
شبكة النبأ: لم يكن ما جرى في الساحات
العربية خلال الاسابيع الماضية من قمع وقتل للمحتجين وليد تصرف املته
الظروف سواء كانت مشروعة او غير مشروعة.
قد يرد اعتراض على الفقرة السابقة فيما يتعلق بشرعية الرد واذكّر
باللقطات التي حملتها وسائل الاعلام للتظاهرات الاخيرة في لندن حيث
استعملت قوات الشرطة الهراوات لقمع المتظاهرين الذي اعتدوا على الملكية
العامة واخذوا بتحطيم السيارات والمتاجر.
الحكام العرب ورثوا تلك الثقافة، ثقافة القمع والتنكيل بخصومهم
والقتل من تاريخ طويل ممتد عبر عصور حضارتهم الزاهية.. تلك الحضارة
التي تمت فيها مصادرة الاسلام وتعاليمه لصالح ثقافة بدوية وعصبية قبلية
ادت الى تحول الحكم الى ملك عضوض لا يقوم الا على جماجم القتلى في كل
مكان.
يمارس الطغاة والحكام المستبدون طرائق القتل والتعذيب لإخضاع شعوبهم
فهي وسيلة ناجعة ومجربة لإسكات اصوات الاحتجاجات والرفض من قبل الافراد
والجماعات.
لم تكن تجري عمليات القتل والتعذيب بصورة عفوية الا ما ندر بل هي
تخضع لتخطيط دقيق للفتك بالخصوم اي انها عمليات منهجية سار عليها هؤلاء
الحكام الطغاة طيلة سنوات حكمهم.. الاسباب متعددة تلك التي تدعو الى
اللجوء لتلك الطرق الا انها في المحصلة النهائية تعود لسبب رئيسي وهو
الحفاظ على السلطة وتوابعها.. تلك السلطة التي تأتي بالحكام عن طريق
الدسائس والمؤامرات وعن طريق التوريث العائلي.
في كتابه الذهنية العربية/ العنف سيد الاحكام، يرى فؤاد اسحاق
الخوري انه في غياب البُنى الهرمية للمجتمع يحاول القائد الهيمنة على
الآخرين من خلال العادات والتقاليد والأعراف المسلكية البسيطة. هذا
بالإضافة طبعاً إلى استعمال القسر والجزر والتهديد بقطع الأعناق
والأرزاق، و (مصّ الدماء) و(فكّ الرقاب). فلكل حركة معنى، ولكل طرفة
عين مغزى، ولكل رفة جفن لفتة، ولكل إصبع دليل. تصبح هذه معاني اجتماعية
تفيد عن مدى السطوة التي يمارسها الفرد على الآخرين. يصبح النظر والبصر
ومكان الجلوس وأصول الضيافة وفنون التكريم وغيرها أدوات تراتبية تميز
القوي عن الضعيف. وتصبح الإشارة العفوية معنى. (بلا معنى) أي له معنى،
و(بعيد عن السامعين) أي فليحذر السامعون.
فيما يتعلق باستعمال القسر والزجر وقطع الاعناق لا تجد كتابا
تاريخيا الا وفيه العديد من فنون تلك الممارسات وقد جمعها الباحث عبود
الشالجي في كتابه الرائع (موسوعة العذاب) بسبعة مجلدات تتبع فيها فنون
التعذيب والقتل التي مارسها الحكام بحق شعوبهم عبر الجلادين والسيافين
وغيرهم من ادوات القمع والقتل..وقد سجل العديد من الحكام ريادتهم لبعض
انواع القتل تلك.
من تلك الموسوعة نقتطف بعضا من الحوادث: قال رجل من بني مرة للوليد
بن عبد الملك: اتق الله يا وليد فان الكبرياء لله، فامر به فوطيء حتى
مات.
وفي السنة 246 قتل المتوكل يعقوب بن اسحاق النحوي المعروف بابن
السكّيت، سأله المتوكل: ايما احب اليك المعتز والمؤيد او الحسن والحسين
؟ ولم يرض جوابه، فامر الاتراك فداسوا بطنه فحمل الى داره فمات.
ومن الوان العذاب ايضا (التسمير) وهو تعذيب الانسان بدق المسامير في
كفيه او قدميه او اي عضو من اعضائه.
اول من مارس هذا اللون من العذاب بشر بن مروان عامل العراق لعبد
الملك بن مروان فيمن تخلف عن البعث، فقد كان سلفه مصعب بين الزبير
يعاقب من تخلف عن البعث بان يحلق راسه ولحيته ويخلع عمامته ويقيمه
للناس مشهرا.. فلما ولي بشر اضاف اليه تعليق الرجل بمسمارين يدقهما في
يديه الى حائط.
ومارس هذا اللون من العذاب المنصور العباسي مع قسم ممن حبسهم من آل
الحسن فقد وجدوا موتى مسمرين في الحيطان.
ولون اخر، قال جعفر بن حنظلة البحراني: وعظت المنصور حتى حسبت ان
عظتي قد نجعت فاطرق ساعة ثم قال: ياغلام ادع سليمان بن مجالد فدعاه
فقال له: يا سليمان علق اصحاب قيليا بأرجلهم حتى يؤدوا ما عليهم وكان
المنصور قد جعل قيليا لصالح ابنه.. قال جعفر: فعلمت ان عظتي لم تنفع
قليلا او كثيرا.
وهذا الحجاج بن يوسف الثقفي يمارس نوعا اخر من التعذيب وهو (اطعام
ماليس بطعام) حيث كان يطعم المسجونين في سجنه الشعير مخلوطا بالرماد.
اما التعذيب بسقي الدواء المسهل فأول من مارسه عبيد الله بن زياد
عذب به يزيد بن مفرغ الحميري لأنه هجا اباه زياد وهجا اولاده.
اما رش الملح على جروح المعذب فان اول من مارسه هو الحجاج بن يوسف
الثقفي.
التعذيب بقطع الاطراف اول من مارسه معاوية بن ابي سفيان.
اما التعذيب بسل اللسان فأول من مارسه هو زياد ابن ابيه، ثم هشام بن
عبد الملك الاموي، اما سل الاظافر من الاصابع فأول من مارسه هو هشام بن
عبد الملك.
ومن الممارسات التي دلت على قسوة بالغة هي قتل الاسير ووضع راسه في
حضن زوجه او ابيه.. واول من مارس هذا اللون من العذاب معاوية بن ابي
سفيان.. فانه لما قتل الامام علي بن ابي طالب واستولى معاوية على
السلطة اخذ معاوية يحاسب اصحاب علي على تصرفاتهم السابقة ويطالبهم
بالبراءة من علي فان لم يبرؤا جرد لهم السيف واعد لهم اكفانهم وحفر لهم
قبورهم وقتلهم امام قبورهم المحفورة واكفانهم المنشورة.
ولما استتب له الامر فر منه عمرو بن الحمق الخزاعي وكان من انصار
علي فأذكى عليه العيون والارصاد واعتقل امراته وحبسها في سجن من سجون
دمشق ثم امسك بعمرو فقتله وقطع راسه وامر احد اعوانه بان يدخل على
المرأة في سجنها وان يضع راس زوجها في حجرها.
لا عجب بعد تلك الالوان من التعذيب والقتل ان يلجأ الاسلام الوهابي
الى بعث الكثير من تلك الممارسات في العراق والاقتباس من المعلمين
العظام لهم في فنون القتل والتنكيل بالأبرياء.. وان يلجأ الحكام العرب
الى قمع شعوبهم والتنكيل بها.. فتاريخنا يزهو بتلك الممارسات دفاعا عن
كرسي الحكم والايديولوجيات الخائبة. |