الحسابات السرية

عباس عبود سالم

هناك سؤال يتكرر امامي كل يوم من قبل الاخوة المصريين.. وهو ما الفرق بين صدام حسين، وحسني مبارك، او ما الفرق بين زين العابدين بن علي، وصدام حسين، ولاني احبذ في هكذا مواقف ان تكون اجابتي قصيرة وواضحة، اقول ان مبارك، او بن علي يمكن ان يكونوا لصوص سرقوا اموال شعوبهم، لكن صدام سرق الاموال، و ازهق الارواح، اي انه لص وقاتل معا...

 والمفاجيء في الامر انهم يتركون الجزء المتعلق بالقتل، ويتوجهون الى الجزء المتعلق بالسرقة،

 فاخبار السرقات، والرشاوى، والعمولات، والصفقات السرية التي يتحدث عنها الاعلام والمجتمع بخصوص مبارك او بن علي، واركان نظامهما لها تأثير على الراي العام اشد من تأثير ملفات التعذيب والبطش الذي كان تمارسه اجهزة امن الدولة.

 لذلك وجدت ان لدينا خلل اعلامي وسياسي هائل في هذه الناحية، فقد تحدثنا كثيرا عن جرائم واخطاء صدام السياسية وتركنا سرقاته، فهناك تباطيء وخمول في التعاطي مع ملف يعد من اخطر الملفات على الاطلاق، ويجب علينا الاعتراف باننا مقصرين بشكل كبير في الكشف عن مقدار النهب الذي تعرضت له اموال الشعب العراقي خلال الحقبة الصدامية، ولو على سبيل الاعلام ومصارحة الشعب.

ففي الوقت الذي قلبنا فيه الدنيا ولم نقعدها عندما تمكنا من استرجاع (يخت) كان قد شيده صدام في فرنسا قبل عقدين، لم نكلف انفسنا بالحديث عن مليارات الدولارات التي نهبها الرجل وكأن امرها لايعنينا تاركين للروتين مجراه في عملية اشبه بالبحث عن ابره وسط كومة قش.

وعند التقصي والتحري والسؤال، اكتشفت انه لحد الان لم يتحدد حجم الاموال التي جمعها صدام، واين هي الان؟ والغريب ان المصادر الامريكية سواء وزارة الخزانة، او الخارجية، او الشركات العالمية المتخصصة بتعقب تلك الاموال، مهتمة بذلك اكثر من العراقية!!

 وتلك المصادر رجحت ان تكون المبالغ التي استحوذ عليها صدام تتراوح من اربع الى عشر مليارات دولار، في حين ان مصادر اخرى خمنت ان تكون المبالغ اكبر من ذلك، فمفتش الامم المتحدة وخبير الاسلحة جارلس دوفلر ذكر ان صدام جمع 100 مليار دولار خلال الفترة من 1990م لغاية 2003م.

كما اعلن جيفري روس المسؤول بوزارة الخزانة الامريكية انه تم العثور على ارصدة مالية لصدام حسين تزيد قيمتها على ملياري دولار موزعة في 2100 حساب في حوالي 41 دولة لكنه اشار الى ان الجزء الاكبر من اموال صدام لم يتم العثور عليه بعد، فكيف جمع صدام تلك الاموال واين هي الان؟؟؟

 شغف صدام منذ توليه السلطة بأنشاء الحسابات السرية التي من خلالها كان يدير منظومته الامنية السرية، وكذلك يتم تمويل جهات، ومنظمات، واحزاب خارجية، فهناك معلومات تفيد بان نسبة 2.5% من صادرات النفط (حصة كولنبنكيان) كان يتم تحويلها الى صدام عن طريق حسابات سرية خاصة بعد تاميم النفط مطلع سبعينات القرن الماضي.

وكذلك منذ اندلاع الحرب مع ايران عام 1980م عمد صدام الى بناء شبكة من الشركات الاجنبية وصل عددها الى مئات الشركات في بنما، وسويسرا، وفرنسا، وايطاليا، وبريطانيا، وفرنسا، وقبرص وهذه الشركات كانت تعمل واجهات لنشاطه المالي مثل شركة (لوجارشيو) المسجلة في بنما.

وتميز عمل وزارات النفط، والمالية بانعدام الشفافية فكانت رئاسة الجمهورية هي من يضع الموازنة المالية السنوية دون ان يحق حتى لوزارة المالية ابداء اي ملاحظات، ناهيك عن انعدام الشفافية في عمليات تصدير النفط، لاسيما الفترة من 1991 لغاية 2003م حيث تمكنت اسرة صدام من جمع اموال طائلة من تهريب النفط الى بلدان مجاورة عبر موانيء البصرة.

واشتهر برنامج النفط مقابل الغذاء باكبر عمليات فساد في العالم وكشفت التحقيقات ان 2200 شركة عالمية دفعت رشاوى لمسؤولين عراقيين سابقين في مقدمتهم صدام حسين بلغت 1.8 مليار دولار للحصول على عقود توريد مواد غذائية الى العراق بضمنها 173 شركات فرنسية، في مقدمتها رينو، وبيجو اللتان حولتا اموالا طائلة الى حساباته السرية.

 كما ذكر رئيس وزراء استراليا جون هوارد ان صدام تلقى رشاوى من شركة (اي دبليو بي) الاسترالية لتصدير القمح بلغت 220 مليون دولار سنويا، اما عن القصور فتشير المعلومات المتاحة الى ان صدام شيد 170 قصرا في العراق ويمتلك قصور في فرنسا وسويسرا، وفي بلدان اخرى.

وعثرت القوات الامريكية التي دخلت العراق عام 2003م على رسالة وجهها صدام الى محافظ البنك المركزي العراقي قبيل دخول القوات الامريكية، امره بتسليم نجله قصي مبلغ 920 مليون دولار، و90 مليون يورو من موجودات البنك المركزي العراقي، وتم ذلك بالفعل ونقلت الاموال الى مكان مجهول لتختفي دون معرفة مسارها.

وفي بيان للخارجية الامريكية صدر في نيسان 2004 تم الكشف فيه ان حزانة صدام الشخصية كانت تستأثر بعائدات السياحة الدينية (زيارة الايرانيين للعتبات المقدسة في النجف والكربلاء والكاظمية وسامراء) التي كانت عائداتها تبلغ نصف مليار دولار سنويا وكان ذلك يتم من خلال شركة متخصصة كانت تعمل باشراف المخابرات العراقية.

وذكرت تقارير دولية ان الفترة التي انهارت فيها سلطة صدام شهدت نقل اموال من حسابات تسيطر عليها الحكومة الى حسابات شخصية وهو ما يفسر ظهور قوى وشخصيات ومؤسسات اعلامية وفضائيات مجهولة التمويل تبنت مشروع ما يسمى بالمقاومة الذي ادى الى حرق العراق.

لا اريد ان اكمل سرد هذه المعلومات فهي كثيرة وهائلة لكني اكتشف اننا تعاطينا كثيرا مع الملف السياسي لصدام الى درجة اغمضت العيون عن ملفه المالي، ولو انه حوكم على جرائم الفساد المالي، وسرقة اموال الشعب، لكانت فضيحته اكبر بكثير من ادانته كقاتل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 30/آذار/2011 - 24/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م