شبكة النبأ: البيئة السياسية التي
ينشأ في الاعلام، تترك بصماتها وتدخلاتها في مهنية المنتَج الاعلامي
سلبا وإيجابا، فكلما صحّ المحيط السياسي الحاضن وتنقّت أجواؤه، واعتمد
المعايير الصحيحة، كلما حقق الاعلام نتائج طيبة، تؤدي إليها المهنية
العلمية المعتمَدة، في إدارة المؤسسات الاعلامية الرسمية والاهلية على
حد سواء.
العراق قبل عام 2003 كان إعلامه ذا طابع حكومي في الغالب، فمعظم
الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق، منذ نشوء الدولة العراقية
الحديثة 1921 في العهدين الملكي والجمهوري، تدخلت في توجيه المؤسسة
الاعلامية لصالحها، وقد بلغ هذا المنهج ذروته في ظل النظام السابق الذي
جيَّر الاعلام لصالح أهدافه وتوجهاته لأكثر من ثلاثة عقود، لهذا لم
تتأسس قاعدة إعلامية مهنية ناجحة يرتكز إليها الاعلام العراقي ضمن
معايير واضحة.
بعد نيسان 2003 إنفتحت آفاق العمل الاعلامي بصورة مفاجئة أمام
العراقيين، ودخلت وسائل الاتصال الى حيّز العمل، والتدخّل في بلورة
ثقافة حياة جديدة تنتمي الى روح العصر، بعد أن كان العراق يعيش في حالة
حجر إعلامي، وذلك بغياب شبكة الانترنيت، ومنع الستلايت والموبايل، وحصر
الاعلام العراقي بأربعة صحف، وقناتين فضائيتين والهاتف الأرضي لا غير!!.
بيد أن هذا الانفتاح المفاجئ والسريع، حمل معه أضراره، التي فرضت
حضورها وتأثيراتها، في ساحة العمل الاعلامي مباشرة، حيث يقف في المقدمة
من هذه الاضرار، غياب المهنية في الاعلام العراقي، لمرحلة ما بعد 2003
أو ضعفها في أفضل الاحوال، ومن المؤشرات التي تدلل على هذا الغياب أو
الضعف، هو ضمور أو اختفاء الكفاءات الاعلامية، وعدم أخذها لمكانها
المناسب، في إدارة وتشغيل العمل الاعلامي بأنواعه المتعددة، ثم غياب
المنهجية والتخطيط الأمثل، لصناعة إعلام يناسب المرحلة الجديدة، ويأخذ
في الحسبان النقلة النوعية الكبرى في الحياة العراقية.
وثمة أيضا غياب الجدوى، أو الدراسات العلمية التي يمكنها أن تتحول
الى بنود إجرائية، عملية، شاخصة، في الفضاء الاعلامي العراقي الواسع،
والمنفتح على جميع الاتجاهات، ويدعم ذلك غياب التخطيط الاستراتيجي،
المتخصص بالعملية الاعلامية، مع غياب واضح لمعايير الجودة، التي يمكن
من خلالها تأشير الاخطاء، والنواقص، وتصحيحها من اجل حماية المنتَج
الاعلامي العراقي، من الزلل أو العشوائية، أو الانزلاق في متاهات
الفوضى.
لقد بدا واضحا للمراقب المختص، ذلك البطء والتثاقل في تطور الاعلام،
وأحيانا تراجعه الى الوراء، كما حدث ذلك لبعض الصحف الورقية،
والألكترونية، والاعلام الاذاعي وغيره، واذا كانت السنوات الاولى
القليلة، التي أعقبت التغيير، تشكل وعاءا زمنيا مقبولا، لامتصاص
التحوّل المفاجئ وفوضويته، فإنه من الخطأ أن يستمر الحال على ما هو
عليه، ومن الخطأ أيضا أن تبقى الضوابط، والمعايير، والجدوى، والتخطيط
الاستراتيجي، والمهنية، غائبة عن ساحة الفعل الاعلامي المتنوع.
ومن الاخطاء الفادحة، التي لاتزال تتفاعل في المشهد الاعلامي
العراقي، قضية الحفاظ على حقوق الملكية، فيما يتعلق بنقل الخبر، او
التحقيق، او المقال، او غيره مما ينتمي الى الاعلام، فالتعتيم على مصدر
الخبر، مثلا، ودرجة الوثوق منه، لاتزال واضحة في المشهد، وربما تحدث
بصورة متواصلة، والسبب كما هو واضح، غياب القوانين الصارمة التي تحد من
هذه التجاوزات والاخطاء.
وعلى سبيل المثال، هناك بعض الصحف الورقية التي تصدر يوميا في
العراق، حين تبحث في صفحاتها، ستجد أنها تتطاول باستمرار على حقوق
الكتاب والصحفيين وبعض مواقع الانترنيت، من دون أن تشير ولو إشارة
بسيطة للمصدر، وهذا يعني أنها تصدر الى القارئ بجهود غيرها، وبالمواضيع
التي تجاوزت عليها، وهذا الحال يتكرر في بعض الصحف والمواقع
الالكترونية، التي تحصل على مادتها الاعلامية، من خلال القرصنة
والتطاول على حقوق الآخرين.
لذا فإن مؤسساتنا الاعلامية، تحتاج الى خريطة عمل واضحة البنود،
توضع من لدن مخططين مختصين، وعارفين بطبيعة الساحة الاعلامية العراقية
وحيثياتها كافة، من أجل التخلّص من عشوائية الحراك الاعلامي، وفوضويته
الظاهرة للعيان، وهذا الجهد ينبغي أن يكون صادرا من الجهات الحكومية
والاهلية ذات العلاقة.
ولابد أن تتصدر مسألة الكفاءات، ومعايير الجدوى، والتخطيط
الاستراتيجي، إهتمامات المعنيين بالحركة الاعلامية الواسعة في العراق،
فلا يجوز أن تدخل المرحلة الجديدة عامها التاسع، ونحن لانزال نفتقر الى
قاعدة إعلامية متينة، ترتكز إليها أنشطة الاعلام العراقي، الذي ينسجم
مع طبيعة المرحلة، ومع المستجدات المتسارعة في هذا العصر، الذي يتحكم
الاعلام بمساراته، وتوجهاته، ليس السياسية فحسب، وإنما بمعظم، إن لم
نقل، بكل مفاصل الحياة وميادينها. |