هل يستفيد العرب من فرصة التغيير؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ربما من حسن حظ العرب، أنهم يسكنون ضمن المنطقة المسماة بالشرق الاوسط، وهي المنطقة التي لاتزال مشمولة بفرص التغيير، والانتقال من أنظمة الكبت، والجهل، والقمع، الى أنظمة التحرر والتعايش والازدهار، ولكن الحظ وحده يبقى قاصرا ومحدودا، ما لم تدعمه الافكار الاستراتيجية، القادرة على تحويل الفرص، الى نجاحات شاخصة، ومجسَّدة في الواقع الفعلي، في مجالات السياسة والتعليم والاقتصاد وغيرها.

وهذه هي مهمة النخب الثقافية، والسياسة، والاقتصادية وغيرها، بمعنى أن القدرة على تحويل الفرص الى نتائج جيدة، ينبغي أن تكون مهمة النخب أولا، ومن ثم ترويجها، ونشرها في الوعي الجمعي، لتصبح منظومة فكر وسلوك جديد، يتسق مع العالم الجديد، (عالم ما بعد التغيير) الذي يعتمد المبادئ في التعامل، وليس العواطف التي يمكن أن تتغير بين لحظة واخرى، لذا لايصح قطعا، أن تكون العاطفة هي معيار التحرك، والتفكير، والسلوك، بل المبادئ دائما، هي المقود الحكيم، الذي ينقل الشعوب من مراحل التدني، الى مراحل الصعود والسمو.

وهنا ثمة تساؤل يطرح نفسه، فيما يتعلق بالتغييرات المتسارعة، في الدول العربية الملتهبة بانتفاضات الجماهير المتواصلة، وفحوى التساؤل هو، هل يتعامل العرب مع الوقائع السياسية الخطيرة بعواطفهم، أم إستنادا الى الركائز المبدئية الثابتة ؟.

الجواب يبدو واضحا وجليا، وهذا ما يؤكد حضور الازدواجية في التعامل مع الاحداث، والنظر إليها والتعاطي معها وفق رؤية تنطوي على التناقض، طالما ان المبادئ مركونة جانبا، والعواطف هي التي تتصدر قيادة الرؤى والافكار والتحركات معا، ومثال ذلك أن الطغيان هي ظاهرة ممقوتة إنسانيا، ومنبوذة من لدن جميع الامم والشعوب، بغض النظر عن الشخصية أو الجهة الطاغية، بمعنى أن العرب كغيرهم، يمقتون الطغيان والقمع، بغض النظر عن طبيعة مصدر الطغيان، ولكن الذي يحدث – كما تثبت وقائع التاريخ القريب على الاقل- أنهم يكرهون طاغية بسبب أفعاله، ويحبون طاغية أخرى له الافعال نفسها، فهم مثلا يكرهون القذافي ومبارك، في حين أنهم يحبون صدام، وهؤلاء جميعا كما تشير سجلاتهم ينتمون الى الطغيان، وإن كانوا بدرجات متفاوتة، إلا أنهم جميعا طغاة، وقمعيون، تعاملوا مع شعوبهم بقسوة تفوق التصوّر، واستأثروا بالسلطة وهمشوا شعوبهم، من اجل البقاء يوما آخر في السلطة، بل أن بناء المجد الشخصي على حساب شعوبهم كان واضحا، ولذلك ليس من الصحيح أن يُقبَل الطغيان هنا ويُرفَض هناك، لأن طبيعته ونتائجه واحدة ومدمرة، كما أثبتت الوقائع التي لاتزال طرية حتى الآن.

ترى ما السبب الذي يقف وراء حضور هذه الازدواجية في الشخصية العربية؟

الجواب هو عدم الاستناد الدائم الى المبادئ، والاعتماد على العاطفة التي غالبا ما تخطئ في تحديد الصواب من الخطأ، لاسيما في الرؤى السياسية، والفكرية، العميقة والخطيرة في آن، ولهذا تقع مسؤلية هذا الخلل الكبير، والخطير على عاتق النخب، من سياسيين، ومثقفين، وإعلاميين وغيرهم، فهؤلاء هم قادة الجموع الغفيرة بمختلف مستوياتها في الوعي والمدارك، وهم أول من سيُسأَل يوم يحين الحساب الفكري أو سواه، وسيُقال لهم: لماذا لم تعلّموا شعوبكم التفكير الصحيح والسلوك الذي يستند الى المبدأ وليس العاطفة؟.

لهذا لابد للعرب أن يتعلموا الاستناد الى المبدئية، وأن يبدأ ذلك بالنخب المسؤولة قبل غيرها، لأن عالم اليوم لايتحرك قط وفقا للعواطف، إلا إذا أراد الجميع أن يخطئ الهدف، ولذلك يمكن لمرحلة التغيير الراهنة، التي تتفاعل في دول الشرق الاوسط، ومنها بل ومعظمها الدول العربية، يمكن لهذه المرحلة أن تحقق مكتسبات فريدة للعرب (شعوبا وحكومات)، ولكن لابد أن يفهم المعنيون، من نخب الأمة، أن النظرة المزدوجة سينتج عنها سلوكا مزدوجا، فلا يصح أن تحب شيئا، أو ظاهرة معينة، وتكرهها في الوقت نفسه، بل إن هذا الامر يمثل مؤشرا واضحا، على اختلال الفكر والقواعد المبدئية التي يستند إليها السلوك أصلا.

من هنا ينبغي العمل على استثمار المرحلة الراهنة، من لدن العرب إستثمارا نموذجيا، لتوظيف فرص التغيير الماثلة أمامهم لصالحهم، بأفضل السبل وأكثرها دقة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 26/آذار/2011 - 20/ربيع الثاني/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م