موظفون فيسبكيون عاطلون عن العمل!

مهند حبيب السماوي

يعاني العراق، نتيجة لأسباب عديدة لا مجال للتعاطي معها الآن، من مشكلات ومصاعب عديدة على جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والخدماتية وعلى مستويات عمودية في أروقة الدولة والحكومة العراقية وأفقية تتعلق بالبنية التحتية للمجتمع بصورتيه المادية والمعنوية.

ومن أهم هذه المشكلات التي يجب أن توضع في أولويات الحكومة العراقية من اجل النظر فيها وحلها بالتزامن مع حل مشكلة البطالة، هي مشكلة البطالة المقنعة التي تتصف بها الكثير من الدوائر الحكومية، حيث تغص هذه الدوائر بالعديد من الموظفين والموظفات الذين " لا شغل لهم ولا عمل " وينتظرون بفارغ الصبر قدوم الساعة قبل الأخيرة، لأنهم لا يبقون للساعة الأخيرة بالطبع، من نهاية الدوام لكي يتسلل الواحد منهم تلو الأخر لبيته حيث ينتهي به الأمر إلى الفراش!.

مواقع التواصل الاجتماعي

وبطبيعة الحال توجد أمام الموظف أو الموظفة الكثير من الأشياء التي تعمل على تعطيله عن العمل أو تأخيره عن أداءه، ومن أهمها مواقع التواصل الاجتماعي المتنوعة على الشبكة العنكبوتية (الانترنيت) كــFacebook وTwitter و LinkedIn و Myspace وYoutube التي منحتها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون وصفاً، يُسلط ضوءا على عملها الجديد وأبعاده الكثيرة، في جلستها الأخيرة أمام الكونغرس، حينما قالت بان " الإعلام الاجتماعي غير عملنا كليا ".

ويحتل موقع Facebookللتواصل الاجتماعي، الذي أسسه مارك زوكربيرج في 4 نوفمبر عام 2004 بالاشتراك مع رفيقيه في سكن جامعة هارفارد موسكوفيتش دستين وكريس هيوز، درجة كبيرة من الاهتمام من قبل فئة الشباب في إنحاء العالم، وهو الموقع الذي أثير حوله، على مدار الأشهر القليلة الماضية، الكثير من الجدل المتعلق بالعديد من النواحي التي حدثت وكان وراءها الفيسبوك عاملا مساعداً.

فقد حدث جدلاً واسعا حول تداعيات استخدامه على الصعيد السياسي وتم بالفعل حظر الدخول له في بعض الدول، لأسباب سياسية وأمنية بحتة، خلال فترات معينة كما حدث في سوريا وإسرائيل والسعودية مثلاً، وتم أيضاً حظر استخدام الموقع عن الموظفين أثناء العمل بسبب إهداره للوقت.

كذلك شكلت الخصوصية واحدة من المشكلات التي يواجهها رواد الموقع بالإضافة إلى المسؤولية القانونية للمدونين في حال تقدم طرف ما بشكوى متعلقة بالمحتوى الذي يحتوي ذماً أو تشهيراً.

سوسيولوجيا المقالة

ولان موضوع مقالنا اجتماعي وليس قانوني أو سياسي فقد ركزنا الحديث على موضوع انشغال بعض الموظفين، أن لم نقل غالبيتهم، في المؤسسات الحكومية العراقية بهذا الموقع وإهمالهم لعملهم الذي من اجله، من الناحية النظرية، تم تعيينهم فيه.

وهم بهذا الانشغال بتلك المواقع الاجتماعية والترفيهية يخونون، من الناحية الأخلاقية، مبادئ العمل الوظيفي في الحكومة، ويسرقون، من الجانب المهني، وقتا لم يُخصص للالتهاء بهذه المواقع. وبهذا يصبح هذا الموظف عديم الفائدة ولا تفرق لدى دائرته حضوره أم عدم حضوره لها.

بريطانيا واستراليا

لكن هذه المشكلة ليست مشكلة عراقية تتعلق بمؤسساته الحكومية فحسب بل هي مشكلة عالمية واجهت المؤسسات الحكومية في العديد من الدول التي كانت تراقب ما يفعله بعض الموظفين في أوقات العمل والدوام الرسمي، ولكن تلك الحكومات حاولت الحد منها واستئصالها من خلال إجابته على السؤال التالي:

How to stop employees to waste time on facebook, twitter, MSN؟

ولنا في ذلك نموذج بريطانيا اذ أجابت على هذا السؤال عبر قيام سلطاتها بمنع الموظفين من استخدام الفيسبوك أثناء العمل، حيث نقلت لنا، صحيفة الديلي ميل البريطانية، 10 أكتوبر 2010 " أن قوات الشرطة البريطانية وجهت اللوم إلى 8 من العاملين لاستخدامهم أجهزة الكمبيوتر فى الدردشة عبر الإنترنت أثناء وقت العمل".

ولهذا قررت الحكومة البريطانية" معاقبة أي موظف يستخدم أجهزة الكمبيوتر للدردشة مع أصدقائه على الفيس بوك....، بدفع غرامة فورية تبلغ الآلاف من الجنيهات الإسترليني ولكن لم تحدد بعد، هذا بالإضافة إلى الإيقاف عن العمل"، وفرضت أجهزة الأمن " حظرا شاملا على الموظفين الذين يستخدمون مواقع الشبكات الاجتماعية على أجهزة الكمبيوتر إلا إذا كان المطلوب لأغراض خاصة بالأمن وليس للدردشة أو نشر أغراض خاصة بأسرة الموظفين".

وقامت مؤسسات وشركات أخرى في دول أخرى، كاستراليا التي تتخذ إجراءات صارمة في هذا المجال، وبحسب موقع www.itproportal.com، باستعمال نسخة متصفح نوع (internet explorer 6) يساعد في الحد من إضاعة الوقت في الفيسبوك، وفي هذا يشير مستشار رئيس امن شركة مايكروسوفت استراليا السيد ستيورات ستراثدي بان متصفح (internet explorer 6) تم استعماله بواسطة العديد من الشركات التي ترغب بمنع الدخول لمواقع مثل الفيسبوك في الدوائر الرسمية، وذلك لان هذا المتصفح يستند إلى تكنولوجيا قديمة outdated technology لا يستطيع من خلاله المستخدم الولوج الى مواقع متقدمة كالفيسبوك وهكذا يصبح هذا المتصفح خيارا بسيطا وشائعا للشركات لمنع موظفيها من استخدام الفيسبوك.

دراسة معهد كانبرا

وفي دراسة مهمة حول هذا الموضوع نُشرت على موقع معهد كانبرا للتكنولوجيا على شبكة الانترنيت تم فيها التساؤل عن الشبكات الاجتماعية..هل هي ضارة أم مفيدة ؟ حيث أشارت الدراسة إلى أن الشبكات الاجتماعية مثل الفيسبوك والتويتر واليوتيوب قد أصبحت لها شهرة واسعة في الفترة الأخيرة. ولان الكثير منا، كما تقول الدراسة، يقضي اوقاتا كثيرة في العمل أمام شاشات الحاسبة لذلك فمن حقنا وضع التساؤل التالي: ما هي سياستنا تجاه استعمال الشبكات الاجتماعية أثناء العمل؟.

هل من الممكن أن نسمح للموظفين أخذ نظرة خاطفة على الفيسبوك أثناء العمل ؟ وهل يمكن لنا فتح موقع يوتيوب في وقت معين أثناء الدوام الرسمي ؟ أم يجب أن تُمنع الشبكات الاجتماعية من الاستخدام في أوقات العمل بصورة تامة؟.

الآراء العامة حول استخدام الشبكات الاجتماعية تختلف بصورة كبيرة جدا لدرجة حد التناقض، وفي إحدى المقالات التي طبعت في مجلة متخصصة في الكومبيوتر، كان هنالك عنوانين بارزين على التوالي يقول فيها الأول أن الفيسبوك يساهم في عرقلة الإنتاج في العمل ؟ والرأي الثاني يقول أن الفيسبوك والتويتر يطور ويحسن الإنتاج في العمل ؟ طبعا لكل من هذين الرأيين حجج معينة في هذا المجال.

حيث يقول دعاة الرأي الأول الذين هم ضد استخدام الشبكات في العمل أن استخدام هذه الشبكات يلهي الموظف ويصرف انتباهه عن العمل، ولهذا يقلل من الإنتاج والبحث استشهد بمليارات الدولارات الضائعة في الوقت الذي يُصرف على هذه الشبكات والمواقع التي لا ترتبط بالعمل.

ونتيجة لذلك فان العديد من المنظمات قامت بإجراءات لمنع الموظفين من الدخول لهذه الشبكات إثناء فترة العمل كما هي الحال في استراليا وبريطانيا.

أما بالنسبة لمؤيدي استخدام شبكات التواصل في أثناء العمل فأنهم يعتقدون بان السماح للموظف باستخدام هذه الشبكات أثناء فترة استراحته في العمل سوف يكون لها في الواقع فائدة بالنسبة للإنتاج.

دكتور برينت كوكر من جامعة مالبورن دافع عن الدخول لهذه الشبكات والمواقع بعد دراسة حالة 300 موظف ممن يستخدموها قامت بزيادة فعاليتهم بدلا من انخفاضها. حيث يقول كوكر أن "استراحة قصيرة ومتوارية عن الأنظار يتم فيها تصفح الانترنيت تساهم في إراحة الدماغ لنفسه، فالناس الذين يتصفحون النت لغرض المتعة أثناء العمل، وخلال وقت معقول ومحدد، سيكونون أكثر فاعلية بنسبة 9% من هؤلاء الذين لا يفعلون ذلك ".

وأكد آخرون على أن السماح للموظف للدخول إلى هذه المواقع هو إشارة على وجود ثقة واعتراف بأهمية حياة العمل الصحية المتوازنة التي تعتبر نوعا من المكافأة، كما يظن أصحاب هذا الموقف أن الرأي الذي يقول بان شبكات التواصل تعمل على تحطيم إنتاجية الموظف هو موقف يتم تبنيه من قبل الشركات التي تبيع أدوات وبرامج الفلترة على الشركات والمؤسسات التي تمنع موظفيها من الدخول لمواقع التواصل.

موظفو البطالة المقنعة

من الجدير بالذكر القول بان هذا الجدل حول مدى تأثير الفيسبوك على إنتاجية عمل الموظف في العالم الغربي لا نجد لها، على نحو الدقة، مايوازيها في العراق، إذ إن القضية في العراق لها بعد آخر أو قل مستوى أخر. فالموظف في العراق، واتساقا مع مرض البطالة المقنعة فيه، يٌضيع كل وقته في الدخول لهذه المواقع، ولهذا لا نجادل ونتحدث عن إنتاجيته ومدى تأثير الفيسبوك عليها لان هذا يعني أن لدى هذا الموظف إنتاج وعمل فعلي يقوم فيه في مؤسسته التي يعمل فيها، وهذا أصلا غير صحيح.

فجميع الموظفين ممن تشملهم قضية البطالة المقنعة ينغمسون منذ أول الصباح في هذه المواقع وقبل أن يتناول إفطاره في هذه الدائرة، وهذا واضح بدقة من خلال ما يقوم به من تدوينات على موقع الفيسبوك الذي يؤرخ زمنياً لأي نشاط يقوم به المدون والموظف الذي يمتلك فيه حساباً. ولذلك تتفاجئ حينما ترى أن هذا الموظف الحكومي يبدأ بوضع تعليقاته وصوره الشخصية والفيديوهات وبعض الروابط على هذا الموقع في أوقات الصباح الباكر وبعضها قبل التاسعة صباحاً.

هذا مؤشر خطير و" سابقة " غير معهودة في العمل المهني ويدل دلالة فاضحة ومأساوية على مدى " الفراغ " الذي يعانيه هذا الموظف أو الموظفة بحيث تدفعه إلى الدخول صباحاً وقبل" الاستفتاح " إلى موقع الفيسبوك والبدء بنشاطه فيه قبل حتى أن ينظر في عمله وواجباته اليومية أن كانت له واجبات وإعمال أصلاً.

ولسنا بصدد البحث عن أسباب دخول الموظف أو الموظفة إلى هذه المواقع وتنقله بين أروقتها واستخدامه لتطبيقاتها واستمتاعه بخدمة الشات والتعارف فيها، فضلا عن إيمانه بخرافات ما يسمى " حظك اليوم" أو " صندوق الحظ " وقراءته لها في بعض المواقع كالفيسبوك، فهذا الأمر يتطلب مقالة خاصة نعد القارئ بأننا سنتطرق لها لاحقا.

فالموظف أو الموظفة يستخدمون الشبكة العنكبويتة لهذه الإغراض التافهة التي ليس لها فائدة وظيفية لتحسين تطوير عمله ولا فائدة إنسانية ايضاً، وهم لا يستخدموا الشبكة مثلا في " حشد الناس لإغراض إنسانية معينة كما قام البعض مثلا بجمع تواقيع 8 مليون شخص من خلال الفيسبوك في ثلاثة أيام بعد زلزال هاييتي حثوا الحكومة الأمريكية على التبرع لها ب10 مليون دولار". فهذا الأمر ليس من اهتمامات الموظف العراقي الغارق في أمور اقل ما توصف بأنها لعقلية غير ناضجة.

تجاوز غير مقبول

هذا التجاوز غير الأخلاقي والمجرد من الإحساس بالمسؤولية من قبل الموظف الحكومي على وقت العمل ينبغي أن لا يُترك من غير محاسبة ومتابعة من قبل المؤسسة الحكومية التي تدفع إثمانا باهضة للاشتراك في خدمة الشبكة العنكبوتية، فعليها أن تمنع الموظف من هكذا استخدام غير مهني ولا يتعلق بالعمل المطلوب منه أن يؤديه في وقت يحتاج العراق فيه للبناء واستثمار طاقاته للنهوض من جديد.

وإذا لم تمنع الدائرة الحكومية هذا الموظف من الاستمرار في غيّه فيما يتعلق بسلوكه وتعامله مع الشبكة العنكبوتية، فأن هذه الدائرة سوف تكون مشتركة مع الموظف في هذا الفساد وحينها سنعتبر هذا الفساد رسمي وحكومي بحت وليس قضية عابرة وعشوائية يقوم بها موظف ما بعيدا عن رقابة الدائرة.

حالنا المأساوي

المضحك في الأمر أم المبكي ربما، ولا نعرف هل نضحك أم نبكي على ماوصلنا إليه من حال مؤلم، أن الدول المتقدمة، والتي تتفوق علينا بعشرات السنين، كبريطانيا واستراليا تقومان بإجراءات للحد من هذه الظاهرة وتنجحان بصورة أكيدة في مهمتهم بسبب حرصهم على تطوير بلدهم وتقدمه والوصول به إلى مراحل عليا في سلم التطور الحضاري...أما نحن في العراق الذي خرج من قبضة الدكتاتور صدام حسين...فمازال، بعد أكثر سنة من إجراء الانتخابات، يبحث عن أشخاص يتسنمون وزارات الداخلية والدفاع والمخابرات!.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 31/آذار/2011 - 25/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م