التدخل العسكري السعودي والشرعية الدولية

احمد جويد/مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

تجيز القوانين والأعراف الدولية التدخل الأجنبي أو الخارجي للدول في شؤون دولة أخرى عن طريق جيوشها أو تحت مظلة الأمم المتحدة تحت عنوانين:

الأول: التدخل العسكري لاعتبارات إنسانية وحماية الديمقراطية.

الثاني: التدخل العسكري لإنقاذ رعايا الدول.

 ويعتبر التدخل العسكري لاعتبارات إنسانية أوسع نطاقاً من التدخل لإنقاذ رهائن يكونون ضحايا لعمليات إرهابية دولية، ويشرط في التدخل لإنقاذ رعايا الدول قيام حالة الضرورة من خلال وجود خطر حقيقي يهدد سلامة مواطنيها وممتلكاتهم، والشواهد والأمثلة كثيرة على عمليات التدخل من أجل إنقاذ رعايا الدول، إلا إن هذا النوع من التدخل تحيطه الشكوك والتساؤلات حول حسن النوايا وحجم استخدام القوة أثناء التدخل.

 أما التدخل لاعتبارات إنسانية أو من أجل حماية الديمقراطية، فمقتضى العمل به يرتكز على مبادئ القانون الدولي وتأكيدها في ضرورة حماية حقوق الإنسان، وهذا النوع من التدخل في نظر غالبية فقهاء القانون يشكل صورة من صور التدخل الإنساني، ويتم إما لغرض فرض الديمقراطية أو حمايتها، وقد مورس كثيراً من قبل منظمة الأمم المتحدة حتى في أوربا حينما قامت الأقلية الصربية بارتكاب مجاز إبادة بحق الأكثرية المسلمة في البوسنة، استناداً إلى نظريتي حفظ السلم الدولي والانتهاكات السافرة لحقوق الإنسان، أو تعرض شعب ما إلى خطر القمع الوحشي واستخدام العنف ضده.

 وبما إن الأمم المتحدة ممثلة في مجلس الأمن الدولي هي التي من شأنها اتخاذ قرارات التدخل، فيجب على جميع الدول المنضوية تحتها الالتزام بقرارات الشرعية الدولية وأن لا تقوم بالتدخل إلا من خلال عمل مشترك مع القوات الدولية وبخلافه يمثل تدخل الدول عسكرياً في شؤون دولة أخرى انتهاكاً صريحا لسيادة تلك الدولة وبالخصوص إذا كان التدخل لغرض القضاء على إرادة الشعب وفتح الباب إلى تدخل دول أخرى من شأنه أن يجعل الأمور أكثر تعقيداً.

 فالقيادة السعودية ارتكبت خطأ كبيرا حينما سمحت لنفسها التدخل العسكري في الشأن البحريني الداخلي وهذا ما تحدثت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية، كما يعد هذا التدخل سابقة خطيرة في العلاقات الدولية، وانتهاكاً سافراً للشرعية الدولية وحق الشعوب في تقرير مصيرها وقتلاً للقيم الديمقراطية الناشئة في المنطقة العربية وذلك للأسباب الآتية:

1- جاء التدخل السعودي مخالفاً للمادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التي تؤكد على "مبدأ المساواة في السيادة بين جميع الدول" ومنع استخدام القوة أو التهديد باستخدامها إلا في حالة الدفاع الشرعي، وإن هذا التدخل هو بمثابة انتهاك لسيادة دولة مستقلة حتى لو كان بطلب من الحكام، فغالبية الشعب البحريني رافض للتدخل.

2- تقضى القوانين والأعراف الدولية بأن يتم التدخل العسكري عبر قرار أممي ويتم تنفيذه تحت مظلة الأمم المتحدة، وقد تم تجاهله بشكل مطلق من قبل حكام السعودية.

3- أن يكون التدخل لاعتبارات إنسانية الغرض منها منع استخدام العنف والقوة من قبل السلطات الحاكمة ضد أبناء شعبها وليس العكس.

4- تم توجيه القوة العسكرية السعودية واستخدامها بشكل مفرط ضد تظاهرات مدنية سلمية تطالب بإصلاحات دستورية من شأنها وضع البلاد على طريق الديمقراطية التي أصبحت مطلب جميع الشعوب والأمم الحرة.

5- مخالفة الحكومة السعودية لشروط وضوابط التدخل الإنساني وفرض الديمقراطية المتمثلة بـ:

أ. حالة طلب الحكومة "المنتخبة" التدخل العسكري من دولة أخرى، وذلك استناداً إلى قواعد القانون الدولي العرفي.

ب. إذا ارتكب النظام الديكتاتوري انتهاكات سافرة لحقوق الإنسان، على نحو يتطلب لمعالجتهما ضرورة التحول إلى الديمقراطية بشرط أن يتم تحت غطاء إقليمي أو أممي، (وما حصل هو العكس).

ج. كما يجوز أن يأذن مجلس الأمن لدولة ما بالتدخل العسكري، كما أذن لبريطانيا بالتدخل في جنوب روديسيا، فبعد استقلال جنوب روديسيا (زمبابوي حالياً) عن بريطانيا عام 1962م طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من بريطانيا أن تدعو إلى مؤتمر لوضع دستور جديد هناك خاصة في ظل وجود أقلية بيضاء وأغلبية سوداء، فيكون الحل هو الديمقراطية، وأكدت الجمعية العامة أن ذلك يستند إلى الحقوق السياسية للشعوب، وحق تقرير المصير، ولكن بريطانيا في البداية دفعت بمبدأ عدم التدخل في الشئون السياسية، ثم تراجعت بعد أن أكدت الجمعية العامة أن اغتصاب السلطة تمييز عنصري سياسي، فطالبت بريطانيا الأمم المتحدة الترخيص لها باستخدام القوة لفرض الديمقراطية، وقد تدخل مجلس الأمن بإعطاء أذن لبريطانيا باستخدام الإجراءات التأديبية التي تكفل ضمان الإطاحة بنظام البيض الديكتاتوري وتمكين الشعب من ممارسة الحقوق السياسية.

د. إذا أدى النظام الديكتاتوري إلى تفجر الوضع الداخلي، ورحب الشعب بالتدخل خاصة من دولة مجاورة وهو ما يمكن قبوله حتى من الناحية الأخلاقية.

 وعلى هذا الأساس خالفت الحكومة السعودية الشرعية الدولية وقامت بانتهاك جميع القيم الإنسانية والأخلاقية خوفاً من امتداد المطالبات الشعبية في الإصلاحات السياسية إلى مملكتها القائمة على الاستبداد والتمييز وقمع الحريات واضطهاد المرأة وامتهانها، وبذلك لا بد للمجتمع الدولي من وقفة جادة وحقيقية بوجه الهجمة السعودية ضد الأبرياء والعزل من المدنيين في دولة البحرين ولا بد للشعوب الحرة والمحبة للسلام أن تقول كلمتها ويرتفع صوتها بوجه الدكتاتوريات لأن الاستبداد والدكتاتورية من أكبر الأسباب التي تعمل على زعزعة الأمن والاستقرار الدوليين.

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com/index.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 27/آذار/2011 - 21/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م