الثورات الزاحفة ترعب ما تبقى من الحكام العرب

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: باتت الاضطرابات السياسية التي تعصف بالبلدان العربية تجيز في تداعياتها كل ما يتوقع على مدى الفترة القادمة، خصوصا ان سقوط زعيمين ومثليهما باتا قريبان من ذلك، لا ينهي ما قدر تخبأه الاقدار لبقية الزعماء العرب، بعد ان اصبحت الانتفاضات الشعبية تنتقل من دولة الى اخرى انتقال النار في الهشيم.

فبعد عقود من رزوح الشعوب العربية تحت سلطة الدكاترة بالنار والحديد، اخذ الثوار والمنتفضين زمام المبادرة والتصعيد تجاه الحكام، غير مبالين بأدوات القمع القديمة التي مورست تجاههم وآبائهم في الماضي، كاسرين حاجز الخوف والرعب الذي كان يهيمن على المنطقة.

ويؤكد المتابعون للشؤون السياسية في شمال افريقيا والشرق الاوسط، ان التغيير الشامل للنظم الحاكمة لن يستثني احد منها، والامر بات مسالة وقت لا اكثر حتى تتوحد الشعوب تحت مظلة الديمقراطية القادمة.

فرنسا تحذر السعودية

فقد حذرت فرنسا بعد تدخلها العسكري في ليبيا كل الانظمة العربية بما فيها النظامان السعودي والسوري من عدم اجراء اصلاحات كافية استجابة لمطالبة شعوبها بالحرية، وفي حديثه عن اليمن وسوريا والبحرين والسعودية اعتبر وزير الخارجية الفرنسي الان جوبيه في لقاء مع الصحافيين مؤخراً ان حركة الاحتجاجات في العالم العربي ستفرض نفسها اجلا ام عاجلا في كل مكان، وقال جوبيه "اعتقد ان هذه الحركة لن يمكن قمعه، هناك بالطبع انظمة قمعية ستحاول البقاء، لكنها لن تصمد على المدى البعيد، هذه الحركة ستفرض نفسها مع الوقت وامل ان يكون ذلك في اقصر وقت ممكن"، واضاف "يجب احترام تطلعات الشعوب للحرية والديموقراطية في كل مكان، وحظر العنف في كل مكان، نحن ندين اللجوء الى هذا العنف وندعو الى الحوار في اي مكان سواء في البحرين او اليمن او سوري، لن اسرد لائحة الدول التي تشهد موجة الحرية هذه، انها فرصة رائعة وحدث تاريخي ضخم ولا ينبغي ان نخشاه". بحسب فرانس برس.

ومنذ ايام تنتقد فرنسا بحدة سوريا التي دعتها الى "التخلي عن اي استخدام مفرط للقوة" والبدء "دون ابطاء" في اجراء اصلاحات سياسية، وكانت باريس وراء اعادة سوريا الى الساحة الدولية بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري في العام 2005 في بيروت لتحذو بعد ذلك حذوها كل من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وردا على سؤال عما اذا كانت ليبيا تشكل ناقوس انذار لانظمة قمعية اخرى في العالم، قال جوبيه "سيكون ذلك اشارة تنبيه"، واضاف ان "مهنة الديكتاتور اصبحت مهنة محفوفة المخاطر"، في اشارة الى امكانية اللجوء الى المحكمة الجنائية الدولية، وردا على سؤال عن السعودية، اجاب جوبية ان تحليله "ينطبق على كل دول المنطقة"، وقال "على جميع الدول ان تدرك ان تطلعات الشعوب يجب ان تؤخذ اليوم في الاعتبار، انها منطقة معقدة جدا ويجب ايضا مراعاة خصوصيات كل دولة ومشاكل مكوناتها، فالعلاقة بين السنة والشيعة عامل اساسي".

وكان العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز (86 سنة) اعلن مؤخرا برنامج مساعدات اجتماعية غير مسبوق يشمل نفقات بنحو مائة مليار دولار اضافة الى 36 مليار سبق الاعلان عنها في شباط/فبراير الماضي، الا ان العديد من ممثلي المجتمع المدني اعتبروا ان على هذه المملكة النفطية الغنية العمل على انشاء برلمان منتخب ومنح حريات عامة ومنح الاستقلالية للسلطة القضائية.

وقال وزير الخارجية الفرنسي "يقال دائما ان النفط هو الذي يتحكم في كل شيء، هذا غير صحيح، فالتفكير في اننا نفعل كل ذلك من اجل النفط تفكير مبسط"، واضاف "للحصول على النفط بشكل منتظم وبسعر رخيص كان الافضل الا يحدث اي تغيير في ليبي، ليس النفط هو الذي يدفعنا الى كل ذلك، ففي البحرين الامر لا يتعلق بالنفط وانما بالعلاقة بين السنة والشيعة".

المزاج الثوري قد يصل الإمارات

على صعيد متصل أعلن ناشطون إلكترونيون عن خطة لتنفيذ ما سموه بـ "ثورة الإمارات"، وهي وقفة احتجاجية سلمية ينوون القيام بها في مكان غير محدد بعد، في إحدى أو بعض الإمارات، حيث أسسوا لذلك صفحة على الموقع الاجتماعي "فيسبوك"، انضم إليها حتى الآن حوالي 3000 عضو، في حين حظرت السلطات الإماراتية الصفحة، واشار مؤسس الصفحة، الذي استخدم كنية "يو إيه إي ريفيليوشن"، وهي ترجمة لكلمة "ثورة الإمارات" باللغة الإنجليزية، لتنفيذ الاحتجاجات إلى أنهم، أي منظمي الحدث، سيطلقون "هذه الثورة، ضد عصر الشيوخ، والظلم وكبت الحريات، وضد من نهبوا ثروات الشعب الإماراتي".

وتقدمت مجموعة مؤلفة من 133 شخصاً، بعريضة إلى رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وأعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات السبع المكونة للاتحاد، يطالبون فيها بالتجاوب مع المتغيرات الدولية والإقليمية، وتبني نهج ديمقراطي نيابي، كما نص على ذلك دستور الدولة الصادر عام 1971، وقال الناشط، أحمد منصور، وهو أحد الموقعين على الالتماس، إن المجموعة مؤلفة من أكاديميين ومسؤولين حكوميين سابقين وصحفيين وناشطين، ودعت المجموعة إلى إجراء إصلاحات شاملة للنظام البرلماني، المتمثل في المجلس الوطني الاتحادي، كما اشتملت المطالب على الانتخاب الحر والكامل لجميع أعضاء المجلس من قبل كافة المواطنين، وإصلاح التشريعات المنظمة لعمله، بحيث تصبح له سلطة تشريعية ورقابية كاملتين، مع إجراء التعديلات الدستورية الضرورية لضمان ذلك، وفق منصور.

وخلال الأيام الماضية، شهد موقع "فيسبوك" إضافة المزيد من الصفحات التي تحمل نفس الهدف، وبعناوين مشابهة، منها "ثورة الإمارات ضد الفساد"، و"ثورة تحرير الإمارات"، وثورة الإمارات، و"ثورة شباب الإمارات"، وغيرها، حيث ضمت عشرات من المشاركين، بدا وكأنه التفاف على حظر الصفحة الرئيسة من قبل السلطات الإماراتية، ولم تعرف دولة الإمارات، وهي عضو باتحاد دول مجلس التعاون الخليجي، وصاحبة خامس أكبر احتياط نفطي في العالم، والمكونة من سبع إمارات (هي بجانب العاصمة أبوظبي، دبي، والشارقة، وعجمان، وأم القيوين، والفجيرة، ورأس الخيمة) من قبل هذا النوع من الاحتجاجات لمن يقولون إنهم من مواطنيها، وهي بالتالي تواجه هذه "المحاولة للتمرد الشعبي" للمرة الأولى في تاريخها المعاصر.

غير أن أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإمارات، الدكتور عبد الخالق عبد الله، قال إن منطقة الشرق الأوسط بشكل عام "تعيش ما يمكن تسميته بـ(المزاج الثوري العام)، ولا شك أن ما حدث في كل من تونس ومصر وليبيا حالياً وبعض الدول الأخرى، يمثل مصدر إلهام لكل عربي في الإمارات وغيرها من بلاد المنطقة"، وأضاف أن "المزاج الثوري هذا يصب في إطار إصلاحي، تغييري، فيما لا توجد دولة لديها مناعة أو حصانة إلهية ضد الثورات"، مشيراً إلى أنه "ربما يكون الهدف الرئيس لهذه الحركة المطالبة بمزيد من الحريات، التعامل مع أمور كانت موجودة بالفعل من قبل ثورات البلاد العربية. بحسب السي ان ان.

لكنه أشار في الوقت نفسه إلى إمكانية ألا تكون هذه المجموعة المنشأة على الإنترنت ناطقة بلسان الأغلبية الكاسحة للشعب الإماراتي، وهو الشعب الذي عرف عنه أنه "شعب حشيم" (وهي كلمة باللهجة المحلية تعني "الاعتدال والحشمة") في السلوكيات والمطالب العامة من أولي الأمر، كما أن الغالبية العظمى من أهل الإمارات يقدرون ويحترمون قيادتهم"، ولفت عبد الله، إلى أن "الموروث الشعبي الإماراتي يخلو من التراث الثوري والحزبي، ومن الصعب تخيل مثل هذه الفئة تقود ثورة في الدولة، فليس كل من أسس موقع على فيسبوك عبر عن المزاج العام للأمة"، لكنه حذر في الوقت نفسه مما لا يمكن توقعه، حيث قال "ينبغي أن نتوقع ما لا يمكن توقعه، فها نحن في العالم العربي، وخلال 60 يوماً فقط، نعيش المفاجآت الواحدة تلو الأخرى في بلاد العرب."

وحسب ما هو منشور على الصفحة، فقد أخذ بعض المشاركين في نشر أخبار وتقارير صحفية نشرت من قبل في صحف ومواقع إخبارية، حول شكوك في عمليات غسيل أموال في الإمارات، وتصوير لعملية اغتيال القيادي الفلسطيني في حماس، محمود المبحوح في دبي، وفيديو لواقعة تعذيب مواطن أفغاني في الصحراء، وأخبار عن تعذيب أشخاص من الجاليات العربية كذلك، كما شهدت الصفحة مشاركات من أشخاص حاولوا تثبيط عزائم المنظمين للحدث إلكتروني المنشأ، حيث ظهر شخص، يبدو أنه مواطن إماراتي، واسمه عبد الله محمد، غير راغب في أن تنفذ هذه الوقفة، حيث استهل تعليقه قائلاً: "الله، الوطن، الرئيس"، ثم اضاف "أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً لدولة الإمارات العربية المتحدة، ولرئيسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، مطيعاً لجميع الأوامر التي تصدر إلي من رؤسائي، منفذاً لها في البر والبحر والجو، داخل البلاد وخارجها، في كل الظروف والأوقات، واضعاً نفسي ومواهبي في خدمة البلاد، رافعاً علمها وحامياً استقلالها وسلامة أراضيها، معادياً من يعاديها، مسالماً من يسالمها، مادمت حيا محافظاً على شرفي وسلاحي لا أتركه قط حتى آخر قطرة من دمي، والله على ما أقول شهيد"، لكن المواطن عبد الله، أردف بعبارة قصيرة، فصل بينها وبين جسم النص الأول، وهي تقول: "تم الانضمام فقط (يقصد إلى المجموعة الإلكترونية) لكتابة هذا الرد، وتم الخروج من المجموعة"، ويواجه معلقون على الصفحة الإلكترونية هجوماً شرساً من قبل رافضين لهذا الاحتجاج المزمع تنفيذه، تصل في بعض الأحيان إلى تبادل السباب والشتائم بالجنسية والعرق، حيث يقول أحد المشاركين لمشارك آخر، إن أنت أكرمت الكريم ملكته، وإذا أكرمت اللئيم تمرد"، وحاول مشاركون آخرون نشر عناوين إلكترونية لمجموعات مضادة، من بينها مجموعة "الإمارات العز"، و"كلنا خليفة"، التي تدعو من خلالها الناس إلى الانضمام لرد الجميل للشيوخ الحكام، و"كيد العزال والحساد"، على حسب ما كتب أحد المتبنين للفكرة.

من جهتها ذكرت وسائل اعلام محلية ان الامارات العربية المتحدة أمرت بزيادة معاشات تقاعد العسكريين بنسبة 70 في المئة في إجراء يستهدف تجنيب البلاد شبح الاضطرابات التي تجتاح المنطقة، ويشمل الامر الذي أصدره رئيس الامارات الشيخ خليفة بن زايد ال نهيان وأذاعته وكالة الانباء الاماراتية ونشر في الصحف منح علاوات للعاملين بوزارة الدفاع والقوات المسلحة ويسري اعتبارا من مارس اذار، وهذا هو أحدث إجراء ضمن سلسلة إجراءات من جانب ثالث أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم لتجنب الاضطرابات التي تجتاح دولا عربية خليجية ثرية كانت تعتبر نفسها في الماضي محصنة من الصراع السياسي.

الى ذلك قالت الامارات انها ستجري ثاني انتخابات للمجلس الوطني الاتحادي الاستشاري في سبتمبر ايلول المقبل في خطوة حذرة نحو الاصلاح السياسي، وشارك في انتخابات المجلس الوطني الاتحادي في عام 2006 نحو 6600 ناخب بينهم 1160 امرأة وهو رقم يمثل أقل من واحد بالمئة من تعداد السكان، وفي وقت سابق هذا الشهر أطلقت الامارات خطة استثمار للبنية الاساسية تتكلف 1.6 مليار دولار للامارات الشمالية الاقل تطورا والتي يوجد تباين شديد بينها وبين دبي وأبوظبي المركزان الثريان للتجارة والسياحة، وتشمل الاجراءات الاخرى التي كشف النقاب عنها اتفاقا مع المتاجر الكبرى لخفض أسعار السلع الغذائية والسلع الاساسية الاخرى بنحو 40 بالمئة في مارس اذار وتقديم دعم لاسعار الارز والخبز بدءا من ابريل نيسان حتى نهاية العام لمواجهة ارتفاع الاسعار. بحسب رويترز.

تأتي هذه الاجراءات رغم ان دخل الفرد يزيد على 47 ألف دولار مما يجعله من بين أعلى مستويات الدخول في العالم، وقالت مصادر مطلعة ان الامارات العربية المتحدة يمكن ان تتخلى عن خطط لرفع اسعار البنزين، وعرض الحكام الخليجيون عددا من الاعانات الاجتماعية لمواطنيهم في اطار جهود لارضائهم بعد الانتفاضات التي اسقطت رئيسي تونس ومصر في يناير وفبراير الماضيين وأثارت احتجاجات مماثلة في شبه الجزيرة العربية، وفي وقت سابق طالبت مجموعة من المثقفين الاماراتيين حكامهم باجراء انتخابات حرة في مؤشر على ان بعض الاماراتيين يشتركون في نفس المطالب العربية بأن يكون لهم قول أكبر في الحكم، ولا توجد مؤشرات على احتجاجات بالشوارع في الامارات حيث يمثل الاجانب ما يصل الى 80 بالمئة من تعداد السكان البالغ نحو خمسة ملايين نسمة، وعرضت سلطنة عمان زيادة الرواتب ووعدت بمنح سلطات تشريعية للمجلس المنتخب جزئيا.

الانتفاضة قريبة من سوريا

الى ذلك امتدت الانتفاضات التي تجتاح العالم العربي الى سوريا لتشهد احتجاجات ضد الفساد وحكم الحزب الواحد في أكبر تحد داخلي يواجه الرئيس بشار الاسد، وقتل العشرات في الاحتجاجات التي اندلعت في الايام الاخيرة وأضرم المتظاهرون النار في مبان حكومية فيما يمثل تحديا صريحا للسلطة التي عرف عنها أنها لا تغض الطرف عن المعارضة، ويذكر ان الاضطرابات الكبيرة بدأت في مدينة درعا الجنوبية حيث ردد المحتجون "الله، سوري، حرية" لكن المحللين يقولون ان خيبة الامل في حكم الاسد وصحوة الامل بالانتفاضات العربية قد توسعان نطاق الاحتجاج. بحسب رويترز.

وقال حازم صاغية الكاتب المعروف "انها دولة شبه شمولية والفساد في كل مكان،" وأضاف "كل الاسباب التي تدفع الى توقع تغيير جذري موجودة"، وأي اضطراب في سوريا سيكون له أثر يتجاوز حدوده، ففي عهد بشار الاسد ووالده من قبل أصبحت سوريا أقرب حليف عربي لايران كما أصبحت قوة ذات نفوذ كبير في لبنان وقوة داعمة لجماعات النشطاء الفلسطينية واللبنانية، حيث يحكم حزب البعث الذي تولي السلطة منذ نحو 50 عاما في ظل قوانين الطواريء ويحظر كل أشكال المعارضة، ومن بين المظالم الاخرى هيمنة الاقلية العلوية التي ينتمي اليها الاسد على الاغلبية السنية وانتشار الفساد والصعوبات الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة.

ويقول صاغية انه اذا تمكن المعارضون الليبيون المدعومون الان بقوة عسكرية غربية من تحقيق مكاسب في قتالهم ضد العقيد معمر القذافي فسيتشجع المحتجون السوريون بدرجة أكبر، فقد تتصاعد حينئذ الاحتجاجات في مختلف أرجاء البلاد، ولا يتوقع كثيرون ان يحذو الاسد حذو الرئيسين التونسي والمصري اللذين اذعنا في نهاية الامر لحشود المحتجين وتركا السلطة، وقال صاغية "أعتقد أن نظاما مثل نظام البعث في سوريا لن يترك السلطة بسهولة، سيختار شيئا يشبه ما يحدث في ليبيا او اليمن"، وتابع "اذا اندلعت حرب اهلية وسادت الفوضى لن يستفيد أحد الايرانيون سيفقدون حليفهم لكن الاسرائيليين سيجدون على حدودهم وضعا متفجرا للغاية."

ويقول الاسد ان السياسة الخارجية السورية المعارضة بشدة لاسرائيل والمؤيدة لحماس وحزب الله تعني انه يتفرد عن بقية الحكام العرب بأنه متفق مع شعبه بشأن واحدة من أهم القضايا العربية، لكن هذا الوضع الذي يطلق عليه "الاستثناء السوري" لا يوفر حماية كافية من المحتجين الذين يركزون على مطالب في الداخل بمزيد من الحقوق وفرص العمل وتحسين مستويات المعيشة، وعندما تمرد الاخوان المسلمون على الرئيس الراحل حافظ الاسد أرسل الرئيس قوات الى حماة وقتل الالوف وسوى جزءا من المدينة بالارض في عام 1982، حيث استغرقت العملية العسكرية في حماة اسابيع وانتهت قبل أن يعلم العالم الخارجي بحجمها الكامل، لكن هذا النوع من القمع قد لا يكون خيارا مطروحا الان في عصر تصوير الاحتجاجات بكاميرات الهواتف المحمولة وعرضها على الانترنت في دقائق.

من جهته قال حبيب مالك استاذ التاريخ بالجامعة الامريكية في بيروت "السوريون أظهروا في الماضي قدرتهم على مواءمة القمع بالمرونة"، وأضاف أن التحدي الذي يواجهه الاسد وان كان كبيرا الا انه يظل "محدودا ويمكن وأده في المهد"، ومثل دول عربية أخرى تسعى الى احتواء المعارضة تراجعت سوريا عن قرارات برفع الدعم واتخذت قرارات بزيادة الاجور، وقال فولكر بيرتيز مدير المعهد الالماني للسياسة الدولية والامن ان سوريا يمكنها كذلك نزع فتيل التوترات في المناطق الكردية في شمال شرق البلاد عن طريق الوفاء بتعهدها بمنح الجنسية للاكراد الذين لا يحملون أي جنسية.

وقال دبلوماسي في دمشق ان الاسد الذي انتخب رئيسا بالتزكية بعد وفاة والده في عام 2000 كثيرا ما عطل الاصلاحات السياسية التي وعد بها وظل يعتقد خطأ أن الحد من التحرر الاقتصادي هو العنصر الرئيسي للبقاء، وأضاف "كانوا يحاولون وضع ضمادات اقتصادية على جرح ينزف بدماء الاحباط كان أمام بشار الوقت لاتخاذ اجراءات استباقية وبدء اصلاح حقيقي ولكن النظام يرتكب اخطاء كبيرة"، ومنذ عام 2005 عندما سحبت الولايات المتحدة سفيرها من دمشق بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري نسق الاسد سياسة للتقارب مع الغرب لكنه تمسك بموقف متشدد ازاء الانتقاد في الداخل، وقال انه مستعد لاستئناف محادثات السلام مع اسرائيل مصرا على انسحاب اسرائيلي كامل من مرتفعات الجولان التي احتلتها اسرائيل عام 1967 ومستمرا في الوقت ذاته في وضع سوريا في صورة بطل المقاومة العربية ضد اسرائيل.

قال بيتر هارلينج المحلل لدى المجموعة الدولية لمعالجة الازمات المقيم في دمشق "الاستثناء السوري يعتمد منذ فترة طويلة على مهارة النظام في وضع سياسة خارجية متوافقة مع الرأي العام وهو وضع متفرد في العالم العربي، لكن المشاعر الشعبية تنصب الان على مجموعة من القضايا الداخلية تركت دون معالجة لفترة طويلة للغاية"، وأضاف "السلطات تواجه الان تحديدات مماثلة لما تواجهه أنظمة أخرى في المنطقة وترد حاليا بالطريقة نفسه، ويتوقف الان ما سيحدث في المستقبل على قدرتها على اعادة ابتداع الاستثناء السوري عن طريق وضع رؤية شاملة ذات مصداقية للتغيير"، وتابع "القمع لن يؤدي الا الى تفاقم الوضع المتفجر."

المشاكل الاقتصادية هي السبب 

فيما اكد رئيس البنك الدولي روبرت زوليك ان المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تسبب الاضطرابات السياسية الجارية في الشرق الاوسط لن تنتهي بسبب استبدال زعيم بآخر، وقال الدبلوماسي الاميركي السابق "كما شهدنا في الاشهر الثلاثة الفائتة نزل السكان في الشرق الاوسط وشمال افريقيا الى الشوارع للمطالبة بالتغيير، وتحقيقه في بعض الحالات كانت لحظات مذهلة ولدت زخمها الخاص"، وتابع ان "حيزا كبيرا من المشاكل والدوافع المولدة لهذه المطالب اقتصادية واجتماعية الطابع، علما انها اخذت شكلا سياسيا"، لكنه اكد ان هذه المشاكل لن تختفي "بمجرد سقوط حكومة او استبدال زعيم بغيره".

واعترف زوليك بان دراسات البنك الدولي لم يكن لها باي تاثير يذكر في المنطقة مع تفاقم المشاكل تدريجي، واضاف ان البنك الدولي نشر عددا من التقارير حول الصعوبات في احداث وظائف للشباب ومضاعفة انعدام المساواة بين الجنسين وتفعيل الاعمال في اطار تنافسي، وقال "لكن سجل النشاطات متفاوتا"، وكان زوليك يتحدث في افتتاح مؤتمر "اصوات وآراء عربية" برعاية البنك الدولي الذي ينعقد بعد الثورات التي قلبت نظامي تونس ومصر، وفيما ينعقد المؤتمر، تجهد الحكومة اليمنية للبقاء بمواجهة الاحتجاجات الشعبية فيما تشهد سوريا حركة احتجاجات واسعة ويسعى ائتلاف دولي اميركي اوروبي عسكريا الى شل قوة الزعيم الليبي معمر القذافي القتالية وحماية المدنيين في البلاد التي تشهد ثورة. بحسب فرانس برس.

في سياق متصل اعرب المشاركون في ندوة دولية عن "الانتقال الديموقراطي في تونس" عن تضامنهم مع الانتفاضات الشعبية التي يشهدها عدد من الدول العربية وادانتهم لتصدي الانظمة لها، ودعوا المؤسسات الدولية الى رصد "جرائم قمع" هذه الاحتجاجات، وقال المشاركون في بيان اعقب الندوة التي نظمتها في تونس الشبكة الاوروبية المتوسطية لحقوق الانسان والفدرالية الدولية لحقوق الانسان "نعلن تضامننا الكامل مع مختلف اشكال الاحتجاج السلمي التي تنشد التغيير او تسعى لاحداث اصلاحات جذرية عميقة في عدد واسع من البلدان العربية في مقدمتها ليبيا والبحرين واليمن وسوريا والمغرب".

واضاف المشاركون في الندوة التي ضمت مئات من نشطاء المجتمع المدني في تونس والبلدان العربية والاجنبية "نستنكر باقصى العبارات الجرائم المرتكبة من قبل النظام الليبي بحق شعبه وندين بشكل مطلق الاستخدام المفرط للقوة في قمع احتجاجات سلمية مشروعة وبخاصة في اليمن والبحرين وسوريا ونشجب بقوة التدخلات العسكرية من قبل دول مجلس التعاون الخليجي لقمع الانتفاضة الشعبية في البحرين"، ودعوا مؤسسات الاتحاد الاوروبي والمجلس الدولي لحقوق الانسان الى "اتخاذ التدابير الضرورية التي تؤمن المراقبة والرصد الفعال والتحقيق الواجب في جرائم قمع اشكال الاحتجاج"، و"المنظمات المحلية والاقليمية والدولية للقيام بواجبها المهني في اعداد ملفات موثقة لهذه الجرائم" تمهيدا لمحاسبة مرتكبيها امام المحاكم، وشددوا على ان "مقتضيات حقن الدماء وتغليب المصالح والتطلعات المشروعة لشعوب هذه المنطقة، تملي على الحكومات تبني مسارات سياسية مغايرة توفر ضمانات حقيقية للحوار حول خطط وبرامج عملية للاصلاح، مربوطة بتوصيات زمنية وآليات فعالة للتنفيذ والمتابعة والتقييم كشرط ضروري لانتقال آمن الى الديموقراطية في هذه المنطقة من العالم". بحسب فرانس برس.

واعربوا عن تقديرهم "العميق لنضالات الشعبين في تونس ومصر التي اطاحت باثنين من اعتى النظم الديكتاتورية والبوليسية في العالم العربي"، ودعوا الى ان تؤمن المرحلة الانتقالية في البلدين "قطيعة كاملة مع مرتكزات التسلط وادواته التي عرفها البلدان لعقود طويلة من اجل تقويض نسق كامل للافلات من العقاب على انتهاكات حقوق الانسان وجرائم الفساد بما في ذلك الفساد السياسي"، ودعوا الى ان يوفر المسار السياسي في البلدين خلال المرحلة الانتقالية "ضمانات كافية في التمثيل السياسي وفي المشاركة الفعالة في ادارة شؤون البلاد للقوى صاحبة المصلحة التي فجرت الثورة او انخرطت في فعالياتها".

وبشأن الانتقال الديموقراطي في تونس، اكد المشاركون في الندوة في توصياتهم على "الاولوية الدستورية للمعايير الدولية"، مشيرين مع ذلك الى ان المجتمع المدني التونسي "لا يزعم انه الفاعل الوحيد في التحول الديموقراطي ولا يستهدف الحلول محل الاحزاب السياسية المدعوة الى تركيب مشاريع سياسية يعود التحكيم بينها الى الشعب"، وركزت التوصيات على "الاولوية الدستورية للمعايير الدولية التي يجب ان تلقى تطبيقا مباشرا في التشريع الداخلي، وقانون انتخابي يسمح باقتراع حر ونزيه بما يسمح بتشكيل غالبية وتمثيل الاقليات السياسية ودستور يضمن حماية كافة الحريات"، كما شددت على "الاحترام المطلق لحرية الاعتقاد الامر الذي يقتضي استقلال المجال العام ازاء المعيار الديني دون ان يعني ذلك نكرانا لوجود الدين نفسه وعدالة مستقلة ومتساوية للجميع وصحافة حرة ومستقلة وتنظيم اقتصادي واجتماعي يكفل للجميع الحصول على الحاجات الاساسية والعدالة الاجتماعية"، وتناولت الندوة التي تبعتها ورشات عمل حول حاجات المجتمع المدني التونسي، محاور بينها بالخصوص مراحل التحولات الديموقراطية على الصعيد الدولي واطار التحول الديموقراطي في تونس.

أثرياء عرب

من جهة اخرى ازداد عدد الأثرياء الذين يفكرون بالهجرة من الشرق الأوسط إلى بريطانيا بشكل ملفت للانتباه، وذلك بسبب عاملين اثنين، اولهما أعمال العنف التي تشهدها المنطقة جراء ثورات وانتفاضات الشعوب على حكامها، والتسهيل المدروس والمخطط له لقوانين الهجرة البريطانية لمن هم من أصحاب الملايين، كما وصل عدد المهتمين بالهجرة إلى بريطانيا من أثرياء الدول العربية، وخصوصا السعودية ومصر والبحرين، إلى "مستويات غير مسبوقة"، وفي تقرير نشر مؤخراً نقل عن رئيسة قسم الهجرة في شركة بي دبلو سي للمحاماة، جوليا أونسلو كول، في بريطانيا قولها "هنالك زيادة كبيرة حقا في عدد الأشخاص المهتمين بالانتقال من الدول العربية إلى بريطانيا، وذلك منذ اندلاع موجة القلاقل في مصر في شهر يناير/كانون الثاني الماضي"، وتضيف الخبيرة القانونية قائلة "لم أرَ مثل هذا الأمر من قبل قط في أوساط السعوديين، فالأشخاص الذين أتحدث إليهم قلقون حقا". بحسب البي بي سي.

ويرى المحللون أن وصول هذا العدد من أثرياء العرب إلى بريطانيا، والتي تعاني منذ أكثر من عامين من أزمة اقتصادية خانقة مثل العديد من البلدان الأخرى، يشكِّل بلا شك مفاجئة سارة من مفاجآت الربيع العربي، وبالطبع لم تكن متوقَّعة من قبل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون "الراغب برؤية المزيد من فاحشي الثراء القادمين للاستثمار في بلاده"، وللتدليل على ترحيب حكومة كاميرون بقدوم أصحاب الملايين هؤلاء، تشير إلى الخطط التي تعتزم وزارة الداخلية البريطانية إماطة اللثام عنها في وقت لاحق، وترمي لتخفيف القيود المفروضة على تأشيرات دخول المستثمرين إلى بريطانيا ابتداء من السادس من شهر أبريل/نيسان المقبل، ومن التسهيلات والاستثناءات التي ستعلن الحكومة البريطانية عنها لجذب المستثمرين الأغنياء اختصار الفترة التي يتعيَّن على المستثمر قضاؤها في البلاد للحصول على الإقامة والجنسية في حال بلغت استثمارته فيها حاجز الـ 10 مليون جنيه إسترليني (16 دولار أمريكي).

أمَّا كمال رحمان، وهي شريكة في إحدى الشركات القانونية المختصة بمتابعة ملفات ومعاملات الزبائن الأثرياء، فتقول إنها لمست أيضا زيادة ملحوظة في عدد الراغبين بالهجرة إلى بريطانيا من أثرياء العرب، "وذلك بسبب تخفيف القيود المفروضة على القوانين، ونتيجة لاضطراب الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط"، وتضيف "يشعر السعوديون عادة بالسعادة بالبقاء في بلادهم، لكننا نتلقى اتصالات من ثلاثة سعوديين في كل أسبوع ونصف، مقارنة باثنين آخرين (أي من جنسيات أخرى) منذ أن بدأنا هذا العمل لأول مرة"، فهنالك زيادة كبيرة في عدد الأثرياء العرب المنتقلين إلى بريطانيا هربا من "نار القلاقل في الشرق الأوسط"، وبالإضافة إلى الأثرياء من السعوديين، تقول رحمان إنها تتلقى استفسارات حول الهجرة أيضا من مصر وباكستان وروسيا وكازاخستان وماليزيا وفيتنام وأندونيسيا والصين، ويشير التقرير إلى أن 155 مستثمرا أجنبيا قد هاجروا إلى بريطانيا خلال العام الماضي، لكن الحكومة ترغب أن تضاعف العدد هذا العام، وذلك طمعا باجتذاب مئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية إلى سوق الاستثمارات في البلاد.

وفي تحقيق اخر لصحيفة عالمية والذي جاء بعنوان: "مسار سريع لفاحشي الثراء الساعين للاستقرار في بريطانيا"، حيث يؤكد على "إن المستثمرين الأجانب الأثرياء، والمستعدين لإيداع مبلغ خمسة ملايين جنيه إسترليني (8 مليون دولار) في حساب في أحد المصارف البريطانية سيُمنحون حق الإقامة في بريطانيا لفترة غير محددة، وذلك بعد مضي ثلاث سنوات فقط على قدومهم إلى البلاد، أي أقل بسنتين مقارنة ببقية المهاجرين العاديين الآخرين"، اما من يودِع مبلغ 10 ملايين جنيه إسترليني فأكثر، فسيكون بإمكانه الحصول على الإقامة الدائمة في بريطانيا حتى خلال عامين اثنين فقط.

أول كتاب عن الثورة العربية

الى ذلك أصدرت مجلة (فورين بوليسي الأمريكية) ويعتبر أول كتاب يرصد تطورات الثورات الجارية في المنطقة العربية التي تجري فصول من وقائعها في الوقت الحالي، ويسعي الكتاب لفهم أبعاد وجذور ما يحدث في المنطقة ويقدم من خلال 217 صفحة رؤي مختلفة لعدد من الكتاب والمفكرين البارزين. ويتضمن الكتاب من خلال فصوله الستة مؤشرات الثورة بدقة كما قدمها المشاركون علي مدي كتاباتهم في فورين بوليسي العام الماضي.

يركز الكتاب علي مؤشرات الثورة، مشيراً إلي أن هذه النذر في العالم العربي لم يكن من الصعب تلمسها حيث عزز منها حالة السخط السياسي، وتدهور الخدمات العامة وقسوة الشرطة والبطالة. علي امتداد الشرق الأوسط كانت حالة من السخط تنتاب المواطنين في مختلف الدول العربية بينما يعيش الشباب حالة من الأحلام الضائعة بحياة كريمة وسط مجموعة من الحكام الطاعنين في السن، وعلي ذلك فإن السؤال الذي كان يشغل الجميع، متي يرحلون وليس عما إذا كانوا سيرحلون أم لا؟

ومما يشير إليه الكتاب مفارقة أنه حتي اولئك الذين كان من المفترض انهم يعرفون بما يختمر به الشرق الأوسط من أوضاع مؤهلة للثورة رفض الاعتراف بالثورة وهنا يتم الإشارة إلي المواقف الأمريكية وعلي رأسها موقف وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ففي 25 يناير يوم الغضب في مصر راحت تعلن أن تقديرها أن الحكومة المصرية مستقرة معلنة في الوقت ذاته عما وصفته بتطلعها إلي الاستجابة للتطلعات والمصالح المتعلقة بالشعب المصري، وفي تناوله لثورة تونس التي كانت شرارة الثورة العربية يشير إلي أن تونس كان ينظر إليها علي أنها يمكن أن تكون بمثابة نموذج لدول المنطقة حيث تم القضاء علي نفوذ الإسلاميين وتم تهدئة قضية البطالة ويشير الكتاب إلي أن حكم بن علي اتسم بقسوته البالغة رغم ما اتخذه من خطوات كان يمكن حسب الكتاب أن تقفز بها إلي الأمام من خلال نظام تعليمي متطور وطبقة وسطي مزدهرة ونظام قطاع عام اتسم بالكفاءة النسبية ورغم ذلك فقد انهار النظام علي وقع قمعه لشعبه وحالة السخط التي انتشرت بشكل غير مسبوق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 28/آذار/2011 - 22/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م