
شبكة النبأ: يراهن حكام الانظمة
العربية على مقاومة موجات التغيير التي بدأت تجتاح المنطقة بشكل مفاجىء،
ويشير الحراك الشعبي الى ان ازمة الشرق الأوسط بدأت للتو، وهناك ضمان
نسبي باستمرار نجاح الثورات في باقي المنطقة.
ان كل من تجربتي تونس ومصر، خير دليل على ذلك. فبقاء الوضع على ماهو
عليه الآن أمر غير مضمون، بسبب تنامي الثورات الشعبية بالمنطقة، فان
الشعوب العربية لم تعد تأبه لحاكمها، وبدأت الثورات تنمو تدريجياً،
فالثورة الشعبية في اليمن وسوريا والاردن تضغط وبقوة من أجل تغيير
النظام السياسي، مما أرغم قادة هذه الدول تقديم تنازلات يوم بعد آخر.
فان القادة في هذه الدول لا يريدون التخلي عن المنصب دون خوض معارك،
وهذا ما يحدث في البلدان التي قامت بها الثورات والتي سقط ضحيتها عشرات
المحتجين. فنرى القادة يلجأون الى العنف من جانب والوعود باجراء
اصلاحات لا فائدة منها من جانب آخر.
لكن هذه الثورات تمضي بأساليب مختلفة وبسرعات متبانية، لكنها في
مجملها، ومن منظور تاريخي، تكذب الكثير من الأحكام الجاهزة التي ظل
الغرب يعتمد عليها بشأن جيرانه العرب. كما يقول الكاتب خوان أنطونيو
بارنويبو.
حيث يعتقد الكاتب ان مايحصل في أجزاء عديدة من العالم العربي يُذّكر،
بما حصل في أوروبا الوسطى والشرقية منذ أربعة عقود، حين تساقطت الأنظمة
المدعومة من موسكو وتفكك الاتحاد السوفياتي في النهاية في ظاهرة وضعت
في سياق موجة ديمقراطية مست اليونان والبرتغال وإسبانيا وبلدان من
أميركا اللاتينية وآسيا. فأن الاعتقاد ظل سائدا في الغرب بأن المجتمعات
الإسلامية عموما مرادفة للجمود، وأن مطامح التغيير فيها إن حصلت تتجه
نحو الماضي لا إلى المستقبل وأنه لا توجد فيها بدائل عن القومية
الديكتاتورية أو الأصولية المتطرفة.
لكن كل هذه الأحكام أصبحت أمرا بائدا خلال أسابيع فقط، وكانت إشارة
الانتحار التراجيدي للشاب التونسي محمد البوعزيزي كافية لتفجير الثورات
الديمقراطية ذات الدوافع السياسية والأخلاقية.
ويرى محللون سياسيون ان سرعة وتيرة التغيير التي تجتاح العالم
العربي، بفضل الثورات الشعبية الملتهبة والساعية للحرية والديمقراطية
قد فاجأت صناع القرار لدى الغرب والولايات المتحدة.
وكشفت الاضطرابات والثورات الشعبية أمام القضايا العالمية والعربية،
مقابل بروز واضح للدور الفرنسي والبريطاني، فلماذا تتردد واشنطن في
اتخاذ القرارات يا ترى؟
ففي الشأن الليبي، قام الفرنسيون بحماس كبير بالتحشيد العالمي نحو
استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يهدف لفرض حظر جوي فوق ليبيا،
واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين وكبح جماح العقيد معمر
القذافي الذي استخدم المدافع والطائرات وراجمات الصواريخ ضد المدنيين
من أبناء شعبه.
وأما الرئيس الأميركي باراك أوباما وفريقه فقد تأخروا أسابيع قبل أن
يتحركوا أخيرا لدعم قرار يصدر عن مجلس الأمن، مما وضع أوباما في دائرة
السخرية وجعله يظهر بمظهر رئيس هيئة الأركان المتردد.
ويواجه الرئيس الأميركي انتقادات تتمثل في أنه ترك الفرصة لباريس
لقيادة العالم، حيث يتصدر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي دفة القيادة،
وسط ادعاءات بعض مسؤولي الإدارة الأميركية بأن الوضع في ليبيا حالة
خاصة، وحيث إن الولايات المتحدة ترى أن بلدانا مثل مصر والبحرين واليمن
هي أكثر أهمية من الناحية الإستراتيجية.
ربما يعود سبب ذلك إن الولايات المتحدة تعاني من انتشار قواتها
العسكرية على نطاق واسع بالعالم ومن الديون الحكومية الضخمة ومن ضعف
التأييد الشعبي للحروب الخارجية، ولهذا فإن واشنطن تتطلع لأن يقوم
شركاؤها الدوليون وحلفاؤها بالاضطلاع بالمسؤولية وبالحجم الأكبر من
المسؤوليات إزاء ما يجري في ليبيا، حتى وإن ظهرت أميركا بمظهر اللاعب
لدور ثانوي مساند.
فالدور الأميركي بدا واضحا عندما حذر أوباما القذافي باتخاذ إجراء
عسكري ضده، تقوده بريطانيا وفرنسا والدول العربية، وكان ذلك إنذارا
نهائيا، شكل إطار عمل صحيح لما ينبغي للمجتمع الدولي فعله.
فالمجتمع الدولي –والقول لأوباما- ينبغي له العمل بشكل جماعي وعليه
أن يتحمل مسؤولياته المشتركة، وبالتالي تحمل تكلفة تطبيق القانون
الدولي بشكل مشترك.
ويعتقد محللون سياسيون أن السياسة الخارجية الأميركية بشأن الشرق
الأوسط منقسمة بين مناداتها بالحرية ودعم الديمقراطية، وبين ضرورة
حفاظها على تدفق بترول المنطقة التي تقبع تحت أنظمة شمولية مستبدة.
والإدارة الأميركية تواجهة مفارقة في سياساتها الخارجية، فهي مارست
سابقا اعتدالا بشأن دعمها للحرية والديمقراطية بالشرق الأوسط بهدف
الحافظ على استقرار المنطقة، وبالتالي استمرار تدفق النفط. ولكن الشرق
الأوسط الآن لم يعد يتمتع بالاستقرار، فأين المفر بالنسبة لواشنطن يا
ترى؟ وربما هذا ما سبب ترددها.
يقول الكاتب سيمون مونتيفيور إن الثورة تشبه موت نجم خافت، فتعطي
انفجارا زاهيا لا ينتج مجرّة جديدة ولكن غمامة أو سديما مليئا بالطاقة.
فأنه بالرغم من أن لكل ثورة بصمتها، وهذا بسبب الطابع المحلي الذي
تتميز به كل ثورة، ووسط هذه الأجواء من الثورات الملتبسة في العالم
العربي والتدخلات الغربية، فإن تاريخ الثورات في العالم يمكن أن يهدينا
بعض الإرشادات لما يمكن أن يكون عليه مستقبل المنطقة.
وربما سيشهد العالم العربي مرحلة مشابهة تتمثل في ديمقراطية جديدة
مع دور خاص للجيش على الطريقة التركية، أما ليبيا فإنها قد تغرق في
صراع قبلي. |