
شبكة النبأ: في التركيبة النفسية
للانسان، فردا كان أو جماعة، هناك خيط واهن يفصل بين الاطماع والنوايا
الصادقة، ولن يكون التشخيص عصيّا على المراقبين، في كشف الحقائق وما
تهدف إليه الاقوال والافعال الصادرة من المعنيين، قادة سياسيين او
غيرهم، لأن ساحة الفعل وطرائقه، ستدل على النوايا الحقيقية الدافعة،
للقيام بهذا المشروع أو ذاك.
التحرك الدولي (ذو الطابع الغربي)، نحو فرض منطقة حضر طيران في
اجواء ليبيا، واتفاق مجلس الامن على التحرك الشرعي، حيال ما يقوم به
القذافي ضد شعبه، كان تحركا مطلوبا، لحماية المدنيين من قوات القذافي،
التي كانت تتهيّأ للدخول الى مدينة بنغازي، بغض النظر عن اعداد الضحايا
التي ستقع بين صفوف المدنيين.
وفعلا أوقفت الاجراءت العسكرية الدولية، بعد صدور قرار مجلس الامن
المرقم 1973 زحف كتائب القذافي نحو مدينة بنغازي، وبدأت القوات
الدولية بتحييد الطاقات العسكرية، لتلك الكتائب وشل قدراتها، ووقف
اعتداءاتها على المدنيين في المدن الليبية، ومنها مصراتة وسبها
واجدابيا وغيرها من المدن القريبة من معقل القذافي في طرابلس.
يقول البعض من المراقبين عن هذا التحرك الدولي، والاهتمام بالشأن
الليبي، بأنه لم يكن قرارا محضا، لحماية المدنيين في ليبيا، ويؤكد
هؤلاء المراقبون على أن احتواء الاراضي الليبية، على النفط والغاز
بكميات كبيرة، هو الذي دفع بمعظم دول الغرب، الى التحرك نحو المنطقة،
والتعجيل بإصدار القرار بشن الهجمات على قوات القذافي، بمعنى أن هناك
من يشكك بنوايا التحرك الدولي نحو ليبيا، ويضيف هؤلاء المراقبون، بأن
هناك مدنيين يتعرضون للقتل من لدن حكوماتهم، في أماكن أخرى، لكن أحدا
لم يهتم بهم، ولم يتحرك لوقف الاعتداء عليهم، كما حدث مثلا في البحرين.
كما أن الصراع بين الدول الكبيرة للتحالف الدولي، على قيادة القوات
الدولية (امريكا وبريطانيا وفرنسا وحلف الناتو) يؤكد أن أهمية ليبيا
الاقتصادية واحتوائها على النفط، هو السبب الاول لاصدار قرار حضر
الطيران فوق ليبيا، أما قضية حماية المدنيين من حكامهم القمعيين، فإنها
تأتي في المرتبة الثانية من الاهتمام، وليس أدل على ذلك من غض الطرف عن
بعض الانظمة السياسية القامعة لشعوبها، أمام أنظار العالم من دون أن
يتحرك لحمايتها أحد من المعنيين، في الامم المتحدة او مجلس الامن
الدولي.
لذا نعتقد أن المصالح التي غالبا ما تتحكم بالتحركات الدولية، خاصة
اذا كانت من النوع الثقيل، ينبغي أن لا تنحصر بالفوائد الاقتصادية
حصرا، كما أن التعامل مع مسألة حماية المدنيين بأكثر من مكيال لا تصب
في صالح توطيد أواصر الثقة بالدول التي تقود هذه التحركات، وخاصة
أمريكا التي يُعرف عنها تفضيلها لمصالحها في أي تحرك دولي تلجأ إليه،
واعتمادها المنهج البراغماتي في تحقيق اهدافها، حتى لو ادى ذلك الى
إلحاق الضرر بسمعتها أو بالآخرين.
لقد اهتزّت منطقة الشرق الاوسط بزلزال الانتفاضات المتواصلة، التي
شملت معظم دول المنطقة، وبدا الصراع بين الانظمة القمعية من جهة،
والشعوب المنتفضة من جهة ثانية، وكأنه غير قابل للتوقف، حتى تزول هذه
الانظمة بالكامل، وقد بدأت تتهاوى فعلا وأخذ الحكام القمعيون يتساقطون
تباعا كأوراق الخريف اليابسة، ويبدو أن مرحلة الصراع هذه ستطول الى
آماد لا احد يعرف نهايتها، الامر الذي يتطلب من المجتمع الدولي، والامم
والمتحدة، ومجلس الامن، أن يتحركوا نحو حماية هذه الشعوب من حكوماتها
القمعية بدرجة مساواة واحدة، وعدالة تضع المصالح والاهداف الخاصة بهذه
الدولة اوتلك، في المرتبة الثانية بعد تحقيق حماية المدنيين اولا.
فهل يمكن للمعنيين من المجتمع الدولي، أن يتحركوا وفقا للمعيار
الانساني، ويتركوا التعامل مع الانتفاضات العربية وغيرها بأكثر من
مكيال، أي أن يكون الهدف الاول من تحركاتهم هو حماية المدنيين فعلا؟
هذا هو السؤال الذي سيظل قائما، طالما أن الانتفاضات الشعبية في
منطقة الشرق الاوسط لاتزال مفتوحة نحو نهايات ليست معروفة. |