في بنغازي "رحل كل من
كانوا يعملون هنا.. التونسيون والمغاربة والمصريون. لم يعد هناك سوى
قلة من الليبيين .. وحتى الليبيون لا يملكون أموالا الان."
ولا يزال كثير من المصانع ومشروعات البناء والمطاعم والمخابز ومتاجر
البقالة وغيرها مغلقا.
وقال محمود سالم (19 عاما) في متجر للملابس في بنغازي "البنوك مغلقة
.. لا توجد أي أموال. نقترب من نهاية الشهر. بعض الناس لا يزالون
يشترون.. لكن ليسوا كثيرين." وأضاف "أعتقد أنه حالما كون ليبيا حرة ..
بدون القذافي .. سيكون الوضع جيدا للغاية. لا نريد سوى أن يرحل
القذافي."
وستكون القدرة على بيع النفط عاملا رئيسيا في انعاش الاقتصاد لكن
انتاج الخام في المناطق الشرقية التي تسيطر عليها المعارضة عند نحو ربع
مستواه في الاحوال الطبيعية البالغ نحو 425 ألف برميل يوميا. وتوقفت
صادرات الخام من الدولة العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (اوبك)
لكن المعارضين يأملون في استئناف التصدير قريبا.
ويقولون ان قطر وافقت على تسويق النفط المنتج من الحقول الليبية
الشرقية التي لم تعد تحت سيطرة القذافي.
واعطت الولايات المتحدة الضوء الاخر لبيع النفط من المناطق التي
تسيطر عليها المعارضة. لكن خبراء يقولون انه يتعين على المعارضة اقامة
خطوط سيطرة واضحة ونظم للسداد لا تشارك فيها المؤسسة الوطنية للنفط أو
البنك المركزي أو أي كيان حكومي اخر يخضع للعقوبات الدولية.
ويقول المعارضون انهم يريدون ليبيا موحدة عاصمتها طرابلس لكنهم
يتكيفون حاليا مع عزلتهم المؤقتة. وفصل مهندسو اتصالات محليون شبكة
اتصالات الهاتف المحمول لشركة ليبيانا المملوكة للدولة وأطلقوا خدمة
منفصلة في الشرق. والخدمة عاملة لكن الاتصالات متقطعة. |