تجارة الرقيق والبطالة وجهان لعملة واحدة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: عانى الانسان في رحلته الطويلة مع الحياة، من محطات بالغة الخطورة، حتى أن بعض المؤرخين، يعجبون من الطبيعية البشرية التي استطاعت أن تنقذ الانسان، من الانقراض في حقب ماضية، تميّزت بالتوحش الانساني الحيواني على حد سواء، ناهيك عن كوارث الطبيعة نفسها، والأوبئة التي لم تتوقف عن حصد ملايين الارواح، بهذا المرض الفتاك أو ذاك.

وتأتي تجارة الرق، لتشكل مرحلة مخزية في جبين الانسانية، إضافة الى كونها من اخطر الأعمال التي تجاوزت على كرامة الانسان، واستغلاله بأبشع السبل والوسائل، وتحويله الى ما يشبه الآلة، بعد أن سُلبت منه روحه وكرامته وكبرياءه، من خلال تلك الصفقات التي تاجرَ بها طغاة العالم، ونقلوا مئات الإلوف من زنوج افريقيا وغيرها، عبر المحيط الاطلسي، الى امريكا واوربا، بطرق يندى لها جبين الانسانية.

ولن يشفع لتلك المحطة المخزية، ما تحقق في مجالات الصناعة والزراعة، والاعمال المختلفة التي جناها الغربيون من تجارة الرق، كونها تعدّت بشكل سافر على الانسانية، وقيمها التي تضع كرامة الانسان، فوق كل ما حققه من تقدم وتطور وازدهار، في عموم مجالات الحياة.

لقد خصصت الامم المتحدة يوما عالميا لاستذكار مآسي تجارة الرقيق، وما تعرضت له الانسانية بسبب هذه التجارة من نكسات متوالية، تجعل الانسان عندما يتذكرها يكاد يموت خجلا، مما اقترفته يديه في هذا المجال المخزي، فليس هناك مبرر قط كي يُستعبَد الناس من اجل تحقيق الثراء الفاحش لأقلية من الاغنياء المتوحشين، على حساب الفقراء من افريقيا او غيرها، ولن تغفر لمثل هذه الاعمال، كل النجاحات العملية المتحققة في اوربا وامريكا وغيرها، لأن الأساس العملي لما تحقق كان يمتهن قيمة الانسان وكرامته.

اليوم يعاني العالم من الرق أيضا، ولكن بوجوه واشكال أخرى، لكنها تتماثل مع الرق بالنتيجة، فالبطالة التي يعاني منها العالم أجمع بنسب متباينة، هي نوع من انواع الرق، حيث يتم استغلال الانسان بسبب فقدانه للعمل بأبشع الطرق، ومنها على سبيل المثال عمالة الاطفال، فحين تكون العائلة كبيرة ولا معيل لها، سيكون الطفل في مواجهة خطر العمالة، التي لا تعبأ بحاضر الطفل ولا بمستقبله، حيث يتم استغلاله بطرق تندى لها الجبين، ولعل الصمت المطبق الذي تقابل به الحكومات المتخلفة هذه الظاهرة، يشكل ادانة قوية، ودليلا قاطعا، على كيفية استغلال الاقوياء للضعفاء، كما كان يحدث في مرحلة انتعاش تجارة الرقيق سيئة الصيت.

وهنا نتساءل ما الفرق بين أن يبيع الانسان نفسه لآخر، مقابل ثمن هو بأمس الحاجة إليه، وبين طفل او انسان يحتاج العمل كمصدر رزق، فيقبل به بأدنى الاجور وبالشروط الظالمة التي يضعها صاحب العمل، الذي يقابل في عالم الامس تاجر الرقيق كما نعتقد ؟.

ولو جرّب الاغنياء من أرباب العمل، في العالم المعاصر، وعرضوا شراء الناس في البلدان المنهكة اقتصاديا وثقافيا، فإنهم سيجدون مئات الآلاف من الاطفال وغيرهم، من العاطلين عن العمل بين أيديهم وتحت أوامرهم، إذن فما أشبه اليوم بالبارحة، خاصة أننا نعيش عصر الحكومات (العربية والاسلامية) البارعة بالقمع وبأساليب الاستحواذ على ثروات الشعوب، التي تسكن معظمها على بحيرات من الذهب الاسود، لكنها في الوقت نفسه، تتلظى بنار الجوع والجهل والفقر المزمن.

إن تجارة رقيق الأمس هي بطالة اليوم، وإذا كان الرق بصيغته التجارية السابقة قد انتهى، فإن هناك تجارة معاصرة للرق، وهي تجويع الناس الى الحد الذي يؤهلهم تماما للقبول ببيع أنفسهم مقابل سد الرمق لا أكثر، وذلك من خلال القبول بأقسى الشروط التي يضعها ارباب العمل وغيرهم، مهما كانت مهينة لكرامة الانسان.

هذا ما يحدث في العديد من الدول العربية والاسلامية، الامر الذي دفع بالشاب بو عزيزي لحرق نفسه أمام مرأى العالم، مع انه كان قد باعها لقادة الدولة المتوحشين عندما استكان وحوّل نفسه من إنسان يمتلك شهادة جامعية الى عامل بسيط يبيع الخضرة، ومع ذلك لم تسمح له حكومته بأن يهنأ بحياته البسيطة تلك، فدفعت به الى حرق نفسه، حين صادرت منه عربة رزقه الوحيد الذي لايليق إلا بعصر تجارة الرقيق، لتأتي بداية الصحوة العربية الاسلامية، لمواصلة نبذ تجارة الرقيق، بوجهيها القديم والجديد، الذي تمثله بطالة الشعوب من جهة، وتخمة الحكومات المستبدة من جهة أخرى.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 31/آذار/2011 - 25/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م